الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[19] علاقتها بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وحث النبي صلى الله عليه وسلم إ ياها على حب عائشة رضي الله عنهما
-.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ حِزْبَيْنِ:
فَحِزْبٌ فِيهِ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ.
وَالحِزْبُ الآخَرُ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(1)
،
وَكَانَ المُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ، فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أَنْ يُهْدِيَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَهَا حَتَّى إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، بَعَثَ صَاحِبُ الهَدِيَّةِ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ عَائِشَةَ.
فَكَلَّمَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَيَقُولُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً، فَلْيُهْدِهِ إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مِنْ بُيُوتِ نِسَائِهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِمَا قُلْنَ، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئَاً، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئَاً، فَقُلْنَ لَهَا، فَكَلِّمِيهِ قَالَتْ: فَكَلَّمَتْهُ حِينَ دَارَ إِلَيْهَا أَيْضَاً، فَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئَاً، فَسَأَلْنَهَا، فَقَالَتْ: مَا قَالَ لِي شَيْئَاً، فَقُلْنَ لَهَا: كَلِّمِيهِ حَتَّى يُكَلِّمَكِ، فَدَارَ إِلَيْهَا فَكَلَّمَتْهُ، فَقَالَ لَهَا: «لَا تُؤْذِينِي فِي
(1)
أي بقيتهن، وهن: زينب بنت جحش الأسدية، وأم حبيبة الأموية، وجويرية بنت الحارث الخزاعية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، دون زينب بنت خزيمة أم المساكين. انظر:«فتح الباري» لابن حجر.
عَائِشَةَ فَإِنَّ الوَحْيَ لَمْ يَأْتِنِي وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ، إِلَّا عَائِشَةَ».
قَالَتْ: فَقَالَتْ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
ثُمَّ إِنَّهُنَّ دَعَوْنَ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ العَدْلَ فِي بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَ:«يَا بُنَيَّةُ أَلَا تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ» ؟ قَالَتْ: بَلَى، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِنَّ، فَأَخْبَرَتْهُنَّ، فَقُلْنَ: ارْجِعِي إِلَيْهِ، فَأَبَتْ أَنْ تَرْجِعَ.
فَأَرْسَلْنَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ
(1)
، فَأَتَتْهُ، فَأَغْلَظَتْ، وَقَالَتْ: إِنَّ نِسَاءَكَ يَنْشُدْنَكَ اللهَ العَدْلَ فِي بِنْتِ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا حَتَّى تَنَاوَلَتْ عَائِشَةَ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَسَبَّتْهَا، حَتَّى إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَنْظُرُ إِلَى عَائِشَةَ، هَلْ تَكَلَّمُ، قَالَ: فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ تَرُدُّ عَلَى زَيْنَبَ حَتَّى أَسْكَتَتْهَا، قَالَتْ: فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عَائِشَةَ، وَقَالَ:«إِنَّهَا بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ» .
متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وفي لفظ مسلم: قالت عائشة، فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينبَ بنتَ جحش، زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تُسَامِيني
(2)
منهُنَّ في المنزلةِ عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرَاً في
(1)
قال ابن حجر: (وفيه إدلالُ زينب بنت جحش على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكونها كانت بنت عمَّته، كانت أمُّها أُمَيْمَةَ ـ بالتصغير ـ بنتَ عبدِالمطلب).
(2)
أي تُعاليني وتفاخرني.
الدِّين من زينب، وأتقى للَّهِ وأصدقَ حديثاً، وأوصلَ للرَّحِمِ، وأعظمَ صدَقَةً، وأشَدَّ ابتذَالاً لِنفسِهَا في العَمَلِ الذي تصدق به، وتقربَ به إلى اللَّهِ تعالى، ما عدا سَوْرةٍ
(1)
من حِدَّةٍ كانت فيها، تُسْرعُ مِنها الفَيْئَةُ، قالت: فاستأذَنتْ على رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ورَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مِرْطِهَا، على الحالة التي دخلَتْ فاطمةُ عليها وهُوَ بِهَا، فأذن لها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
حديث آخر:
عن سعيدِ بنِ المسيب، قال:«قَدِمَتْ صَفِيةُ بنتُ حُييٍّ وفي أُذُنيها أخْرِصَةٌ مِن ذَهَبٍ، فوَهَبَتْ لِفَاطِمَةَ بنتِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولِنسَاءٍ معَهَا» .
أخرجه: ابن وهب، وابن سعد، وهو مُرسلٌ، وصحَّحَ إسنادَه ابنُ حجر.
وأخرج: ابنُ وهب ــ بنحوه ــ من قول الإمام مالك.
هذا، وإنَّ العَلاقةَ بين فاطمة، وعائشة رضي الله عنهما عَلاقةٌ حَمِيمِيَّةٌ، ملؤها المحبة والصلة والوفاء، ولم يُنقَل عنهما شَيءٌ يدل على مُباعدة ومُنافرة؛ فضلاً عن عَدَاء وبُغْض، وهذه المحبةُ والألفةُ لا تنافي وجود خلافات عائلية،
(1)
أي ثَوْرَة ووَثْبَة.
تقع في البيوت كلها، منشؤها النَّزَعات الإنسانية، والاختلافات الشخصية، مع قرب الجوار، وكثرة المخالطة، وهما رضي الله عنهما غير معصومتين.
فإذا كانت الخلافاتُ الزوجية = العائليَّة تقع في بيت النبوة مع أفضلِ الخلق، وأصدَقِهم، وأتقاهم، وأكملِهم هَدْياً، وأحسَنِهم خُلُقاً، وأكرَمِهم صلى الله عليه وسلم، فالحالُ بين الزوجات، أو فاطمة مع غيرها من باب أولى.
وإني أرى أنَّ قبولَ فاطمة الوسَاطةَ والرسالَةَ من حِزب أمِّ سلمة رضي الله عنهن إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حديثَها بالطلب صراحةً مع وجود عائشة، يَشِي بأمرٍ يَسيرٍ من الاختلافاتِ العائلية بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما.
لكن لم يُنقل شَيءٌ مُفصَّل من ذلك؛ لعدم بلوغِه درجةَ الاهتمام والنقل، ولكونه من الأحداث اليومية الظاهرة التي تُمحَى سَرِيعاً، ولِعدَمِ تمكُّنِها في القَلْب، ولِوجُود الصلاح والتُّقَى الذي يَحمِي صاحِبَها عن الاستمرار، فضلاً عن القطيعة والافتراء.
ومما يدلُّ على وجود مثل هذا المعتاد في البيوت، ما رُوي في حديث عائشة رضي الله عنها:«ما رأيتُ أحداً قط أصدق من فاطمة غير أبيها ـ وكان بينهما شَيءٌ ــ فقالت: يا رسول اللَّه، سَلْهَا فإنها لا تكذب» .
فقولُ الراوي: «وكان بينهما شَيءٌ» ـ إنْ صحَّت هذه الجملة ـ، لا يدل على نزاع مستمر، أو نزاع شديد مؤثِّر، بل هو شَيءٌ محدد في موضوع