الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامناً: تعليمه صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة رضي الله عنها
-.
الكلام حول هذا المبحث من باب تحصيل الحاصل؛ لأنه مما لا شَكَّ فيه أن المعلِّم الأول والأخير لبناتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومُربيهن هو والدُهن صلى الله عليه وسلم، فقد أخذن منه ومِن خديجة أحسنَ تربية، قبل النبوة وبعدَها، فصلاتُهن، وحجُّهن، وأذكارُهن، وتلاوتُهن للقرآن، وسائر عبادتهن، وجميع محاسن الأخلاق أخذنها مباشرةً مِن والدهن صلى الله عليه وسلم، فسواء صحَّت الأحاديث المروية ـ على قِلَّتِها ـ أو لم تصِحَّ، فإنَّ مَصدَر عِلْمِهِنَّ هو والدهنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وقد تميَّزَتْ فاطمةُ عن أخواتها بملازمة والدِها صلى الله عليه وسلم إلى وفاتِه، وذهابِه معه عام الفتح، وفي حجة الوداع، وقُربِ مَسكَنِها من بيت عائشة رضي الله عنهما.
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة آل عمران، آية (164) (.
وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة الجمعة، آية (2)).
ولا شَكَّ أنَّ بنَاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأزواجَه أولَى الناس استفادةً مِن تَعليمِه وتزكيتِه، وكان بهنَّ حريصاً شفيقاً، وبأمَّتِه أجمعين.
عن عَلِيِّ بن أبي طالب، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنهما أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ:«عَلَى مَكَانِكُمَا» ، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ:«أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا ــ أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا ــ فَسَبِّحَا ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» .
أخرجه: البخاري ومسلم.
وفي رواية عند أبي داوود في «سننه» أنه قال لها: «اتَّقِي اللَّهَ يا فاطمة، وأدِّي فريضة ربك، واعمَلي عمَل أهلِكِ، فإذا أخذتِ مضجَعَكِ فسبِّحي ثلاثاً وثلاثين. الحديث.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت فاطمةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال لها: «قولي: اللَّهم ربَّ السماوات وربَّ الأرض وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، فالقَ الحبِّ والنَّوى، ومنزلَ التَوراةِ والإنجيلِ والفُرقَان، أعوذُ بِكَ من شرِّ كل شيء أنتَ آخِذٌ بناصيته، اللَّهم أنتَ الأوَّل فليس قبلَكَ شَيءٌ، وأنتَ الآخِر فليس بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظاهر فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطِنُ فلَيس دُونَكَ شيءٌ، اقضِ عنَّا الدَّين، وأَغْنِنَا مِن
الفَقْرِ».
أخرجه: مسلم في «صحيحه» .
وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: جاءت فاطمة رضي الله عنها فقالت: يا رسُولَ اللهِ، واللهِ لقد مجلَتْ يدَاي من الرَّحى، أطحَنُ مرَّةً، وأعجِنُ مرَّة .. الحديث، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم لها: وإذا صلَّيتِ صلاةَ الصبح، فقُولي: لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كل واحدة منهن تُكتب عشر حسنات، وتحطُّ عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كسب ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك، لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وهو حرسك، ما بين أن تقوليه غدوة إلى أن تقوليه عشية، من كل شيطان، ومن كل سوء».
أخرجه: أحمد في «مسنده» ، وغيرُه، وفيه ضعف.
وللذكر الوارد المقيَّد بالفجر والمغرب شواهد كلُّها ضعيفة، وبعض العلماء يحسِّنُها بمجموعها ــ والله أعلم ــ.
وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه يقول: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: «ما يمنعك أن تسمعي ما أُوصيكِ به، أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا
أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْنِي إلى نفْسِي طَرْفَةَ عَيْن».
رواه النسائي في «الكبرى» ، والراجح أنه ضعيف، وتحسينُه محتمل، وقد حسَّنه بعض العلماء.
وعن ثوبانَ رضي الله عنه مولى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حدَّثَه: أنَّ ابنَةَ هُبَيْرَةَ
(1)
دخَلَتْ عَلى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفِي يَدِهَا خَواتِيمُ مِنْ ذهَبٍ، يُقال لها: الفَتْخَ، فجعَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقرَعُ يدَهَا بعصَيَّةٍ معَه يقول لها:«أيسرُّكِ أن يجعلَ اللَّهُ في يدِكِ خَواتِيم مِنْ نَار» ؟ !
فأتَتْ فاطمةَ فشكَتْ إليها ما صنَعَ بها رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: وانطلَقَتُ أنا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقامَ خلفَ الباب، وكان إذا استَأذَنَ قامَ خَلْفَ الباب، قال: فقالت لها فاطمة: انظري إلى هذه السِّلْسِلَةِ التي أهداها إليَّ أبُو حَسن.
قال: وفي يدِهَا سِلسِلَةٌ من ذَهَبٍ، فدَخَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:«يَا فاطمةُ بالعدل أن يقولَ الناسُ: فاطمةُ بنتُ محمد، وفي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِن نَار» ؟ ! ثمَّ عَذَمَها عَذْمَاً شَدِيْدَاً
(2)
، ثم خرَجَ ولَمْ يقْعُدْ، فأمَرَتْ بالسِّلْسِلَةِ فبِيْعَتْ، فاشْتَرَتْ بثَمَنِهَا عَبْدَاً، فأعْتَقَتْهُ، فَلَمَّا سَمِعَ بذلكَ
(1)
هند بنت هبيرة رضي الله عنها.
(2)
لامَها لوماً شديدَاً.
النبيُّ صلى الله عليه وسلم كبَّر، وقال:«الحمْدُ للهِ الذِي نَجَّى فَاطمَةَ مِنْ النَّارِ» .
أخرجه: أحمد، وغيرُه، والراجح ضعفه، وتحسينُه محتمل.
وسببُ معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم ابنتَه فاطمة رضي الله عنها، مع أن الفعل جائزٌ شرعاً؛ لأنه كان يحمل آل بيته على الورع والزهد.
إنَّ كثيراً من أحاديث فاطمة تدخل ضمن تعليمِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاطمة وإرشادِه إياها، مِن ذلك ــ زيادةً على ما سبق ــ:
حديثُ جابر في الحج، وفيه أمرُها بالإحلال، وحديثُ أمْرِها بالعقيقة وحلقِ رأسِ المولود بعد ولادتها الحسن أو الحسين، وغيرها.
(1)
(1)
عن عبداللَّه بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قال: بينما نحن نسير مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ بصُر بامرأة لا تظنُّ أنه عرَفَها، فلما توسَّط الطريق وقفَ حتى انتهتْ إليه، فإذا فاطمةُ بنتُ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال لها:«ما أخرجَكِ من بيتكِ يا فاطمة» ؟ قالت: أتيتُ أهلَ هذا الميِّت، فترحَّمْتُ إليهم، وعزَّيتُهم بميِّتِهم، قال:«لعلك بلغْتِ معهم الكُدَى» ؟ قالت: معاذَ اللَّهِ أنْ أكونَ بلغتُها، وقد سمِعْتُكَ تذكُر في ذلك ما تَذكُر، فقال لها:«لو بلَغْتِها معَهم؛ ما رأيتِ الجنَّةَ حتى يَراها جَدُّ أبيكِ» .
أخرجه: أحمد، وأبو داوود، والنسائي، وهو حديثٌ ضعيفٌ مُنكر.
وكذا ما رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: «قومي إلى أضحيتك فاشهَدِيْهَا، فإنَّه يُغْفَرُ لَكِ عندَ أوَّل قطرةٍ من دَمِهَا كُلَّ ذنْبٍ عمِلْتِيْهِ، وقُوْلِي: {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (سورة الأنعام)، قال: عمران، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، هذا لكَ، ولأهلِ بيتكَ خاصَّةً، أمْ للمسلمينَ عامَّةً؟ قال: «لا، بَلْ للمُسْلِمينَ عامَّةً» .
أخرجه: إسحاق بن راهويه، والطبراني، وغيرهما، وهو حديث ضعيف جدَّاً.
رُوي في حديث: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شبَّر لفاطمة شبراً من نطاقها» وفي رواية: «مِن ذَيلها» ، ورواية:«مِن عَقِبها» ، وفي رواية:«أو شبرين» . وفي رواية: ثم قال لها: «هذا قَدْرُ ذَيلِكِ» .
وهو حديث ضعيف.
ورُوي أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان في عاشوراء يتفل في أفواه رُضعاءِ فاطمة، ويأمُرُها أن لا تُرضِعَهُ إلى الليل. حديث ضعيف.
ذكرتُ هذه الأحاديث الأربعة الضعيفة ـ خلاف شرطي في الكِتَاب ـ؛ لاشتهارها عند الكُتَّاب في سيرة فاطمة رضي الله عنها.