الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسم السارقة وافَقَ اسمَها عليها السلام؛ فناسَب أن يَضرِبَ المثلَ بها).
قال أبو زرعة أحمد ابنُ العراقي رحمه الله: (والظاهرُ أنَّ ذِكر فاطمة رضي الله عنها دون غيرها؛ لأنها أفضل نساء زمانها، فهي غايةٌ في النساء لا شيءَ بعدها، فلا يحصل تأكيد المبالغة إلا بذكرِها، وانضمَّ إلى هذا أنها عضوٌ من النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فلم يحمله ذلك على محاباتها في الحقِّ.
وفيها شيء آخر وهو: أنها مشارِكةً لهذه المرأة في الاسم، فينتقل اللفظُ والذِّهْنُ من إحداهما إلى الأخرى، وإن تبايَن ما بين المحَلَّيْن).
(1)
قلتُ: وثَمَّةَ احتِمَالٌ أراه قريباً، وهو:
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة مع وجود أم كلثوم ـ دون رقية وزينب لأنهما تُوفِّيَا قَبلُ ــ، كما ذكرها من قبل في «مكة» لما نادى على الصفا ــ في حياة جميعِ بناته ــ، والسبب في تخصيصها؛ لأنها أصغرُ أولاده؛ وللصغيرِ شَفَقةٌ ورَحمةٌ خاصة، وربما كان ذلك من عادة العرب في تخصيص الصغيرِ من الأولاد، في مثل هذه المواقف ــ واللهُ أعلم ــ.
فإن صحَّ هذا الاحتمال فهو مما يُقوِّي القول المرجَّح سابقاً أنَّ فاطِمةَ أصغرُ بناتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وهو قول الجمهور كما سبق ـ والله أعلم.
وفي الحديث الأخير بَيَّنَ لها أنه لن يغني عنها من اللَّهِ شيئاً، فعليها
(1)
«طرح التثريب» .
أن تتقي اللَّهَ عز وجل، ولا تتَّكِل على قُربِها من والدها صلى الله عليه وسلم
(1)
(1)
قال الشيخ الإمام: محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب «التوحيد» : (قوله صلى الله عليه وسلم للأبعد والأقرب: «لا أغني عنك من الله شيئاً» حتى قال: «يا فاطمة بنت محمد، لا أغني عنك من اللَّهِ شيئاً». فإذا صرَّحَ وهُوَ سيِّدُ المرسلين بأنه لا يُغنِي شيئاً عن سيِّدةِ نساء العالمين، وآمَنَ الإنسانُ أنه صلى الله عليه وسلم لا يقولُ إلا الحق، ثم نظَرَ فيما وقعَ في قلوبِ خواصِّ الناسِ اليوم، تبيَّن له التوحيدُ وغُربَةُ الدِّين).
علَّقَ الشيخ الإمام: محمد بن عثيمين رحمه الله في «القول المفيد على كتاب التوحيد» (1/ 304) بقوله: (صدقَ رحمه الله فيما قال؛ فإنه إذا كان هذا القائل سيِّد المرسلين، وقاله لسيدة نساء العالمين، ثم نحن نؤمن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا الحق، وأنه لا يُغني عن ابنته شيئاً؛ تبيَّن لنا الآن أنَّ ما يفعلُه خواصُّ الناس ترك للتوحيد؛ لأنه يوجد أناسٌ خواصُّ يرون أنفسَهم علماءَ، ويراهم مَن حولهم علماءَ وأهلاً للتقليد، يَدْعُون الرسولَ صلى الله عليه وسلم لكشف الضرِّ، وجلبِ النفع، دعوةً صريحةً، ويردِّدُونَ:
يا أكرمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ بِهِ
…
سِواكَ عندَ حُلُولِ الحادِثِ العَمِمِ! !
وغير ذلك من الشِّرْكِ، وإذا أُنكِرَ عليهم ذلك، ردُّوا على المنكِرِ بأنه لا يَعْرِفُ حقَّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ومقامَه عندَ الله، وأنه سيِّد الكونِ، وما خُلِقَتْ الجنُّ والإنسُ إلا مِن أجلِهِ! ! وأنه خُلِقَ من نُورِ العرش! ! ويُلَبِّسُونَ بذلكَ على العَامَّةِ، فيُصَدِّقُهُم البعضُ لجَهْلِهِم، ولو جاءَهم مَن يدعوهُم إلى التوحيد، لم يستجيبوا له؛ لأنَّ سيِّدَهُم وعالمهَم على خلافِ التوحيد {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ} (سورة البقرة، آية (145))
ثم إن المؤمنَ عاطفتُه وميلُه للرسولِ صلى الله عليه وسلم أمرٌ لا يُنكَر، لكنَّ الإنسانَ لا ينبَغِي له أنْ يُحَكِّم العاطفة، بلْ يجبُ عليه أنْ يتَّبِعَ ما دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، وأيَّدَهُ العقلُ الصريحُ السالمُ من الشبهات والشهوات.
ولهذا نعى اللَّهُ ـ سبحانه ـ على الكفار الذين اتَّبَعُوا مَا ألِفُوا عليه آباءَهم بأنَّهُم لا يَعْقِلُون، وكلامُ المؤلِّفِ حَقٌّ؛ فإنَّ مَنْ تأمَّل ما عليه الناسُ اليومَ في كثيرٍ من البلدان الإسلامية؛ تَبيَّنَ لهُ تركُ التوحِيدِ، وغُرْبَةُ الدِّينِ).
وانظر كلاماً جميلاً على الحديث في: «تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد» للشيخ المحدِّث: سليمان بن عبدالله بن الإمام محمد بن عبدالوهاب (1/ 547).