المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ العلامة المحدث ذهبي العصر عبد الرحمن المعلمي - المجموع الثمين في حكم دعاء غير رب العالمين

[محمد بن عبد الله المقشي]

فهرس الكتاب

- ‌ الإمام نعيم بن حماد شيخ الإمام البخاري

- ‌ شيخ المفسرين ابن جرير الطبري

- ‌ إمام الأئمة ابن خزيمة

- ‌ الإمام أبو بكر الخلال

- ‌ الإمام أبو عبد الله ابن بطة العُكْبَري

- ‌ الإمام أبو سليمان الخطابي

- ‌ الإمام أبو عبد الله الحليمي

- ‌ الحافظ البيهقي

- ‌ القاضي أبو يعلى ابن الفراء الحنبلي

- ‌ الحافظ ابن عبد البر

- ‌ أبو القاسم القشيري

- ‌ أبو المظفر السمعاني

- ‌ الراغب الأصفهاني

- ‌ الإمام أبو حامد الغزالي

- ‌ الإمام البغوي

- ‌ ابن عقيل إمام الحنابلة ببغداد

- ‌ ابن مفلح:

- ‌ الإمام أبو بكر الطرطوشي

- ‌ قوام السنة الأصبهاني الشافعي

- ‌ الإمام أبو عبد الله المازري المالكي

- ‌ أبو الفتح الشهرستاني الشافعي

- ‌ الشيخ العارف عبد القادر الجيلاني

- ‌ الفخر الرازي

- ‌ أبو السعادات ابن الأثير

- ‌ سلطان العلماء العز بن عبد السلام

- ‌ الحافظ أبو شامة المقدسي الشافعي

- ‌ أبو عبد الله القرطبي

- ‌ العلامة أبو عبد الله الرازي الحنفي

- ‌ الإمام النووي

- ‌ الإمام القرافي المالكي

- ‌ القاضي ناصر الدين البيضاوي

- ‌ العلامة علي بن داود ابن العطار تلميذ الإمام النووي

- ‌ شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌الشرك في بني آدم أكثره عن أصلين:

- ‌ الحافظ ابن عبد الهادي

- ‌ العلامة أبو حيان الأندلسي

- ‌ الحافظ أبو عبد الله الذهبي

- ‌ الحافظ ابن القيم

- ‌ عضد الدين الإيجي

- ‌ الحافظ ابن كثير

- ‌ الإمام الأذرعي الشافعي

- ‌ ابن أبي العز الحنفي

- ‌ سعد الدين التفتازاني

- ‌ الحافظ ابن رجب الحنبلي

- ‌ ابن النحاس الشافعي

- ‌ الفقيه العلامة ولي الدين العراقي الشافعي

- ‌ العلامة تقي الدين المقريزي الشافعي

- ‌ نظام الدين النيسابوري

- ‌ الحافظ ابن حجر العسقلاني

- ‌ العلامة بدر الدين حسين بن عبد الرحمن الأهدل الشافعي

- ‌ الإمام قاسم بن قطلوبغا

- ‌ العلامة أبو الحسن المرداوي

- ‌ الشيخ زكريا الأنصاري

- ‌ محيي الدين شيخ زاده

- ‌ العلامة ابن نجيم الحنفي

- ‌ الإمام تقي الدين محمد بن بير علي البركوي الرومي الحنفي

- ‌ الإمام محمد بن طاهر الفتني

- ‌ العلامة المناوي

- ‌ العلامة محمد بن أحمد الشامي المعروف

- ‌ العلامة عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المدعو بشيخي زاده

- ‌ العلامة علاء الدين الحصكفي الحنفي

- ‌ العلامة ابن عابدين

- ‌ الشيخ محمد بن بسطام الخوشابي الواني

- ‌ العلامة صالح بن مهدي المقبلي

- ‌ العلامة الملا علي القاري

- ‌ العلامة أحمد بن عبد الأحد السرهندي

- ‌ الإمام أحمد بن محمد الرومي الأقحصاري الحنفي

- ‌ العلامة منصور بن يونس البهوتي الحنبلي

- ‌ العلامة صنع الله الحلبي المكي الحنفي

- ‌ الإمام الشاه عبد العزيز الملقب عند الحنفية بسراج الهند

- ‌ الإمام المجدد الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي

- ‌ تعداده للأمور التي جعلها اللّه في الشريعة الإسلامية من مظنات الشرك:

- ‌ العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

- ‌والنَّذرُ بالمال للميت ونحوه

- ‌ العلامة حسين بن مهدي النعمي الحسني التهامي

- ‌ العلامة محمد بن سليمان الكردي الشافعي الأشعري

- ‌ العلامة عبد الخالق بن علي المزجاجي الحنفي الزبيدي

- ‌ العلامة مرتضى الزبيدي

- ‌ الإمام عبد القادر بن أحمد الكوكباني

- ‌لقاضي ثناء الله الباني بتي

- ‌ الشاه عبد القادر ابن الإمام ولي الله الدهلوي

- ‌ العلامة الحسن بن خالد الحازمي الحسني

- ‌ العلامة علي بن محمد سعيد السويدي الشافعي

- ‌ العلامة إسماعيل بن عبد الغني الدهلوي الشهيد

- ‌ الإمام محمد بن علي الشوكاني

- ‌ العلامة محمد بن محسن العطاس

- ‌ العلامة محمد عابد السندي

- ‌ الشاه محمد إسحاق الدهلوي

- ‌ العلامة عبد الله بن أحمد باسودان

- ‌ الإمام محمود الآلوسي المفسِّر

- ‌ العلامة محمد بن ناصر الحازمي الحسني التهامي

- ‌ الشيخ فضل الله الجيلاني الهندي الحنفي

- ‌ العلامة عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي

- ‌ العلامة محمد صديق خان القنوجي

- ‌ الشيخ نعمان الألوسي ولد الإمام المفسر

- ‌ العلامة علي بن أحمد باصبرين

- ‌ الشيخ محمد عبده

- ‌ الفقيه المحدث محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني

- ‌ الشيخ أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي

- ‌ العلامة جمال الدين القاسمي:

- ‌ الشيخ الأديب الشاعر إلطاف حسين الحالي

- ‌ العلامة محمد طيب المكي

- ‌ الشيخ محمود شكري الآلوسي حفيد المفسر

- ‌ البيان المفيد فيما اتفق عليه علماء مكة ونجد من عقائد التوحيد:

- ‌ الأديب مصطفى المنفلوطي

- ‌ العلامة عبد القادر بن أحمد بن بدران الدمشقي

- ‌ القاضي العلامة عقيل بن يحيى الإرياني

- ‌ العلامة أبو بكر محمد عارف خوقير الكتبي المكي

- ‌ العلامة محمد محمود خطاب السبكي

- ‌ العلامة محمد بن عثمان الشاوي

- ‌ الشيخ محمد رشيد رضا

- ‌الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق قسمان:

- ‌ العلامة محمد بن أحمد العبدي الكانوني المالكي

- ‌ العلامة علي محفوظ الحنفي المصري

- ‌ العلامة مبارك بن محمد الميلي المغربي المالكي

- ‌ العلامة التراد بن العباس الفاضلي الشنقيطي

- ‌ الداعية الشهير حسن البناء

- ‌ العلامة أحمد بن مصطفى المراغي

- ‌ العلامة محمد فريد وجدي

- ‌ العلامة عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف

- ‌ الشيخ محمد جميل الشطي الحنبلي

- ‌ العلامة محمد سلطان المعصومي الخجندي الحنفي

- ‌ العلامة مفتي الثقلين خير الدين الرملي الحنفي

- ‌ العلامة علوي بن طاهر الحداد

- ‌ العلامة المحدث ذهبيُّ العصر عبد الرحمن المعلمي

- ‌ العلامة أمين محمود خطاب السبكي

- ‌ العلامة أحمد بن محمد بن عوض العبَّادي

- ‌ العلامة محمد بن عمر العماري

- ‌ الشيخ محمد بن سالم البيحاني

- ‌ العلامة محمد الأمين الشنقيطي

- ‌ العلامة حسن مأمون مفتي الديار المصرية

- ‌ العلامة محمد كنون المذكوري مفتي رابطة علماء المغرب

- ‌ القاضي العلامة عبد الله بن عوض بكير

- ‌ أبو الأعلى المودودي

- ‌ الشيخ غلام الله خان الملقب بشيخ القرآن

- ‌ العلامة محمد علي بافضل

- ‌ الشيخ محمد طاهر ابن آصف الفنجفيري

- ‌ العلامة محمد نسيب الرفاعي الحلبي

- ‌ العلامة محمد المكي الناصري

- ‌ العلامة المباركفوري

- ‌ العلامة نقيب أحمد الرباطي الملقب عند الحنفية المعاصرة

- ‌ الشيخ محمد الغزالي

- ‌ العلامة عبد الله بن محفوظ الحداد

- ‌ الشيخ أبو الحسن الندوي

- ‌ الشيخ محمد الخضر الناجي الجكني الشنقيطي

- ‌ الشيخ الحسين بن عبد الرحمن الجكني الشنقيطي

- ‌ الشيخ مأمون محمد أحمد بن أمينوه الشنقيطي

- ‌ العلامة محمد سالم بن عبد الودود الشنقيطي المشهور بعدُّود

- ‌ العلامة يوسف القرضاوي

- ‌ العلامة علي سالم سعيد بُكيِّر

- ‌ العلامة عبد السلام الرستمي

- ‌ العلامة أبو بكر بن محمد الحنبلي المصري

- ‌ فتوى لمجموعة من علماء اليمن المعاصرين

الفصل: ‌ العلامة المحدث ذهبي العصر عبد الرحمن المعلمي

• وقال‌

‌ العلامة المحدث ذهبيُّ العصر عبد الرحمن المعلمي

(المتوفى: 1386): "ومن الأعمال التي عدّها القرآن شركًا دعاء غير الله عز وجل"

(1)

.

وقال أيضًا: "قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فكلمة "إنّ" في مثل هذا تفيد التعليل على ما صرّحبه أهل الأصول وغيرهم، وذلك يقتض أن الدعاء عبادة، كأنه قال: ادعوني، فإن الدعاء عبادة، ومن استكبر عن عبادتي سيدخل جهنم.

وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وغيرهم عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدعاء هو العبادة» ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَاّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلَاّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} فجعل الدعاء شركًا، والشرك عبادة غير الله عز وجل"

(2)

.

وقال أيضًا: "لقائل أن يقول: قد علمنا أنّ السؤال من الله تعالى والرغبة إليه يسمى دعاء وأنه عبادة، وأنّ القرآن قد أثبت أنّ المشركين يدعون آلهتهم من دون الله، وثبت أنّ دعاءهم آلهتهم هو السؤال منها والرغبة إليها، وإن ذلك عبادة لها وشرك بالله عز وجل، ولكن ما هو السؤال الذي إذا وقع لغير الله كان دعاء وعبادة للمسؤول وشركًا بالله تعالى؟

فالجواب: أمر الله عز وجل عباده أن يدعوه في صلاتهم قائلين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ولا نزاع أن المعنى: نعبدك وحدك لا نعبد غيرك، ونستعينك وحدك لا نستعين غيرك، والاستعانة هنا عامة

«وإذا استعنت فاستعن بالله»

وقد نظرت في وجوه السؤال فوجدته على أقسام:

القسم الأول: ما هو من باب سؤال الإنسان حقًا له عند المسؤول، كأن يكون لك دين عند إنسان فتطلبه منه.

الثاني: ما جرت به العادة بالتسامح به على نية المكافأة، كقول التلميذ لزميله ناولني الكتاب.

الثالث: سؤال الإنسان ما ليس بحق له، ولا جرت العادة بالتسامح به على نية المكافأة، وذلك كقول من يجد الكفاف من العيش لغني لا حق له عليه: أعطني دينارا.

ومن هذا القسم سؤال الإنسان من ربه تعالى، لأنه لا حق له على ربه تعالى.

(1)

العبادة للمعلمي (ص: 381) دار العاصمة، 1432 هـ.

(2)

المصدر السابق (ص: 392 - 393).

ص: 109

فأما الأول فلا يسمى استعانة، ولا يلزمه التذلل والخضوع.

وأما الثاني فإنه وإن سمى استعانة، لكن لا يلزمه التذلل والخضوع إلا أنّ فيه رائحة مّا من ذلك.

وأما الثالث فهو الذي يلزمه التذلل والخضوع.

وقد يكون السؤال من القسم الأول ولكنه يصحبه تذلل مّا فيما يظهر، وذلك كسؤال الناس أنبيائهم عن أمور دينهم، وكذلك سؤال العامة علماءهم عن أمور الدين، وكذلك سؤال المحتاج العاجز حاجته من الغني"

(1)

.

ثم قال: "ومن القسم الثالث: سؤال العبد من ربه عز وجل، وهو المسمى دعاء، ومنه كما صرح به القرآن سؤال الملائكة، وسماه القرآن دعاء.

وقد تأملنا الفرق بينه وبين سؤال الناس بعضهم بعضًا، فوجدنا الفرق أن السؤال من الملائكة فيه تذلل لهم وتعظيم يتدين به، أي: يطلب به نفع غيبي.

وقد قدمنا أن كل ما كان كذلك فهو عبادة، فإن لم ينزل الله تعالى سلطانا بالأمر أو الإذن به فهو عبادة لغيره.

وأما سؤال الناس بعضهم من بعض ما جرت العادة بقدرتهم عليه فمنه ما تذلل فيه، ومنه ما كان فيه تذلل ولكن لا يطلب به نفع غيبي"

(2)

.

وقال أيضًا: "والحاصل أن الخطاب فيه [أي: في قولنا في التشهد: السلام عليك أيها النبي] ليس على بابه، وإنما هو على التنزيل، أي تنزيل الغائب منزلة الحاضر للدلالة على استحضاره في الذهن، كأن ذلك تنبيه للمصلي على تحري متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله وأفعاله، وهذا التحري يحمل على استحضار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهن حتى كأنه حاضر يرشد إلى أعمال الصلاة والمصلي يتابعه.

وقد كان الصحابة يقولون ذلك في حياته صلى الله عليه وآله وسلم سرًا بحضرته أو غائبين عنه، وإنما عدل عنه من عدل بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يظن الجهال أنه خطاب حقيقي

(1)

المصدر السابق (ص: 397 - 399).

(2)

المصدر السابق (ص: 416 - 417).

ص: 110

ورأى الآخرون أنّ توهم الجهال كونه خطابًا حقيقيًا بعيد؛ لأن القرائن العقلية والعادية والشرعية الصارفة عن الحقيقة واضحة، والناس يقولون إلى الآن:"رحمك الله يا فلان"، ويكون فلان قد مات منذ زمان ودفن بعيدًا عن القائل بمراحل، والقائل لا يشك أن فلانًا لا يسمعه، وإنما أراد رحم الله فلانًا، وذكر الله فلانًا بخير، ولكنه أتى بلفظ الخطاب دلالة على شدة استحضاره فلاناً في ذهنه، والقرينة الدالة على أن الخطاب هنا مجاز هي ما عرفه الناس من العادة أنّ الغائب والميت لا يسمع، وذكْرُ الميت بلفظ الخطاب لا تكاد تخلو منه مرثية من مراثي العرب

بل كثيرًا ما يخاطبون الجمادات والمعاني، وفي الحديث:«يا أرض ربي وربك الله» ، وفيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة: «والله إنكِ لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله

» الحديث. وقوله لها: «ما أطيبك من بلد» ، وقول عمر للحجر الأسود: «إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع

» الحديث.

ومثل هذا لم يكن يشتبه على أحد في القرون الأولى، ولكن حال الحال وترأس الجهال. وإلى الله المشتكى"

(1)

.

وقال أيضًا: "وقوله [أي: الأعمى] يا محمد، إن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بحضرته فلا حجة فيه للمخالف.

وإن كان علّمه أن يقول ذلك بعيدًا عنه أي بحيث لا يسمعه عادة، فسياق الدعاء ظاهر في أنه لا يراد من ذلك إسماع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا حقيقة الخطاب، وإنما هو من المجاز الذي تقدم ذكره.

ومن القرينة على ذلك أنه لم يقع في متن الدعاء طلب شيء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكأن أصل المعنى: اللهم إني أتوجه إليك بمحمد في حاجتي. وإنما عدل إلى الخطاب إشارة إلى أنه ينبغي للداعي بهذا الدعاء أن يكون مستحضرًا لفضيلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكرامته على ربه حق، كأنه حاضر أمامه.

وعلى هذا المجاز يحمل ما يروى أن عثمان بن حنيف علّم رجلاً هذا الدعاء في خلافة عثمان، وما يروى من دعاء بعض التابعين بنحوه.

وعلى كل حال فليس في الدعاء سؤال شيء من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما السؤال من الله تعالى.

وأما ما فيه من التوسل أي: سؤال الله عز وجل بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فتلك مسألة أخرى ليس فيها سؤال من غير الله عز وجل.

ومن منع هذا التوسل لم يقل إنه عبادة لغير الله تعالى، ولا شرك، وغايته أن يقول هو حرام.

وممن منع هذا التوسل سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام الشافعي إلا أنه استثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معلقًا ذلك بصحة الحديث.

(1)

المصدر السابق (ص: 428 - 429).

ص: 111

وقد التزم بعض العلماء صحة الحديث على أنه توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم

لا بذاته

"

(1)

.

وقال أيضًا: "وأما السؤال من الإنسان الحي الحاضر فإن كان لما جرت العادة بقدرته عليه فليس دعاء، وإن كان لما لم تجر العادة بقدرته عليه فذلك دعاء؛ لأنه حينئذ سؤال لنفع غيبي"

(2)

.

وقال أيضًا: "وهكذا اتفق أهل العلم على أنّ ما أُحدث في الدين وليس منه فهو بدعة، وأنّ إنكار السنة الثابتة بطريق ظني ضلال.

ثم اختلف الصحابة فمن بعدهم في أشياء لا تحصى، فقال بعضهم: هي من الدين. وقال بعضهم: ليست منه. ومع ذلك لم يحكم أحد منهم على مخالفة بأنه مبتدع أو ضال، وما ذلك إلا لأنّ كلاً منهم يرى مخالفه معذور.

فهكذا نقول في مسألة الدعاء وأمثالها، فنحن وإن قلنا في صورة من صور السؤال ونحوها: إن هذا دعاء لغير الله تعالى، وعبادة وشرك، فليس مقصودنا أنّ كل من فعل ذلك يكون مشركًا، وإنما يكون شركًا من فعل ذلك غير معذور، فأما من فعلها معذورًا فلعله يكون من خيار عباد الله تعالى وأفضلهم وأتقاهم، ولعله يكون مأجورًا على ذلك الفعل نفسه.

وقد وقع الناس في هذا الباب على طرفي نقيض، فمنهم من يأخذ قول بعض الأمة وصالحيها كأنه وحي منزل، ويرجع قوله إلى دعوى أن ذلك العالم أو الصالح معصوم كعصمة الأنبياء أو أعظم، فلا يهون عليه أن يسمع قائلاً يقول: لعل هذا العالم أو الصالح أخطأ، وإذا حدثته نفسه بأن ذلك العالم أو الصالح أخطأ رأيته يتعوذ بالله تعالى، ويجتهد في طرد ذلك الخاطر عن نفسه.

ومنهم من إذا ظهر له في شيء من الأعمال أنه شرك، أو لم يظهر له ذلك ولكنه سمع شيخه يقول ذلك بادر إلى الحكم على كل مَن فعل ذلك من السلف والخلف بأنهم مشركون، لا فرق بينهم وبين عباد الأوثان.

والحق التوسط بين هذين، وأعيذك بالله عز وجل أن يحملك هذا الكلام على التهاون بمسألة التوحيد فتهجم على شيء من الأعمال التي قد قيل إنها شرك، قائلاً: إن كان في نفس الأمر شركًا فأنا معذور؛ فإن الخطر عظيم، ولعل عذرك لا يكون من القوة بحيث يقبله الله منك، فانظر لنفسك، فإن شككت في شيء فدعه، فلعل الله يقول لك: لِم صنعت كذا وكذا وقد قيل لك إنه شرك، وليس عندك يقين بأنه ليس بشرك، وأنت تعلم أنك لو تركته لما كان عليك إثم ولا حرج"

(3)

.

(1)

المصدر السابق (ص: 431 - 432).

(2)

المصدر السابق (ص: 444).

(3)

المصدر السابق (ص: 451 - 452).

ص: 112