الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا: "وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً} إلخ إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى، وينذرون لهم النذور، والعقلاء منهم يقولون: إنهم وسائلنا إلى الله تعالى، وإنما ننذر لله عز وجل، ونجعل ثوابه للولي، ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم ذلك شفاء مريضهم أو ردّ غائبهم أو نحو ذلك، والظاهر من حالهم الطلب، ويرشد إلى ذلك أنه لو قيل: انذروا لله تعالى واجعلوا ثوابه لوالديكم فإنهم أحوج من أولئك الأولياء لم يفعلوا، ورأيت كثيرا منهم يسجد على أعتاب حجر قبور الأولياء، ومنهم من يثبت التصرف لهم جميعا في قبورهم لكنهم متفاوتون فيه حسب تفاوت مراتبهم، والعلماء منهم يحصرون التصرف في القبور في أربعة أو خمسة، وإذا طولبوا بالدليل قالوا: ثبت ذلك بالكشف، قاتلهم الله تعالى ما أجهلهم وأكثر افترائهم، ومنهم من يزعم أنهم يخرجون من القبور ويتشكلون بأشكال مختلفة، وعلماؤهم يقولون: إنما تظهر أرواحهم متشكّلة وتطوف حيث شاءت وربما تشكلت بصورة أسد أو غزال أو نحوه، وكل ذلك باطل لا أصل له في الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة، وقد أفسد هؤلاء على الناس دينهم وصاروا ضحكة لأهل الأديان المنسوخة في اليهود والنصارى، وكذا لأهل النحل والدهرية. نسأل الله تعالى العفو والعافية"
(1)
.
وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} : "وقد يقال نظرًا إلى مفهوم الآية: إنهم من يندرج فيهم كل من أقر بالله تعالى وخالقيته مثلا وكان مرتكبًا ما يعد شركًا كيفما كان، ومن أولئك عبدة القبور الناذرون لها المعتقدون للنفع والضر ممن الله تعالى أعلم بحاله فيها، وهم اليوم أكثر من الدود"
(2)
.
• وقال
العلامة محمد بن ناصر الحازمي الحسني التهامي
(المتوفى: 1283): "فمن طلب غير الله أحدًا من الأموات، أو النجوم، أو الشمس أو القمر، أو النور أو الظلمة، فقد غيَّر معنى لا إله إلا الله، وإن نطق بها أو تكلم بما يدل عليها؛ فإنّ المشركين يعرفون معنى لا إله إلا الله، ولهذا قال المشركون: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}، فإنه أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا لا إله إلا الله، فأنكروا هذا؛ لأنهم يعلمون أن معناها ترك الأصنام، وأن لا يُدعى إلا الله، ولا يعبد سواه، فهؤلاء الذين يطلبون المعتَقَد لم يعرفوا معنى لا إله إلا الله، ولم يقوموا بحقها"
(3)
.
(1)
المصدر السابق (9/ 202).
(2)
المصدر السابق (7/ 64).
(3)
إيقاظ الوسنان على بيان الخلل الذي في صلح الإخوان (ص: 105) تحقيق: عبد الله الحازمي.
وقال أيضًا: "من اعتقد في شجر أو حجر أو جني أو حي أو ميت أنه ينفع أو يضر أو أنه يقرب إلى الله تعالى يشفع عنده في حاجة من حوائج الدنيا بمجرد التشفع والتوسل إلى الرب تعالى، فإنه قد أشرك مع الله غيره. واعتقد ما لا يحل اعتقاده"
(1)
.
وقال أيضًا: "فإنّ دعاؤهم [أي: عباد القبور] في المهمات لأسماء رجا صالحين، قد جعلوا على قبور بعضهم التوابيت والخرق النفيسة، والقباب، وسرجوا عليها في الليل، وعكفوا عليها هو بعينه فعل عباد الأصنام، وعباد الأصنام يعلمون أن هؤلاء لا يغنون عنهم من الله شيئًا، وإنما قصدوا التقرب إلى الله تعالى، وهؤلاء كذلك يقولون: إنهم مذنبون، وهؤلاء أقرب إلى الله تعالى منهم وسائط ووسائل، وهذا بعينه فعل عباد الأصنام"
(2)
.
وقال أيضًا: "وأعظم من هذا أنه يستعان بهم عند الملمات، ويستغاث بهم في المهمات،
…
ومع أن كل أحد من هؤلاء يدعو معتقده إذا مسه الضر، وربما كان معتقده مقبورًا في مصر والداعي في اليمن، فإنهم يدعون البدوي والجيلاني في بغداد وبينهم البر والبحر، والله تعالى يقول:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} ، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ، ويقول صلى الله عليه وسلم:«الدعاء هو العبادة» ثم يتلو هذه الآية، وهذه الصيغة تفيد الحصر، فمن دعا غير الله تعالى فقد عبد سواه، والله يقول لمصطفاه {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} ويقول {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
ومن عبد غير الله فقد أشرك، والله تعالى يقول لسيد المخلصين:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} "
(3)
.
وقال أيضًا: "فإذا رددنا ما تنازعنا فيه، وقلنا بتحريم دعوة غير الله والاستغاثة به وما الحق في ذلك، فوجدنا القرآن ينادي بالنهي عن دعوة غير الله ويختمها بالوعيد الشديد لمن فعل ذلك، ولو لم يُحتج على صاحب الرسالة [أي: داود بن جرجيس] إلا بآية واحدة، لانقطعت حجته، ووهت شبهته، والسنة كذلك تنادي في النهي عن أن يدعى مع الله غيره، كما في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار» .
ومسمّى الدعاء هو السؤال والطلب لغة وشرعاً شاء المشرك أو أبى،
…
والندّ هو الشبه والمثل، فمن استغاث بغير الله من ميت أو غائب، أو دعاه فقد شبّهه بالله الذي يصمد إليه كل مخلوق في كل ما يحتاجون إليه في دنياهم وأخراهم"
(4)
.
• وقال العلامة محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (المتوفى: 1298): "والقسم الثاني [أي: من البدع التي ليست حسنة]: ما يدعو إلى إباحة ما حرم الله، ومن ذلك ما عمّ الابتلاء به من التقرب إلى الأولياء في قبورهم بأنواع الطاعات، وتعظيم نحو حائط أو عمود أو شجر رجاء شفاء أو قضاء حاجة.
وهذا القسم أعظم وأشد من القسم الذي قبله، ويُخشى منه الوقوع في الكفر.
(1)
المصدر السابق (ص: 33).
(2)
المصدر السابق (ص: 63 - 64).
(3)
المصدر السابق (ص: 85 - 87).
(4)
المصدر السابق (ص: 127 - 128).