المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفقيه المحدث محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني - المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين

[محمد بن عبد الله المقشي]

فهرس الكتاب

- ‌ الإمام نعيم بن حماد شيخ الإمام البخاري

- ‌ شيخ المفسرين ابن جرير الطبري

- ‌ إمام الأئمة ابن خزيمة

- ‌ الإمام أبو بكر الخلال

- ‌ الإمام أبو عبد الله ابن بطة العُكْبَري

- ‌ الإمام أبو سليمان الخطابي

- ‌ الإمام أبو عبد الله الحليمي

- ‌ الحافظ البيهقي

- ‌ القاضي أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي

- ‌ الحافظ ابن عبد البر

- ‌ أبو القاسم القشيري

- ‌ أبو المظفر السمعاني

- ‌ الراغب الأصفهاني

- ‌ الإمام أبو حامد الغزالي

- ‌ الإمام البغوي

- ‌ ابن عقيل إمام الحنابلة ببغداد

- ‌ ابن مفلح:

- ‌ الإمام أبو بكر الطرطوشي

- ‌ قوام السنة الأصبهاني الشافعي

- ‌ الإمام أبو عبد الله المازري المالكي

- ‌ أبو الفتح الشهرستاني الشافعي

- ‌ الشيخ العارف عبد القادر الجيلاني

- ‌ الفخر الرازي

- ‌ أبو السعادات ابن الأثير

- ‌ سلطان العلماء العز بن عبد السلام

- ‌ الحافظ أبو شامة المقدسي الشافعي

- ‌ أبو عبد الله القرطبي

- ‌ العلامة أبو عبد الله الرازي الحنفي

- ‌ الإمام النووي

- ‌ الإمام القرافي المالكي

- ‌ القاضي ناصر الدين البيضاوي

- ‌ العلامة علي بن داود ابن العطار تلميذ الإمام النووي

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الشرك في بني آدم أكثره عن أصلين:

- ‌ الحافظ ابن عبد الهادي

- ‌ العلامة أبو حيان الأندلسي

- ‌ الحافظ أبو عبد الله الذهبي

- ‌ الحافظ ابن القيم

- ‌ عضد الدين الإيجي

- ‌ الحافظ ابن كثير

- ‌ الإمام الأذرعي الشافعي

- ‌ ابن أبي العز الحنفي

- ‌ سعد الدين التفتازاني

- ‌ الحافظ ابن رجب الحنبلي

- ‌ ابن النحاس الشافعي

- ‌ الفقيه العلامة ولي الدين العراقي الشافعي

- ‌ العلامة تقي الدين المقريزي الشافعي

- ‌ نظام الدين النيسابوري

- ‌ الحافظ ابن حجر العسقلاني

- ‌ العلامة بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل الشافعي

- ‌ الإمام قاسم بن قطلوبغا

- ‌ العلامة أبو الحسن المرداوي

- ‌ الشيخ زكريا الأنصاري

- ‌ محيي الدين شيخ زاده

- ‌ العلامة ابن نجيم الحنفي

- ‌ الإمام تقي الدين محمد بن بير علي البركوي الرومي الحنفي

- ‌ الإمام محمد بن طاهر الفتني

- ‌ العلامة المناوي

- ‌ العلامة محمد بن أحمد الشامي المعروف

- ‌ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده

- ‌ العلامة علاء الدين الحصكفي الحنفي

- ‌ العلامة ابن عابدين

- ‌ الشيخ محمد بن بسطام الخوشابي الواني

- ‌ العلامة صالح بن مهدي المقبلي

- ‌ العلامة الملا علي القاري

- ‌ العلامة أحمد بن عبد الأحد السرهندي

- ‌ الإمام أحمد بن محمد الرومي الأقحصاري الحنفي

- ‌ العلامة منصور بن يونس البهوتي الحنبلي

- ‌ العلامة صنع الله الحلبي المكي الحنفي

- ‌ الإمام الشاه عبد العزيز الملقب عند الحنفية بسراج الهند

- ‌ الإمام المجدد الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

- ‌ تعداده للأمور التي جعلها اللّه في الشريعة الإسلامية من مظنات الشرك:

- ‌ العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

- ‌والنَّذرُ بالمال للميت ونحوه

- ‌ العلامة حسين بن مهدي النعمي الحسني التهامي

- ‌ العلامة محمد بن سليمان الكردي الشافعي الأشعري

- ‌ العلامة عبد الخالق بن علي المزجاجي الحنفي الزبيدي

- ‌ العلامة مرتضى الزبيدي

- ‌ الإمام عبد القادر بن أحمد الكوكباني

- ‌لقاضي ثناء الله الباني بتي

- ‌ الشاه عبد القادر ابن الإمام ولي الله الدهلوي

- ‌ العلامة الحسن بن خالد الحازمي الحسني

- ‌ العلامة علي بن محمد سعيد السويدي الشافعي

- ‌ العلامة إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الشهيد

- ‌ الإمام محمد بن علي الشوكاني

- ‌ العلامة محمد بن محسن العطاس

- ‌ العلامة محمد عابد السندي

- ‌ الشاه محمد إسحاق الدهلوي

- ‌ العلامة عبد الله بن أحمد باسودان

- ‌ الإمام محمود الآلوسي المفسِّر

- ‌ العلامة محمد بن ناصر الحازمي الحسني التهامي

- ‌ الشيخ فضل الله الجيلاني الهندي الحنفي

- ‌ العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي

- ‌ العلامة محمد صديق خان القنوجي

- ‌ الشيخ نعمان الألوسي ولد الإمام المفسر

- ‌ العلامة علي بن أحمد باصبرين

- ‌ الشيخ محمد عبده

- ‌ الفقيه المحدث محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني

- ‌ الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي

- ‌ العلامة جمال الدين القاسمي:

- ‌ الشيخ الأديب الشاعر إلطاف حسين الحالي

- ‌ العلامة محمد طيب المكي

- ‌ الشيخ محمود شكري الآلوسي حفيد المفسر

- ‌ البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد:

- ‌ الأديب مصطفى المنفلوطي

- ‌ العلامة عبد القادر بن أحمد بن بدران الدمشقي

- ‌ القاضي العلامة عقيل بن يحيى الإرياني

- ‌ العلامة أبو بكر محمد عارف خوقير الكتبي المكي

- ‌ العلامة محمد محمود خطاب السبكي

- ‌ العلامة محمد بن عثمان الشاوي

- ‌ الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق قسمان:

- ‌ العلامة محمد بن أحمد العبدي الكانوني المالكي

- ‌ العلامة علي محفوظ الحنفي المصري

- ‌ العلامة مبارك بن محمد الميلي المغربي المالكي

- ‌ العلامة التراد بن العباس الفاضلي الشنقيطي

- ‌ الداعية الشهير حسن البناء

- ‌ العلامة أحمد بن مصطفى المراغي

- ‌ العلامة محمد فريد وجدي

- ‌ العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف

- ‌ الشيخ محمد جميل الشطي الحنبلي

- ‌ العلامة محمد سلطان المعصومي الخجندي الحنفي

- ‌ العلامة مفتي الثقلين خير الدين الرملي الحنفي

- ‌ العلامة علوي بن طاهر الحداد

- ‌ العلامة المحدث ذهبيُّ العصر عبد الرحمن المعلمي

- ‌ العلامة أمين محمود خطاب السبكي

- ‌ العلامة أحمد بن محمد بن عوض العبَّادي

- ‌ العلامة محمد بن عمر العماري

- ‌ الشيخ محمد بن سالم البيحاني

- ‌ العلامة محمد الأمين الشنقيطي

- ‌ العلامة حسن مأمون مفتي الديار المصرية

- ‌ العلامة محمد كنون المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب

- ‌ القاضي العلامة عبد الله بن عوض بكير

- ‌ أبو الأعلى المودودي

- ‌ الشيخ غلام الله خان الملقب بشيخ القرآن

- ‌ العلامة محمد علي بافضل

- ‌ الشيخ محمد طاهر ابن آصف الفنجفيري

- ‌ العلامة محمد نسيب الرفاعي الحلبي

- ‌ العلامة محمد المكي الناصري

- ‌ العلامة المباركفوري

- ‌ العلامة نقيب أحمد الرباطي الملقب عند الحنفية المعاصرة

- ‌ الشيخ محمد الغزالي

- ‌ العلامة عبد الله بن محفوظ الحداد

- ‌ الشيخ أبو الحسن الندوي

- ‌ الشيخ محمد الخضر الناجي الجكني الشنقيطي

- ‌ الشيخ الحسين بن عبد الرحمن الجكني الشنقيطي

- ‌ الشيخ مأمون محمد أحمد بن أمينوه الشنقيطي

- ‌ العلامة محمد سالم بن عبد الودود الشنقيطي المشهور بعدُّود

- ‌ العلامة يوسف القرضاوي

- ‌ العلامة علي سالم سعيد بُكيِّر

- ‌ العلامة عبد السلام الرستمي

- ‌ العلامة أبو بكر بن محمد الحنبلي المصري

- ‌ فتوى لمجموعة من علماء اليمن المعاصرين

الفصل: ‌ الفقيه المحدث محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني

وأصل الدعاء النداء والطلب مطلقًا، أو مع ملاحظة استعلاء المنادى المطلوب منه، وإذا لوحظ معه تعظيم المدعو، واعتقاد أن له سلطة غيبية وراء الأسباب الظاهرة، أو طُلب منه ما لا يُنال بالكسب كان عبادة، سواء كان اعتقاد السلطة له لذاته أو لأنه واسطة بين الداعي وبين الله تعالى يقربه إليه زلفى.

ولا يخرجه عن معنى العبادة تسميته باسم آخر كالتوسل والاستشفاع كما هو المتبادر من القرآن الكريم واللغة، والعبرة بالحقائق لا بالأسماء والاصطلاحات، ولا بالوساوس والخيالات"

(1)

.

وقال أيضًا: "فَالشِّرْكُ أَنْوَاعٌ وَضُرُوبٌ، أَدْنَاهَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى أَذْهَانِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِ اللهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَهُ، وَأَشَدُّهَا وَأَقْوَاهَا مَا سَمَّاهُ اللهُ دُعَاءً وَاسْتِشْفَاعًا، وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِهِمْ إِلَى اللهِ وَتَوْسِيطُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَعَالَى، فَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِهَذَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ، فَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ، وَأَقْوَى مَظَاهِرِهِ الَّتِي يَتَجَلَّى فِيهَا مَعْنَاهُ أَتَمَّ التَّجَلِّي، وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا عِبَادَةٌ أُخْرَى.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ قَدْ فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَأَوْرَدَ شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْمُعْتَقِدِينَ الْغَالِينَ فِي الْبَدَوِيِّ شَيْخِ الْعَرَبِ وَالدُّسُوقِيِّ وَغَيْرِهِمَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ.

وَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ الِاعْتِذَارَ لَهُمْ لَزَحْزَحَتِهُمْ عَنْ شِرْكٍ جَلِيٍّ وَاضِحٍ إِلَى شِرْكٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَلَاءً وَوُضُوحًا، وَلَكِنَّهُ شِرْكٌ ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ"

(2)

.

• وقال‌

‌ الفقيه المحدث محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني

الهندي (المتوفى: 1326): "قوله [أي: دحلان]: لأنا معشر أهل السنة لا نعتقد تأثيراً ولا خلقاً ولا إيجاداً ولا إعداماً ولا نفعاً ولا ضراً إلا لله وحده لا شريك له، ولا نعتقد تأثيراً ولا نفعاً ولا ضراً للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره من الأموات، فلا فرق في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكذا بالأولياء والصالحين، لا فرق بين كونهم أحياء وأمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً، وليس لهم تأثير في شيء، وإنما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالى، وأما الخلق والإيجاد والإعدام والنفع والضر فإنه لله وحده لا شريك له.

(1)

مجلة المنار (2/ 632).

(2)

تفسير المنار (5/ 68).

ص: 74

أقول: فيه كلام من وجوه:

(الأول): أنه يعتقد كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم، فصاروا يدعونهم تارة مع الله، وتارة استقلالاً

و (الثاني): أنّ مجرد عدم اعتقاد التأثير والخلق، والإيجاد والإعدام، والنفع والضر إلا لله لا يبرئ من الشرك، فإن المشركين الذين بَعث اللهً الرسل إليهم أيضاً كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الرازق، بل لابد فيه من إخلاص توحيده وإفراده، وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله، والنداء والاستغاثة والرجاء واستجلاب الخير واستدفاع الشر له ومنه لا بغيره ولا من غيره

و (الثالث): أن مجرد كون الأحياء والأموات شركاء في أنهم لا يخلقون شيئاً وليس لهم تأثير في شيء لا يقتضي أن يكون الأحياء والأموات متساوين في جميع الأحكام حتى يلزم من جواز التوسل بالأحياء جواز التوسل بالأموات، وكيف وليس معنى التوسل بالأحياء إلا التوسل بدعائهم وهو ثابت بالأحاديث الصحيحة، وأما التوسل بدعاء الأموات فلم يثبت بحديث صحيح ولا حسن.

قوله: وأما الذين يفرقون بين الأحياء والأموات، فإنهم بذلك الفرق يتوهم منهم أنهم يعتقدون التأثير للأحياء دون الأموات، ونحن نقول:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} . فهؤلاء المجوّزون التوسل بالأحياء دون الأموات أو المعتقدون تأثير غير الله هم الذين دخل الشرك في توحيدهم؛ لكونهم اعتقدوا تأثير الأحياء دون الأموات.

أقول: هذا كلام تقشعر منه الجلود، أما يعلم هذا القائل الصنديد، والمتفوه العنيد، أنّ الفارقين بين الأحياء والأموات هم الذين يمنعون مما هو دون اعتقاد تأثير الله بمراحل ويصرحون بكونه شركاً؟! فكيف يتوهم منهم أنهم يعتقدون تأثير غير الله؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.

على أن مناط الفرق بين الأحياء والأموات ليس اعتقاد التأثير للأحياء دون الأموات كما زعم هذا المتقوّل على الموحدين، إنما مناطه ثبوت التوسل بالأحياء بالأحاديث الصحيحة دون الأموات.

قوله: فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً.

أقول: هذا الحصر غير مسلم،

(1)

.

قوله: فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وذِكْرُ هؤلاء الأخيار سبب عادي في ذلك التأثير، وذلك مثل الكسب العادي فإنه لا تأثير له.

أقول: كون ذكر هؤلاء الأخيار سبباً عادياً في ذلك التأثير من أين عُلم؟ وأي دليل عليه؟ ولو سُلِّم فالسببية لا تستلزم المشروعية، ألا ترى أنّ كثيراً من العقود الفاسدة سبب لتحصيل المنافع وليست بمشروعة.

(1)

قال محمد رشيد رضا في تعليقه على كتاب صيانة الإنسان: "والرد هنا قاصر، ومما كان ينبغي أن يقوله المصنف في ردّه: إن الألفاظ الثلاثة ليست بمعنى واحد، وإن الذين ليس لها في قلوبهم معنى إلا التبرك لا يشدون الرحال إلى القبور لأجل ذكر موتاها، وإنّ ذكرها في الدعاء تبركاً من التعبد الذي لا يعلم إلا بالنص من الشارع وهو غير موجود، وإنّ كونها سبباً للرحمة مضاد لكونها لا تأثير لها. وهو قد جمع بين الضدين في الجملة الآتية، ويسمي ذكرهم سبباً عادياً للتأثير الإلهي، والمعروف عن جماعة القبوريين أنهم يعدونه من خوارق العادات لا من الأسباب العادية. وكتبه محمد رشيد رضا.

ص: 75

قوله: وحياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ثابتة عند أهل السنة بأدلة كثيرة.

أقول: هب أنّ حياة الأنبياء عليهم السلام ثابتة، ولكنها حسب اعتراف صاحب الرسالة ليست مثل الحياة الدنيوية، فلا يتفرع عليها جواز التوسل كما يتفرع على الحياة الدنيوية.

قوله: فإن قال قائل: إنّ شبهة هؤلاء المانعين للتوسل أنهم رأوا بعض العامة يأتون بألفاظ تُوهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، ويطلبون من الصالحين أحياء وأمواتاً أشياء جرت العادة بأنها لا تطلب إلا من الله تعالى، ويقولون للولي: افعل لي كذا وكذا، وأنهم ربما يعتقدون الولاية في أشخاص لم يتصفوا بها، بل اتصفوا بالتخليط وعدم الاستقامة، وينسبون لهم كرامات وخوارق عادات وأحوالاً ومقامات وليسوا بأهل لها ولم يوجد فيهم شيء منها، فأراد هؤلاء المانعون للتوسل أن يمنعوا العامة من تلك التوسعات دفعاً للإيهام وسداً للذريعة، وإن كانوا يعلمون أن العامة لا يعتقدون تأثيراً ولا نفعاً ولا ضراً لغير الله تعالى ولا يقصدون بالتوسل إلا التبرك، ولو أسندوا للأولياء شيئاً لا يعتقدون فيهم تأثيراً.

فنقول لهم: إذا كان الأمر كذلك وقصدتم سد الذريعة، فما الحامل لكم على تكفير الأمة عالمهم وجاهلهم وخاصهم وعامهم؟ وما الحامل لكم على منع التوسل مطلقاً؟ بل كان ينبغي لكم أن تمنعوا العامة من الألفاظ الموهمة لتأثير غير الله تعالى، وتأمروهم بسلوك الأدب في التوسل.

أقول: أولاً: إن تقرير دليل المانعين نوع تحريف مقصود، وأصل تقريرهم هكذا: إنا نرى كثيراً من العامة وبعض الخواص يأتون بألفاظ دالّة دلالة مطابقة على أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، ويطلبون من الصالحين أحياءً وأمواتاً أشياء لا يقدر عليها إلا الله، وينذرون لهم النذور وينحرون لهم النحائر ويقربون إليهم نفائس الأموال، ويجعلونهم وسائط يدعونهم ويسألونهم جلب المنافع، بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملوك أو لكونهم أقرب إلى الملك.

وبعد ملاحظة أصل تقريرهم وجه التكفير ظاهر، فإن اعتقاد تأثير غير الله كفر صريح، والدعاء والنذر والنحر عبادة، وعبادة غير الله شرك وكفر.

وثانياً: أنا معاشر أهل التوحيد لا نكفِّر الأمة كلهم عالمهم وجاهلهم وعامهم وخاصهم، هذا افتراء علينا، بل نكفّر من وُجد فيه موجبات الكفر من اعتقاد التأثير لغير الله واعتقاد أنه يضر وينفع، ودعاء غير الله والنذر له والنحر له وغيرها.

ثالثاً: أنّ مجرد عدم اعتقاد التأثير لغير الله لا يكفي للبراءة من الشرك كما تقدم، بل لابد فيها من إخلاص العبادة لله تعالى، بأن يكون الدعاء والاستغاثة والنذر والنحر وسائر أقسام العبادة كلها لله تعالى

ص: 76

قوله: مع أنّ تلك الألفاظ الموهمة يمكن حملها على المجاز من غير احتياج إلى التكفير للمسلمين، وذلك المجاز مجاز عقلي شائع ومعروف اهـ.

أقول: فيه نظر من وجوه: (الأول) أن لفظ "الموهمة" في هذا المقام وفيما تقدم لا يخلو عن تدليس وتلبيس، فإنّ تلك الألفاظ دالّة دلالة مطابقة على تأثير غير الله تعالى، فما معنى الإيهام؟

(والثاني) أنه لو سُلِّم هذا الحمل لاستحال الارتداد، ولَغَاب باب الردة الذي يعقده الفقهاء، فإن المسلم الموحّد متى صدر منه قول أو فعل موجب للكفر يجب حمله على المجاز العقلي، والإسلام والتوحيد قرينة على ذلك المجاز.

(والثالث) أنه يلزم على هذا أن لا يكون المشركون الذين نطق كتاب الله بشركهم مشركين، فإنهم كانوا يعتقدون أن الله هو الخالق الرازق الضار النافع، وأن الخير والشر بيده، لكن كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، فالاعتقاد المذكور قرينة على أنّ المراد بالعبادة ليس معناها الحقيقي، بل المراد هو المعنى المجازي، أي التكريم مثلاً، فما هو جوابكم هو جوابنا.

(الرابع) أنكم هؤلاء أوّلتم عنهم في تلك الألفاظ الدالة على تأثير غير الله تعالى، فما تفعلون في أعمالهم الشركية من دعاء غير الله واستغاثة والنذر والنحر؟ فإنّ الشرك لا يتوقف على اعتقاد تأثير غير الله، بل إذا صدر من أحد عبادة من العبادات لغير الله صار مشركاً سواء اعتقد ذلك الغير مؤثراً أم لا"

(1)

.

• وقال أيضاً: "قوله: فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فهو واسطة بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة، والغوث منه بالخلق والإيجاد، والنبي صلى الله عليه وسلم مستغاث به مجازاً، والغوث منه بالكسب والتسبب العادي.

أقول: وهكذا كان المشركون السابقون الذين بعث الله الرسل إليهم، فإنهم كانوا يعلمون أن الله تعالى هو الخالق الموجد، وأما الأصنام فيقولون إنها أسباب ووسائل عادية، فمن أجل ذلك كانوا يدعونهم ويستغيثون بهم ويعبدونهم.

(1)

صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان (ص: 210 - 215) المطبعة السلفية - ومكتبتها.

ص: 77

وهذا هو دأب عبدة الصالحين، والقبور في هذا الزمان، يدعونهم ويستغيثون بهم، وينحرون لهم وينذرون لهم، والدعاء والاستغاثة والنحر والنذر كلها من أقسام العبادة على معناها المجازي، فكذلك فليحمل لفظ العبادة الواقع في كلام المشركين الأولين الذي حكاه الله تعالى عنهم حيث قال سبحانه وتعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} فما وجه الفرق

(1)

؟

قوله: وبالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث باعتبار الكسب أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعاً، فإذا قلت: أغثني يا الله، تريد الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق والإيجاد، وإذا قلت: أغثني يا رسول الله، تريد الإسناد المجازي باعتبار التسبب والكسب والتوسط بالشفاعة.

أقول: هكذا كان مشركو الجاهلية حذو النعل بالنعل، كانوا يدعون الصالحين والأنبياء والمرسلين طالبين منهم الشفاعة عند رب العالمين، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وقال تعالى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} . على أن القول بأن إسناد الغوث إلى الله تعالى إسناد حقيقي باعتبار الخلق والإيجاد، وإلى الأنبياء والصالحين إسناد مجازي باعتبار التسبب والكسب، بديهي البطلان، بيانه من وجوه:

(الأول) أنه لو كان مناط الإسناد الحقيقي اعتبار الخلق والإيجاد كما توهم صاحب الرسالة لزم أن يكون إسناد أفعال العباد كلها إلى الله تعالى حقيقياً، فإن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الخالق لأفعال العباد هو الله تعالى، وهذا يقتضي أن يتصف الله تعالى بالإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وصلة الرحم، وغير ذلك من الأعمال الحسنة، وكذلك يتصف حقيقة بالأعمال السيئة من الكفر والشرك والفسق والفجور والزنا والكذب والسرقة والعقوق وقتل النفس وأكل الربا وغيرها، فإنه تعالى هو الخالق لجميع الأفعال حسنها وسيئها، والتزام هذا فعل من لا عقل له ولا دين له، فإنه يستلزم اتصاف الله تعالى بالنقائص وصفات الحدوث واجتماع الأوصاف المتضادة بل المتناقضة.

(1)

قال الشيخ محمد رشيد رضا في تعليقه على كتاب صيانة الإنسان: "الفرق بين عبدة القبور المتأخرين وأولئك المشركين الأولين، أنّ الأولين هم أصحاب اللغة بالسليقة.

ومنها: أنّ كل ما يتوجه به إلى الخالق سبحانه ويطلب منه بالذات أو بالوساطة عنده فهو عبادة، وكل ما يتوجه به مخلوق بطلب ما ليس من الأسباب العادية المشتركة بين الناس، فهو يدخل في مسمى العبادة، وكذا كل خوف ورجاء في شيء من الأشياء لا يدخل في الأسباب المعروفة للناس، فالذين عبدوا الثعبان ما كانت عبادتهم له إلا اعتقادهم أنه يقدر على قتل الإنسان أو الجمل بدون سبب من أسباب القتل المعروفة لهم.

وجملة القول إنّ العبادة الفطرية عندهم وعند جميع الأمم تشمل كل اعتقاد وشعور وعمل ودعاء يتعلق بمن له سلطة غيبية غير عادية.

وقد يكون لعدة أشياء بعضها فوق بعض: منها ما له السلطة والتأثير بالذات، ومنها ما يكون بالوساطة.

وأما المتأخرون فلما لقنوا أنّ العبادة لا تكون إلا لله سمّوا عبادة التوسط عند الله توسلاً، وسمّوا من توجّه إليه وسيلة وشفيعاً وولياً كما كان يسميه المشركون الأولون، وإنما خالفوهم في تسميته إلهاً وتسمية وساطته عبادة، وهي تسمية لغوية صحيحة في اللغة، فالخلاف بينهما لغوي محض. وكتبه محمد رشيد رضا.

ص: 78

و (الثاني) أنه لو كان مناط الإسناد المجازي اعتبار التسبب والكسب كما زعم هذا الزاعم لزم أن لا يكون إنسان حقيقة مؤمناً ولا كفاراً ولا براً ولا فاجراً، ولا مصلياً ولا مزكياً ولا صائماً ولا حاجاً ولا مجاهداً ولا زانياً ولا سارقاً، ولا قاتلاً، ولا كاذباً، فيبطل الجزاء والحساب، وتلغى الشرائع والجنة والنار، وهذا لا يقول به أحد من المسلمين

و (الثالث) أن دعوى كون الأنبياء والصالحين سبباً للغوث وكاسباً له محتاج إلى إقامة الدليل ودونه لا تسمع، وبالجملة فهذه شبهة داحضة ووسوسة زاهقة، تنادي بأعلى نداء على صاحبها بالجهل والسفه.

قوله: ومنه ما في صحيح البخاري في مبحث الحشر ووقوف الناس للحساب يوم القيامة: «بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم» فتأمل تعبيره صلى الله عليه وسلم بقوله: «استغاثوا بآدم» فإن الاستغاثة به مجازية، والمستغاث به حقيقة هو الله تعالى.

أقول: هذا ليس مما نحن فيه، فإن الاستغاثة بالمخلوق على نوعين:

(أحدهما) أن يُستغاث بالمخلوق الحي فيما يقدر على الغوث فيه، مثل أن يستغيث المخلوق بالمخلوق ليعينه على حمل حجر أو يحول بينه وبين عدوه الكافر، أو يدفع عنه سبعاً صائلاً أو لصاً أو نحو ذلك، ومن ذلك طلب الدعاء لله تعالى من بعض عباده لبعض، وهذا لا خلاف في جوازه.

والاستغاثة الواردة في حديث المحشر من هذا القبيل، فإن الأنبياء الذين يستغيث العباد بهم يوم القيامة يكونون أحياء، وهذه الاستغاثة إنما تكون بأن يأتي أهل المحشر هؤلاء الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم إلى الله سبحانه، ويدعوا لهم بفصل الحساب والإراحة من ذلك الموقف، ولا ريب أن الأنبياء قادرون على الدعاء، فهذه الاستغاثة تكون بالمخلوق الحي فيما يقدر على الغوث فيه.

و (الثاني) أن يستغاث بمخلوق ميت أو حي فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وهذا هو الذي يقول فيه أهل التحقيق إنه غير جائز.

ص: 79

فإن قلت: هؤلاء المستغيثون بالأموات أو الغائبين أيضاً يطلبون منهم أن يشفعوا لهم إلى الله تعالى ويدعوا لهم بقضاء حاجاتهم وهم قادرون على ذلك فتكون استغاثتهم هذه من قبيل النوع الأول.

قلتُ: في هذا التقرير خلل من وجوه:

(الأول) أن فيه ذهولاً عن قيد الحي، والمراد بالحياة الدنيوية لا البرزخية.

و (الثاني) أن ظاهر ألفاظهم مثل: يا رسول الله اشف مريضي واكشف عني، وهب لي ولداً ورزقاً واسعاً ونحو ذلك، دال على أنهم لا يطلبون منهم الشفاعة، بل يطلبون شفاء المريض وكشف الكربة وإعطاء الولد والرزق، وظاهر أنهم غير قادرين على تلك الأمور.

و (الثالث) أن هؤلاء المستغيثين بالأموات والغائبين يدعونهم ويستغيثون من أماكن مختلفة ومواضع بعيدة معتقدين أن الأموات والغائبين يعلمون استغاثتهم ويسمعون دعاءهم من كل مكان وفي كل زمان، ولا ريب أن هذا إثبات لعلم الغيب لهم الذي هو من الصفات المختصة بالله تعالى فيكون شركاً"

(1)

.

وقال أيضًا: "وتحقيق القول في ذلك الباب أنا لا ننكر المجاز العقلي، ولكن لابد هناك من التفصيل، وهو أنه إذا وُجد في كلام المؤمنين إسناد شيء مما يقدر عليه العبد لغير الله تعالى يجب حمله على الحقيقة، ولا يصح حمله على المجاز العقلي كما في الأمثلة المذكورة.

وإذا وُجد في كلام المؤمنين إسناد شيء مما لا يقدر عليه إلا الله مثل فلان شفاني وفلان رزقني وفلان وهب لي ولداً يجب حمله على المجاز العقلي، ولكن لا مطلقاً، بل متى لم يصدر من ذلك المتكلم شيء من الألفاظ والأعمال الكفرية مما هو كفر بواح، وشرك قراح، وأما إذا صدر منه شيء من تلك الألفاظ والأعمال فلا يحمل كلامه على المجاز العقلي، إذ المؤمن بهذا اللفظ والعمل قد انسلخ من الإيمان فلم يبق مؤمناً، فلا وجه لهذا الحمل، ولا ريب في أنّ عبدة الأنبياء والصالحين يصدر منهم من الألفاظ والأعمال ما هو كفر صريح كالسجدة والطواف والنذر والنحر ونحو ذلك.

(1)

صيانة الإنسان (ص: 220 - 223).

ص: 80