الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النحو الأول: أن يأتي قبر نبي أو ولي أو غيرهما ممن يحسن عقيدته عليه، فيقول: يا سيدي فلان اشفني، أو اشف مريضي، أو اكشف كربتي، واقض حاجتي، أو أهلك عدوي، وعليك أن تفعل كذا وكذا، وأنت وكيلي، وأنت كفيلي
…
أما النحو الأول فليس من التوسل المباح في شيء، بل هو كفر بواح وإشراك بالله في التصرف والقدرة والدعاء، يجب استتابة المبتدي به، فإن تاب وإلا يقتل، وليس هذا أقل من شرك المشركين الذين أنزل لإصلاحهم القرآن، وبعث لدعوتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو أزيد من شركهم بكثير؛ ذلك لأن مشركي مكة وغيرهم كانوا قائلين بوجود الله تعالى، وأنه خالق السماوات والأرضين، وخالقهم، وخالق آبائهم الأولين، وأن بيده ملكوت السماوات والأرض وأنه يدبر الأمر، وأنه يجير ولا يجار عليه، وأنه سخر الشمس والقمر، وأنه يجري السحاب، وينزل الأمطار، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
ولم يكن أحد من المشركين يثبت لله شريكا يساويه في العلم والقدرة وسائر الصفات، وهذا مما لم يوجد إلى الآن، وإنما اتخذوا من دون الله أولياء قصدوا بعبادتهم التقرب إلى الله، وقالوا:{هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} ، وكانوا يحجون، ويعتمرون، ويطوفون بالبيت، ويلبون، ويقسمون بالله، وكانت أصنامهم تماثيل الأنبياء، والملائكة، والجن، والصالحين من عباد الله والكواكب العلوية، وكان مبدأ شركهم هو الغلو في الصالحين"
(1)
.
وقال أيضًا: "وإذا أحطت بما ذكرنا علمًا أدركت أنّ كفرَ المشركين من المؤمنين في أمة رسولنا صلى الله عليه وسلم من العرب والعجم، أعظمُ من كفر الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت أن الله تعالى ذكر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر تركوا غير الله من السادة والقادة والطواغيت، فلم يدعوا أحدا منهم، ولم يستغيثوا بهم، بل أخلصوا لله وحده لا شريك له، وأنت ترى أن المشركين المدّعين للإيمان من المسلمين- وفيهم من يدعي أنه من أهل العلم والفضل، وفيه الصلاح والزهد، والاجتهاد في العبادة- إذا مسه الضرر وأهمه أمر من أمور الدنيا قام يستغيث بغير الله من الأولياء، كمعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني، وسالار مدار ونحوهم
…
، وأشنع وأفظع وأقبح وأعظم جرما وأطم ضلالة أنهم يستغيثون بالطواغيت، والأجداث، وأهل القبور، والمردة من الجن والشياطين، ويذبحون لهم، وينذرون لهم، ويسافرون إلى أنصابهم، ويفزعون إلى أحبارهم ورهبانهم"
(2)
.
• وقال
الشيخ محمد الغزالي
(المتوفى: 1416): "ولماذا نستحي من وصف القبوريين بالشرك؟! مع أن الرسول وصف المرائين به فقال: «الرياء شرك» .
إنّ واجب العالم المسلم أن يرمق هذه التوسلات النابية باستنكار، ويبذل جهده في تعليم ذويها طريق الحق، لا أن يفرغ وسعه في التمحل والاعتذار!
ولست ممن يحب تكفير الناس بأوهى الأسباب، ولكن حرام أن ندع الجهل يفتك بالعقائد ونحن شهود. أي جريمة يرتكبها الطبيب إذا طمأن المريض ومنع عنه الدواء، وأوهمه أنه سليم معافى؟! إن ذلك لا يجوز"
(3)
.
(1)
الكواكب الدرية في تحقيق الوسيلة الشرعية (ص: 35) ط/ العلمية بلاهور.
(2)
المصدر السابق (ص: 67).
(3)
عقيدة المسلم (ص: 84 - 85).
وقال أيضًا: "وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ} ليس تصريحًا ولا تلميحًا إلى جواز التوسل. والآية ناطقة بأن المجيء للظفر باستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بداهة في أثناء الحياة لا بعد الموت. وللصوفية شطحات في هذا الموضع إن صدقوا فيها فهي أحوال توقف عليهم وليس لدين الله بها شأن، ومصادر التشريع معروفة، ولم نعرف من مصادر التشريع أنّ فلانًا الصالح رأى في منامه كذا وكذا، أو أن فلانًا المجذوب خيل إليه في أثناء زيارته للروضة النبوية كيت كيت
…
أما ذلك الذي يوجب التوسل ويرى أن تأثير الميت أقوى من الحي فهو رجل مخبول.
وزعمه بانتفاء الشرك ما دام الاعتقاد أن الفاعل هو الله كلام فارغ، وقد أبنّا أن المشركين القدماء كانوا يعرفون أن الفاعل هو الله، وأن توسلهم كان من باب {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ، وأن ندمهم يوم القيامة إنما هو على تسويتهم المخلوق بالخالق {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وهناك عشرات الآيات تؤكد هذا المعنى.
سيقول بعض الناس: إن القدماء كانوا يعبدون. أما عوام اليوم فهم يدعون ويسألون فقط، وشتان بين عباده الجاهلين وتوسل المحدثين بأولياء الله.
ونقول: هذه مغالطة، فالسؤال والدعاء بنص القرآن والسنة عبادة محضة:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ، وفي الحديث «الدعاء مخ العبادة» ، فلماذا نتوجه إلى البشر بما هو من خصائص الألوهية؟!
وإذا وقع الجهال في تلك الخطايا بغباوتهم، فلماذا لا نسارع إلى إنقاذهم منها، بدل تزوير الفتاوى؟!
وقد تذكر في هذا المجال قصة الأعمى الذي توسل إلى الله بنبيه صلى الله عليه وسلم ليرد إليه بصره. ومع أن القياس مع الفارق - لو صحت القصة - فهذا الأعمى دعا الله، وأولئك الحمقى يدعون غيره. إلا أن القصة نفسها ليست من قسم الحديث الصحيح، والاحتجاج بالآثار الضعيفة في العقائد والأحكام لا يقبل من صاحبه، ومثل هذه الرواية قد تروج عند الوعظ بفضائل الأعمال.
وآيات القرآن ينظر فيها إلى عموم اللفظ لا إلى خصوص السبب، وقد حرم الله الشرك على العرب فهو على غيرهم حرام.
فالقول بأن الآيات نزلت في أهل الجاهلية وحدهم جهالة لا نأبه لقائلها، ولا نقيم لها اعتبارًا. رزقنا الله صدق التوحيد، وأحيانا وأماتنا عليه"
(1)
.
(1)
المصدر السابق (ص:87 - 89).