الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا: "فهذه البدعة وهي الاستغاثة بالأموات وإنزال الحاجات بهم والتوسل إنَّما هو بقية من عبادة الأصنام؛ فإنَّ الجاهلية كانوا يستغيثون بهم ويطلبون الحاجات منهم، وكلُّ بدعة ضلالة، كما ثبت في الأحاديث، وأيُّ ضلالةٍ أعظم من عبدٍ يُنزل حاجاته بالأموات ويعرض عن باري البريات.
وقد ثبت أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم بايعه جماعة من الصحابة على أن لا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم إذا سقط سوطه وهو على راحلته لم يسأل من يناوله، بل ينزل بنفسه، كلُّ هذا لتفرد الله بالسؤال وطلب الحاجات.
وإن قال: لم أُعرض عن الله، إنَّما تقربت بهم إليه.
فيقال: هذا بعينه هو الذي قاله من قال إنَّه لا يعبد الأصنام إلا لتقربه إلى الله زلفى، غاية الفرق أنَّ صنمه من حجارة أو خشب، وصنمك من سلالة من طين.
وأماَّ التوسل وطلب الحاجات فهو العبادة، بل هو مخ العبادة كما ثبت في الأحاديث.
ولو كان التوسل بالأموات جائزاً أو مندوباً لعلَّم رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أمته ذلك، فإنَّه قد علمهم كلَّ خير ونهاهم عن كلِّ شر، فإنَّه علمهم صلاة الاستخارة، وأذكار الصباح والمساء، والدعوات عند العوارض من الهم والغم والأخواف، بل قال لهم:«من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي» الحديث، فعلمهم التأسية عند المصايب، ولم يأت عنه حرفٌ أنَّه قال: من نزل به أمر فليستغث بي. وقد نهى العلماء عن هذه البدعة والضلالة وبينوا أنَّها حرامٌ"
(1)
.
وقال أيضًا: "وأما طواف الزائر بقبر الميت وتقبيلُه الأركان وسؤالُ الحاجات منه وعنده فهي عبادة المشركين لأصنامهم"
(2)
.
• وقال
العلامة حسين بن مهدي النعمي الحسني التهامي
(المتوفى:1187 هـ): "دعاءُ المخلوق وقصده بذلك من متفاحش الظلم ومتبالغ الشرك، ومنازعة في خاص حق الله، وخضوع وتذلل بخالص عبادته لسواه؛ إذ روح كونك عبداً له تعالى هو هذا المقام، وهذا التكيف والتصور بهذه الحالة"
(3)
.
(1)
المصدر السابق (ص: 92 - 93).
(2)
المصدر السابق (ص: 99).
(3)
معارج الألباب في مناهج الحق والصواب (ص: 193) مطابع الرياض، 1393 هـ.
وقال أيضًا: "فدعاءُ غير الله تعالى: إخراج للدعاء عن محله وموضوعه، كقيامه بتلك الصلاة على تلك الكيفية للمقبور والحجر، سواء بسواء، والفصل بين الصلاة والدعاء: فصلٌ بين متآخيين، وتفريق بين الفرقدين، وإلا فليجعلوا للمقبور صلاة وصياماً ونحوهما يفارق الذم والتشريك، ويكون صالحاً خالياً عن الفساد والمنكر، سبحانك ربنا هذا بهتان عظيم.
فما بال الدعاء الذي هو العَلَمُ المشهور في العبادة وآيات التنزيل، بل هو في الحقيقة بداية الأمر ومشرعه، وقطب رحاه، سل من مركزه، واستنزل من شوامخ صياصيه، وهو أظهر وأشهر معنى من العبادة، وأكثر تنصيصاً وتعييناً"
(1)
.
وقال أيضًا: "ومن أمعن النظر في آيات الكتاب وما قصَّ من محاورات الرسل مع أممهم وجد أن أسّ الشأن، ومحط رحال القصد شيوعاً وكثرةً وانتشاراً وشهرةً، هو دعاء الله وحده، وإخلاص العبادة له، وأنّ الغافلين كانوا بنقيض هذه الصفة من دون أن يضيفوا لما عبدوه شيئاً من صفات الربوبية كخلق ورزق وغيرهما، أو يجعلوا لها من ذواتها وصفاتها مقتضياً وملزماً للعبادة، بل أعربوا عن اتخاذها آلهة لتقريبهم إلى الله وشفاعتها عنده"
(2)
.
وقال أيضًا: "ولقد تتبعنا في كتاب الله فصول تراكيبه، وأصول أساليبه، فلم نجده تعالى حكى عن المشركين أنّ عقيدتهم في آلهتهم وشركائهم التي عبدوها من دونه أنها تخلق، وترزق، وتحيي، وتميت، وتنزل من السماء ماء، وتخرج الحي من الميت، والميت من الحي
…
بل إذا ضاق عليهم الأمر واشتدت بهم الكرب فزعوا إلى الله وحده، فإذا سئلوا عن حقيقة دينهم هل هو شرك في الربوبية؟ دانوا وأذعنوا للرب وحده بالاختصاص بكل ذلك والانفراد، وهذا واضح لمن ألقى السمع للقرآن فيما حكى عنهم
…
فهذا شرك القوم واتخاذهم الآلهة الذي كان سبباً أن سجّل عليهم ربهم القاهر فوق عباده بالشرك والغي والضلال والكفر والظلم والجهالة"
(3)
.
(1)
المصدر السابق (ص: 225).
(2)
المصدر السابق (ص: 214).
(3)
المصدر السابق (ص: 202 - 204).
وقال أيضًا: "ومن يتكلم بهذا [أي: أنّ الحاصل من العامة هو قصد التوسل بالصالحين فقط] لا يدري ما فشا في العامة، وما صار هجيراهم عند الأموات ومصارع الرفات من دعائهم، والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة، والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر والتطام أمواجه الكبار، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال، والله قد علم ما في طي ذلك كله من قبيح الخلائق والأفعال، وارتكاب ما نهى الله عنه وإضاعة حقوق ذي العزة والجلال، والالتجاء المحقق إلى سكان المقابر في فتح أرحام العقام، وتزويج الأرامل والأيامى من الأنام، واستنزال السحائب والأمطار واستماحة المآرب والأوطار، ودفع المحاذير من المكاره والشدائد، والإناخة بأبوابها لنيل ما يرام من الحوائج والمقاصد
…
وليعرف كل سامع لما نمليه أن القائل "بأن العوام قد يقع منهم عبارات موهمة، وقصارى أمرهم التوسل" إما غالط أو خالط، أو جاهل للدين. وإلا فما بعد هذا؟! "
(1)
.
وقال أيضًا بعد أن ذكر كثيرًا من استغاثات العوام وحالاتهم: "فما من مسلم عرف معنى الإيمان بالله حقًا وتوحيده، وأنس بطرائق هذا الدين الحنيف قبل استيلاء تلك البدع المحدثات على القلوب يرى شيئا من هذا حسنًا بل جائزًا بل معصية لا تدافع التوحيد، فضلاً عن أن يؤصّل لكونه بابًا من الدين، والدين بحمد الله واضح المناهج، بيّن المدارج، لا يحتمل أوهام من ضل وزلّ وخرّ لوجهه في مهاوي هذا الضلال المبين.
أفيقول ذو عقل: إن ما حكيناه "مجرد توسل، وعبارة موهمة بمنزلة اللغو في اليمين"؟!
اللهم إنا نبرأ إليك من هذه المخادعة لك ولدينك، فإن من عنده مسكة من عقل ينادي: إنه لا يتمحل لضلال الناس عن إخلاص عبادة ربهم بهذه التمحلات السمجة إلا من لا يفهم ولا يدري.
ومن عجيب ما أتته العامة من طرائف هذا الباب وغرائبه الفاحشة التي زعم ذلك المخادع القائل "إنها مجرد توسل وعبارة موهمة" ما شاهدناه بالمعاينة مكتوبًا على راية مشهد من المشاهد "هذه راية البحر التيار فلان ابن فلان، به أستغيث وأستجير، وبه أعوذ من النار"
(2)
.
(1)
المصدر السابق (ص: 169 - 170).
(2)
المصدر السابق (ص: 172).
وقال أيضًا: "فالداعي سوى الله والملتجئ إلى غيره، وصارف اضطراره وافتقاره عنه إلى من دونه، بهيئة ما ينبغي أن يكون لله،
…
ومثبت ما لله من التأثير لخلقه على جهة اتصاف المحل ولو في الجملة، إما بالاعتقاد أو بالتهيؤ كما تترجم عنه الحالة الدعائية وحكم صورتها،
…
مضيّعٌ لمعنى العبودية ومقتضيات الربوبية التي لا انفكاك عنها"
(1)
.
وقال أيضًا: "ولا نعلم كبير معنى للشرك - إذ نعاه الله إلى أهله- سوى باب العمل لغيره، والدعاء لسواه، وما يستتبعان أو ينشأ عنهما، وإن كان العمل للأوثان لم يقع إلا للاستشفاع لا للاستحقاق للذات كما هو صريح {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى} .
فالقصد الثاني وهو التوسل غير نافع مع القصد الأول، وهو إرادة السوى بالعمل، وجعله له، وإضافته إليه، وتوجيهه له، إذ هذا فرقُ من وراء الجمع.
وهل يستطاع بحجة واضحة أن يمانعنا بشرٌ أنّ "يا ولي الله افعل" من هذا القبيل، كالصلاة له سواء؟! إذ الوضع واحد كما شرحناه"
(2)
.
وقال أيضًا: "فتأمل قوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} ، وتضمنه بيان معنى ذلك الدعاء والقصد به، والغاية الباعثة عليه، والصفة التي تكيف بها، فإنه مترجم عن أنهم يسألون المدعو أغراضهم، فكشف لهم - إذ لم يكونوا منزلين منزلة من يجهل- عن حقيقة الأمر، وأنه لا يملك مما سألوه شيئًا، ولا يستطيع لهم قط إجابة.
ولا نخال أن القوم يعتقدون - إذ دعوا أوثانهم- أنها تدبِّر الأمر، وتملك التصرف فيه، فأي دلالة في دعائها عليه مع تسميتها أيضًا شفعاء؟!
فهل يمكن مع هذا أن يجزم بكون القصد على نمط العبارة.
وهذا بعينه - دع ما جاوزه- قد ملأ أرجاء البسيطة، ودان به العامة في سكان المقابر، ودعاء أصحاب الأجداث في كشف الملمات، ودفع المهمات، وقضاء المطالب والمآرب والحاجات، برًا وبحرًا، وسهلاً ووعرًا.
وإن تراجم الكتاب العزيز، وبراهينه بتلك المثابة والمنزلة والبيان الذي تلوناه عليك من آياته البينة، وكلماته المفصلة المعينة، التي لا تبقي شكًا ولا شبهة ولا ارتيابًا عند من وازن وتدبر.
(1)
المصدر السابق (ص: 195)
(2)
المصدر السابق (ص: 240).