الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وقال
العلامة محمد بن عمر العماري
(المتوفى:1391): "اعلم أنّ حال الشخص الذي يدعو غير الله جهارًا، ويطلب العون والمدد من الموتى كما ذكر السائل: حال المشركين في عصر التنزيل والعهد النبوي.
قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} ، وقال تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ، وقال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَاّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَاّ فِي ضَلَالٍ} .
وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي يقولون: ما نعبدهم وندعوهم إلا ليصلونا بالله، ويدنونا منه بشفاعتهم لنا، لقربهم منه، وجاههم عنده، لا نريد أكثر من ذلك.
فاستعرض أيها العاقل هذه الآيات التي تكشف حال المشركين في عصر النبوة على حال الشخص المذكور في السؤال ومن ضاهاه، ووازن بينهم، فتجدهم قد تأسّوا بهم، فإن القرآن كلام الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، يعمّ في خطابه الموجودين وقت نزوله، ومن سيوجد بعد، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"
(1)
.
وقال أيضًا: "فإن قال الشخص المذكور: ليس حالنا كحال المشركين؛ لأن المشركين يدعون أصنامهم وهي حجارة، ونحن إنما ندعو صالحين؟
أجيب عنه بأن المشركين كذلك إنما يدعون صالحين، وإنما الأصنام مصوّرة بصورهم لتكون رمزًا لهم؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت حتى تخرج الصور فأُخرجت، ومن تلك الصور صورة إبراهيم وصورة مريم.
فإن قال: نحن نصلي ونصوم ونحج ونتصدق ونفعل خيرات كثيرة لله تعالى، أما المشركون فلا يعملون شيئا من ذلك لله تعالى؟
(1)
فتوى عن حكم الاستغاثة بغير الله، لمحمد بن عمر العماري (ص: 13 - 15) تعليق: فائز سعيدان.
أجيب عنه بأن الشخص المذكور جاهل بحالهم، قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية» ، لأن من لا يعرف الشرك وما عابه القرآن وذمّه وقع فيه وأقره وهو لا يعرف أن عليه عمل الجاهلية، كما وقع للشخص المذكور وأمثاله، وحينئذ تنقض عرى الإسلام، ويعود المنكر معروفًا والمعروف منكرا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفَّر بمحض التوحيد، ويبدَّع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع.
ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانًا، فإن المشركين قبل مجيء صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم كانوا يصومون ويتصدقون ويحجون ويعتمرون ويطوفون بالكعبة ويدعون ويتضرعون وينذرون وكانوا يعملون بعض هذه العبادات لله وبعضها لأوليائهم، وهم يعلنون أن صرف بعض هذه العبادات لأوليائهم مما أمرهم الله به، ويزيدهم من الله قربى، وينالون بها شفاعتهم عند الله كما أخبر الله في الكتاب عن حالهم، فأرسل الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ينهاهم عنها، ويأمرهم بعبادة الله وحده، وترك الالتجاء إلى الأولياء والصالحين ودعائهم، وترك ما كان عليه أسلافهم من الوثنية"
(1)
.
وقال أيضًا: "فالآيات التي تُليت عليك وغيرها تنص على أنه لا تجوز عقلاً ولا شرعًا العبادة
ومنها - الدعاء - إلا الله الواحد الأحد، المولي لأعظم النعم، من الحياة والوجود وتوابعهما، وأنه إن أراد لك الخير فلا رادّ له، وإن يمسك بضر فلا كاشف له سواه.
فلا يسوغ لمن عنده مسكة من العقل أن يخضع لغيره، ولا أن يدعو سواه عز وجل، كيف وهو إن فعل دلّ على أنه لا عقل له، وذلك بخضوعه لمن لا يستطيع جلب خير له، ولا دفعه عنه، ولا كشف ضرٍ نزل به، ولا إنزاله به، وهذا شيء ظاهر حتى للعقول الضعيفة التي لا تدرك إلا واضح الأشياء.
أفلا يتدبر الشخص الداعي لغير الله، ومن لفّ لفه، فاتحة الكتاب حين يتلو آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، فإنّ معناها: نخصك يا ربنا وحدك بالعبادة والاستعانة، فلا نعبد غيرك، ولا نستعين بسواك، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
والاستعانة: هي الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار، مع الثقة به في حصول ذلك.
فاجتثت بذلك جذور الشرك والوثنية التي كانت فاشية في الأمم، وهي اتخاذ أولياء من دون الله يُعتقد لهم السلطة الغيبية، ويُدعون لذلك من دون الله، ويستغاث بهم على قضاء الحوائج في الدنيا، ويُتقرب بهم إلى الله زلفى، وجميع ما في القرآن من آيات التوحيد ومقارعة المشركين هو لتفصيل هذا الإجمال.
(1)
المصدر السابق (ص: 15 - 18).