المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌95 - (54) باب: في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام"، وفي قوله: "حجابه النور - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌95 - (54) باب: في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام"، وفي قوله: "حجابه النور

‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

"

348 -

(169)(92) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، حَدَّثَنَا الأعمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ،

ــ

95 -

(54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ:"حِجَابُهُ النُّورُ"

أي هذا باب معقود في ذكر هذا الحديث وبيان أنه تعالى محجوب عن خلقه في الدنيا.

(348)

- (169) - (92)(حدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (وأبو كريب) محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي، وفائدة هذه المقارنة بيان كثرة طرقه. (قالا) أي قال كل من أبي بكر وأبي كريب (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم التميمي الضرير الكوفي، قال (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي مولاهم أبو محمد الكوفي (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي نسبة إلى جمل بن كنانة المرادي أبي عبد الله الأعمى الكوفي، روى عن أبي عبيدة عامر وسعيد بن جبير وسالم بن أبي الجعد وسعيد بن المسيب وعبد الله بن الحارث النجراني وعبد الرحمن بن أبي ليلى وإبراهيم النخعي وخلق، ويروي عنه (ع) والأعمش وشعبة وزيد بن أبي أنيسة والثوري ومسعر ومنصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وجماعة، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في عشرة مواضع والزكاة في موضعين والصوم في موضعين والحج والجهاد في ثلاثة مواضع وأسامي النبي صلى الله عليه وسلم والرحمة واللباس في موضعين والفضائل في موضعين والتوبة والأشربة والدعاء في موضعين فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها ثلاثة عشر بابًا تقريبًا، وقال في التقريب: ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء من الخامسة، وقال ابن المديني: له نحو مائتين حديث مات سنة (118) ثماني عشرة ومائة (عن أبي عبيدة) مصغرًا عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي ويقال اسمه كنيته، روى عن أبي موسى الأشعري في الإيمان وأسامي النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب بن عجرة في الصلاة، وعمرو بن الحارث بن المصطلق في الزكاة، وروى عن أبيه في (عم) ولم يسمع

ص: 269

عَنْ أَبِي مُوسَى قَال: "قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَال: إِن اللهَ عز وجل لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ. يَخفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ،

ــ

عنه، ويروي عنه (ع) وعمرو بن مرة وإبراهيم النخعي في الزكاة، ومجاهد ونافع بن جبير وأبو إسحاق وغيرهم، وثقه ابن حبان فقد ليلة دجيل سنة (81) إحدى وثمانين، وقال العجلي: ثقة، وقال الحافظ في التقريب: كوفي ثقة من كبار التابعين (عن أبي موسى) الأشعري الكوفي عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بفتح المهملة وتشديد الضاد المعجمة الصحابي المشهور له ثلاثمائة وستون حديثًا (360) وهذا السند من سداسياته، قال النواوي: وفي هذا الإسناد لطيفتان من لطائف علم الإسناد إحداهما أنهم كلهم كوفيون كما ذكرته، والثانية أن ثلاثة منهم تابعيون يروي بعضهم عن بعض الأعمش وعمرو بن مرة وأبو عبيدة (قال) أبو موسى (قام فينا) معاشر الصحابة (رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا وواعظًا لنا وذكر لنا (بخمس كلمات) أي بين لنا بخمس خصال (فقال) في بيان أولاها (إن الله) سبحانه وتعالى و (عز) أي اتصف بالكمالات (وجل) أي تنزه عن النقائص (لا ينام) أي لا يقع منه النوم (ولا ينبغي) أي لا يصح (له) ولا يليق به (أن ينام) لأنه صفة نقص، قال الأبي: متعلق نفي الأول الوقوع فمعنى لا ينام لا يقع منه النوم أصلًا، ومتعلق نفي الثاني الصحة فمعنى (لا ينبغي له) أي: لا يصح له، فالعطف تأسيس لا تأكيد؛ إذ لا يلزم من نفي الوقوع نفي الصحة وإنما استحال أن ينام لأن النوم موت، وأيضًا فإنه سواد ينزل من أعلى الدماغ يفقد معه الحس، وعبارة المفهم: فالنوم محال عليه تعالى لأن النوم موت كما قال صلى الله عليه وسلم حين سئل عن نوم أهل الجنة فقال: "النوم أخو الموت، والجنة لا موت فيها" رواه الطبراني في الأوسط والبزار من حديث جابر رضي الله تعالى عنه ورجال البزار رجال الصحيح، وأيضًا فإن النوم راحة من تعب التصرف وذلك من تعب الأجسام.

وقال في بيان ثانيتها (يخفض القسط) أي يقتر الرزق على من يشاء من عباده (ويرفعه) أي ويبسط الرزق على من يشاء من عباده فالقسط هنا بمعنى الرزق، وخفضه تقتيره وتضييقه على من يشاء، ورفعه بسطه وتوسعته على من يشاء، وقيل المعنى (يخفض القسط) أي ينزل الأرزاق الواصلة إلى العباد بالقسط كما قال تعالى:{وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (وبرفعه) أي يرفع القسط أي يرفع أعمال العباد المرتفعة إليه، والمراد

ص: 270

يُرْفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ اللَّيلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيلِ،

ــ

بالقسط ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم، وقيل المعنى

(يخفض القسط) أي يخفض الشرع والحق بموت أهله والرجوع عن اتباعه (ويرفعه) أي

يرفع الحق ويظهره بوجود الأنبياء عليهم السلام وأصحابهم رضي الله تعالى عنهم.

وعبارة المفهم هنا قال ابن قتيبة: القسط الميزان وسمي بذلك لأن القسط هو العدل وذلك إنما يحصل ويعرف بالميزان في حقوقنا وأراد به هنا ما يوزن به أعمال العباد المرتفعة إليه وأرزاقهم الواصلة إليهم كما قال تعالى: {وَمَا نُنَزِّلُهُ إلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} وقيل أراد بالقسط هنا الوزن الذي هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه، وقيل إن القسط هو العدل نفسه ويراد به الشرائع والأحكام كما قال الله تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أي بالنصفة في الأحكام والعدل المأمور به في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} فتارة يرفعه بمعنى يعليه ويظهره بوجود الأنبياء وأصحابهم وأتباعهم العاملين به، وتارة يخفضه بمعنى أنه يذهبه ويخفيه بدروس الشرائع ورجوع أكثر الناس عن المشي على منهاجها ويحتمل أن يكون رفعها قبضها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الأمانة إنها ترفع من القلوب كما رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه من حديث حذيفة رضي الله عنه، وكما قال:"أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون منه الصلاة" رواه ابن أبي شيبة في المصنف من حديث ابن مسعود موقوفًا عليه، بل كما قال:"عليكم بالعلم قبل أن يرفع" وخفضها إيجادها في الأرض ووضعها. والله أعلم.

وقال في بيان ثالثتها (يرفع إليه) أي إلى الله سبحانه وتعالى ولكنه على حذف مضاف أي يرفع إلى خزائنه، والمراد به المحل الذي تنتهي الملائكة إليه بأعمال العباد ولعله سدرة المنتهى كما تقدم في حديث الإسراء، وهذا كما تقول رفع المال إلى الملك أي إلى خزائنه، وعلى هذا يحمل قوله تعالى:{إِلَيهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (عمل الليل) أي أعمال عباده في الليل (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل النهار و) يرفع إليه (عمل النهار) أي أعمالهم في النهار (قبل) الأخذ والشروع في كتابة (عمل الليل) يعني أن الملائكة الموكلين بنا تحصي علينا عمل اليوم فترفعه في آخره بقرب الليل وكذلك في الليل ترفعه بقرب النهار، ومعناه والله أعلم يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذي بعده، وعمل النهار قبل عمل الليل الذي بعده.

ص: 271

حِجَابُهُ النُّورُ. (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ) لَوْ كَشَفَهُ

ــ

وفي الرواية الآتية (يرفع إليه عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) قال القرطبي: معنى ما في الطريق الأولى يرفع إليه عمل الليل قبل الأخذ في عمل النهار أي في آخر الليل، ومعنى ما في الطريق الثاني يرفع إليه عمل الليل بقرب الأخذ في عمل النهار فتتفق الطريقتان على أن رفع عمل الليل في آخره، قال النواوي: معنى الأولى يرفع إليه عمل الليل قبل رفع عمل النهار أي في أول النهار الذي يليه، ومعنى الثانية يرفع إليه عمل الليل بالنهار أي بالنهار الذي يليه فتتفق الطريقتان على أن عمل الليل يرفع بأول النهار الذي يليه وعمل النهار بأول الليل الذي يليه لأن الملائكة عليهم السلام إنما تصعد بعمل الليل بعد انقضائه وكذا عمل النهار، قال الأبي: يشهد لما قاله القرطبي حديث "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر" لاقتضائه أن عمل النهار يرفع بالنهار وعمل الليل يرفع بالليل إذا جعل ما بعد الفجر من الليل.

وقال في بيان رابعتها (حجابه) سبحانه وتعالى أي حجاب الله سبحانه الذي يحجب الخلق عن رؤيته (النور، وفي رواية أبي بكر: "النار") والحجاب في أصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب إنما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى منزه عن الجسم والحد، والمراد به هنا المانع من رؤيته تعالى وسمي ذلك المانع نورًا أو نارًا لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة لشعاعهما.

وعبارة المفهم هنا: والحجاب هو المانع والساتر ومنه سمي المانع من الأمير حاجبًا وهو مضاف إلى الله تعالى إضافة ملك واختراع أو إضافة تشريف والمحجوب به هم العباد وهو النور الذي بهر بصر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (نور أنى أراه) وهو المعني بقوله في سدرة المنتهى (فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ) وأما البارئ تعالى فيستحيل عليه أن يحيط به حجاب إذ يلزم منه أن يكون مقدرًا محصورًا فيحتاج إلى مقدر ومخصص ويلزم منه حدوثه، وفي التحقيق أن الحجاب في حقوقنا الموانع التي تقوم بنا عند وجود هذه الحوائل كالجسم الكثيف والشديد النور. اهـ

وقال في بيان خامستها (لو كشفه) أي لو كشف الله سبحانه وتعالى ذلك الحجاب الذي حجبهم عن رؤيته تعالى، وفي بعض الروايات (كشفها) فالضمير عائد على النار أو

ص: 272

لأحرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ".

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: عَنِ الأعمَشِ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا

ــ

الأنوار أو الحجاب بمعنى الحجب (لأحرقت سبحات وجهه) تعالى أي أنوار ذاته تعالى وبهاؤها وجلالها، وما في قوله (ما انتهى) مفعول به لأحرقت، والضمير في (إليه) عائد إلى ما الموصولة، وقوله (بصره) فاعل انتهى، والضمير فيه وفي قوله (من خلقه) عائد على الله تعالى، والجار والمجرور فيه حال من ما الموصولة، والمعنى لو كشف سبحانه وتعالى ذلك الحجاب الذي منعهم من رؤيتهم له تعالى وأزاله لأحرقت وأهلكت جمال وجلال وبهاء وجهه وذاته تعالى- ما -أي شيئًا- انتهى ووصل إليه أي إلى ذلك الشيء بصره تعالى حالة كون ذلك الشيء من مخلوقه تعالى، والخلاصة لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نورًا أو نارًا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته، وفي المفهم: والسبحات بضم السين والباء الموحدة جمع سُبُحة بضمهما أيضًا، وأصلها جمال الوجه وبهاؤه ثم يعبر بها عن العظمة والجلال، وفي العيني والصَّحاح: سبحات وجه ربنا جلاله، والهاء في (بصره) عائد على الله تعالى على أحسن الأقوال وهو الذي عاد عليه ضمير وجهه وكذلك ضمير خلقه، ومعنى الكلام أن الله تعالى لو كشف عن خلقه ما منعهم به عن رؤيته في الدنيا لما أطاقوا رؤيته ولهلكوا من عند آخرهم كما قال تعالى:{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} . ويفيد أن تركيب هذا الخلق وضعفهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله تعالى فيها فإذا أنشأ تركيبهم للبقاء وقواهم حملوا ذلك، وقد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث وأبعدوا لا سيما من قال: إن الهاء في وجهه تعود على المخلوق فإنه يحيل مساق الكلام ويخل بالمعنى، والأشبه ما ذكرناه أو التوقف كما قال السلف: اقرؤوها كما جاءت يعنون المشكلات. اهـ

(وفي رواية أبي بكر عن الأعمش) بصيغة العنعنة (ولم يقل) أبو بكر لفظة (حدثنا) الدالة على الاتصال، قال النواوي (وأما قوله في رواية أبي بكر عن الأعمش ولم يقل حدثنا) فهو من احتياط مسلم رحمه الله تعالى وورعه وإتقانه وهو أنه رواه عن أبي كريب وأبي بكر، فقال أبو كريب في روايته: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، وقال أبو بكر: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، فلما اختلفت عبارتهما في كيفية رواية شيخهما أبي

ص: 273

349 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ. ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوَيةَ. وَلَمْ يَذْكُرْ: "مِنْ خَلْقِهِ" وَقَال: حِجَابُهُ النُّورُ

ــ

معاوية بينها مسلم رحمه الله تعالى فحصل فيه فائدتان: إحداهما أن حدثنا للاتصال بإجماع العلماء، وفي (عن) خلاف، والصحيح الذي عليه الجمهور من طوائف العلماء أنها أيضًا للاتصال إلا أن يكون قائلها مدلسًا فبين مسلم ذلك، والثانية أنه لو اقتصر على إحدى العبارتين كان فيه خلل، فإنه إن اقتصر على عن كان مفوتًا لقوة حدثنا وراويًا بالمعنى، وإن اقتصر على حدثنا كان زائدًا في رواية أحدهما راويًا بالمعنى وكل مما يجتنب والله أعلم بالصواب. اهـ منه.

وشارك المؤلف رحمه الله تعالى في رواية هذا الحديث أعني حديث أبي موسى الأشعري أحمد [4/ 395 و 405] وابن ماجه [196].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه فقال:

(349)

- (00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه الحنظلي المروزي ثقة حافظ مجتهد من العاشرة مات سنة (238) روى عنه في (21) بابًا تقريبًا، قال (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي أبو عبد الله الكوفي ثقة من الثامنة مات سنة (188) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكوفي، وقوله (بهذا الإسناد) متعلق بأخبرنا جرير لأنه العامل في المتابع أي أخبرنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة الهمداني الكوفي عن أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي عن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري الكوفي، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أيضًا أن رجاله كلهم كوفيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة جرير بن عبد الحميد لأبي معاوية في رواية هذا الحديث عن الأعمش، وفائدتها بيان كثرة طرقه.

فقال جرير في روايته (قال) أبو موسى (قام فينا) أي في مجلسنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم مبلغًا إلينا (بأربع كلمات ثم) بعد قوله بأربع كلمات (ذكر) جرير (بمثل حديث أبي معاوية و) لكن (لم يذكر) جرير لفظة (من خلقه وقال) جرير أيضًا (حجابه النور) كما قال أبو كريب وهذا بيان لمحل المخالفة بين المتابع والمتابع، والله أعلم.

فإن (قلت) بين هذه الرواية والتي قبلها معارضة من حيث العدد (قلت) إن اختلاف

ص: 274

350 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَال: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى؛ قَال:"قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعٍ: إِن للهَ لا يَنَامُ، وَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَامَ يَرْفَعُ الْقِسْطَ ويخْفِضُهُ، ويرْفَعُ إِلَيهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيلِ، وَعَمَلُ اللَّيلِ بِالنَّهَارِ"

ــ

الروايتين في العدد من حيث البسط والاختصار فلا يوجب التعارض فإن الأولى حَسَبَتْ قوله (إن الله لا ينام ولا ينبغي له) واحدًا، وقوله (يخفض القسط ويرفعه) ثانيًا، وقوله (يرفع إليه عمل الليل والنهار) ثالثًا، وقوله (حجابه النور) رابعًا، وقوله (لو كشفه)

إلخ خامسًا والرواية الثانية حسبت قوله (حجابه النور) وقوله (لو كشفه) واحدًا فجعلته رابعًا.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه فقال:

(350)

- (00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبو موسى البصري ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (14) بابًا (و) محمد (بن بشار) بن عثمان العبدي أبو بكر البصري ثقة من العاشرة مات سنة (252) روى عنه في (12) بابا (قالا حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم المدني البصري ثقة من التاسعة مات سنة (193) روى عنه في (6) أبواب تقريبًا (قال) محمد بن جعفر (حدثني شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام البصري ثقة حافظ متقن من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابا (عن عمرو بن مرة) المرادي الكوفي (عن أبي عبيدة) عامر بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة منهم بصريون، وغرضه بسوقه بيان متابعة شعبة للأعمش في رواية هذا الحديث عن عمرو بن مرة، وفائدتها بيان كثرة طرقه. وكرر متن الحديث لما في هذه الرواية من المخالفة للرواية الأولى بالنقص (قال) أبو موسى (قام فينا رسول إله صلى الله عليه وسلم بأربع) إحداها (إن الله لا ينام) وثانيها (ولا ينبغي له أن ينام) وثالثها (يرفع القسط ويخفضه) ورابعها (ويرفع إليه عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي موسى وذكر فيه متابعتين. والله أعلم.

ص: 275