المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌81 - (40) باب: الثلاثة الذين يؤتون أجرهم على إيمانهم وعملهم مرتين - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌70 - (29) بَابُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ

- ‌تتمة ما في ثابت بن عياض

- ‌71 - (30) بَابُ: مَنِ اسْتُرْعِيَ رَعِيَّةً فَغَشَّهُمْ .. لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ

- ‌72 - (31) - بَابُ نُزُولِ الأَمَانَةِ وَالإِيمَانِ فِي جِذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَرَفْعِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْقُلُوبِ، وَعَرْضِ الْفِتَنِ عَلَيهَا

- ‌73 - (32) بَابُ الْفِتَنِ الَّتي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ

- ‌74 - (33) بَابُ: غُرْبَةِ الإِسْلامِ في بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَينَ الْمَسْجِدَينِ

- ‌75 - (34) بَابُ: إِنَّ الإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلى الْمَدِينَةِ

- ‌76 - (35) بَابُ: ذَهَابِ الإِيمَانِ، وَرَفْعِهِ مِنَ الأرْضِ في آخِرِ الزَّمَانِ

- ‌77 - (36) بَابُ: جَوَازِ الإِخْفَاءِ بِالإِيمَان وَالأعْمَالِ إِذَا خَافَ مِنْ إِظْهَارِهَا فِتْنَةً

- ‌78 - (37) بَابُ: إِعْطَاءِ مَنْ يُخَافُ عَلَى إيمَانِهِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْجَزْمِ بِإِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ غيرِ دَليلٍ قَاطِعٍ عَلَيهِ

- ‌79 - (38) بَابُ: السُّؤالِ عَنْ تَظَاهُرِ الأدِلَّةَ لِطَلَبِ زِيَادَةِ الإيمَانٍ وَطُمَأنينةِ الْقَلْبِ

- ‌80 - (39) - بَابُ: وُجُوبِ الإِيمَانِ بِعُمُومِ رِسَالتِهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعَ النَّاسِ وَكَونِهِ أَكْثَرَ الأنْبِيَاءِ تبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

- ‌82 - (41) - بَابُ: مَا جَاءَ في نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَريمَ حَاكِمًا بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

- ‌83 - (42) بَابُ: بَيَانِ الزَّمَنِ الَّذِي لا يُقْبَلُ فِيهِ الإِيمَانُ وَلَا الْعَمَلُ الصَّالحُ

- ‌84 - (43) بَابُ: كَيفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌85 - (44) بَابُ: الإِسْرَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى السَّمَاوَاتِ، وَفَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ في الإِسْلَامِ

- ‌86 - (45) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صِغَرِهِ، وَاسْتِخْرَاجِ حَظِّ الشَّيطَانِ مِنْ قَلْبِهِ

- ‌87 - (46) بَابٌ: فِي شَقِّ صَدْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَانِيَةً، وَتَطْهِيرِ قَلْبِهِ وَحَشْوهِ حِكْمَةً وإيمَانًا عِنْدَ الإِسْرَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌88 - (47) بَابُ رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلأنْبِيَاءِ لَيلَةَ الْإِسْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِمْ، وَوَصْفِهِ لَهُمْ، وَصَلاتِهِمْ

- ‌89 - (48) بَابُ: ذِكْرِ الْمَسِيحِ ابْنِ مَريمَ، وَالْمَسِيحِ الدَّجَّالِ

- ‌90 - (49) بَابُ: تَجْلِيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى وَكَشْفِهِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم بَيتَ الْمَقْدِسِ حِينَ كذَّبَتْهُ قُرَيشٌ فِي إِسْرَائِهِ فَأَخْبَرَهُمْ عَنْهَا بِأَمَارَاتِهَا

- ‌91 - (50) بَابٌ: فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

- ‌92 - (51) بَابُ: رُؤْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ عليه السلام عَلَى صُورَتِهِ

- ‌93 - (52) بَابٌ: فِي ذِكْرِ الاخْتِلافِ هَلْ رَأَى مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ

- ‌94 - (53) فَصْلٌ فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ"، وَفِي قَوْلهِ: "رَأيتُ نُورًا

- ‌95 - (54) بَابٌ: فِي قَوْلهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ"، وَفِي قَوْلهِ: "حِجَابُهُ النُّورُ

- ‌96 - (55) بَابُ: مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ فِي الآخِرَةِ

- ‌97 - (56) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ رُؤْيَةِ اللهِ سبحانه وتعالى

- ‌98 - (57) بَابُ شَفَاعَةِ الْمَلائِكَةِ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ

- ‌99 - (58) بَابُ: إِخْرَاجِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ

- ‌100 - (59) بَابُ: بَيَانِ كَيفِيَّةِ عَذَابِ مَنْ يُعَذَّبُ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ، وَكَيفِيَّةِ خُرُوجِهِمْ مِنَ النَّارِ، وَالإِذْنِ بِالشَّفَاعَةِ

الفصل: ‌81 - (40) باب: الثلاثة الذين يؤتون أجرهم على إيمانهم وعملهم مرتين

‌81 - (40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

295 -

(145)(69) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ عَنْ صَالِح بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيّ؛ قَال: رَأَيتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ سَأَلَ الشَّعْبيَّ

ــ

81 -

(40) بَابُ: الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ عَلَى إِيمَانِهِمْ وَعَمَلِهِمْ مَرَّتَينِ

أي هذا باب معقود في بيان الأحاديث التي تبين الثلاثة الذين يعطون أجرهم على إيمانهم أو عملهم الصالح مرتين أي ضعفين.

(290)

- (146)(69)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) بن بكير التَّمِيمِيّ الحنظلي مولاهم أبو زكريا النَّيسَابُورِيّ ثِقَة ثبت من العاشرة مات سنة (226) روى عنه في (19) بابا تقريبًا. قال يحيى: (أخبرنا) وفي نسخة: حَدَّثَنَا (هشيم) بن بشير السلمي أبو معاوية الواسطيّ ثِقَة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة مات سنة (183) روى عنه في (18) بابًا تقريبًا (عن صالح بن صالح) بن مسلم بن حي (الهمداني) بإسكان الميم وبالدال الثَّوريّ ثور همدان أبي حي الكُوفيّ روى عن الشعبي في الإيمان وسلمة بن كهيل وسماك بن حرب وعاصم الأحول، ويروي عنه (ع) وهشيم وعبدة بن سليمان وابناه الحسن وعلي والسفيانان وشعبة، وثقه أَحْمد وابن معين والنَّسائيّ والعجلي، وقال في التقريب: ثِقَة من الخامسة مات سنة (153) ثلاث وخمسين ومائة، وهشيم قال هنا عن صالح وهو مدلس وعنعنة المدلس تدل على الانقطاع.

قلنا: وقد قدمنا أن مثل هذا إذا وقع في الصحيحين لا يقدح لأنه محمول على أن هشيمًا ثبت سماعه لهذا الحديث عن صالح بطريق آخر وإن لم يورده هنا.

(عن الشعبي) شعب همدان عامر بن شراحيل الحميري أبي عمرو الكُوفيّ الإِمام العلم ولد لست سنين خلت من خلافة عمر، قال: أدركت خمس مائة من الصَّحَابَة، ثِقَة مشهور فقيه فاضل من الثالثة مات سنة (103) روى عنه في (19) بابًا تقريبًا. أي حَدَّثَنَا صالح عن الشعبي بحديث وقصة طويلة (قال) فيها صالح (رأيت رجلًا من أهل خراسان) لم أر من ذكر اسمه وخراسان بضم الخاء المعجمة بلدة من بلاد فارس (سأل) ذلك الرَّجل (الشعبي) وفي بعض النسخ (يسأل الشعبي) قال النووي: وفي هذا الإسناد لطيفة

ص: 88

فَقَال: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ، في الرّجُلِ، إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ. فَقَال الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسى، عَنْ أَبِيهِ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَينِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ

ــ

يتكرر مثلها وقد تقدم بيانها وهو أنَّه قال عن صالح عن الشعبي قال: رأيت رجلًا سأل الشعبي وهذا الكلام ليس منتظمًا في الظاهر ولكن تقديره حَدَّثَنَا صالح عن الشعبي، قال: رأيت رجلًا سأل الشعبي بحديث وقصة طويلة قال فيها صالح: رأيت رجلًا سأل الشعبي، والله أعلم. اهـ (فقال) ذلك الرَّجل في سؤاله الشعبي (يَا أَبا عمرو) كنية الشعبي (إن من) بفتح الميم على أنها موصولة أي إن من كان (قبلنا) بكسر القاف وفتح الباء ظرف مكان بمعنى الجهة أي إن من كان في ناحيتنا (من أهل خراسان يقولون) برأيهم (في الرَّجل إذا أعتق) وحرر (أمته) أي وليدته (ثم تزوجها) أي نكح تلك الوليدة المعتقة له (فهو) أي ذلك الرَّجل المتزوج عتيقته (كالراكب) أي مثل الراكب (بدنته) أي ناقته التي أهداها إلى الحرم فلا أجر له كما لا أجر في ركوب ناقته، قال القاضي: لا خلاف بين أهل العلم في جواز تزوج الرَّجل معتقته، وإنما اختلفوا فيمن جعل صداقها عتقها وهل يكون صداقًا أم لا؟ وبسطه يأتي في النكاح، واختلفوا في ركوب الرَّجل بدنته وبحثه في الحج (فقال الشعبي) ردًّا لما قال الرَّجل (حَدَّثني) عامر بن عبد الله بن قيس (أبو بردة بن أبي موسى) الأَشْعريّ ثِقَة من الثَّانية، قال ابن سعد: كان ثِقَة كثير الحديث، وقال العجلي: كُوفِيّ تابعي ثِقَة، روى عنه في (4) أبواب تقريبًا (عن أَبيه) عبد الله بن قيس الأَشْعريّ الصحابي الجليل مات سنة (44) روى عنه في (8) أبواب تقريبًا، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد واسطيّ وواحد نيسابوري وفيه رواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة) من الأنفار (يؤتون أجرهم) أي يعطون ثوابهم على أعمالهم (مرتين) أي ضعفين، قال الأبي: والحديث لم يخرج مخرج الحصر فلا مفهوم للعدد لأن غير الثلاثة أوتي الأجر مرتين بدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ} الآية وحديث من توضأ مرتين، قال السنوسي: وإنما خصص الثلاثة بالذكر لأن جمع كل واحد منهم بين الأمرين المذكورين له في غاية الصعوبة ولهذا كان وجود هؤلاء الثلاثة نادرًا، أحدهم (رجل من أهل الكتاب) اليهود أو

ص: 89

آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ الله تَعَالى وَحَقَّ سَيِّدِهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا، ثُمَّ أَدَّبَهَا

ــ

النصارى (آمن) وصدق (بنبيه) الأول الإيمان الحقيقي قولًا وفعلًا ثم لم يزل على ذلك حتَّى جاء الإِسلام (وأدرك النَّبِيّ) محمدًا صلى الله عليه وسلم فآمن به) أي فصدق النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في رسالته (واتبعه) فيما أمر به (وصدقه) فيما أخبر به عن الله تعالى وفي بعض النسخ (وصدق به) كعبد الله بن سلام وأبي بن كعب وأضرابهما (فله) أي فلذلك الرَّجل (أجران) أي ثوابان، والأجران قيل أحدهما في اتباعه الحق الأول والآخر في اتباعه الحق الثاني وهذا لا يظهر بل هما في اتباعه الحق الثاني ضوعف له بسبب تمسكه بالأول لأن به تظهر الفائدة وإلا فمعلوم أن له في كل اتباع أجرًا وأما من لم يكن على حق في ذلك الدين فليس له إذا رآه وأسلم إلَّا أجر واحد ويبقى النظر فيمن كان على حق فيه ولم يدرك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ككعب الْأَحبار فيحتمل أن يكون له أجر واحد ويحتمل أن يكون له أجران بناء على أن (أدرك) هل معناه أدركه بالزمان أو أدركه بالدليل، اهـ أُبِّي.

وعبارة "المفهم" هنا وهذا الكتابي الذي يضاعف أجره هو الذي كان على الحق في شرعه عقدًا وفعلًا ثم لم يزل متمسكًا بذلك إلى أن جاء نبينا صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبع شريعته فهذا هو الذي يؤجر على اتباع الحق الأول والحق الثاني وأما من اعتقد الإلهية لغير الله تعالى كما تعتقده النصارى اليوم أو من لم يكن على حق في ذلك الشرع الذي ينتمي إليه فإذا أسلم جب الإِسلام ما كان عليه من الفساد والغلط ولم يكن له حق يؤجر عليه إلَّا الإِسلام خاصة، والله أعلم.

(و) الثاني (عبد) أي رقيق (مملوك أدى) ووفى (حق الله تعالى) وفي بعض النسخ "حق الله عليه"(وحق سيده فله) أي لذلك الرقيق (أجران) قال الأبي: والأظهر أن الأجرين على أدائه حق الله تعالى زيادة على أدائه حق سيده، وعن بعضهم أنَّه رأى من دين عبده ما أعجبه فأعتقه، فقال له العبد: لم حرمتني أحد أجري (و) الثالث (رجل كانت له أمة فغذاها) بالذال المعجمة أي أطعمها من صغرها إلى كبرها (فأحسن غذاءها) بكسر الغين المعجمة والمد أي طعامها بإطعامها مما يطعم (ثم أدبها) بآداب الدين

ص: 90

فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ" ثُمَّ قَال الشَّعْبِيّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هذَا الْحَدِيثَ بِغَيرِ شَيءٍ. فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ

ــ

والدنيا، والأدب ما في فعله محمدة وفي تركه مذمة أي علمها الأدب (فأحسن أدبها) أي كمله في كل شيء أو أدبها برفق ولين (ثم أعتقها) لله تعالى (وتزوجها) لإعفافها (فله) أي لذلك الرَّجل (أجران) أجر على عتقها وأجر على تزوجها، قال الأبي: وإذا كان له أجر على العتق فجملة ما له أربعة أجور لأن في تعليمه وتأديبه أجرين، والأجران له حتَّى لو تزوجها محبة وشهوة نفس وحتى لو أعتقها بنفس الشراء قبل التأديب والتعليم، وظاهر الحديث حتَّى لو جعل عتقها صداقها، وصح أنَّه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها، فجعله مالك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وعممه الشَّافعيّ.

(ثم) بعد فراغه من هذا الحديث (قال الشعبي للـ) رجل (الخُرَاسَانِيّ: خذ هذا الحديث) مني (بغير شيء) من الأجرة تعطيه لي على تعليمي إياك (فقد كان الرَّجل) من السلف (يرحل) ويسافر (في) طلب (ما دون هذا) الحديث منفعة (إلى المدينة) المنورة نور الله تعالى من نورها صلى الله عليه وسلم ففي هذا جواز قول العالم مثل هذا تحريضًا للسامع على حفظ ما قاله، وفيه أيضًا بيان ما كان عليه السلف رحمهم الله تعالى من تعظيم العلم والجد به وتحمل المشاق في طلبه بالرحلة إلى البلدان البعيدة في طلب حديث واحد أو مسألة واحدة، فعن جابر رضي الله عنه أنَّه رحل في طلب حديث واحد مسيرة شهر، وعن ابن المسيّب: إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد الأيام، وذكر الخَطيب أن ابن المبارك رؤي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال: غفر لي برحلتي في طلب الحديث. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أَحْمد (4/ 405) والبخاري (3011) والتِّرمذيّ (1116) والنَّسائيّ (6/ 115).

قال النووي: وفي هذا الحديث بيان فضيلة من آمن من أهل الكتاب بنبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم وأن له أجرين لإيمانه بنبيه قبل النسخ والثاني لإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فضيلة العبد المملوك القائم بحقوق الله تعالى وحقوق سيده، وبيان فضيلة من أعتق مملوكته وتزوجها وليس هذا من الرجوع في الصدقة في شيء بل هو إحسان إليها بعد إحسان. اهـ

(تتمة) قال السنوسي يتمم ما ذكره الأبي من تعيين أحد الأمرين لحصول الأجرين:

ص: 91

291 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ

ــ

أن نقول ضابطه ما تعظم فيه المشقة فيكون محل الأجرين في الكتابي إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم لا إيمانه بنبيه فيما سبق، (فإن قلت) لا يظهر أن أحدهما أشق من الآخر، بل قد يكون إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم أسهل لسبق ما يحمل عليه وهو الإيمان بنبيه المبين صفته صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} الآية، (قلت) كان إيمانه بالنبي صلى الله عليه وسلم أشق لأن أقل ما فيه انتصابه بذلك لعداوة أحبائه ومهاجرة أهله وأقاربه ووسمه عندهم برفض دينه الحق دين نبيه وبهذا يجاب عن ادعاء مشاركة من آمن من غير أهل الكتاب لهم في ذلك فإنهم ليس لهم دين حتَّى تركوه وإنما هم في ذلك كالبهائم، وكان محل الأجرين في حق العبد أداء حق الله تعالى لما فيه من كبير المشقة لوجود ما ينافره وهو حق السيد ولهذا أسقط سبحانه بفضله عن العبد بعض الواجبات كالحج والجمعة، (فإن قلت) وقد يعكس أَيضًا لأن المزاحمة كائنة من الجانبين، (قلت) طاعة السيد الباعث عليها لا يتوقف على الإيمان ولهذا تصدر من الكافر والمؤمن لأن لها بواعث من جهة السيد أما أداء طاعة الله تعالى على وجهها سيما في حال هذا المزاحم القوي فلا يحمل عليه إلَّا محض الإيمان وكان محل الأجرين في السيد المعتق التزوج لأن أكثر النَّاس يستنكف عن تزوج المعتقة استنكافهم عن تزوج الأمة، والله تعالى أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى الأَشْعريّ رضي الله تعالى عنه فقال:

(291)

- (00)(00)(وحدثنا أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكُوفيّ، قال أبو بكر (حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمَّد الكُوفيّ ثِقَة ثبت من الثامنة مات سنة (187) روى عنه في (12) بابا تقريبًا.

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا) محمَّد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني أبو عبد الله المكيّ صدوق من العاشرة مات سنة (243) روى عنه في (11) بابًا تقريبًا، قال ابن أبي عمر (حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة الهلالي مولاهم أبو محمَّد الكُوفيّ ثِقَة حافظ فقيه إمام حجة من الثامنة مات سنة (198) روى عنه في (25) بابًا تقريبًا.

ص: 92

ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ

ــ

(ح) أي حول المؤلف السند (و) قال (حَدَّثَنَا عبيد الله بن معاذ) بن معاذ بن نصر التَّمِيمِيّ العنبري أبو عمرو البَصْرِيّ ثِقَة من العاشرة مات سنة (237) روى عن أَبيه فقط في الإيمان وغيره، قال عبيد الله (حَدَّثَنَا أبي) معاذ بن معاذ العنبري أبو المثنَّى البَصْرِيّ ثِقَة متقن من التاسعة مات سنة (196) روى عنه في (9) أبواب تقريبًا، قال معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي مولاهم أبو بسطام البَصْرِيّ ثِقَة حافظ من السابعة مات سنة (160) روى عنه في (30) بابًا تقريبًا، وأتى بحاء التحويلات لاختلاف مشايخ مشايخه، وفائدة هذه التحويلات تقوية السند الأول لأن هشيم بن بشير مدلس كثير الإرسال ومع ذلك روى عن صالح بالعنعنة فقواه بهؤلاء المشايخ (كلهم) أي كل من: عبدة بن سليمان وسفيان وشعبة رووا (عن صالح بن صالح) بن مسلم الهمداني أبي حيان الكُوفيّ، والجار والمجرور في قوله (بهذا الإسناد) أي عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأَشْعريّ متعلق بما عمل في المتابعين، وكذا قوله (نحوه) أي نحو حديث هشيم مفعول به لما عمل في المتابعين، والضمير عائد إلى هشيم أي روى كل هؤلاء الثلاثة المتابعين: عبدة، سفيان، شعبة، عن صالح بن صالح نحو حديث هشيم بن بشير.

وغرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعتهم لهشيم في رواية هذا الحديث عن صالح بن صالح وفائدتها تقوية السند الأول، الأول منها من سداسياته ورجاله كلهم كوفيون، والثاني منها أَيضًا من سداسياته رجاله خمسة منهم كوفيون وواحد عدني، والثالث من سباعياته رجاله أربعة منهم كوفيون وثلاثة بصريون، والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 93