المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌98 - (57) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌98 - (57) باب شفاعة الملائكة والنبيين والمؤمنين

‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

357 -

(173)(96) وحدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَال: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ "أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَمْ. قَال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ

ــ

98 -

(57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

(357)

- (173)(96)(وحدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الأنباري نسبة إلى الأنبار بلدة على الفرات ثم الحدثاني بفتح المهملتين والثاء المثلثة آخره نون نسبة إلى الحديثة بلدة أخرى على الفرات صدوق مدلس من العاشرة مات سنة (240) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (قال) سويد (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي بالضم نسبة إلى عقيل بن كعب أبو عمر الصنعاني صنعاء الشام أبو عمر العسقلاني، روى عن زيد بن أسلم وموسى بن عقبة وهشام بن عروة والعلاء بن عبد الرحمن، ويروي عنه (خ م س ق) وسويد بن سعيد وابن وهب وسعيد بن منصور وآدم بن أبي إياس، روى عنه المؤلف في الإيمان والصلاة في موضعين والزكاة والبيوع والأيمان والجامع وصفة الجنة والنار والزهد، فجملة الأبواب التي روى عنه المؤلف فيها ثمانية، وقال في التقريب: ثقة ربما وهم من الثامنة مات سنة (181) إحدى وثمانين ومائة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي أسامة المدني ثقة عالم وكان يرسل من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني أحد الأئمة الأعلام ثقة فاضل من الثالثة مات سنة (94) أربع وتسعين، روى عنه المؤلف في تسعة أبواب تقريبًا (9)(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك بن سنان رضي الله تعالى عنه الصحابي المشهور المدني، وهذا السند من خماسياته ثلاثة منهم مدنيون وواحد عراقي وواحد شامي (أن ناسًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم) ترونه ثم (قال: هل تضارون) وتتعبون (في رؤية الشمس) في السماء (بالظهيرة) أي في وقت الظهيرة أي في وقت وقوف الشمس في كبد

ص: 301

صَحْوًا لَيسَ مَعَهَا سَحَابٌ؟ وَهَل تُضَارُّونَ فِي رُؤيَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ صَحْوًا لَيسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لا. يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ تبارك وتعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا. إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ. كَانَ يَعْبُدُ غَيرَ اللهِ سُبحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ، إِلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ

ــ

السماء، وقوله (صحوًا) حال من الشمس أو من السماء، وقوله (ليس معها) أي دونها (سحاب) أي غيم تفسير لقوله صحوًا والمعنى هل تضارون في رؤية الشمس الجارية في كبد السماء حالة كونها صحوًا أي صاحية خالية من الحجاب والساتر بينكم وبينها أي ليس دونها سحابة ولا ضبابة ولا غبار (وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر) أي ليلة أربع عشرة ليلة تمامه حالة كون تلك الليلة (صحوًا) أي خالية من السحاب، وقوله (ليس فيها) أي في تلك الليلة أو في السماء (سحاب) أي غيم تفسير لقوله صحوًا (قالوا) أي قال أولئك السائلون (لا) نضار في رؤيتهما في تلك الحالة (يا رسول الله، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة) ضررًا (إلَّا كما تضارون) أي إلَّا ضررًا مثل ضرركم (في رؤية أحدهما) أي أحد الشمس والقمر في هاتين الحالتين، والمعنى لا تضارون في رؤيته تعالى أصلًا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلًا، وذلك أنه (إذا كان) وجاء (يوم القيامة أذن مؤذن) أي نادى مناد من الملائكة في عرصات القيامة بأمر الله تعالى برفيع صوته كي يعلم أهل الموقف فيقول في ندائه (ليتبع كل أمة) أي ليلحق كل فرقة من فرق أهل الموقف (ما كانت تعبد) في الدنيا (فلا يبقى) في الموقف (أحد كان يعبد) في الدنيا (غير الله سبحانه) حالة كون ذلك الغير (من الأصنام) جمع صنم وهو كل ما نحت على صورة آدمي أو غيرها وعبد كصورة عيسى ومريم والعجل ويسمى وثنًا (والأنصاب) معطوف على الأصنام جمع نصب بفتح النون بمعنى منصوب وهو كل ما نصب وعبد من دون الله تعالى سواء كان منحوتًا على أي صورة أو غير منحوت كالأحجار المنصوبة حول البيت في الجاهلية وهو من عطف العام على الخاص، وقوله (إلا يتساقطون) استثناء من أعم الأحوال أي لا يبقى أحد يعبد غير الله تعالى في حال من الأحوال إلَّا في حال تساقطهم (في النار) مع معبوداتهم فإذا تساقطوا في النار وخلا الموقف عن عُبَّاد غير الله سبحانه (حتى إذا لم يبق) في

ص: 302

إِلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَيُدْعَى الْيَهُودُ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيرَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ. فَمَاذَا تَبغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا، يَا رَبُّنَا فَاسْقِنَا، فَيُشَارُ إِلَيهِم: أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ

ــ

الموقف (إلَّا من كان يعبد الله) سبحانه وتعالى ظاهرًا وباطنًا فقط، حالة كونه (من بر) أي من مخلص في عبادته وإيمانه (وفاجر) أي منافق من هذه الأمة (و) من (غُبَّر أهل الكتاب) بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة المشددة جمع غابر من غبر بمعنى بقي أي من بقاياهم الذين بقوا في الموقف لا على دين أنبيائهم كما قد يتوهم، والفاء في قوله (فيدعى) زائدة في جواب إذا وفي بعض النسخ تدعى بالتاء أي يدعى (اليهود) وينادى (فيقال لهم) في النداء تفسير لدعائهم (ما كنتم تعبدون) أيها اليهود في الدنيا (قالوا) أي قال اليهود (كنا نعبد) في الدنيا (عزير ابن الله) يعنون به عزير بن سروحا وهو رجل من بني إسرائيل، قيل إنه لما حرق بختنصر التوراة وقتل القائمين بها والحافظين لها قذفها الله تعالى في قلبه فقرأها عليهم فقالت جهلة اليهود عنه: إنه ابن الله (فيقال) لهم (كذبتم) في ادعاء بنوته لله سبحانه وتعالى لأنه (ما اتخذ الله) سبحانه (من صاحبة) أي زوجة (ولا) من (ولد) فمن زائدة لوقوعها بعد النفي أي ما اتخذ ولا جعل لنفسه صاحبة ولا ولدًا، قال الأبي: قوله (كذبتم) يعني كذبتم في قولكم إنَّ عزيرًا ابن الله لا في أنكم عبدتموه، والكذب الخبر الغير المطابق (قلت) النسبة المقيدة بقيد إنما تصدق بعد ثبوت ذلك القيد فإذا قلت رأيت زيدًا يشتم عمرًا وأنت إنما رأيته فقط فالخبر كذب لعدم ثبوت الشتم وهم إنما عبدوه من حيث إنه ابن الله، وهذا القيد غير ثابت أو يقال قولهم عبدنا المسيح ابن الله في قوة خبرين كونهم عبدوه وكونه ابن الله فكذبوا على أن خبرهم بمعنى الكل لا بمعنى الكلية. اهـ (فماذا تبغون) أي فأي شيء تطلبون (قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار اليهم) إلى النار فيقال لهم (ألا تردون) هذا المورد فتشربون منه إنَّ كنتم عطاشًا فيرويكم، وذلك أنهم لما ظنوا أنه ماء أسمعوا بحسب ما ظنوا فإن الورود إنما يقال لمن قصد إلى الماء ليشرب (فيحشرون) أي يساقون مجموعين (إلى النار) فيرونها كأنها) أي كان تلك النار (سراب) أي شبيهة بالسراب، والسراب ما يتراءى للناس نصف النهار في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعًا مثل

ص: 303

يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا. فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللهِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدِ. فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبُّنَا، فَاسْقِنَا. قَال: فَيُشَارُ إِلَيهِمْ: أَلا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ. حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالمِينَ سبحانه وتعالى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا

ــ

الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاء لم يجده شيئًا، وجملة قوله (يحطم) أي يكسر (بعضها بعضًا) ويهلكه ويأكله في محل الرفع خبر ثان لـ (كأن)، ومعناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها كأن بعضها يحطم بعضًا أي يركب بعضها بعضًا ويكثر بعضها على بعض كما يفعل البحر إذا هاج، والحطم الكسر والإهلاك والحطمة اسم لطبقة من طبقات النار سميت بذلك لكونها تحطم ما يلقى فيها وتأكله وتهلكه.

وقوله (فيتساقطون في النار) معطوف على يحشرون أي فيتتابعون في السقوط فيها حتى لا يبقى منهم أحد (ثم يدعى) فريق (النصارى) وفي بعض النسخ تدعى بالتاء (فيقال لهم: ما كنتم تعبدون) في الدنيا (قالوا: نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم) أي للنصارى (ماذا تبغون؟ ) أي ماذا تريدون الآن (فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا) ما يزيل عنا هذا العطش الذي أخذنا من زحمة الموقف (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيشار إليهم) إلى النار فيقال لهم (ألا تردون) هذا المورد فتشربون منه (فيحشرون) أي يساقون (إلى جهنم) فيرونها (كأنها سراب) لشدة اتقادها وكأنها (يحطم بعضها بعضًا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلَّا من كان يعبد الله تعالى) أي يوحده ويتذلل له (من بر وفاجر) والبر ذو البِرِّ وهو فعل الطاعات والخير والفجور عكسه (أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى أي أمر الله سبحانه وتعالى ملكًا أو خلقًا من مخلوقاته بإتيانهم (في أدنى صورة) أي في صورة هي أدنى وأنقص (من) الصورة (التي رأوه) سبحانه وعلموه (فيها) أي بها في الدنيا في كتابه العزيز أي ظهر لهم الملك بصفة مخالفة لصفة الله تعالى التي علموه بها في الدنيا من كتابه العزيز من قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} قال النووي: معنى رأوه فيها علموها له وهي صفته المعلومة للمؤمنين وهي أنه لا يشبهه شيء، وقال

ص: 304

قَال: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ. قَالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيهِمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُم

ــ

القاضي: قيل إنَّ الإتيان هنا فعل من فعل الله تعالى سماه إتيانًا وصف نفسه به، ويحتمل أن يكون الإتيان المعهود فيما بيننا جعله تعالى لغيره من ملائكته فأضافه إلى نفسه كما يقول القائل "قطع الأمير اللص" وهو لم يل ذلك بنفسه إنما أقر به وهذا أشبه الوجوه عندي بالحديث مع ما يأتي بعده ويكون هذا الملك هو الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدوث الظاهرة على الملك والمخلوق.

وعبارة المفهم هنا قوله (أتاهم رب العالمين) إتيان الله تعالى هنا هو عبارة عن إقباله عليهم وتكليمه إياهم و (أدنى) بمعنى أقرب و (الصورة) بمعنى الصفة و (رأوه) بمعنى أبصروا غضبه ومعنى ذلك أنهم لما طال عليهم قيامهم في ذلك المقام العظيم الكرب الشديد الخوف الذي يقول فيه كل واحد من الرسل الكرام: إنَّ ربي قد غضب غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله هالهم ذلك وكأنهم يئسوا من انجلاء ذلك فلما كشف الله عنهم ذلك وأقبل عليهم بفضله ورحمته وكلمهم رأوا من صفات لطفه ومن كرمه ما هو أقرب مما رأوه أولًا من غضبه وأخذه، وإلا فهذا أول مقام كلمهم الله فيه مشافهة وأرى من أراد منهم وجهه الكريم إنَّ قلنا إنَّ المؤمنين رأوه في هذا المقام وقد اختلف فيه ولم يكن تقدم لهم قبل ذلك سماع ولا رؤية فتعين ما قلناه والله أعلم. اهـ منه.

(قال) رب العالمين أي قال لهم ذلك الملك الذي أتاهم في أدنى صورة (فما تنتظرون) أي فأي شيء تنتظرون في هذا الموقف وقد (تتبع كل أمة) سواكم (ما كانت تعبد) في الدنيا (قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا) لأجل امتثال أمرك ونهيك (أفقر) وأحوج (ما كنا إليهم) أي فارقناهم في الدنيا مدة كوننا أحوج إليهم أي في حالة شدة حاجتنا إليهم في معاشنا (ولم نصاحبهم) في تلك الحالة والآن لا نتبعهم بل ننتظر ربنا، وما في قوله (ما كنا) مصدرية ظرفية وأفقر خبر كان مقدم عليها دماليهم متعلق بأفقر والظرف المقدر متعلق بفارقناهم، والمعنى فارقناهم مدة كوننا أحوج إليهم ولم نصاحبهم في تلك المدة والآن نفارقهم أيضًا كما فارقناهم في الدنيا لأجلك.

قال الأبي: قولهم (يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أحوج ما كنا إليهم) لما قيل لتتبع

ص: 305

فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ:

ــ

كل أمة ما كانت تعبد وعلموا أن القائل أنا ربكم ليس هو سبحانه وإنما هو فتنة بدليل استعاذتهم تضرعوا إلى الله تعالى بقولهم يا ربنا فارقنا الناس إلخ لا إلى قائل أنا ربكم في كشف هذه الشدة وتوسلوا إليه في ذلك بأفضل الأعمال وهو الإيمان به وتركهم اتباع الناس في عبادتهم غير الله تعالى أحوج ما كانوا إلى اتباعهم للارتفاق بهم في مصالح الدنيا، وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم من المؤمنين في جميع الأزمان فإنهم يقاطعون من حاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع احتياجهم في معايشهم إلى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم فآثروا رضا الله تعالى على ذلك.

قوله (فارقنا الناس) إلخ وعبارة المفهم هنا: والصحيح من الرواية فارقنا ساكنة القاف والناس منصوب على أنه مفعول فارقنا وهو جواب الموحدين لما قيل لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، ومعناه إنا فارقنا الناس في معبوداتهم ولم نصاحبهم على شيء منها اكتفاء بعبادتك ومعاداة فيك ونحن على حال حاجة شديدة إليهم وإلى صحبتهم إذ قد كانوا أهلًا وعشيرة ومخالطين ومعاملين ومع ذلك ففارقناهم فيك وخالفناهم إذ خالفوا أمرك فليس لنا معبود ولا متبوع سواك، وكان هذا القول يصدر من المحق والمتشبه فحينئذ تظهر لهم صورة تقول أنا ربكم امتحانًا واختبارًا فيثبت المؤمنون العارفون ويتعوذون ويرتاب المنافقون والشاكون ثم يؤمر الكل بالسجود على ما تقدم. اهـ

قال السنوسي: فقولهم (يا ربنا فارقنا الناس) ابتداء دعاء منهم لربهم الحقيقي وإعراض منهم عن هذه الصورة الظاهرة لا أنهم قصدوا بذلك خطابها، كيف وهم استعاذوا منها وقولهم فارقنا الناس في الدنيا إلى آخره، ويدخل في هذا المعنى كل من هجر وطنه وقرابته لحج أو جهاد أو قراءة علم نافع يقصد به وجه الله تعالى ورضي بالغربة والفقر ابتغاء رضوان الله تعالى وكذلك من ترك كل من حاد الله تعالى وعصاه من سلطان فما دونه وغير عليه المنكر بما يقدر عليه ولو بمجرد عدم إظهار البشر له وتحمل المشقة في ذلك وإن كان يوجب ذلك عليه ضيقًا في دنياه ومعاشه وهذا المعنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه، والعجب من القاضي كيف أنكر ما رواه مسلم مع شدة ظهوره. اهـ

(فيقول) الملك الذي ظهر لهم في أدنى صورة من التي رأوه بها (أنا ربكم فيقولون

ص: 306

نَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ، لَا نُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا (مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا) حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ. فَيَقُولُ: هَل بَينَكُمْ وَبَينَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُكشَفُ عَنْ سَاقٍ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسجُدُ للهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِلَّا أَذِنَ اللهُ لَهُ بِالسُّجُودِ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاء وَرَياءً إِلَّا جَعَلَ اللهُ

ــ

نعوذ بالله منك) أي من فتنتك (لا نشرك بالله شيئًا) قال الملك ذلك (مرتين أو ثلاثًا) والشك من الراوي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الملك لهم أنا ربكم مرتين أو يقول لهم ثلاثًا أي يكرر الملك عليهم قوله أنا ربكم (حتى إن بعضهم) أي بعض الباقين في الموقف (ليكاد أن ينقلب) ويرجع عن الصواب للامتحان الشديد الذي جرى لهم، قال النواوي: قوله (ليكاد أن ينقلب) هكذا في الأصول بإثبات أن وإثباتها مع كاد لغة كما أن حذفها مع عسى لغة وينقلب بياء مثناة من تحت ثم نون ثم قاف ثم لام ثم باء موحدة، والمعنى كرر عليهم ذلك حتى إنَّ بعضهم قارب أن يرجع عن الصواب للامتحان الذي جرى لهم.

(فيقول) الملك الذي تصور لهم بصورة أدنى (هل بينكم وبينه) أي بين ربكم (آية) أي علامة وصفة (فتعرفونه) أي فتعرفون ربكم (بها) أي بتلك الآية (فيقولون نعم) بيننا وبينه علامة وصفة نعرفه بها، والآية هي ما علموا من أنه ليس كمثله شيء (فيكشف) قال النواوي: بفتح الياء وضمها وهما صحيحان أي يكشف الله سبحانه وتعالى (عن ساق) له تعالى ويتجلى لهم بصفاته الجلالية والجمالية، والمذهب الأسلم الأعلم هنا وفي نظائره من أحاديث الصفات وآياتها مذهب السلف، والساق عندهم صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليست كساقنا لقوله تعالى:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وهذا المذهب هو الذي نلقى عليه الرب سبحانه وقد بسطنا الكلام على صفة الساق في سورة النون في تفسيرنا حدائق الروح والريحان فراجعه إنَّ أردت الخوض فيه، أي يكشف الله عنهم المانع عن رؤيته ويتجلى لهم بساقه (فلا يبقى من كان يسجد) في الدنيا (لله) سبحانه وتعالى مخلصًا (من تلقاء نفسه) أي من جهة نفسه لا لملاحظة مخلوق برياء وسمعة (إلَّا أذن الله) تعالى (له) في الخضوع له ويسر له (بالسجود) كما كان يسجد له في الدنيا (ولا يبقى من كان يسجد) في الدنيا (اتقاء) أي وقاية وحذرًا من شر المؤمنين وعقوبتهم (ورياء) أي إراءة لعبادته وصلاته للناس (إلَّا جعل الله) سبحانه

ص: 307

ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحِدَةَ. كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ خَرَّ عَلَى قَفَاهُ. ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ، وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَال: أَنَا رَبُّكُمْ. فَيَقُولُونَ: أَنْتَ رَبُّنَا. ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ. وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ

ــ

وتعالى (ظهره طبقة واحدة) أي صحيفة ولوحة واحدة لا يقدر على انحناء ظهره فضيحة له على تزويره في الدنيا، قال الهروي وغيره: الطبق بفتحتين فقار الظهر أي صار ظهره فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود.

قال النووي: وقد يتوهم من هذا الحديث أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين وقد ذهب إلى ذلك طائفة حكاه ابن فورك لقوله صلى الله عليه وسلم وتبقى هذه فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى، وهذا الذي قالوه باطل بل لا يراه المنافقون بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين وليس في هذا الحديث تصريح برؤيتهم لله تعالى وإنما فيه أن الجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون يرون الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى وهذا لا يقتضي أن جميعهم يرونه وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى، قال السنوسي: وهذا من باب إسناد الحكم إلى المجموع فيكتفى فيه بالبعض في إثبات الرؤية للجمع الذي فيه المؤمنون والمنافقون ويصدق برؤية البعض وهم المؤمنون.

(كلما أراد) وقصد (أن يسجد خر) وسقط (على قفاه) أي على مؤخر رأسه (ثم يرفعون رؤوسهم) من السجود (وقد تحول) أي وقد أزال الصورة الممتحن بها فيرونه (في صورته التي رأوه) وعلموه (فيها) أي بها (أول مرة) أي علموها له أول مرة أي في الدنيا بقوله {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} .

قال النواوي: ومعنى قوله (وقد تحول في صورته) أي وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم في صورته التي علموها له في كتابه العزيز أول مرة. اهـ بتصرف.

قال الخطابي: وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي هي في الجنة لكرامة أولياء الله تعالى وإنما هذه للامتحان (فقال) لهم سبحانه (أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب الجسر) الذي هو الصراط أي يمد ويبسط (على) متن (جهنم) وظهرها وفوقها والجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو في الأصل القنطرة فوق الأنهار (وتحل) بكسر الحاء وقيل بضمها أي تقع (الشفاعة) ويؤذن فيها للشافعين

ص: 308

وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ، سَلِّمْ سَلِّمْ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا الْجِسْرُ؟ قَال: دَحْضٌ مَزَلَّةٌ. فِيهِ خَطَاطِيفُ وَكَلالِيبُ وَحَسَكٌ، تَكُونُ بِنَجْدٍ فِيهَا شُوَيكَةٌ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، فَيَمُرُّ الْمُؤْمِنُونَ كَطَرْفِ الْعَينِ وَكَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ وَكَالطَّيرِ وَكَأَجَاويدِ الْخَيلِ وَالرِّكَابِ،

ــ

من الأنبياء وغيرهم، والشفاعة هي طلب الخير للغير من الغير (ويقولون) أي يقول المارون على الصراط (اللهم سلمـ) ـنا من السقوط وخطف الكلاليب، وقوله ثانيًا (سلم) توكيد لفظي للأول (قيل يا رسول الله وما الجسر؟ ) أي ما حقيقته لأن (ما) يسأل بها عن الحقيقة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم الجسر شيء (دحض) ومكان أملس وموضع (مزلة) أي مكان تزل فيه الأقدام، قال النواوي: هو بتنوين دحض وفتح داله وسكون حائه، ومزلة بفتح الميم وفي الزاي لغتان مشهورتان الفتح والكسر، والدحض والمزلة بمعنى واحد وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر فيه ومنه دحضت الشمس أي مالت وحجة داحضة لا ثبات لها (فيه) أي في ذلك الدحض الأملس (خطاطيف) على زنة مفاعيل جمع خطاف بضم الخاء المعجمة، وقوله (وكلاليب) بمعنى الخطاطيف وقوله (وحسك) بفتح الحاء والسين جمع حسكة وهو شوك صلب من حديد والحسكة في الأصل الشجر الشائك والكلام على التشبيه البليغ، والمعنى فيه خطاطيف وكلاليب على صورة حسكة وهي شجرة (تكون) أي توجد (بنجد) وهو ضد تهامة (فيها) أي في تلك الحسكة (شويكة) تصغير شوكة أي فيها شِيَكٌ صغار (يقال لها) أي لتلك الحسك (السعدان) وهو اسم شجر له شوك معوج في الأرمية "قجما" (فيمر) ويجوز (المؤمنون) عليه وهم في مرورهم على ثلاثة أقسام: القسم الأول ناج مسلم لا يناله شيء من العذاب وتختلف آحاده في السرعة على اختلاف مراتبهم، فذكرهم بقوله ومنهم من يمر (كطرف العين) أي كلمحتها وطرف العين فتحها بعد غلقها (و) منهم من يمر (كالبرق) الخاطف ولمعانه (و) منهم من يمر (كالريح) المرسلة (و) منهم من يمر (كالطير) المسرع في طيرانه (و) منهم من يمر (كأجاويد الخيل) المسرعة (و) كـ (ـالركاب) والجمال المادة عنقها، وإضافة أجاويد إلى الخيل من إضافة الصفة إلى الموصوف، والأجاويد جمع جياد وهو جمع جيد فهو جمع الجمع وهو الجيد الجري من المطي، والركاب بكسر الراء الإبل المركوبة وهو اسم جمع واحدتها راحلة من غير لفظها وهو معطوف على الخيل، والخيل

ص: 309

فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُرْسَلٌ، وَمَكدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ. حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا مِنْكُم مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَة للهِ، فِي اسْتِقصَاءِ الْحَقِّ، مِنَ الْمُؤمِنِينَ للهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لإِخوَانِهِمُ الَّذِينَ فِي النَّارِ. يَقُولُونَ: رَبَّنَا، كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا ويصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ. فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُم عَلَى النَّارِ

ــ

جمع الفرس من غير لفظه (فـ) هؤلاء قسم (ناج) من العذاب (مسلم) من خطف الكلاليب (و) القسم الثاني (مخدوش) أي مخطوف مجروح بالكلاليب (مرسل) أي مطلق بعد خدشها لم يسقط في جهنم، من خدشه الشوك إذا خطفه وجرحه (و) القسم الثالث (مكدوس) أي مدفوع (في نار جهنم) مرمي فيها من تكدس الإنسان إذا دفع من ورائه فسقط، قال النواوي: قوله (مكدوس) بالسين المهملة هكذا هو في الأصول وكذا نقله القاضي عن أكثر الرواة، ورواه العذري بالشين المعجمة ومعناه بالمعجمة السوق الشديد وبالمهملة كون الأشياء بعضها على بعض، ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضًا، وقوله (حتى إذا خلص المومنون) غاية لمحذوف وجواب إذا محذوف والتقدير فيمرون على الصراط على هذه الهيئات المختلفة بحسب مراتبهم حتى إذا خلصوا من السقوط ونجوا (من النار) يتشفعون لإخوانهم الذين بقوا في النار.

(فـ) أقسمت لكم بالإله (الذي نفسي) وروحي (بيده ما منكم) أيها المؤمنون في الدنيا (من أحد بأشد مناشدة) أي مسألة (لله) سبحانه باسمه أي ما أحد منكم أشد مسألة لله تعالى (في استقصاء الحق) أي في طلب قضاء حقه ووفائه من خصمه المتعدي عليه (من) مناشدة (المؤمنين) ومسألتهم (لله) سبحانه وتعالى (يوم القيامة لإخوانهم الذين) بقوا (في النار) ومعنى الحديث أن مناشدة الرجل لله تعالى في الدنيا أن يخلص له حقه من خصمه المتعدي عليه ليست بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى أن يخلص إخوانهم (يقولون) أي يقول الذين خلصوا من النار (ربنا كانوا) أي كان إخواننا الذين بقوا في النار (يصومون معنا) في الدنيا (ويصلون) معنا (ويحجون) معنا (فيقال لهم) من جهته تعالى (أخرجوا) من النار (من عرفتمـ) ـوه في الدنيا من المؤمنين فيدخل الشافعون النار لإخراج من عرفوه من النار (فتحرم صورهم) أي ذوات الشافعين (على النار) فلا تحرقهم إذا دخلوها لإخراجهم.

ص: 310

فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيهِ وَإِلَى رُكبَتَيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ. فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال دِينَارٍ مِنْ خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثقَال نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيرٍ فَأَخرِجُوهُ. فَيُخرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا. ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَال ذَرَّةٍ

ــ

وعبارة المفهم هنا قوله (فتحرم صورهم) يعني صور المخرجين من النار بصيغة اسم المفعول وهذا كما قال فيما تقدم (حرم الله تعالى على النار أن تأكل أثر السجود) وآثار السجود تكون في أعضائه السبعة ولا يقال فقد قال عقيب هذا: فيخرجون خلقًا كثيرًا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه، وهذا ينص على أن النار قد أخذت بعض أعضاء السجود لأنا نقول تأخذ فتغير ولا تأكل فتذهب ولا يبعد أن يقال إنَّ تحريم الصور على النار إنما يكون في حق هذه الطائفة المشفوع لهم أولًا لعلو مرتبتهم على من يخرج بعدهم فتكون النار لم تقرب صورهم ولا وجوههم بالتغيير ولا الأكل والله تعالى أعلم.

(فيخرجون) منها (خلقًا كثيرًا) من الموحدين بعضهم (قد أخذتـ) ـه (النار إلى نصف ساقيه و) بعضهم (إلى ركبتيه ثم يقولون) أي الشافعون للرب جل جلاله يا (ربنا ما بقي فيها) أي في النار (أحد ممن أمرتنا به) أي بإخراجه من النار (فيقول) الرب سبحانه لهم (ارجعوا) إلى النار (فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار) أي وزنه (من خير) أي من يقين (فأخرجوه) منها، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: معنى الخير هنا اليقين قال: والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن مجرد الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة (فيخرجون) ثانيًا أيضًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر) أي لم نترك (فيها) أي في النار (أحدًا ممن أمرتنا) بإخراجهم (ثم يقول) الرب سبحانه (ارجعوا) إلى النار (فمن وجدتم في قلبه مثقال) أي وزن (نصف دينار من خير فأخرجوه) منها (فيخرجون) ثالثًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر) ولم نترك (فيها) أي في النار (ممن أمرتنا) بإخراجهم (أحدًا ثم يقول) الرب سبحانه (ارجعوا) إليها (فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة) أي وزن نملة صغيرة

ص: 311

مِنْ خَيرٍ فَأَخْرِجُوهُ. فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا. ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، لَمْ نَذَرْ فِيهَا خَيرًا".

وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَقُولُ: إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الْحَدِيثِ فَاقْرَؤُوا إِنْ شَئْتُمْ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} "فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيرًا قَطُّ، قَدْ عَادُوا حُمَمًا،

ــ

(من خير فأخرجوه فيخرجون) رابعًا (خلقًا كثيرًا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرًا) هكذا هو (خيرًا) بإسكان الياء أي صاحب خير ويعرف هؤلاء بعلامات يجعلها فيهم، وقوله (ذرة) قال القرطبي: لم يختلف هنا في أنها بفتح الذال وشد الراء وهي صغيرات النمل، وصحَّفه شعبة في حديث أنس فقال: هو بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء، وصحفه أيضًا العذري والخشني فقالا: بضم الدال المهملة وشد الراء. اهـ

(وكان أبو سعيد الخدري يقول) تأكيدًا للكلام لا لاتهامهم له (إن لم تصدقوني) أيها المخاطبون (بهذا الحديث) أي في هذا الحديث (فاقرؤوا إنَّ شئتم) شاهد هذا الحديث من كتاب الله سبحانه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} فيقول الله عز وجل بعد قولهم ربنا لم نذر فيها خيرًا (شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون) يقال: شفع من باب فتح يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع والمشفع بكسر الفاء الذي يقبل الشفاعة والمشفع بفتحها الذي تقبل شفاعته. اهـ نووي (ولم يبق إلَّا أرحم الراحمين) أي إلَّا رحمته وفضله (فيقبض) الله سبحانه (قبضة من) أهل (النار) أي يجمع جماعة من أهل النار يعني من الموحدين فيخرجهم دفعة واحدة بغير شفاعة أحد ولا ترتيب خروج (فيخرج) سبحانه (منها) أي من أهل النار (قومًا لم يعملوا) في الدنيا (خيرًا) أي عملًا صالحًا غير مجرد الإيمان (قط) أي فيما مضى من حياتهم الدنيا، قال السنوسي: وهؤلاء ليس معهم إلَّا مجرد الإيمان لا يخرجون بشفاعة بل بمجرد فضل الله تعالى بلا واسطة، والكل في الحقيقة بفضل الله تعالى (قد عادوا) أي صاروا (حممًا) أي فحمًا أي تحولوا من صورتهم الأصلية إلى صورة فحم، وعاد هنا من أخوات صار نظير قوله تعالى:{أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} فيكون للصيرورة والتحول من حالة إلى حالة أخرى، وليس بمعنى رجوع الشيء إلى ما كان عليه

ص: 312

فَيُلْقِيهِمْ فِي نَهَرٍ فِي أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ نَهَرُ الْحَيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيلِ. أَلا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلَى الْحَجَرِ أَوْ إِلَى الشَّجَرِ. وَمَا يَكُونُ إِلَى الشَّمْسِ أُصَيفِرُ وَأُخَيضِرُ. وَمَا يَكُونُ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ

ــ

قبل ذلك، والحمم بضم أوله وفتح ثانيه جمع حممة بوزن حطمة وهي الفحم، والفحم شعلة الحطب التي طفئ عنها النار قبل أن يصير رمادًا ليوقد ثانيًا (فيلقيهم) الله تعالى أي يلقي الأقوام الذين صاروا كالحمم (في نهر) بفتح الهاء وسكونها والفتح أجود وبه جاء القرآن العزيز وهو مجرى الماء الكثير، وإن كان قليلًا فهو عين، وإن كان لا يجري فهو بئر أي فيلقون في نهر جار (في) مسالك (أفواه) قصور (الجنة) والأفواه جمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والأنهار أوائلها، قال صاحب المطالع: كان المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها (يقال له) أي لذلك النهر (نهر الحياة) سمي بذلك لأن ماءه إذا مس شيئًا حيي وصار حيوانًا ولو جمادًا (فيخرجون) أي ينبتون أي تنبت أجسامهم التي صارت كالحمم نباتًا سريعًا (كما تخرج) وتنبت (الحبة في حميل السيل) أي في محموله من التراب الناعم والغثاء، والحبة بكسر الحاء بذور البقول وحب الرياحين وقيل هو نبت صغير ينبت في الحشيش، وحميل السيل هو ما يجيء به السيل من طين أو غثاء وغيره فعيل بمعنى مفعول فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السيل فإنها تنبت في يوم وليلة فشبه بها سرعة عود أبدانهم وأجسامهم إليهم بعد إحراق النار لها، والسيل ما جرى من ماء المطر في الوادي، والهمزة في قوله (ألا ترونها) للاستفهام التقريري أي ألا تنظرونها أي ألا تنظرون تلك الحبة النابتة في حميل السيل إما (تكون) مائلة (إلى الحجر) أي نابتة تحته (أو) تكون نابتة (إلى الشجر) أي تحت الشجر (وما يكون) منها أي والذي يكون منها بارزًا (إلى الشمس) وما الموصولة مبتدأ خبرها قوله (أصيفر وأخيضر) تصغير أصفر وأخضر أي متصف بصفرة قليلة وخضرة قليلة أي متصف بلون مختلط من الصفرة والخضرة وهذا راجع إلى الحجر (وما يكون منها) أي والذي يكون منها مائلًا (إلى الظل) أي نابتًا فيه، وما مبتدأ خبره قوله (يكون أبيض) لعدم طلوع الشمس عليه وهذا راجع إلى الشجر (فقالوا) أي فقال الحاضرون من الصحابة (يا رسول الله كأنك كنت) في الزمن الماضي (ترعى) الإبل والمواشي (بالبادية) أي في

ص: 313

فَيَخْرُجُونَ كَاللُّؤلُؤِ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِمُ. يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ. هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيرٍ قَدَّمُوهُ. ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ. فَيَقُولُونَ: رَبَّنا أَعْطَيتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ. فَيَقُولُ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. فَيَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا، أَيُّ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ. فَلَا أَسْخَطُ عَلَيكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا".

358 -

(00)(00) قَال مُسلِمٌ قَرَأْتُ

ــ

البادية لأنك تعرف أحوال النباتات، والبادية ضد الحاضرة لأنها محل رعي المواشي (فيخرجون) من ذلك النهر حالة كونهم (كاللؤلؤ) في صفائهم وتلألؤ ألوانهم، والحال أنه (في رقابهم) وأعناقهم (الخواتم) أي الطوابع والعلامات التي بها يعرفون إعلامًا بأنهم دخلوا الجنة بلا عمل عملوه، والخواتم جمع خاتم بفتح التاء لا غير، قال صاحب التحرير: والمراد بالخواتم أشياء من ذهب أو غيره تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها (يعرفهم أهل الجنة) بتلك العلامة ويقولون فيما بينهم (هؤلاء عتقاء الله) سبحانه وتعالى من النار (الذين أدخلهم الله) سبحانه (الجنة بغير عمل عملوه) في الدنيا (ولا خير قدموه) في حياتهم الدنيا إلَّا مجرد الإيمان وإلَّا فالجنة عليهم حرام (ثم يقول الله) سبحانه وتعالى لهم (ادخلوا الجنة فما رأيتموه) من نعيمها وزخارفها (فهو لكم) لا حجر عليكم فيها (فيقولون ربنا أعطيتنا) من نعيم الجنة وزخارفها (ما لم تعط أحدًا من العالمين) فأي شيء بقي عنا (فيقول) الله سبحانه لهم (لكم عندي أفضل) وألذ (من هذا) الذي أعطيتكموه (فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل) وألذ (من هذا) الذي أعطيتناه (فيقول) سبحانه أفضل من هذا (رضاي) عنكم (فلا أسخط عليكم بعده) أي بعد رضائي عنكم (أبد) الآبدين وأمد الآمدين ودهر الداهرين.

وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري رواه في التفسير وفي التوحيد، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال:

(358)

- (00)(00)(قال) الإمام (مسلم) رحمه الله تعالى وهذه الجملة يحتمل كونها من كلام مسلم على سبيل التجريد، ومن كلام بعض رواة الكتاب عنه (قرأت) أنا

ص: 314

عَلَى عِيسَى بْنِ حَمَّادٍ زُغبَةَ الْمِصْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الشَّفَاعَةِ وَقُلْتُ لَهُ: أُحَدِّثُ بِهَذا الْحَدِيثِ عَنْكَ؛ أَنَّكَ سَمِعْتَ مِنَ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ؟ فَقَال: نَعَمْ. قُلْتُ لِعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ: أَخْبَرَكُمُ اللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أَبِي هِلالٍ،

ــ

(على عيسى بن حماد) وقوله (زغبة) بضم الزاي وإسكان الغين المعجمة بعدها باء موحدة بدل من حماد -لأنه لقب له- مجرور بالفتحة للعلمية والتأنيث بالتاء، والزغبة في الأصل معناه الشعر الكثيف لقب به لكون لحيته كثيفة، أو بدل من عيسى مجرور بالفتحة أيضًا لأنه لقب له أيضًا كأبيه؛ أي قرأت على عيسى بن حماد بن مسلم الأنصاري التجيبي مولاهم الملقب بزغبة أبي موسى (المصري) روى عن الليث بن سعد وابن وهب، ويروي عنه (خ م د س ق) ووثقه النسائي وابن أبي داود وأحمد بن عيسى الوشا، وقال في التقريب: ثقة من العاشرة مات سنة (248) ثمان وأربعين ومائتين أي قرأت على عيسى (هذا الحديث) الذي رواه أبو سعيد الخدري (في الشفاعة وقلت له) أي لعيسى بن حماد (أحدث) بضم الهمزة وتشديد الدال المكسورة أي هل أحدث (بهذا الحديث عنك) يا عيسى بـ (ـأنك سمعت من الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم أبي الحارث المصري ثقة ثبت فقيه مشهور من السابعة مات سنة (175) روى عنه في (15) بابا (فقال) عيسى بن حماد (نعم) حدث عني عن ليث بن سعد، قال مسلم (قلت لعيسى بن حماد أخبركم الليث بن سعد عن خالد بن يزيد) الجمحي مولاهم أبي عبد الرحيم المصري، روى عن سعيد بن أبي هلال في الإيمان والنكاح والبيوع والذبائح والضحايا والفضائل والقدر والأطعمة، ويروي عنه (ع) والليث بن سعد وحيوة بن شريح والمفضل بن فضالة، وقال في التقريب: ثقة فقيه من السادسة مات سنة (139) تسع وثلاثين ومائة، روى عنه في ثمانية أبواب تقريبًا (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم أبي العلاء المصري قيل مدني الأصل، وقال يونس: بل نشأ بها، روى عن زيد بن أسلم في الإيمان وآخر الكتاب، ونعيم المجمر في الوضوء، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع وأبي الرجال في الصلاة، وأبي بكر بن المنكدر في الصلاة والذبائح، ونبيه بن وهب في النكاح، وعوف بن عبد الله في البيوع والتفسير، وأبي حازم سلمة بن دينار في الجهاد، وعمرو ويقال عمر بن مسلم الجندعي في الضحايا، وعمارة بن غزية في الفضائل،

ص: 315

عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّهُ قَال:"قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَرَى رَبَّنَا؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤيةِ الشَّمْسِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ صَحْوٌ؟ قُلْنَا: لا"

وَسُقْتُ الْحَدِيثَ حَتَّى انْقَضَى آخِرُهُ وَهُوَ نَحْوُ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ. وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ: بِغَيرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا قَدَمٍ قَدَّمُوهُ: "فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ"

ــ

ويروي عنه (ع) وجابر بن زيد وسعيد المقبري ويحيى بن أيوب والليث بن سعد، وقال في التقريب: صدوق من السادسة مات سنة (130) ثلاثين ومائة فجملة الأبواب التي روى المؤلف عنه فيها أحد عشر بابًا تقريبًا (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر بن الخطاب أبي أسامة المدني أو أبي عبد الله ثقة عالم من الثالثة مات سنة (136) ست وثلاثين ومائة في ذي الحجة، روى عنه المؤلف في اثني عشر بابًا تقريبًا (عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني ثقة فاضل من الثالثة (عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك المدني، وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مصريون وثلاثة مدنيون، وغرضه بسوق هذا السند بيان متابعة سعيد بن أبي هلال لحفص بن ميسرة في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم (أنه) أي أن أبا سعيد الخدري (قال قلنا) معاشر الصحابة (يا رسول الله أنرى ربنا) أي هل نرى ربنا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضارون) أي هل يصيبكم الضرر (في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو) أي إذا حصل يوم خال من السحاب مثلًا، فـ (كان) تامة (قلنا) معاشر الصحابة (لا) نضار في ذلك، وقوله (وسقت الحديث) السابق (حتى انقضى) وانتهى (آخره) معطوف على قوله قرأت على عيسى بن حماد أي قال مسلم: قرأت هذا الحديث على عيسى وسقته بتمامه إلى آخره (وهو) أي وهذا الحديث الذي رواه سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم (نحو حديث حفص بن ميسرة) في بعض ألفاظه ومعناه (وزاد) سعيد بن أبي هلال على حفص بن ميسرة (بعد قوله) أي بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم (بغير عمل عملوه ولا قدم) أي خير (قدموه) أي زاد جملة قوله (فيقال لهم لكم ما رأيتم) من النعيم (ومثله معه) أي والحال أن مثله معه، قال السنوسي: المزيد هو ما بعد قوله قدموه ولما كان في الرواية الأولى (ولا خير) بدل قوله هنا (ولا قدم) لم يمكنه أن يقول (زاد) بعد قوله (ولا خير) والمعنى زاد بعد قوله في روايته ولا قدم قدموه قوله فيقال لهم لكم .. إلخ .. والقدم بفتح القاف والدال بمعنى الخير المقدم.

ص: 316

قَال أَبُو سَعِيدٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْجَسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعَرَةِ وَأَحَدُّ مِنَ السَّيفِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ اللَّيثِ "فَيَقُولُونَ: رَبُّنَا أَعْطَيتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالمِينَ وَمَا بَعْدَهُ". فَأَقَرَّ بِهِ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ.

359 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ،

ــ

وقال المؤلف رحمه الله تعالى (قال أبو سعيد) الخدري رضي الله عنه بالسند السابق (بلغني أن الجسر) المذكور في الحديث (أدق) أي أرق (من الشعرة وأحد) أي أشد حدًّا (من السيف) وقال المؤلف رحمه الله تعالى (وليس في حديث الليث) وروايته جملة قوله (فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين) وقوله (وما بعده) أي وما بعد قوله فيقولون ربنا معطوف على قوله فيقولون على كونه اسم ليس أي وليس في رواية الليث قوله فيقولون ولا الذي ذكر بعده من قوله فيقول لكم عندي أفضل من هذا .. إلخ، وقوله (فأقر به عيسى بن حماد) معطوف على قوله قلت لعيسى أي قال مسلم قلت لعيسى بن حماد أأخبركم الليث بن سعد فأقر عيسى به أي بقولي أخبركم الليث إلى آخره أي قال نعم أخبرنا الليث بن سعد .. إلخ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه فقال:

(359)

- (00)(00)(وحدثناه أبو بكر) عبد الله بن محمد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي بموحدة مولاهم الكوفي ثقة ثبت من العاشرة مات سنة (235) روى عنه في ستة عشر بابًا تقريبًا (16) قال (حدثنا جعفر بن عون) بن جعفر بن عمرو بن حريث أبو عون القرشي المخزومي الجرمي أبو عون الكوفي صدوق من التاسعة مات سنة (207) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا، قال (حدثنا هشام بن سعد) القرشي مولاهم مولى لآل أبي لهب بن عبد المطلب يتيم زيد بن أسلم أبو سعد المدني روى عن زيد بن أسلم في الإيمان والزكاة والجهاد والاستئذان واللعان، وعثمان بن حيان الدمشقي في الصوم، وأبي الزبير في البيوع، ونافع في الوصايا، وأبي حازم بن دينار في الطب واللعان، ونعيم المجمر والزهري وغيرهم، ويروي عنه (م عم) وجعفر بن عون وابن

ص: 317

حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ أَسْلَمَ، بِإِسْنَادِهِمَا

نَحْوَ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ مَيسَرَةَ إِلَى آخِرِهِ. وَقَدْ زَادَ وَنَقَصَ شَيئًا

ــ

وهب والقعنبي وابن أبي فديك وغيرهم، صدوق له أوهام من السابعة مات سنة (160) ستين ومائة، روى عنه في (9) تسعة أبواب تقريبًا، قال (حدثنا زيد بن أسلم) العدوي المدني، والجار والمجرور في قوله (بإسنادهما) أي بإسناد حفص بن ميسرة وإسناد سعيد بن أبي هلال يعني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري متعلق بقوله حدثنا هشام بن سعد وقوله (نحو حديث حفص بن ميسرة إلى آخره) أي إلى آخر حديث حفص بن ميسرة مفعول ثان لقوله حدثنا هشام بن سعد أي حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مثل حديث حفص بن ميسرة في بعض ألفاظه وبعض معناه (وقد زاد) هشام بن سعد على حديث حفص بن ميسرة شيئًا من الزيادة (و) قد (نقص) منه (شيئًا) من النقص.

وعبارة السنوسي هنا: قوله (بإسنادهما) يعني إسناد حفص بن ميسرة وإسناد سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، وقوله (نحو حديث حفص بن ميسرة) يعني في المتن والحاصل أن زيد بن أسلم روى عنه الحديث بإسناده السابق ثلاثة من أصحابه حفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال وهشام بن سعد وأن هشامًا وافق حفصًا وسعيدًا معًا في السند ووافق في متن الحديث أي لفظه حفصًا فقط. اهـ منه.

وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم كوفيان وأربعة مدنيون، وغرضه بسوقه بيان متابعة هشام بن سعد لحفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال في رواية هذا الحديث عن زيد بن أسلم، وفائدة هذه المتابعة بيان كثرة طرقه، وهذا الحديث أعني حديث أبي سعيد الخدري شارك المؤلف في روايته أحمد [3/ 16] والبخاري [7439] والنسائي [8/ 112 - 113].

***

ص: 318