الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: قيامه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - عليها بالعدل
.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ قُرَيْشَاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:«أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» ؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» .
ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقُطِعَتْ يَدُهَا.
أخرجه: البخاري، ومسلم ــ واللفظ له ــ.
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ، فَأُتِيَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَاذَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«وَالله لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ، فَقُطِعَتْ.
أخرجه: مسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حين أنزلَ
اللهُ عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، قال:«يا معشر قريش ــ أو كلمةً نحوها ــ اشتَروا أنفسكم، لا أُغْنِي عنكم من اللَّهِ شيئاً، يا بني عبدِ مَناف لا أُغنِي عنكم من اللَّه شيئاً، يا عباسَ بنَ عبد المطلب لا أُغنِي عنك من اللَّهِ شيئاً، ويا صفيةَ عمَّةَ رسولِ اللَّهِ لا أُغنِي عنكِ من اللَّهِ شيئاً، ويا فاطمةَ بنتَ محمَّد سَلِيْنِي ما شِئتِ من مالي، لا أُغنِي عنكِ من اللهِ شَيئاً» .
متفق عليه ــ واللفظ للبخاري ــ.
وفي لفظ لمسلم: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشاً فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ «يَا بَنِى كَعْبِ بْنِ لُؤَىٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِى مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِى هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِى نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ؛ فَإِنِّى لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمَاً سَأَبُلُّهَا بِبَلالِهَا» .
دلَّت الأحاديث السابقة على قيام نبينا صلى الله عليه وسلم بالعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض؛ امتثالاً لقول اللهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (سورة النحل، آية (90) (، فمَعَ حبِّه صلى الله عليه وسلم لابنتِه فاطمة رضي الله عنها وأنها ابنته الصغرى، إلا أنه يُقسِم باللَّهِ ـ وهو الصَّادقُ
المَصدُوق ــ: «أن فاطمة لو سرقَتْ لقطعتُ يدها» ! قالها مبالغة في إثبات الحدود وتطبيقها.
فلا محاباة في دين اللَّهِ لأحد، والشرع يُطبَّقُ على الكبير والصغير، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ سبب هلاك الأمم السابقة حينما ميزت الناس في تطبيق العدل، فيطبق على الوضيع، ويترك الشريف، ثم أقسم بقيامه على ابنته فاطمة بالعدل كغيرها.
قال ابن تيمية رحمه الله: (وكان بنو مَخزوم من أشرف بطون قريش، واشتدَّ عليهم أنْ تُقطع يدُ امرأةٍ منهم، فبيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هلاك بني إسرائيل، إنما كان في تخصيص رؤساء الناس بالعفو عن العقوبات، وأخبر أنَّ فاطمة ابنته ــ التي هي أشرفُ النساء ــ لو سَرَقَتْ ــ وقد أعاذها اللُّهُ مِن ذلك ــ، لقَطَعَ يدَهَا؛ لِيُبَيِّنَ: أنَّ وجوبَ العدل والتعميم في الحدود، لا يُستثنى منه بنتُ الرسول، فضلاً عن بنتِ غيره).
وقال ابن حجر رحمه الله: (وإنما خَصَّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ ابنتَه بالذِّكر؛ لأنها أعزُّ أهلِه عندَه، ولأنه لم يبقَ من بنَاتِه حينئذٍ غيرُها
(1)
، فأراد المبالغة في إثبات إقامةِ الحَدِّ على كلِّ مُكلَّفٍ، وتَركِ المحابَاةِ في ذلك؛ ولأن
(1)
يُشكل عليه أنَّ أم كلثوم رضي الله عنها توفيت في شعبان، سنة (9 هـ)، كما في ترجمتها:«سير أعلام النبلاء» (2/ 253)، «الإصابة» (8/ 460)، والمرأة المخزومية سَرقَت عام الفتح (8 هـ).