الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاصطلاح، إنما يُنكر على مَن خصَّصَ لقب الشريف على ذرية الحسن، ومنع إطلاقه على ذرية الحسين، والعكس كذلك.
وذكر النبهاني (ت 1350 هـ) اصطلاح أهل الحجاز لِلَّقَبَين؛ لأجل التفريق بينهما.
غالب أشراف مكة، وحكام اليمن قديماً: حَسنيون، وجميع أشراف الطائف: نمَويُّون حَسنيون، وأشراف المدينة: حُسَينيون.
ذكر الشيخ: إبراهيم بن منصور الهاشمي: أنَّ لقبَ «السيِّد» مقدَّم على لقب «الشريف» عند أهل: اليمن، وشرق وجنوب السعودية، والعراق، وأقاليم في الشام، وأقاليم في مصر، وبلاد العجم.
ولقَبَ «الشريف» مقدَّمٌ على لقَبِ «السيِّد» في: الحجاز، ونجد، والمغرب، وأقاليم في مصر، وأقاليم في الشام، وغيرها.
قال: ولعل هذا العُرْف المناطقي من أسباب التفريق في إطلاق اللقبين.
(1)
-
حكم لقب الشريف والسيد:
لم يُعلِّق الشرعُ المطهَّر الحكيمُ على هذين اللقَبَيْن حُكماً شرعيَّاً، فالأحكام الشرعية مذكورة باسم النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وباسم آلِ البيت، وباسم ذوي القُربى.
(1)
«تنبيه الحصيف إلى خطأ التفريق بين السيد والشريف» لإبراهيم الهاشمي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) رحمه الله: (وأما اسمُ الشَّرَفِ فليسَ هُو مِن الأسماءِ التي علَّقَ الشارعُ بِها حُكْمَاً حتَّى يكونَ وحدَهُ مُتلَقَّى مِن جِهَةِ الشارِع .. ثم ذكر معنى الشريف لغة واصطلاحاً، وقال:
فالشريفُ هُو مَنْ له الرئاسة والسلطانُ، لكن لما كانَ أهلُ البيتِ أحقَّ مِن أهلِ البيوت الأخرى بالشرَفِ؛ صَارَ مَنْ كانَ مِن أهلِ البيتِ يُسَمَّى شَرِيفَاً.
فأهلُ العِراق لا يُسَمُّونَ شَرِيفَاً إلا مَن كان من بني العباس، وكثيرٌ مِن أهلِ الشام، وغَيرِهم، لا يُسَمُّونَ شَرِيفاً إلا مَنْ كَانَ عَلَوِيَّاً.
(1)
وأما أحكامُ الشريعةِ التي عُلِّقَتْ، فهي مذكورةٌ باسمِ النبي صلى الله عليه وسلم، وباسمِ أهلِ بيتهِ، وذَوِي القُرْبَى، وهذه الأسماء الثلاثةُ
(1)
وقال ابن تيمية في «منهاج السنة» : (. ولَكِنْ قتَلَ الحجاجُ كثيراً من أشرافِ العَرَبِ، أي: سادَاتُ العرب. ولما سمِعَ الجاهلُ أنه قتَلَ الأشرافَ ــ وفي لُغَتِهِ أنَّ الأشرافَ هُمْ: الهاشميون أو بعضُ الهاشميين، ففي بعض البلاد أنَّ الأشرافَ عندَهُمْ: ولَدُ العبَّاس، وفي بعضِها الأشرافُ عندَهُم: ولَدُ عَليٍّ ــ.
ولفظُ «الأشراف» لا يتعَلَّقُ بِه حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وإنِّما الحُكْمُ يتعَلَّقُ بِبَنِي هَاشِمٍ، كتَحرِيمِ الصَّدَقَةِ، وأنَّهمْ آلُ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك).
إطلاقُ لقَبِ الأشراف في العراق على العباسيين، وفي الشام على العلويين، بناءً على الموطن السياسي، فقاعدة العباسيين في «العراق» (132 هـ ـ 656 هـ)، وقاعدة العُبيديين في «مصر» ، و «الشام» (358 هـ ـ 567 هـ). وانظر:«تنبيه الحصيف» .
تَتَنَاوَلُ جَميعَ بَنِي هاشم، لا فَرقَ بَينَ ولَدِ العبَّاسِ، ووَلَدِ أبي طالب، وغَيرِهم.
وأعمامُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الذين بَقِيَتْ ذُرِّيَتَهُم: العباسُ، وأبو طالب، والحارثُ بنُ عبدالمطلب، وأبو لهب. فمَنْ كان من ذرية الثلاثة الأولى؛ حَرُمَتْ عليهم الزكاةُ، واستَحَقُّوا مِن الخُمُسِ باتِّفَاقِ.
وأما ذُرِّيةُ أبي لهب، ففَيْهِ خِلافٌ بَين الفقهاء؛ لِكَونِ أبي لهب خَرَجَ عَن بني هاشم لما نَصَرُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ومَنَعُوهُ ممَّنْ كان يُريدُ أَذَاهُ مِن قريش.
ودخَلَ مع بني هاشمٍ بنُو المطَّلِب .. وذكَرَ حديث: «إنما بنو هاشم وبنو المطلِّب شَيءٌ واحد» .
وأفضلُ الخَلقِ: النبيُّونَ، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثمَّ الصالحون، وأفضلُ كُلِّ صِنْفٍ: أتقاهُم، كما قال صلى الله عليه وسلم:«لا فضلَ لِعَرَبيٍّ عَلى عَجَمِيٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ عَلى عَرَبِيٍّ، ولَا لِأَبْيَضَ عَلى أسوَدَ، ولا لِأسودَ على أبْيَضَ، إلا بالتَّقْوَى» . هذا في الأصنافِ العامَّةِ.
وأفضَلُ الخلقِ في الطبَقَاتِ: القَرنُ الذين بُعِثَ فيهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذين يَلُوْنَهُمْ.
وأما في الأشخاص: فأفْضَلُهُمْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ إبراهيمُ عليه السلام.
فتَبَيَّنَ أنَّ الشَّرَفَ لَيس لِبَنِي هَاشِمٍ خَاصَّةً، بل يَتنَوَّعُ بِحسَبِ عُرْفِ المخَاطَبِيْنَ، ومَقَاصِدِهُمْ.
وأمَّا المسمَّى بِهذا اللفظ، فيُقَالُ: مِن الأحكام ما تشتَرِكُ فيه قُرَيشٌ كُلُّهَا، نحو: الإمامة الكبرى.
ومن الأحكامِ ما يختَصُّ بِبَنِي هاشِمٍ، أو بَنِي هاشمٍ معَ بَنِي المطَّلِبِ، دون سائر قريش، كالاستحقاقِ مِن خُمُسِ الغنائم، وتحريمِ الصدَقَةِ، ودُخُولِهم في الصلاة إذا صُلِّيَ عَلى آلِ محمَّدٍ، وثُبُوتِ المزِيَّةِ عَلى غَيرِهِمْ.
ومَنْ كانَتْ أمُّهُ قُرَشِيةً دُونَ أبِيهِ، لم يَستَحِقَّ الإمَامَةَ التِي اختُصَّتْ بِها قُريشٌ.
ومَن أُمُّهُ هاشِمِيَّةً أوْ غَيرَ فاطَمِيَّةٍ، وأبوه لَيس بهاشِمِيٍّ ولا مُطَّلِبِيٍّ؛ فَلا يَستحِقُّ مِن الخُمُس كما يستحقُّ بنُو هاشِم، وإنْ كانَ ينتَسِبُ إليهم نَسَبَاً مُطلَقَاً، فلَهُ نوْعُ امتِيَازٍ لِكَوْنِ أُمِّهِ مِنْهُم.
وأمَّا أَوْلَادُ العِتْرَةِ، فلَهُم مِن الاختصاصِ بقَدْرِ مَا لهُمْ مِن النَّسَبِ؛ لِكَونِ أحدِهِمْ أفضلَ مِنْ غَيرِهِمْ.
وبِكُلِّ حالٍ، فهذه الخصائصُ لا تُوجِبُ أنْ يكونَ الرَّجلُ بنفسِهِ أفضلَ مِن غيرِهِ لأجلِ نَسَبِهِ المجَرَّدِ، بل التفاضُلُ عِندَ اللَّهِ بِالتقَوى كما
قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ آلَ بَنِي فُلَانٍ، لَيسُوا لِي بِأَولِيَاءَ، إنَّما وَلِيِّيَ اللهُ، وصَالحُ المؤمنين» .
فمَنْ كانَ في الإيمانِ والتقوى أفضلَ؛ كانَ عِندَ اللهِ أفضلَ ممَّنْ هُو دُونَهُ في ذلك، وأولَاهُمْ بِرسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وإِنْ كان غيرُهُ أقربَ نَسَبَاً مِنْهُ، فإنَّهُ لا شَكَّ أنَّ الولَايَةَ الإيمانِيَّةَ الدِّينِيَّةَ أعظمُ وَأوثَقُ صِلَةً مِن القَرَابَةِ النَّسَبِيَّةِ، والله أعلم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إنما يفضلُ الإنسانُ بإيمانه وتقواه؛ لا بآبائه؛ ولو كانوا من بني هاشم أهلِ بَيتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ اللَّهَ خلقَ الجنة لمَن أطاعه وإنْ كان عبداً حبشيَّاً، وخلقَ النار لمن عصاه ولو كان شريفاً قُرشياً، وقد قال اللَّه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات، آية (13)).
وفي «السنن» عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا فضلَ لعَربيٍّ على عجَميٍّ، ولا لعجَمِيٍّ عَلى عَرَبيٍّ، ولا لأسوَدَ على أبيَضَ، ولا لأبيَضَ علَى أسْوَدَ، إلا بالتقوَى. الناسُ مِن آدَم، وآدَمُ مِن تُرَاب» .
وفي «الصحيحين» عنه أنه قال لقبيلة قريبة منه: «إنَّ آل أبي فلان ليسوا بأوليائي، إنما وليي اللَّه وصالح المؤمنين» . فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ موالاته ليست بالقَرابة والنسَب؛ بل بالإيمان والتقوى).
وقال ابن تيمية ـ أيضاً ـ: (وإذا كان كذلك فأولياؤه المتقون بينه وبينهم قرابة الدين والإيمان والتقوى. وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطينية، والقُرب بين القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان؛ ولهذا كان أفضلَ الخلق أولياؤه المتقون، وأما أقاربُه ففيهم المؤمنُ والكافر، والبرُّ والفاجر، فإن كان فاضلاً منهم كعَلي، وجَعفر، والحسَن، والحسين رضي الله عنهم، فتفضيلُهم بما فيهم من الإيمان والتقوى، وهم أولياؤه بهذا الاعتبار، لا بمجرَّدِ النسَبِ، فأولياؤه أعظمُ درجةً مِن آله، وإنْ صُلِّيَ عَلى آلِه تبعاً لَه؛ لم يقتضِ ذلك أن يكونوا أفضلَ مِن أوليائه الذين لم يُصلِّ عليهم، فإنَّ الأنبياءَ والمرسلين هُم من أوليائه، وهُمْ أفضلُ مِن أهل بيته، وإنْ لم يدخلوا في الصلاةِ معه تبعاً، فالمفضول قد يختصُّ بأمر، ولا يلزم أن يكون أفضلَ من الفاضل، ودليل ذلك أنَّ أزواجَه هُم ممن يُصلَّى عليه، كما ثبت ذلك في «الصحيحين»، فقد ثبتَ باتِّفَاق الناس كلِّهم أنَّ الأنبياءَ أفضلُ منهن كُلِّهن).
وقال أيضاً رحمه الله: (لم يُثْنِ اللَّهُ على أحَدٍ في القرآن بنسَبِهِ أصلاً: لا عَلى ولَدِ نَبيٍّ، ولا على أَبِي نَبِيٍّ، وإنما أثنى على الناسِ بإيمانهم وأعمالهم.
وإذا ذكرَ صنفاً وأثنَى عليهم؛ فَلِمَا فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرَّدِ النَّسَبِ.
ولما ذكرَ الأنبياءَ ــ ذكرهم في الأنعام ــ وهم ثمانية عشر قال: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (سورة الأنعام، آية: 87). فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى، وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم، لا بنفس القرابة.
وقد يُوجِبُ النسَبُ حقوقاً، ويُوجِب لأجلِه حُقوقاً، ويُعلِّق فيه أحكاماً من الإيجاب والتحريم والإباحة، لكنَّ الثوابَ والعقابَ والوعدَ والوعيد على الأعمالِ لا عَلى الأنسَابِ.).
وقال السخاوي رحمه الله: (ويَنتَفِعُ المنتَسِبُ بِذلِكَ إنْ صَحِبَهُ القِيَامُ بِأمْرِ الدِّينِ، ولم يَكُنْ فيهِ مِن المتهَاوِنِينَ، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}) ا. هـ.
هذا، وقد كَرِه بعضُ أهل العلم أن يُلقِّبَ الهاشميُّ نفسَه بِـ: الشريف، والسيِّد؛ لأن فيه تعظيمَ نفسِه وتزكيتَها.
والصواب أنه لا يُكرَه ذلك، وليس مستحبَّاً أيضاً، بل هو مباح؛ لأنه مصطلح تعريفي لا تعظيم فيه ولا تزكية، بل إشارة إلى النسَب لا غير.
ولقبُ الشَّرَفِ لا يلزم منه عدمُ الفِسْق.
ويُحذَر من إطلاق لفظ «السيِّد» على مَن فيه ضلالة ظاهرة، وبدعة، لحديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا للمنافق: سيِّد، فإنه إنْ يَكُ سيِّدَاً، فقَدْ أسخَطْتُمُ ربَّكُمْ عز وجل» .