الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فاطمةُ تبْكِي حتَّى دخلَتْ على أبيها، فقالت: هؤلاء الملأُ مِنْ قَومِكَ في الحِجْرِ، قد تعاهدوا: أنْ لَوْ قدْ رَأوكَ قامُوا إليك فقتَلُوكَ، فليس منهم رجلٌ إلا قَدْ عَرَفَ نصيبَهُ مِن دَمِكَ، قال:«يا بُنَيَّة، أدْنِي وضوءاً» ، فتوضأَ، ثم دخل عليهم المسجدَ، فلمَّا رأوه، قالوا: هُوَ هذا، هُوَ هَذَا. فخَفَضُوا أبصارَهُم، وعقَرُوا
(1)
في مجالِسِهِم، فلَمْ يرفَعُوا إليه أبصارَهُم، ولم يقَمْ منهم رجُلٌ، فأقبلَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حتَّى قامَ عَلى رءوسِهِم، فأخَذَ قبضَةً مِن تُرَابٍ، فحصَبَهُمْ بها، وقال:«شَاهَت الوُجُوه» .
قال: فما أصابَتْ رجُلاً منهُم حصَاةٌ إلا قُتِلَ يومَ بَدْرٍ كافِرَاً.
أخرجه: الإمام أحمد، وسعيد بن منصور، وهو حديث حسن.
مِن برِّها بأبيها: مُعالجتُها إياه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم
-:
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أنه سُئل عن جُرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد
(2)
، فقال: «جُرِح وجْهُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم،
(1)
العَقَر بفتحتين: أن تُسْلِمَ الرجُلَ قوائِمُهُ من الخوف. وقيل: هو أن يفجأهُ الرَّوعُ؛ فيَدهَشْ، ولا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر.
(2)
قال ابنُ حَجَر: ( .. ومجموع ما ذُكر في الأخبار: أنه شُج وجهه، وكُسِرت ربَاعِيته، وجرحت وجنتُه، وشفته السفلى من باطنها، وهي منسكبة من ضربة ابن قمئة، وجُحِشَتْ ركبتُه. = =
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري قال:«ضُرِبَ وَجْهُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومئذ بالسيف سبعين ضربةً وقاه اللَّهُ شرَّها كلَّها» .
وهذا مرسلٌ قوي، ويحتمل أن يكون أراد بالسبعين حقيقتها أو المبالغة في الكثرة).
وكُسِرَتْ ربَاعِيَّتُهُ
(1)
، وهُشِمَتْ البَيْضَةُ
(2)
على رأسِه
(3)
، فكَانت فاطمةُ عليها السلام تغْسِلُ الدَّمَ، وعَليٌّ يُمسِك، فلما رأتْ أنَّ الدمَ لا يزيدُ إلا كثرةً، أخذَتْ حصِيراً فأحرَقَتْهُ حتَّى صَارَ رمَادَاً
(4)
، ثم ألزَقَتْهُ؛ فاستَمْسَكَ الدَّم».
متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: وعليٌّ يأتي بالماء على تُرسِه وفي رواية يسكب الماء بالمِجَنِّ. و (فحُشي به جُرْحُه). والمِجَنُّ هو التُّرْس.
تأمل فعلها هذا، مع هول المصيبة، وشدة الواقعة، وما أُشيع ـ حينئذ ـ من موت النبي صلى الله عليه وسلم، والأنظار تتجه إلى موضعه، وقد علاه الجهد، وسال الدم على وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك تنفرد فاطمة من
(1)
ذكر ابن العراقي أن الرباعية هي: السن التي تلي الثنية من كل جانب، وللإنسان أربع ثنايا، وهي الواقعة في مقدَّم الفم: ثنتان من أعلى، وثنتان من أسفل. وتليها الرباعيات أربع أيضاً: ثنتان من أعلى، وثنتان من أسفل. وقد تبيَّن مما تقدم أن الذي كسر من رباعياته الرباعية اليمنى السفلى.
(2)
كُسرت الخوذة، وهي مما يُلبَس على الرأس من آلات الحرب.
(3)
الفاعل لهذه الجريمة الشنيعة: عبداللَّه بنُ قَمِئَةَ، وقيل: عُتبةُ بن أبي وقاص.
(4)
قال المهلَّب: فيه أن قطع الدم بالرماد من المعلوم القديم المعمول به إلخ.