الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• وللإمام
الشاه محمد إسحاق الدهلوي
(المتوفى: 1262 هـ) في كتاب المسائل المئة تحقيق في الرد على القبورية، حاصله: أن الاستغاثة بالأموات متضمنة لعدة أنواع من الشرك، كالشرك في العلم، والشرك في التصرف، والشرك في السماع
(1)
.
• وقال
العلامة عبد الله بن أحمد باسودان
(المتوفى: 1266) وهو من أكابر فقهاء حضرموت في وقته: "وقد فشت في العامة اعتقادات فاسدة في أولياء الله، فإن مرضوا، قالوا: هذا صدر من فلان، وإن شفوا قالوا: بركة سيدي فلان، فلما اعتقدوا ضرهم ونفعهم حلفوا بهم ونذروا لهم من دون الله، واستشفوا بهم من دون الله.
فإن أجرى الله سبحانه الوادي قالوا: شيء لله يا فلان، وإن قبض الله عليهم المطر قالوا: قبضها فلان .. والله سبحانه القابض الباسط المحيي المميت، وكل شيء بيده في ملك ملكوت، ولو ذهبنا لما في الكتاب والسنة من التحذير في ذلك لعرف الناس أنهم قد هلكوا، وأكثر هؤلاء بل كلهم أتباع الدجال. نعوذ بالله من الضلال.
ويقع من هؤلاء في زيارة قبور الأولياء أو غيرهم كثيرٌ من الجهالات والمآثم المتكررة، هذا ما قاله الشيخ عبد الخالق المزجاجي الزبيدي"
(2)
.
• وقال
الإمام محمود الآلوسي المفسِّر
، مفتي الحنفية ببغداد (المتوفى: 1270) عند قوله تعالى: {ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ} : "وفي الآية ما يدل على أنّ صنيع أكثر العوام اليوم من الجؤار إلى غيره تعالى ممن لا يملك لهم بل ولا لنفسه نفعا ولا ضرا عند إصابة الضر لهم، وإعراضهم عن دعائه تعالى عند ذلك بالكلية، سفهٌ عظيم وضلال جديد، لكنه أشد من الضلال القديم.
ومما تقشعر منه الجلود وتصعر له الخدود الكفرة أصحاب الأخدود، فضلا عن المؤمنين باليوم الموعود إن بعض المتشيخين قال لي وأنا صغير: إياك ثم إياك أن تستغيث بالله تعالى إذا خطْبٌ دهاك، فإنّ الله تعالى لا يعجل في إغاثتك ولا يهمه سوء حالتك، وعليك بالاستغاثة بالأولياء السالفين، فإنهم يعجلون في تفريج كربك ويهمهم سوء ما حلّ بك، فمجّ ذلك سمعي، وهمى دمعي، وسألت الله أن يعصمني والمسلمين من أمثال هذا الضلال المبين، ولكثير من المتشيخين اليوم كلمات مثل ذلك"
(3)
.
(1)
المسائل المئة (ص: 43 - 45) ط/ الحجرية الهندية.
(2)
ذخيرة العباد شرح راتب الحداد (ص: 124 - 125).
(3)
روح المعاني (7/ 405 - 406) دار الكتب العلمية - بيروت.
وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} : "فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأنّ الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى فيهم أحدًا يخص مولاه بتضرعه ودعاه، ولا يكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال.
فبالله تعالى عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الحيثية أهدى سبيلا وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله تعالى المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهي عن المنكر صنوف الحتوف"
(1)
.
وقال أيضًا عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} :
"وقد رأينا كثيرا من الناس على نحو هذه الصفة التي وصف الله تعالى بها المشركين يهشّون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم توافق هواهم واعتقادهم فيهم، ويعظمون من يحكي لهم ذلك وينقبضون من ذكر الله تعالى وحده ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه عز وجل، وسرْد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله، وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة وينسبونه إلى ما يكره، وقد قلت يومًا لرجل يستغيث في شدة ببعض الأموات وينادي: يا فلان أغثني، فقلت له: قل يا الله فقد قال سبحانه: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ} فغضب، وبلغني أنه قال: فلان منكر على الأولياء.
وسمعت عن بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الزيغ والطغيان"
(2)
.
وقال أيضًا: "وبعد هذا كله أنا لا أرى بأسا في التوسل إلى الله تعالى بجاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى حيا وميتا،
…
نعم لم يعهد التوسل بالجاه والحُرْمة عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم. ولعل ذلك كان تحاشيًا منهم عما يخشى أن يعلق منه في أذهان الناس -إذ ذاك وهم قريبو عهد بالتوسل بالأصنام- شيء، ثم اقتدى بهم من خلفهم من الأئمة الطاهرين، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة وتأسيسها على قواعد إبراهيم لكون القوم حديثي عهد بكفر كما ثبت ذلك في الصحيح.
وهذا الذي ذكرته إنما هو لدفع الحرج عن الناس والفرار من دعوى تضليلهم- كما يزعمه البعض- في التوسل بجاه عريض الجاه صلى الله عليه وسلم لا للميل إلى أنّ الدعاء كذلك أفضل من استعمال الأدعية المأثورة التي جاء بها الكتاب وصدحت بها ألسنة السنة، فإنه لا يستريب منصف في أنّ ما علّمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودرج عليه الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وتلقاه من بعدهم بالقبول أفضل وأجمع وأنفع وأسلم، فقد قيل ما قيل إن حقا وإن كذبا.
(1)
المصدر السابق (6/ 93).
(2)
المصدر السابق (12/ 265 - 266)
بقي هاهنا أمران: الأول: أن التوسل بجاه غير النبي صلى الله عليه وسلم لا بأس به أيضا إن كان المتوسَّل بجاهه مما عُلم أن له جاهًا عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته، وأما من لا قطع في حقه بذلك فلا يتوسل بجاهه لما فيه من الحكم الضمني على الله تعالى بما لم يعلم تحققه منه عز شأنه، وفي ذلك جرأة عظيمة على الله تعالى.
الثاني: أن الناس قد أكثروا من دعاء غير الله تعالى من الأولياء الأحياء منهم والأموات وغيرهم، مثل: يا سيدي فلان أغثني، وليس ذلك من التوسل المباح في شيء، واللائق بحال المؤمن عدم التفوّه بذلك وأن لا يحوم حول حماه، وقد عدّه أناس من العلماء شركا، وإن لا يكنه فهو قريب منه.
ولا أرى أحدًا ممن يقول ذلك إلا وهو يعتقد أن المدعو الحي الغائب أو الميت المغيب يعلم الغيب أو يسمع النداء ويقدر بالذات أو بالغير على جلب الخير ودفع الأذى وإلا لما دعاه ولا فتح فاه، وفي ذلك بلاء من ربكم عظيم، فالحزم التجنب عن ذلك وعدم الطلب إلا من الله تعالى القوي الغني الفعال لما يريد.
ومن وقف على سر ما رواه الطبراني في معجمه من أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال الصديق رضي الله تعالى عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فجاؤوا إليه، فقال:«إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله تعالى» لم يشك في أن الاستغاثة بأصحاب القبور- الذين هم بين سعيد شَغَله نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شقي ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه والإصاخة إلى أهل ناديه- أمرٌ يجب اجتنابه، ولا يليق بأرباب العقول ارتكابه، ولا يغرنك أن المستغيث بمخلوق قد تُقضى حاجته وتنجح طلبته؛ فإن ذلك ابتلاء وفتنة منه عز وجل، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات هيهات إنما هو شيطان أضله وأغواه وزيّن له هواه، وذلك كما يتكلم الشيطان في الأصنام ليضل عبدتها الطغام، وبعض الجهلة يقول: إن ذلك من تطور روح المستغاث به، أو من ظهور ملك بصورته كرامة له، ولقد ساء ما يحكمون، لأن التطور والظهور وإن كانا ممكنين لكن لا في مثل هذه الصورة وعند ارتكاب هذه الجريرة، نسأل الله تعالى بأسمائه أن يعصمنا من ذلك، ونتوسل بلطفه أن يسلك بنا وبكم أحسن المسالك"
(1)
.
(1)
المصدر السابق (3/ 297 - 298).