الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضًا: "وقد اعتاد بعض الناس إذا عرضت لهم حاجة، أو ألمت بهم ملمة، أن يقرؤوا ورد "يا شيخ عبد القادر جيلاني شيئا لله" في عدد مخصوص، ومدة مخصوصة، ودل هذا الحديث على كراهة هذا التعبير وشناعته، فإنه سؤال للشيخ عبد القادر الجيلاني، وتوسل بالله تعالى إليه، والعكس أصح، فيجوز التوسل بدعاء الشيخ إلى اللَّه، لا التوسل بالله إليه.
والحاصل أنه لا يجوز التلفظ بكلمة تشم منها رائحة الشرك، أو إساءة أدب مع اللَّه؛ فإن اللَّه هو المتعالي، الغني، القادر، الملك الجبار، لا يبالي بأحد، إذا شاء بطش على شيء دق وصغر"
(1)
.
• وقال
الإمام محمد بن علي الشوكاني
(المتوفى:1250): "فاعلم أنّ الرزية كل الرزية، والبلية كل البلية أمر غير ما ذكرناه من التوسل المجرد والتشفع بمن له الشفاعة، وذلك ما صار يعتقده كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنهم يقدرون على ما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، ويفعلون ما لا يفعله إلا الله عز وجل، حتى نطقت ألسنتهم بما انطوت عليه قلوبهم فصاروا يدعونهم تارة مع الله، وتارة استقلالا، ويصرخون بأسمائهم ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع، ويخضعون لهم خضوعا زائدًا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي الله في الصلاة والدعاء، وهذا إذا لم يكن شركًا فلا ندري ما هو الشرك، وإذا لم يكن كفرًا فليس في الدنيا كفر"
(2)
.
وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى {قُل لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاء اللّهُ} : "وفي هذه أعظم واعظ وأبلغ زاجر لمن صار ديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه.
وكذلك من صار يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقام رب العالمين الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين ورَزَقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء أو ملك من الملائكة أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه، ويترك الطلب لرب الأرباب القادر على كل شيء الخالق الرازق المعطي المانع؟!
وحسبك بما في هذه الآية موعظة؛ فإن هذا سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقول لعباده: {لَاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلَا نَفْعاً إِلَاّ مَا شَاء اللّهُ} ، فكيف يملكه لغيره، وكيف يملكه غيره ممن رتبته دون رتبته ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته لنفسه، فضلا عن أن يملكه لغيره؟!
فيا عجبًا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى، ويطلبون منهم من الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك ولا يتنبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى لا إله إلا الله، ومدلول {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ؟!
(1)
المصدر السابق (ص: 161 - 162).
(2)
الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص:28) دار ابن خزيمة.
وأعجب من هذا اطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرازق المحيي المميت الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله ومقرِّبين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه ومطهر شريعته من أوضار الشرك وأدناس الكفر.
ولقد توسل الشيطان أخزاه الله بهذه الذريعة إلى ما تقر به عينه، وينثلج به صدره، مِن كُفر كثير من هذه الأمة المباركة {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} إنا لله وإنا إليه راجعون"
(1)
.
وقال أيضًا: "وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام، منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا.
وبالجملة إنهم لم يَدَعوا شيئًا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا تجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف لا عالما ولا متعلما ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا.
وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أنّ كثيرا من هؤلاء المقبوريين [القبوريين] أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا، فإذا قيل له بعد ذلك: احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق، وهذا من أبين الأدلة الدالة على أنّ شركهم قد بلغ فوق شرك من قال: إنّ الله تعالى ثاني اثنين، أو ثالث ثلاثة.
فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من هذا الكفر؟! وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله؟! وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة؟! وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبًا؟! "
(2)
.
وقال أيضًا: "وقد تقرر أنّ شرك المشركين الذين بعث الله إليهم خاتم رسله صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا باعتقادهم أنّ الأنداد التي اتخذوها تنفعهم وتضرهم وتقربهم إلى الله وتشفع لهم عنده، مع اعترافهم بأن الله سبحانه هو خالقها وخالقهم، ورازقها ورازقهم، ومحييها ومحييهم، ومميتها ومميتهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} ، {إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} ، {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}. وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
(1)
فتح القدير (2/ 651).
(2)
نيل الأوطار (4/ 102 - 103).
وإذا تقرر هذا، فلا شك أنّ من اعتقد في ميت من الأموات، أو حي من الأحياء أنه يضره أو ينفعه إما استقلالا أو مع الله تعالى، أو ناداه أو توجه إليه، أو استغاث به في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها المخلوق، فلم يخلص التوحيد لله، ولا أفرده بالعبادة؛ إذ الدعاء بطلب وصول الخير إليه ودفع الضر عنه، هو نوع من أنواع العبادة.
ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه حجرا أو ملكا أو شيطانا كما كان يفعل ذلك في الجاهلية، وبين أن يكون إنسانا من الأحياء أو الأموات كما يفعله الآن كثير من المسلمين، وكل عالم يعلم هذا ويقرّ به، فإن العلة واحدة، وعبادة غير الله تعالى وتشريك غيره معه يكون للحيوان كما يكون للجماد، وللحي كما يكون للميت.
فمن زعم أن ثمّ فرقا بين من اعتقد في وثن من الأوثان أنه يضر أو ينفع، وبين من اعتقد في ميت من بني آدم أو حي منهم أنه يضر أو ينفع، أو يقدر على أمر لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فقد غلط غلطًا بينًا، وأقر على نفسه بجهل كثير، فإنّ الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه، ومجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكا بالصنم والوثن والإله لغير الله زيادة على التسمية بالولي والقبر والمشهد كما يفعله كثير من المسلمين، بل الحكم واحد إذا حصل لمن يعتقد في الولي والقبر ما كان يحصل لمن كان يعتقد في الصنم والوثن، إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه، سواء أطلق على ذلك الغير ما كانت تطلقه عليه الجاهلية أو أطلق عليه اسما آخر، فلا اعتبار بالاسم قط، ومن لم يعرف هذا فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب به أهل العلم.
وقد علم كل عالم أن عبادة الكفار للأصنام لم تكن إلا بتعظيمها، واعتقاد أنها تضر وتنفع، والاستغاثة بها عند الحاجة والتقريب لها في بعض الحاجات بجزء من أموالهم، وهذا كله قد وقع من المعتقدين في القبور، فإنهم قد عظّموها إلى حدٍ لا يكون إلا لله سبحانه، بل ربما يترك العاصي منهم فعل المعصية إذا كان في مشهد من يعتقده أو قريبًا منه مخافة تعجيل العقوبة من ذلك الميت، وربما لا يتركها إذا كان في حرم الله أو في مسجد من المساجد أو قريبا من ذلك، وربما حلف بعض غلاتهم بالله كاذبا ولم يحلف بالميت الذي يعتقده.
وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد لم يدعُ أحدٌ منهم ميتًا أو حيًا عند استجلابه لنفع، أو استدفاعه لضر، قائلاً: يا فلان افعل لي كذا وكذا، وعلى الله وعليك، وأنا بالله وبك"
(1)
.
(1)
الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد (ص: 68 - 71) دار ابن خزيمة.
وقال أيضًا: "فإن قلت: إنّ هؤلاء القبوريين يعتقدون أن الله تعالى هو الضار والنافع، والخير والشر بيده، وإن استغاثوا بالأموات قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله سبحانه.
قلت: وهكذا كانت الجاهلية، فإنهم يعلمون أن الله هو الضار النافع وأن الخير والشر بيده، وإنما عبدوا أصنامهم لتقربهم إلى الله زلفى كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز.
نعم إذا لم يحصل من المسلم إلا مجرد التوسل الذي قدمنا تحقيقه فهو كما ذكرناه سابقاً، ولكن مَن زعم أنه لم يقع منه إلا مجرد التوسل وهو يعتقد من تعظيم ذلك الميت ما لا يجوز اعتقاده في أحد من المخلوقين، وزاد على مجرّد الاعتقاد فتقرَّب إلى الأموات بالذبائح والنذور، وناداهم مستغيثا بهم عند الحاجة، فهذا كاذب في دعواه أنَّهُ متوسِّل فقط، فلو كان الأمر كما زعمه لم يقع منه شيء من ذلك، والمتوسَّلُ به لا يحتاج إلى رشوة بنذر أو ذبح، ولا تعظيم ولا اعتقاد، لأنّ المدعو هو الله، وهو أيضا المجيب، ولا تأثير لمن وقع به التوسل قطُّ، بل هو بمنزلة العمل الصَّالح، فأيُّ جدوى في رشوة مَن قد صار تحت أطباق الثَّرى بشيء من ذلك، وهل هذا إلَاّ فعل من يعتقد التأثير اشتراكا أو استقلالا، ولا أعدل من شهادة أفعال جوارح الإنسان على بطلان ما ينطق به لسانه من الدَّعاوى الباطلة العاطلة، بل من زعم أنه لم يحصل منه إلَاّ مجرَّد التوسل وهو يقول بلسانه: يا فلان مناديا لمن يعتقده من الأموات، فهو كاذب على نفسه.
ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالا، فليخبرنا ما معنى ما نسمعه في الأقطار اليمنية من قولهم: يا ابن عجلان، يا زيلعي، يا ابن علوان، يا فلان يا فلان. وهل ينكر هذا منكر، ويشك فيه شاك؟ وما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم، ففي كل قرية ميت يعتقده أهلها وينادونه، وفي كل مدينة جماعة منهم، حتى أنهم في حرم الله ينادون: يا ابن عباس، يا محجوب، فما ظنّك بغير ذلك؟! فلقد تلطف إبليس وجنوده أخزاهم الله تعالى لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة تزلزل الأقدام عن الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أين من يعقل معنى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ} .
وقد أخبرنا الله سبحانه أن الدعاء عبادة بمحكم كتابه بقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} . وأخرج أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدعاء هو العبادة»
…
كذلك النحر للأموات عبادة لهم، والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم، والتعظيم عبادة لهم، كما أنّ النحر للنسك وإخراج صدقة المال والخضوع والاستكانة عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثَمّ فرقاً بين الأمرين فيهده إلينا.
ومن قال: إنه لم يقصد بدعاء الأموات والنحر لهم والنذر عليهم عبادتهم، فقل له: فلأي مقتضى صنعت هذا الصنيع؟ فإنّ دعاءك للميت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبّر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم فأنت مصاب بعقلك"
(1)
.
وقال أيضًا: "فإن قلت: إنّ المشركين كانوا لا يقرون بكلمة التوحيد، وهؤلاء المعتقدون في الأموات يقرون بها.
(1)
المصدر السابق (ص:72 - 75).
قلتُ: هؤلاء إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها بأفعالهم، فإنّ من استغاث بالأموات أو طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، أو عظّمهم أو نذر عليهم بجزء من ماله أو نحر لهم فقد نزّلهم منزلة الآلهة التي كان المشركون يفعلون لها هذا الأفعال، فهو لم يعتقد معنى لا إله إلا الله ولا عمل بها، بل خالفها اعتقاداً وعملاً، فهو في قوله لا إله إلا الله كاذبٌ على نفسه، فإنه قد جعل إلهاً غير الله يعتقد أنه يضر وينفع، فَعَبَده بدعائه عند الشدائد والاستغاثة به عند الحاجة، وبخضوعه له وتعظيمه إياه، ونحر له النحائر، وقرب إليه نفائس الأموال. وليس مجرد قول لا إله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتاً للإسلام، فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صمنه يعبده لم يكن ذلك إسلاماً"
(1)
.
وقال أيضًا: "فإن قلت: هؤلاء المعتقدون في الأموات لا يعلمون بأن ما يفعلونه شرك، بل لو عُرض أحدهم على السيف لم يقرّ بأنه مشرك بالله ولا فاعل لما هو شرك، بل ولو علم أدنى علم أن ذلك شرك لم يفعله.
قلت: الأمر كما قلت، ولكن لا يخفى عليك ما تقرر في أسباب الردة أنه لا يعتبر في ثبوتها العلم بمعنى ما قاله مَن جاء بلفظ كفري أو فعل فعلا كفريا.
وعلى كل حال، فالواجب على كل من اطلع على شيء من هذه الأقوال والأفعال التي اتصف بها المعتقدون في الأموات أن يبلِّغهم الحجة الشرعية، ويبين لهم ما أمره الله بيانه وأخذ عليه الميثاق ألا يكتمه كما حكى ذلك لنا في كتابه العزيز فيقول لمن صار يدعو الأموات عند الحاجات، ويستغيث بهم عند حلول المصيبات، وينذر لهم النذور وينحر لهم النحور، ويعظمهم تعظيم الرب سبحانه: إن هذا الذي يفعلونه هو الشرك الذي كانت عليه الجاهلية، وهو الذي بعث الله رسوله بهدمه، وأنزل كتبه في ذمّه، وأخذ على النبيين أن يبلغوا عباده أنهم لا يؤمنون حتى يخلصوا له التوحيد ويعبدوه وحده، فإذا علموا بهذا علما لا يبقى معه شك ولا شبهة، ثم أصروا على ما هم فيه من الطغيان والكفر بالرحمن وجب عليه أن يخبرهم بأنهم إذا لم يقلعوا عن هذه الغواية، ويعودوا إلى ما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الهداية، فقد حلت دماؤهم وأموالهم، فإن رجعوا وإلا فالسيف هو الحكم العدل كما نطق به الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين في إخوانهم المشركين"
(2)
.
وقال أيضًا: "بل هؤلاء القبوريون قد وصلوا إلى حد في اعتقادهم في الأموات لم يبلغه المشركون في اعتقادهم في أصنامهم، وهو أن الجاهلية كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله وحده، وإنما يدعون أصنامهم مع عدم نزول الشدائد من الأمور كما حكاه الله عنهم بقوله:{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَاّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ لإِنسَانُ كَفُوراً} وبقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وبقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} وبقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
(1)
المصدر السابق (ص: 77).
(2)
المصدر السابق (ص: 82 - 83).