الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وقال
العلامة محمد محمود خطاب السبكي
(المتوفى: 1352 هـ): "ومن المنكر ما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، يطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام، ويخاطبون الميت بالكلمات المكفّرة كقولهم: "أَقْصم ظهره يا سيد، وخذ عمره، وتصرف فيه يا إمام" ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد.
ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والبدوي والبيومي، وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي، وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس. وينذرون لهم النذور، ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج، ويضعون الدراهم في صناديقهم.
ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح
رضي الله تعالى عنهم"
(1)
.
• وقال
العلامة محمد بن عثمان الشاوي
(المتوفى: 1354): "فإنا لم نكفّر بالعموم، ولا نكفّر إلا من قام الدليل القاطع على كفره، بصرفه حق الله لغيره، ودعائه، والتجاءه إلى ما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فضلا عن غيره"
(2)
.
• وقال
الشيخ محمد رشيد رضا
(المتوفى:1354): "ومن الناس من يسمّون أنفسهم موحّدين، وهم يفعلون مثلما يفعل جميع المشركين، ولكنهم يفسدون في اللغة كما يفسدون في الدين، فلا يسمون أعمالهم هذه عبادة، وقد يسمونها توسلا أو شفاعة، ولا يسمون من يدعونهم من دون الله أو مع الله شركاء، ولكن لا يأبون أن يسموهم أولياء وشفعاء، وإنما الحساب والجزاء على الحقائق لا على الأسماء، ولو لم يكن منهم إلا دعاء غير الله ونداؤه لقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، لكفى ذلك عبادة له هو وشركًا بالله عز وجل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة»
…
ومن تأمل تعبير الكتاب العزيز عن العبادة بالدعاء في أكثر الآيات الواردة في ذلك وهي كثيرة جدًا يعلم -كما يعلم من اختبر أحوال البشر في عباداتهم- أنّ الدعاء هو العبادة الحقيقية الفطرية التي يثيرها الاعتقاد الراسخ من أعماق النفس ولا سيما عند الشدة"
(3)
.
وقال أيضًا: "وعبدةُ هذه القبور يعتقدون أنّ المدفونين فيها أحياء يقضون حاجات من يدعونهم ويستغيثونهم، وعلماء الخرافات يقولون لهم: إن عملهم هذا شرعي"
(4)
.
(1)
الدين الخالص (8/ 99).
(2)
القول الأسد في الرد على الخصم الألد (لوحة:5).
(3)
تفسير المنار (5/ 344) الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(4)
المصدر السابق (11/ 266).
وقال أيضًا: "والآيات المنكرة على المشركين دعاء غير الله وكونه عبادة لهم وشركًا من الله كثيرة.
ولكن المضلين للعوام من المسلمين يقولون لهم: لا بأس بدعائكم للأولياء والصالحين عند قبورهم، والتضرع والخشوع عندهم، فإنّ هذا توسّل بهم إلى الله ليقربوكم منه بشفاعتهم لكم عنده لا عبادة لهم.
وهذا تحكّم في اللغة وجهلٌ بها، فأهل اللغة كانوا يسمون ذلك عبادة، والوسيلة في الدين هي غاية للعبادة، فإن معناها القرب منه تعالى، والتوسل طلب ذلك، فهو التقرب منه بما يرتضيه، وإنما يكون بما شرعه من عبادتك له دون عبادة غيرك {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
والذين عبدوا الملائكة والأنبياء والأولياء كانوا يقصدون بدعائهم أن يقربوهم إلى الله زلفى وأن يشفعوا لهم عنده، ويعتقدون أنهم لا يملكون نفعهم ولا كشف الضر عنهم بأنفسهم، بل ذلك هو الله الذي يجير ولا يجار عليه، وآيات القرآن صريحة في ذلك.
نعم إنّ طلب الدعاء من المؤمنين مشروع من الأحياء دون الأموات، ويسمى في اللغة توسلا إلى الله لأنه قد شرعه، ومنه توسل عمر والصحابة بالعباس، بدلا من النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وإنما كان ذلك بصلاة الاستسقاء وما يشرع بعدها من الدعاء.
فإذا قيل لهم هذا قالوا إنّ ما ورد من ذمّ دعاء غير الله والتقرب به إلى الله خاص بالمشركين، وما يعاب من المشركين لا يعاب من المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فأنتم تحملون الآيات في المشركين على المؤمنين.
وهذا القول جهلٌ فاضح منهم، فإنّ الله تعالى ما ذم الشرك إلا لذاته، وما ذم المشركين إلا لأنهم تلبسوا به، وإن الذين أشركوا من أهل الكتاب ما كانوا إلا مؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولكن ما طرأ عليهم من الشرك أحبط إيمانهم، وكذلك يحبط إيمان من أشرك من المسلمين بدعاء غير الله، أو بغير ذلك من عبادة سواه، وإن لم يشرك بربوبيته، بأن كان يعتقد أنه هو الخالق المدبر لأمر العباد وحده، فهذا الإيمان عام قلّ من أشرك فيه، فتوحيد الإلهية هو إخلاص العبادة لله والتوجه فيها له وحده دون غيره من الأولياء والشفعاء المسخرين بأمره {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} "
(1)
.
(1)
المصدر السابق (8/ 408).
وقال أيضًا: "المعروف عند عامة أهل عصرنا من معنى التوسل أن يعتمد المرء في قضاء حاجاته من جلب نفع أو كشف ضر أو نجاة في الآخرة من عذاب الله أو فوز بنعيم الجنة على أشخاص الأنبياء والصالحين وسؤالهم ذلك، أو سؤال الله تعالى بأشخاصهم أن يعطيه إياه، دون العمل بما جاء به الرسل عن الله من علم اعتقادي وعمل صالح وهو ما كان الصالحون صالحين باتباعهم فيه. وهذا التوسل مخالف لأصول الإسلام وهداية القرآن، وجار على قواعد الوثنية"
(1)
.
وقال أيضًا: "ولهذا أمر الله تعالى رسوله أن يحتج على النصارى في عبادتهم للمسيح عليه السلام بقوله: {قلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ، وهذه حجة على عبدة القبور وعلى أصحاب العمائم الذين يتأولون لهم عبادتهم بما يظنون أنه يبعدهم عن عباد الأصنام، بقولهم: إن هؤلاء الأولياء أحياء عند ربهم كالشهداء فهم يضرون وينفعون لا كالأصنام.
ولكن الله تعالى يقول للنصارى: إن المسيح لا يملك لهم ضرا ولا نفعا بعبادتهم له على ما آتاه من المعجزات.
وإنّ هؤلاء الدجالين من الشيوخ يؤمنون بأن المسيح أفضل من البدوي والحسين والسيدة زينب وغيرهم ممن يزعمون أنهم يملكون الضر والنفع لمن يطلبه منهم، وحياته لا تزال في اعتقادهم حياة عنصرية، وحياتهم برزخية، ومعجزاته قطعية، وكراماتهم غير قطعية، كذلك أمر الله تعالى رسوله خاتم النبيين وأفضلهم أن يخبر الناس بنفي ملكه لضر الناس ونفعهم وهو حيّ"
(2)
.
وقال أيضًا عند تفسيره لقوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} :
"فمن توجّه قلبه في عبادة من العبادات، ولا سيما مخّ العبادة وروحها وهو الدعاء إلى غير الله فهو عابد له مشرك بالله، وأكده بالنهي عن ضده معطوفا عليه فقال:{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أصحاب الديانات الوثنية الباطلة، الذين يجعلون بينهم وبين الله تعالى حجابا من الوسطاء والأولياء والشفعاء، يوجهون قلوبهم إليهم عند الشدة تصيبهم والحاجة التي تستعصي على كسبهم، ووجوههم وجملتهم إلى صورهم وتماثيلهم في هياكلهم، أو قبورهم في معابدهم، ويدعونهم لقضاء حوائجهم إما بأنفسهم وإما بشفاعتهم ووساطتهم عند ربهم.
ثم بين هذا بالإشارة إلى سببه عند المشركين والنهي عن مثله معطوفا عليه فقال: {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ} أي: ولا تدع غيره تعالى دعاء عبادة، -وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض-، لا على سبيل الاستقلال، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء {مَا لَا يَنفَعُكَ} إنْ دعوته لا بنفسه ولا بوساطته، {وَلَا يَضُرُّكَ} إنْ تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره (فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ) أي فإن فعلت هذا بأن دعوت غيره فإنك أيها الفاعل في هذه الحال من طغامة الظالمين لأنفسهم الظلم الأكبر، وهو الشرك الذي فسر به النبي
صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ؛ فإنه لما كان دعاء الله وحده هو أعظم العبادة ومخها - كما ورد في الحديث - كان دعاء غيره هو معظم الشرك ومخّه
…
(1)
مجلة المنار (27/ 421).
(2)
تفسير المنار (11/ 266).
والآيات في هذا المعنى كثيرة متفرقة في السور، كُرّرت لأجل انتزاع هذا الشرك الأكبر من قلوب الجمهور الأكبر، وقد انتزع من قلوب الذين أخذوا دينهم من القرآن، وكان جلّ عبادتهم تكرار تلاوته بالغدو والآصال، والليل والنهار.
ثم عاد بقضّه وقضيضه إلى الذين هجروا تدبر القرآن وهم يدّعون الإسلام، وأكثرهم يتلقون عقائدهم من الآباء والأمهات والمعاشرين، وأكثر هؤلاء من الخرافيين الأميين الجاهلين، وأكثر القارئين منهم على قلّتهم يأخذونها من كتب مقلدة متأخري المتكلمين الجدلية والمتصوفة الخرافية، ولا يكاد مسجد من مساجدهم يخلو من قبر مشرف مشيّد، توقد عليه السرج والمصابيح، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعليها، ويتوجه إليه الرجال والنساء في كل صباح ومساء، يدعون من دون الله من يعتقدون أنهم أحياء يقيمون فيها، ويتقربون إليهم بالهدايا والنذور من الأميين، وبعرائض الاستغاثة والدعاء من المتعلمين، ليكشفوا عنهم الضر، ويهبوا لهم ما يرجون من النفع.
ومِن أمامهم وورائهم عمائم مكورة، ولحى طويلة أو مقصرة، يسمّون شركهم الأكبر توسلا، واستغاثتهم استشفاعًا، ونذورهم لغير الله صدقات مشروعة، وطوافهم بالقبور المعبودة زيارات مقبولة، ويتأولون هذه الآيات الكثيرة، بل يحرّفونها عن مواضعها، بزعمهم أنها خاصة بعبادة الأصنام، والنذور للأوثان، والتعظيم للصلبان، كأن الإشراك بالله جائز من بعض الناس ببعض المخلوقات دون بعض"
(1)
.
وقال أيضًا: "وشر أنواع الاعتداء في الدعاء التوجه فيه إلى غير الله ولو ليشفع له عنده؛ لأنّ الحنيف من يدعو الله تعالى وحده، فلا يدعو معه غيره، كما قال:{فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدً} أي لا ملكًا ولا نبيًا ولا وليًا.
ومن دعا غير الله فيما يعجز هو وأمثاله عنه من طريق الأسباب كالشفاء من المرض بغير التداوي وتسخير قلوب الأعداء والإنقاذ من النار ودخول الجنة وما أشبه ذلك من المنافع ودفع المضار فقد اتخذه إلهًا؛ لأن الإله هو المعبود، والدعاء هو العبادة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم"
(2)
.
وقال أيضًا: "وهل يكابر أحدٌ في دعاء الألوف والملايين من عامتنا للموتى من الصالحين، إلا إذا كان لا يخجل من إنكار المحسوسات؟! ألا إنهم لا ينكرونه ولكنهم يؤولونه لهم: بأنهم لا يقصدون به العبادة، وإنما يقصدون التوسل! ألفاظ يلوكونها ولا يفهمونها، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «الدعاء هو العبادة» أي: هو الفرد الأعظم من أفرادها، والركن الأكمل من أركانها، كقوله: «الحج عرفة»، فتجويز دعاء غير الله كتجويز الصلاة لغير الله بدعوى عدم قصد العبادة، وتسميتها توسلاً أو ما يشاء أهل التأويل من الأسماء"
(3)
.
(1)
المصدر السابق (11/ 399 - 400).
(2)
المصدر السابق (8/ 407).
(3)
مجلة المنار (12/ 395).
وقال أيضًا عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ} : "وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {مِنْ دُونِ اللهِ} كَائنينَ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُتَجَاوِزِينَ بِذَلِكَ تَوْحِيدَ اللهِ وَإِفْرَادَهُ بِالْعِبَادَةِ.
فَهَذَا التَّعْبِيرُ يَصْدُقُ بِاتِّخَاذِ إِلَهٍ أَوْ أَكْثَرَ مَعَ اللهِ تَعَالَى وَهُوَ الشِّرْكُ، فَإِنَّ عِبَادَةَ الشِّرْكِ الْمُتَّخَذِ غَيْرُ عِبَادَةِ اللهِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْمُشْرِكُ أَنَّ هَذَا الْمُتَّخَذَ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِالِاسْتِقْلَالِ وَهُوَ نَادِرٌ، أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِإِقْدَارِ اللهِ إِيَّاهُ وَتَفْوِيضِهِ بَعْضَ الْأَمْرِ إِلَيْهِ فِيمَا وَرَاءَ الْأَسْبَابِ، أَوْ بِالْوَسَاطَةِ عِنْدَ اللهِ، أَيْ بِحَمْلِهِ تَعَالَى بِمَا لَهُ مِنَ التَّأْثِيرِ وَالْكَرَامَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضَّرِّ، وَهُوَ الْأَكْثَرُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ عِنْدَ الْبَعْثَةِ كَمَا حَكَى الله عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} وَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} "
(1)
.
وقال أيضًا: "وأما مشركو العرب في زمن البعثة فلم يكونوا يجهلون أنّ هذا [أي: دعاء غير الله والاستشفاع به] كله يسمى عبادة؛ لأن اللغة لغتهم، ولم يكن لهم عرف ديني مخصص لعموم العبادة اللغوي، ولا باعث على التأويل أو التحريف، فكانوا يصرحون بأنهم يعبدون أصنامهم ويسمونها آلهة; لأن الإله هو المعبود وإن لم يكن ربا خالقا، ويقولون كما أخبر الله عنهم {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ويسمونهم أولياء أيضًا {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} الآية.
وقد فعل أهل الكتاب ومن اتبع سننهم من المسلمين مثل ذلك ولكن سموه توسلا، وأنكروا تسميته عبادة، والتسمية لا تغير الحقائق، وكذلك تغيير المعبودات من البشر والملائكة وما يذكر بها من صورة وتمثال أو قبر أو تابوت كالتابوت الذي يتخذه بعض أهل الهند للشيخ الصالح عبد القادر الجيلاني، فكل تعظيم ديني لهذه الأشياء أو الأشخاص بما ذُكر أو غيره مما لم يرد به شرع عبادة لها، وإشراك مع الله عز وجل من حيث ذاته، ومن حيث كونه شرعا لم يأذن به الله"
(2)
.
وقال أيضًا: "فمن دعا إلى عبادة نفسه فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله وإن لم ينههم عن عبادة الله، بل وإن أمرهم بعبادة الله.
ومن جعل بينه وبين الله واسطة في العبادة كالدعاء فقد عبد هذه الواسطة من دون الله; لأنّ هذه الوساطة تنافي الإخلاص له وحده. ومتى انتفى الإخلاص انتفت العبادة، ولذلك قال:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ، فلم يمنع توسلهم بالأولياء إليه تعالى أن يقول: إنهم اتخذوهم من دونه.
(1)
تفسير المنار (7/ 219).
(2)
المصدر السابق (8/ 128 - 129).
ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» ، وفي رواية «فأنا منه بريء، هو للذي عمل له» رواه مسلم وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه، نادى مناد من أشرك في عمل عمله لله أحدًا فليطلب ثوابه من عند غير الله، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» رواه أحمد.
والوجه الثاني: أنّ من يتوجه بعبادته إلى غير الله تعالى على أنه وسيلة إليه ومقرّب منه وشفيع عنده، أو على أنه متصرف بالنفع ودفع الضر لقربه منه، فتوجهه هذا إليه عبادة له مقدرة بقدرها، فهو عبد له في هذا القدر من التوجه إليه من دون الله، وهذا الوجه معقول في نفسه، والأول أقوى لأنّ النصوص مؤيدة له، وقد غفل عنه من أجازوا للعامة اتخاذ أولياء يتوجهون إليهم بالدعاء وطلب الحاجات ويسمون ذلك توسلا بهم إلى الله إنما هو عبادة لهم من دون الله"
(1)
.
وقال أيضًا عند تفسيره لقوله تعالى: {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ} : "وفي هذا الجواب من أصول الدين أنّ شؤون الرب وسائر ما في عالم الغيب توقيفي لا يعلم إلا بخبر الوحي، ومنه اتخاذ الوسطاء عند الله مما ذكر وأنه عين الشرك.
ولكن من علماء الأزهر من يثبتون هذه الوساطة بالرأي، ويحرّفون ما ينقضها من الآيات المحكمات والأحاديث المتفق عليها كأنها هي الأصل، حتى إنهم يبيحون دعاء الموتى واستغاثتهم عند قبورهم. ويحتجون على ذلك بأنهم أحياء فيهم"
(2)
.
وقال أيضًا: "مدار العبودية على توجه العباد إلى المعبود فيما يرجون من نفع ويخافون من ضر، فاستعمل اللفظان في التنزيل في بيان أن الرب المستحق للعبادة هو من يملك الضر والنفع، غير خاضع ولا مقيد بالأسباب العادية، كقوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً}، وقوله في عجل بني إسرائيل: {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً} وقوله: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} "
(3)
.
وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} : "أمرهم عليه السلام بالتوحيد الخالص، وقفّى عليه بالتحذير من الشرك، والوعيد عليه، ببيان أن الحال والشأن الثابت عند الله تعالى هو أن كل من يشرك بالله شيئًا مّا من ملك أو بشر أو كوكب أو حجر أو غير ذلك، بأن يجعله ندا له، أو متحدا به، أو يدعوه لجلب نفع أو دفع ضر أو يزعم أنه يقربه إلى الله زلفى، فيتخذه شفيعا، زاعما أنه يؤثر في إرادة الله تعالى أو علمه، فيحمله على شيء غير ما سبق به علمه، وخصصته إرادته في الأزل، من يشرك هذا الشرك ونحوه فإن الله يحرم عليه الجنة في الآخرة، بل هو قد حرمها عليه في سابق علمه، وبمقتضى دينه الذي أوحاه إلى جميع رسله، فلا يكون له مأوى ولا ملجأ يأوي إليه إلا النار دار العذاب والهوان، وما لهؤلاء الظالمين لأنفسهم بالشرك من نصير ينصرهم، ولا شفيع ينقذهم {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَاّ بِإِذْنِهِ} {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، فالنافع رضاه {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، وشر أنواعه الشرك"
(4)
.
(1)
المصدر السابق (3/ 285 - 286).
(2)
المصدر السابق (11/ 267).
(3)
المصدر السابق (9/ 425).
(4)
المصدر السابق (6/ 400).