المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[10] هجرتها . عُمرها عند هِجْرَتِها نحو ثمان عشرة سنة، بناءً على - المختصر من أخبار فاطمة بنت سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[1] عقيدة أهل السنة والجماعة بآل البيت، والعناية بهم

- ‌فالخلاصة في هذا الموضوع:

- ‌العناية بآل البيت:

- ‌[2] عناية أهل السنة والجماعة بفاطمة، ومحبة المسلمين لها، ولطائف في موضع ترجمتها وأبواب مناقبها ومسندها رضي الله عنها

- ‌[3] اسمها وسبب التسمية

- ‌[4] نسبها

- ‌[5] كنيتها

- ‌[6] لقبها

- ‌ العائلة(1)، شيء من فضائلهم، وترتيب فاطمة بين إخوانها وأخواتها

- ‌[8] مولدها

- ‌[9] نشأتها

- ‌[10] هجرتها

- ‌[12] أولادها رضي الله عنهم

- ‌[13] عقب فاطمة رضي الله عنها

- ‌تَمييزُ ذريَّةِ فاطمةَ رضي الله عنها بأمرَيْن ظاهرَين:

- ‌1 ــ اللقب

- ‌ حكم لقب الشريف والسيد:

- ‌ لقبُ: الحَسَني أو الحُسَيني الهاشمي، أفضلُ وأحسنُ من لقَبِ الشريف أو السيد

- ‌ الأوقاف والوصايا على «الأشراف» هل تكون لذرية السبطين: الحسن والحسين فقط، أم لآل هاشم

- ‌ الهاشمي مولاهم

- ‌2 ــ اللباس:

- ‌[14] بيت فاطمة رضي الله عنها

- ‌مكانه:

- ‌وأما وصف البيت:

- ‌[15] صفتها وشمائلها رضي الله عنها

- ‌[16] حالها مع أبيها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌أولاً: برها به صلى الله عليه وسلم

- ‌مِن برِّها بأبيها: مُعالجتُها إياه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌س: ما سببُ ذهابِ فاطمة رضي الله عنها إلى أُحُد

- ‌حزنها في مرض أبيها ووفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌بِرُّها بوالدتها خديجة رضي الله عنهما

- ‌فائدة:

- ‌ثانياً: نفقته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عليها

- ‌فالمسلم يبدأ في النفقة بالأقرب فالأقرب:

- ‌وحذر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الإنسانَ أنْ يُضيِّعَ مَن يَعُول:

- ‌وكان النبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يعتني بقوت أولادِه وأهلِه لمدة سنة:

- ‌وحث صلى الله عليه وسلم على إغناء الورثة بالمال:

- ‌وحث صلى الله عليه وسلم على النفقة واحتساب الأجر فيها:

- ‌وأمر بالإحسان إلى البنات، ورتَّب على ذلك أجراً عظيماً:

- ‌ثالثاً: قيامه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عليها بالعدل

- ‌قلتُ: وثَمَّةَ احتِمَالٌ أراه قريباً، وهو:

- ‌وقد أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الأولاد:

- ‌رابعاً: محبتُه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لها، واحتفاؤه(1)بها

- ‌لِمَ استأثَرَتْ فاطمةُ بهذه المكانة الخاصةِ عند أبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌الاحتفاء:

- ‌خامساً: الزيارة بين فاطمة وأبيها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌ زيارتها رضي الله عنها له

- ‌ زيارته صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها

- ‌فالأحاديث كثيرةٌ جداً، والزيارة لأغراض شتَّى معلومة، منها:

- ‌سادساً: غيرة النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عليها

- ‌استشكل بعضُهم خوفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة رضي الله عنها مع استكثاره من الزوجات

- ‌سابعاً: حفظها رضي الله عنها لسرِّ أبيها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم

- ‌ثامناً: تعليمه صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة رضي الله عنها

- ‌[17] من مناقبها وخصائصها

- ‌[18] علمها ومسندها

- ‌وإليك الأحاديث المقبولة: الصحيحة والحسنة من مسند فاطمة، وهي خمسة أحاديث، والسادس موقوف عليها محتمل التحسين:

- ‌[19] علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم إ ياها على حب عائشة رضي الله عنهما

- ‌وإن مما يدل على المحبة والصفاء والنقاء بينهما:

- ‌[20] موقف فاطمة من طلب أبي سفيان الشفاعة رضي الله عنهما

- ‌[21] موقف فاطمة مع أبي لبابة، وهل حلت عقاله رضي الله عنهما

- ‌[22] طلبها الميراث من أبي بكر، وعلاقتها بالشيخين رضي الله عنهم

- ‌علاقة فاطمة رضي الله عنها بالشيخين الخليفتين الراشدين رضي الله عنهما

- ‌من محبة عمر لفاطمة زواجه بابنتها أم كلثوم رضي الله عنهم

- ‌[23] هل لها موقف من بيعة أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌[24] حزنها رضي الله عنها على وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌[25] وصيتها رضي الله عنها

- ‌[26] وفاتها: متى توفيت، ومن غسلها، وصلى عليها رضي الله عنها و عليها السلام

- ‌[27] قبرها رضي الله عنها

- ‌[28] منظومتان لترجمة فاطمة رضي الله عنها

- ‌1 - «السنن العاصمة في مناقب فاطمة عليها السلام

- ‌مقدمة الناظم

- ‌اسمها ونسبها وكنيتها ولقبها

- ‌والدُها ووالدتها

- ‌مولدها زماناً ومكاناً

- ‌ترتيبها بين أخواتها

- ‌نشأتها

- ‌صفتها وشمائلها

- ‌ملازمتها لأبيها ودفاعها عنه

- ‌هجرتها

- ‌محبة المسلمين لها

- ‌زوجها

- ‌من علاقتها مع زوجها

- ‌أولادها

- ‌عقبها

- ‌علمها

- ‌فضائلها وخصائصها

- ‌الكذب على فاطمة

- ‌ما نُظم في مدحها من الشعر

- ‌حزنها على وفاة أبيها

- ‌وصيَّتها

- ‌وفاتها

- ‌قبرها

- ‌مَن ترجَم لفاطمة عليها السلام

- ‌2 ــ منظومة أخرى

الفصل: ‌ ‌[10] هجرتها . عُمرها عند هِجْرَتِها نحو ثمان عشرة سنة، بناءً على

[10] هجرتها

.

عُمرها عند هِجْرَتِها نحو ثمان عشرة سنة، بناءً على الراجح أنَّ مَولدَها قبل النبوة بخمس سنين.

هاجرت مع أختها أم كلثوم، وسودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مع زيد بن حارثة، وآل أبي بكر رضي الله عنهم، لم يختلِف في ذلك المؤرِّخون.

وكان هجرتهم بعد مَقدَمِ النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المدينة بنحو سبعة أشهر.

عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئلتْ: متى بنَى بكِ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟

فقالت: لما هاجرَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، خلَّفَنَا وخَلَّفَ بَنَاتِهِ.

فلما قَدِمَ المدينةَ بعَثَ إلينا زيدَ بنَ حارثة، وبعثَ معَهُ أبا رافعٍ مَولاهُ، وأعطاهُمَا بَعِيرَيْنِ وخَمسمَئةِ درهم، أخذَهَا رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهْر، وبعثَ أبو بكر معهما عبدَالله بن أُرَيْقِط الدِّيلي بِبَعِيرين أو ثلاثة، وكتبَ إلى عبدِالله بنِ أبي بَكر يأمرُهُ أنْ يحمِلَ أهلَه: أُمِّي أمَّ رُومَان، وأنَا، وأُخْتِي أسماء ــ امرأةَ الزبير ــ؛ فخَرجُوا مُصْطَحِبِينَ.

ص: 35

فلما انْتَهَوا إلى قُدَيْد اشتَرى زيدُ بنُ حَارثة بتلك الخمسمئة ثلاثةَ أَبعِرَة، ثمَّ رحَلُوا مِن مكة جميعاً.

وصَادَفُوا طلحةَ بنَ عُبَيدِالله يُريدُ الهجرَةَ بآلِ أبي بكر، فخرَجْنَا جميعاً.

وخرَجَ زيدُ بنُ حارِثةَ، وأبُو رافعٍ، بِفَاطِمَةَ وأُمِّ كُلثُومِ، وسَودَةَ بنتِ زَمعَةَ، وحمَلَ زيدٌ أمَّ أيمنَ، وأسامةَ بنَ زيد.

وخرَجَ عبدُاللَّه بنُ أبي بكر بأمِّ رُومَان وأُختَيْهِ، وخرَجَ طلحةُ بنُ عُبَيدِاللَّه، واصطَحَبَنَا جَميعَاً.

حتَّى إذا كُنَّا بِالبيضِ مِن تَمَن

(1)

، نَفَر بَعِيرِي ــ وأنا في مَحَفَّةٍ مَعِي فيها أُمِّي ــ، فجَعَلَتْ أُمِّي تقُولُ: وَابِنْتَاه، واعَرُوسَاه، حتَّى أُدْرِكَ بَعِيرُنا وقَد هَبَطَ مِن لَفْتٍ

(2)

، فسَلَّمَ اللَّهُ عز وجل.

ثم إنَّا قدِمنا المدينةَ فنزلتُ مع عيالِ أبي بكر، ونَزَلَ آلُ رسولِ اللَّهِ.

(1)

تَمَن: أرض مستوية بيضاء للبلادية، شرق الخريبة، إذا خرجتَ من «هرشى» شمالاً تجد «تمناً» على ثلاثة أكيال. ويسارك يظلِّلُكَ «العشي» جبال طوال «الطوال البيض» . «معجم معالم الحجاز» د. عاتق البلادي.

(2)

قال د. البلادي: تُعرَفُ اليوم باسم «الفَيْت» كانت تصل بين قُدَيد وخُلَيْص، تأتي خليصاً من الشمال، وعليها طريق القوافل، ثم سدَّتها الرمال في أول العهد السعودي، فتحول الطريق خُلَيص غرباً عنها، ولم تعد تُطرق).

من «مكة» إلى «خليص» (130 كلم)، ومن «مكة» إلى «قديد» (157 كلم)، ومن «مكة» إلى «الفَيْت» (140 كلم تقريباً).

ص: 36

ورَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومئذ يَبنِي المسجدَ وأبيَاتَاً

(1)

حولَ المسجد، فأنزلَ فيها أهلَهُ، ومَكثْنَا أياماً في مَنزِلِ أبي بكر، ثم قال أبو بكر: يا رسولَ اللهِ، ما يمنَعُكَ من أنْ تَبنِيَ بِأهلِكَ؟

قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الصداق» .

فأعطاهُ أبو بكر الصداق اثنتَي عشرةَ أُوقِيَّةً ونَشَّاً

(2)

؛ فبعثَ بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلينا، وبَنَى بِي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَيتِي هذا الذي أنا فيه، وهُو الذي تُوفِّي فيهِ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وجعلَ رسولُ اللَّهِ لِنفسه باباً في المسجد وِجَاهَ بابِ عائشة.

قالت: وبنَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَوْدَةَ في أحَدِ تِلكَ البُيُوتِ التي إلى جنبي. فكان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يكونُ عندَهَا).

أخرجه: ابن سعد، والحاكم، وغيرهما.

وأما زينب رضي الله عنها فحبَسَها زوجُها أبو العاص رضي الله عنه، ثم هاجرَتْ بَعْدُ في السنة الثانية للهجرة، فنَخَسَها الحُويرثُ بن نُقَيذ، وهبَّارُ بن الأسود.

وقد وَهِمَ ابنُ هشام في «السيرة» فجعل النَّخْسَ علَى فاطمة وأمِّ كلثوم،

(1)

الصواب أنه لم يَبْنِ إلا بيتاً واحداً لِسَودَة، ثم بنَى فيما بعدُ بيتاً لعائشة رضي الله عنهما. رجَّح ذلك الذهبيُّ، وتعقَّبَ أهلَ السِّيَر.

(2)

أي خَمسمئة (500) درهم.

ص: 37

ولم يتعقبه شارحه السهيلي.

وجعلَ الذي خرجَ بهما العباس بن عبدالمطلب.

وبيَّن هذا الوهمَ التقيُّ الفاسي.

ومن ذلك يُعلَم خطأُ ما أوردَه عَددٌ من المترجمين لفاطمة من المعاصرين، الذين ذكروا هذه القضية كما ذكرها ابنُ هشام.

[1 1] زواجها، وحالها مع زوجها.

زوجها: هو ابنُ عَمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: عليُّ بنُ أبي طالب بنِ عبدالمطلب بن هاشم القُرَشِيِّ، أفضلُ هذه الأمَّةِ بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. وهو رابع الخلفاء الراشدين.

قُتل شهيدَاً عام (40 هـ) رضي الله عنه.

أمُّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنتُ عمِّ أبي طالب، كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

قال الحافظ ابن حجَر: (عليٌّ أوَّلُ الناسِ إسلاماً في قولِ كَثيرٍ مِن أهل العلم. وُلِد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فرُبِّيَ في حَجْر النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولم يُفارِقْهُ، وشهِد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة:«ألا ترضى أن تكون منِّي بمنزلة هارون من موسى» .

ص: 38

ومناقبه كثيرة، حتى قال الإمام أحمد: لم يُنقل لأَحَدٍ من الصحابة ما نُقل لعليٍّ.

وقال غيرُه: وكان سببُ ذلك: بُغض بني أمية له، فكان كلُّ من كان عنده عِلْمٌ من شيءٍ مِن مناقبِهِ مِن الصحابة يبُثُّهُ، وكلما أرادوا إخماده وهدَّدوا من حدَّث بمناقبه لا يزداد إلا انتشاراً.

وقد وَلَّدَ له الرافضةُ مناقبَ مَوضوعَة، هو غَنيٌّ عنها، وتتبَّع النسائيُّ ما خُصَّ به من دون الصحابة رضي الله عنهم، فجمَعَ من ذلك شيئاً كثيراً بأسانيد أكثرُها جِيَاد.

روى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم كثيراً.

وكان رضي الله عنه قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والإقدام، وكان أحدَ الشورى الذين نصَّ عليهم عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه.

ومن خصائص عليٍّ: قولُه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «لأدفعنَّ الرَّاية غداً إلى رجُلٍ يحبُّ اللَّهَ ورسُولَه، ويحبُّهُ اللَّهُ ورَسُولُه، يفتحُ اللهُ على يديه» . فلما أصبحَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غدوا كلُّهم يرجو أن يُعطاها، فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أينَ عليُّ بنَ أبي طالب» ؟ فقالوا: هو يشتكي عينيه، فأُتيَ به فبصَقَ في عينَيه، فدعا له فبرَأَ، فأعطاهُ الرَّايةَ».).

وهو مِن الذين بشَّرَهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالجنة.

ففاطمةُ، وأمُّها، وزوجُها، وولدَاها: الحسنُ والحسينُ، كلُّهم مِن

ص: 39

المبشَّرِينَ بالجنة رضي الله عنهم.

لَمْ يتيسَّرْ الزواج لفاطمة في مكة؛ لِشدة أذى المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وهِجرة بعضهم للحبشة، وحِصار بني هاشم في الشِّعْب، ثم موتِ خديجة رضي الله عنها، ولما هاجرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تقدَّم لخِطْبَتِها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فاعتذر لهما النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنها صغيرة أي بالنسبة لهما.

عن بُرَيْدَة رضي الله عنه، قال: خطبَ أبو بكر، وعمرُ رضي الله عنهما فاطمةَ رضي الله عنها، فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إنها صَغِيرةٌ» . فخَطبَهَا عليٌّ رضي الله عنه، فَزوَّجَهَا منه. أخرجه: النسائي.

وكان عُمْرُ أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين خطب فاطمة: خمسين سنة تقريباً، لأنه تُوفي سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة.

وكان عُمْرُ عُمَرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه حين خطب فاطمة: أربعين سنة تقريباً، لأنه تُوفي سنة ثلاث وعشرين، وله ثلاث وستون سنة.

وقد بوَّب النسائي حديث بريدة ـ السابق ـ بقوله: باب تزوُّج المرأة مثلها في السن.

ثم خطبها عليٌّ، فاستأذنَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقبِلَتْ، ثم زوَّجها.

وكان عُمْرُ عليٍّ رضي الله عنه حين خطب فاطمة: ثلاثاً وعشرين سنة؛ لأنه توفي سنة أربعين، وله ثلاثٌ وستون سنة.

ص: 40

وقيل: إحدى وعشرين سنةً، وخمسة أشهر.

فبَينهما قرابة خمس سنوات ــ على القول الراجح ــ.

وكان صلى الله عليه وسلم يستشير بناته عند الخِطبة

عن عائشة قالت: كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أنْ يُزَوِّجَ شيئاً مِنْ بنَاتِه، جلَسَ إلى خِدْرِها فقال:«إنَّ فلاناً يذكر فلانة» ، يُسمِّيها ويُسَمِّي الرجلَ الذي يَذكُرُها، فإنْ هي سكَتَتْ، زوَّجَهَا، وإنْ كَرِهَتْ نَقَرَتْ السِّتْرَ، فَإذَا نَقَرَتْهُ، لَمْ يُزَوِّجْهَا. أخرجه: أحمد.

وفي الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الجارية ينكحها أهلها، أتُستَأمر أم لا؟ فقال رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«نعم، تُستأمر» ، فقالت عائشة: فقلت له: فإنها تستحي، فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«فذلك إذنُها، إذا هي سكتَتْ» .

هذا لفظُ مسلم. وعند البخاري بنحوه، وفيه:«رضاها صَمتها» ، وفي لفظ له:«إذنها صماتها» ، وفي لفظ له:«سكاتها إذنها» .

وكانت الخِطبة في السنة الأولى من الهجرة، والبناء بها بعد غزوة بدر وقبل أُحُد، أي في آخر السنة الثانية أو أوائل السنة الثالثة.

وقد نبَّه عَددٌ من الحفاظ كابن حبان، وابن ناصر الدين الدمشقي، وابن كَثِير إلى كَثْرةِ المرويات المكذوبة في زواج فاطمة رضي الله عنها.

ص: 41

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أردتُ أنْ أخطُبَ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابنتَه، فقلتُ: ما لي مِن شيءٍ، فكيف؟ ! ثم ذكرتُ صِلَتَهُ وعَائدَتَهُ، فخطبتُهَا إليه، فقال:«هل لكَ مِن شَيءٍ» ؟ قلتُ: لا. قال: «فأينَ دِرْعُكَ الحُطَمِيَّةُ التي أعطيتُكَ يومَ كذا وكذا» ؟ قال: هي عندي. قال: «فأعطِنِيْهَا» . قال: فأعطيتُها إياه. أخرجه: أحمد.

كان مهرُها رضي الله عنها أربعمئة وثمانين درهماً، قوَّتها الشرائية في ذلك الزمن (48) شاةً.

وهو مَهْرٌ يَسِيرٌ، لا كلَفةَ فيه، ولا مباهاة، وهكذا كان مهر النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأزواجه، وقبولُه مهرَ بناتِه رضي الله عنهن.

عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، أنه قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداقُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشَّا.

قالت: أتدري ما النشُّ؟ قلت: لا، قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمئة درهم

(1)

، صدَاقُ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأزواجِه. أخرجه: مسلم.

ورُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «ألا لَا تغلوا صدق النساء، ألا لا تغلوا صدق النساء، قال: فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند اللَّهِ، كان أولاكم بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما أصدقَ رسولُ اللَّهِ

(1)

(500) درهم، قيمتها السوقية آنذاك تعادل (50) شاة.

ص: 42

- صلى الله عليه وسلم امرأةً من نسائه، ولا أُصدِقَتْ امرأةٌ من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية». أخرجه أحمد، وأصحاب السنن.

عن زيد بن أسلم قال: «ما ساق رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلى امرأةٍ من نسائه، ولا سِيقَ إليه لشيء من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، فذلك أربع مئة وثمانون درهماً» . رواه عبدالرزاق مرسلاً.

قال الإمام الشافعي رحمه الله: (والقصد في الصداق أحب إلينا، وأستحب أن لا يُزاد في المهر على ما أصدقَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نساءَه وبناتِه، وذلك خمسمئة درهم؛ طلباً للبركة في موافقة كل أمر فعلَه رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).

ويُروى عن عِلْبَاء اليشكري أن علياً تزوج فاطمة، فباع بعيراً له بثمانين وأربعمئة درهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«اجعلوا ثلثين في الطيب، وثُلثاً في الثياب» . أخرجه: ابن سعد، وهو مرسل.

عن علي رضي الله عنه، قال:«جهَّز رسولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ رضي الله عنها في خَمِيْلٍ، وقِرْبَةٍ، وَوِسَادَةِ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيْفُ الإِذْخِرِ» .

أخرجه: النسائي، وأحمد.

ومجموع المرويات في جَهَازِها دلَّتْ على أنه كان:

1.

خميلاً، وهو كِساء فيه لِين.

2.

وقِربةً، وفي رواية: سِقاء.

ص: 43

3.

وَوِسادةً من جِلْد حشْوُها لِيفُ الإذْخِر.

4.

ورَحْيَيْن، تثنية رحى، وهي: التي يُطحن بها.

5.

وجرَّتين وهما إناءان من فَخار.

6.

وسريرَاً مُزيَّناً بحِبال من خوص أو ليف.

7.

وإناءً من جلد.

8.

وقطعةً من أقط.

وفي حديث عِلْبَاء اليَشْكُري:

9.

أمر صلى الله عليه وسلم أن يُجعل ثلثا المهر في الطيب، والثلث الباقي في الثياب.

وهذ الجهاز في غايةِ اليُسْر والسُّهولة، وعدَمِ التكلُّفِ، وفيه من دلالات الزهد، والتقَلُّلِ من الدنيا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وآله، ما يقف عنده المؤمنُ معتبراً.

ودلَّ حديثُ عِلباء على العناية في الجهاز بالطيب والإكثار منه؛ لِمَا لَهُ من الأهمية والأثر الحسن في الحياة الزوجية.

وللنبي صلى الله عليه وسلم عنايةٌ بالطيب في عامة أحواله، فكان لايرد الطيب، وقال:«حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعل قُرَّةُ عيني في الصلاة» . أخرجه: النسائي، وأحمد.

ويُروى عند البناء بها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مجَّ في ماء، ثم صبَّ على

ص: 44

فاطمة وعلي رضي الله عنهما، ودعا لهما بقوله:«اللهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نَسلهما» .

بَنَى بها عليٌّ رضي الله عنه في منزلِه وكان بعيداً عن منزل النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حوَّلها صلى الله عليه وسلم إلى بيتٍ مجاور له من الجهة الشمالية، وكان لحارثة بن النعمان رضي الله عنه.

أوْلَمَ عليٌّ رضي الله عنه في زواجِه، وساعدَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بآصُعٍ من تمر وشعير، وكذا ساعدَه الصحابةُ رضي الله عنهم، فقدَّمَ سعدُ بنُ معاذ كَبشاً، وقدَّم الأنصارُ آصُعَاً من ذُرَةٍ.

روي في حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عليُّ، إنَّه لابُدَّ للعروسِ من ولِيمةٍ» .

فقال سعدٌ: عندي كَبشٌ، وجمع له رَهطٌ من الأنصار آصُعَاً من ذُرَةٍ، فلمَّا كان ليلةَ البِنَاء، قال:«لا تُحدِثْ شيئاً حتى تلقاني» ، قال: فدعا رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بإناء، فتوضأ فيه، ثم أفرغه على علي، ثم قال:«اللَّهم بارك فيهما، وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما» .

أخرجه: النسائي، وابن سعد.

الصحابة رضي الله عنهم، بل كلُّ مُسلِمٍ يغبطُ أصهارَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لِقُربِهم من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم خاصةً عليَّاً لزواجه بأفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وبقاءِ نَسْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - منها.

ص: 45

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كنَّا نقول في زمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رسُولُ اللَّهِ خيرُ الناس، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أُوتِيَ ابنُ أبي طالب ثلاثَ خصال، لأَنْ تكُونَ لي واحِدةٌ منهنَّ أحبُّ إليَّ مِن حُمُرِ النَّعَمْ: زوَّجَهُ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ابنَتَهُ، ووَلَدَتْ لَهُ، وَسَدَّ الأبوابَ إلا بَابَهُ في المسجد، وأعطَاهُ الرايةَ يومَ خَيْبَرَ). أخرجه: أحمد، وابن أبي شيبة.

ولا شك بأنَّ عثمان وعليَّاً مغتبطان بمصاهرتهما النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كذلك أبو بكر وعمر، لكن:

لم يَثبُتْ شَيءٌ من المرويات أنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاخَر بزوجه أمام الناس، كما أن عثمان بن عفان زوج ابنتَي رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لم يفاخر بذلك رضي الله عنهم أجمعين.

خدمتُها لِزَوجِها، وصبرُها على ضيق العيش معه.

عن عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ:«عَلَى مَكَانِكُمَا» ، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا ــ أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا ــ فَسَبِّحَا ثَلاثَاً وَثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاثَاً وَثَلاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلاثِينَ،

ص: 46

فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».

أخرجه: البخاري، ومسلم.

وعند الطبراني، وأبي نعيم زيادة: أن فاطمة رضي الله عنها كانت حاملاً، فكانت إذا خبزت أصاب حرق التنور بطنَها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال: «لا أعطيك خادماً وأدع أهل الصُّفَّة تطوى بطونهم من الجوع. الحديث.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت فاطمةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال لها:«قولي: اللَّهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللَّهم أنتَ الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنَّا الدين، وأغننا من الفقر» . أخرجه: مسلم.

كانت فاطمة رضي الله عنها خير زوج، صبرت وصابرت على شظف العيش، وخِدمَتِها لزوجها وصبيانها، وفي فترات لم يكن لها خادم يخدمها، ولم يُقدِّمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم على حاجة المسلمين حينما جاءه السبي، وأرشدَها وزوجَها إلى خَيرِ مُعِين لهما، وهو الذكر عند النوم من التسبيح والتحميد والتكبير.

ص: 47

عن سهل بن سعدٍ، أن عليَّ بن أبي طالب دَخَلَ على فاطمةَ، وحسنٌ وحسينٌ رضي الله عنهم يبكيان، فقال: ما يُبْكيهما؟

قالت: الجوعُ.

فخرج عليٌّ، فوجد ديناراً بالسُّوق، فجاء إلى فاطمة فأخبرها، فقالت: اذهبْ إلى فلان اليهوديِّ فخذ لنا دقيقاً، فجاء اليهوديَّ فاشترى به دقيقاً، فقال اليهوديُّ: انتَ خَتَنُ هذا الذي يَزعُمُ أنه رسولُ اللَّهِ؟ قال: نعم، قال: فخذ دينارَك ولكَ الدقيقُ.

فخرج عليٌّ حتى جاء به فاطمةَ، فأخبرها، فقَالت: اذهب إلى فلانٍ الجزار فخذ لنا بدرهم لحماً، فذهب فرَهَن الدينارَ بدرهم لحمٍ، فجاء به، فعَجَنَتْ، ونَصَبَتْ، وخبَزَت، وأرسلَتْ إلى أبيها، فجاءهم، فقالت: يا رسول اللَّهِ، أذكر لك، فإن رأيتَه لنا حلالاً أكلناه وأكلتَ معنا، مِن شأنه كذا وكذا، فقال:«كُلُوا باسْم اللَّهِ» فأكلوا.

فبينا هم مكانهم إذا غلامٌ يَنشُد اللَّهَ والإسلامَ الدينار، فأمر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فدُعي له، فسأله، فقال: سَقَطَ مني في السوق، فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يا عليُّ، اذهبْ إلى الجزَّار فقل له: إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لك: أرْسِلْ إليَّ بالدينار، ودِرهَمُكَ عليَّ» .

فأرسل به، فدفعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إليه.

أخرجه: أبو داوود.

ص: 48

قالت الأديبة: عائشة بنت الشاطئ عن حياة فاطمةَ رضي الله عنها: (حياتُها الزوجية تختلف عن حياة أخواتها؛ لأنَّ أزواجهن أصحاب ثَراءٍ مادي بخلاف عليٍّ، فهو فقير، أبوه على شرَف نسبِه ووجاهته كان قليل المال كثير العيال وعليٌّ أسلم قديماً وهو صبي، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشتغل بالتجارة ولا الزراعة، لذا خطب وليس عنده إلا دِرْعه).

وقد أرشد النبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة إلى الذكر عند النوم، عوضاً عن إجابتها بخادم، مع علمِه وبيانِه أنَّ أهل الصفة أحوج من فاطمة وزوجها، قال العقاد:(ولم يكُن صلى الله عليه وسلم يضنُّ على فاطمة رضي الله عنها بما يملك من الأنفال، فكان يخصُّها بالقسم الأوفى من حصَّته كلَّما فرَّق رزقاً بين ذويه وزوجاته، ولكنها كانت فاقةً تعمُّهم جميعاً حين لا يجدُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما يفرقه بينهم مثَلُ النبيِّ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يعلُو على إشفاق المشفِقين، ومَن كان في قُدرته أن ينعمَ من الدنيا بما يقطع قلوب الحاسدين حسدَاً، ثم يَرضَى لنفسِه وآلِه منزلة الإشفاق، فذلك هو الإعظامُ غايةَ الإعظام).

وقوعُ المغاضبةِ بينهما أحياناً:

يقع بين علي وفاطمة رضي الله عنهما ما يقع بين الزوجين، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قريباً منهما، زيارةً، وتربية، ونُصحَاً وإصلاحَاً.

ص: 49

عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيتَ فاطمة فلمْ يَجدْ عليَّاً في البيت، فقال:«أينَ ابنُ عمِّك» ؟ قالت: كان بيني وبينه شيءٌ، فغاضَبَنِي، فخرج، فلم يَقِلْ عندي، فقال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم لإنسان:«انظر أين هو» ؟ فجاء فقال: يا رسولَ اللهِ، هو في المسجد رَاقِدٌ، فجاء رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقَطَ رِدَاؤه عن شِقِّه، وأصابه تُرابٌ، فجعل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يمسَحُه عنه، ويقول:«قُمْ أبا تُراب، قُمْ أبا تُراب» . أخرجه: البخاري، ومسلم.

عن جابر بن عبد اللهِ الأنصاري رضي الله عنهما في حديث حجة الوداع. . . وفيه: وقَدِم عليٌّ من اليَمَن بِبُدْنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فوجدَ فاطمةَ رضي الله عنها ممَّن حَلَّ، ولَبِسَتْ ثِيَاباً صَبِيغَاً، واكتحَلَتْ، فأنكرَ ذلك عليها، فقالَت: إنَّ أبي أمرَني بهذا.

قال: فكان عليٌّ يقول بالعِراق: فذهبتُ إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم محرِّشَاً على فاطمة للذي صَنعَتْ، مُستَفْتِياً لرسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيما ذكَرَتْ عنْهُ، فأخبرتُه أني أنكَرتُ ذلك عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَتْ صَدَقَتْ. الحديث. أخرجه: مسلم.

عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كان بين علي وفاطمة كلامٌ، فدَخَل رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فألقى له مِثَالاً فاضطَجَعَ عليه، فجاءت فاطمةُ فاضطجعتْ من جانب، وجاءَ عليٌّ فاضطجع من جانب، فأخذ رسول اللَّهِ -

ص: 50

صلى الله عليه وسلم - بيدِ عليٍّ فوضَعَهَا على سُرَّتِه، وأخذَ بيد فاطمةَ فوضَعَها على سُرَّتِهِ، ولمْ يَزَلْ حتَّى أصلَحَ بينهما، ثم خَرَج، قال: فقيل له: دخلْتَ وَأنتَ عَلى حَالٍ، وخَرجْتَ ونحنُ نَرى البِشْرَ في وجهِكَ، فقال:«وما يَمْنَعُنِي وقَدْ أصْلَحْتُ بين أَحَبِّ اثنَيْنِ إليَّ» . أخرجه ابن سعد، وهو مرسل.

لا تخلو الحياةُ الزوجية في أيِّ بيتٍ من وجود خلافات، حتى في بيت النبوة أفضلِ البيوت، فيه أفضلُ البشَرِ صلى الله عليه وسلم مع أفضلِ النساء أمهاتِ المؤمنين رضي الله عنهن، يقع منهن ما يقع للبشر من الغَيرة والمخاصمة والزيادة في طلبات النفقة، وغيرها.

وقد نُقل شَيءٌ مما حَدَث؛ تشريعاً للأمَّةِ، وبياناً لأفضلِ الهَدْي، واتِّسَاءً بخير الناسِ لأهلِهِ صلى الله عليه وسلم.

مُكْثُ عَليٍّ مع فاطمة رضي الله عنهما قليلٌ نِسْبِيَّاً، فالمدة قريبة من ثمانِ سنوات فقط

وهذه السنوات كلُّها ـ عدا ستة أشهر ـ كانت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مَقربة منه، فكان بيتُها مجاورَاً لبيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ينالُه بركةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في زياراتِه المتكررة لهما، إضافةً إلى محبة عليٍّ فاطمةَ، ورؤيتِه محبةَ وإجلالَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الشديدةَ لابنتِه رضي الله عنها.

ص: 51

يُضاف إلى ذلك عِلمُهما رضي الله عنهما بالحقُوق الزوجية، مع الوصاية النبوية بالإحسان والرفق بالمرأة

ما سبق وغيرُه، يدلنا على قلة الخصومات بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، وإذا وُجِدَتُ ــ وهو أمْرٌ طبَعَي ــ فإنها محاطَة بالسِّتر، والدِّيَانة، والعَقْل، والمروءة؛ فلا ضَرْب، ولا تشهير، ولا هجراً سيئاً، ولا إخراجاً للمرأة من المنزل، ولا غيرَه.

قال عباس العقاد: (ولَمْ تَخْلُ هذه الحياةُ ـ وما خلَتْ حياةُ آدَميٍّ قط ـ من ساعاتِ خلاف، وساعاتِ شِكَاية، فربَّما شكَتْ فاطمةُ، وربما شَكا عليٌّ، وربما أخذَتْ فاطمةُ على قرينها بعضَ الشدَّةِ ــ وما هي بشِدَّةٍ ــ، فما كان رَجُلٌ مثلَ عَليٍّ لِيُعَنِّفَ على بنتِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو يعلَمُ مكانَها من قَلْبِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إنَّمَا اعْتِزَازُ فَاطِمَةَ بِنَفْسِهَا وَإبِاؤُهَا أَنْ تُهْمَلَ حَيْثُ كَانَتْ، وإنِّمَا الحَنَانُ الذِي تَعَوَّدَتْهُ مِنْ أَبِيْهَا، فَلا تَسْتَرِيْحُ إلَى مَا دُوْنَهُ، وَكُلُّ حَنَانٍ بَعْدَ حَنَانِ ذَلِكَ القَلْبِ الكَبِيْرِ، فَكَأَنَّهُ قَسْوَةٌ أَوْ قَرِيْبٌ مِنْ القَسْوَةِ عِنْدَ مَنْ يَتَفَقَّدُهُ، فَلا يَجِدُ نَظِيْرَهُ فِي قَلْبِ إِنْسَانٍ).

هذا، وقد كان عليٌّ رضي الله عنه يستحي أنْ يسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في بعض شؤونه الخاصة لمكانته من فاطمة رضي الله عنها.

قال رضي الله عنه: كُنْتُ رجُلاً مَذَّاءً، وكُنْتُ أستحي أنْ أسألَ النبيَّ

ص: 52