الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[22] طلبها الميراث من أبي بكر، وعلاقتها بالشيخين رضي الله عنهم
-.
لم تكُن فاطمة رضي الله عنها تَعلَمُ ــ كما بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عدا عائشة ــ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يُورث، فجاءت تطلبُ ميراثها من أبي بكر، فأخبرَها بالسُّنَّة في ذلك، فصدَّقت، ولم تُناقشْهُ في ذلك، ولم تَعُدْ تطلب الميراث منه مرةً ثانية.
قال الذهبي (ت 748 هـ) رحمه الله: (ولما توفي أبوها صلى الله عليه وسلم، تعلَّقَتْ آمالها بميراثه، وجاءتْ تطلب ذلك من أبي بكر الصديق، فحدَّثها: أنه سمعَ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نُورَث، ما تركنا، صدقة». فوَجَدَتْ عَليه، ثم تعَلَّلَتْ. ثم ذكر الذهبيُّ مراضاة أبي بكر لها في مرضها رضي الله عنهما).
قال أبو إسماعيل حماد بن إسحاق المالكي (ت 267 هـ) رحمه الله: (فأمَّا ما يحكيه قومٌ أن فاطمة عليها السلام طلبتْ فدَك، وذكرَتْ أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقطعها إيَّاها، وشهِدَ لها عليٌّ عليه السلام، فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه شهادتَه؛ لأنه زوجها؛ فهذا أمرٌ لا أصَلَ لَهُ، ولا تثْبُتْ بِهِ رواية، أنَّها ادَّعَتْ ذلك، وإنما هُوَ أمْرٌ مُفْتَعَل لا ثَبْتَ فيه، وإنِّما طلَبَتْ وادَّعَت الميراث، هي وغيرها من الورثة؛ وكان النظر والدعوى في ذلك،
وقد بيَّنَا ما جاءت به الروايات الصحاح فيه، وإنما طلبتْ هيَ والعباسُ عليهما السلام من فدَك وغيرها، مما خلَّفَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الميراث، ولمْ تذْكُرْ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها، بل كان طلبها من فدَك وغَيرِ فدَك ميراثها).
وقال أيضاً: (ولو كان رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقطعَها فدَك، وعَلِمَ بذلك عليٌّ عليه السلام، وشهِدَ بِهِ كما ذَكَرُوا؛ لأَوْجَبَهَا عَليٌّ عليه السلام لِوَرَثَةِ فاطمة عليها السلام، حيثُ وليَ الأمرَ، ولم يظلمْهُمْ حقوقَهُم أن كان قَدْ شهِدَ بذلك عَلى رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كما زعموا، ولم يسَعَه إلا ذلك، إنْ كان ــ كما قالوا ــ شهِدَ بذلك على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يكُن عَلِمَهُ أبو بكر فرَدَّ شهادتَه مِن أجل أنَّه زوجُها.
وكان يجبُ عليه عليه السلام حيث وليَ الأمرَ أنْ يُمْضِيَهِ لهم، ويقول: قدْ أشهَدَنِي رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ورَدَّ أبو بكر شهادَتي مِن أجلِ أني زوجٌ، ولا يسَعُنِي إلا إنفاذَ الحقِّ لأهْلِهِ، كما جعلَهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لها؛ إذْ علمتُ منهُ مَا لم يكُنْ عَلِمَهُ أبو بكر، فإنَّه لا يحلُّ لمسلمٍ إلا إنفاذَ ما صَحَّ عندَهُ مِن فِعْلِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأمرِهِ، يقول اللَّهُ عز وجل:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة النور، آية 63) كمَا عمِلَ أبو بكر رضي الله عنه فيما سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ
- صلى الله عليه وسلم من قوله: «إنَّا لا نُورَث» ؛ وكذلك إمضاؤه أمرَ قَسْمِ الخُمُسِ وغَيرِهِ، على ما رأى مِن فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ لا يستَوحِشُ مِن ذلك ولا يُشاوِرُ فيه أحدَاً كما كان يفعلُ في غيره، مما لم يسمَعْ فيه منه شيئَاً، فيجمَعُ له أصحابَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عمرُ بعده.
ومَنْ قال بهذا القولِ يَلزمُهُ الطعنُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام أكثرَ مما يلزمُه مِن الطعنِ عَلى أبي بكر! إذْ كان يزعُمُ أن عليَّاً عليه السلام لم يُنفِذْ أمْرَ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي قدْ عَلِمَهُ، وشَهِدَ بِهِ، وأجازَ ما كانَ ظُلماً عندَه، ولم يُغيِّرْهُ، وزعَمُوا أنَّ أبا بكر لم يكُنْ عَلِمَ بذلك، وإنَّمَا شهِدَ بِهِ عندَهُ الزوجُ، فلَمْ يُجِزْ شهادَتَهُ، وطَعْنُهِمْ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام في هذَا أكثَرُ؛ وقَدْ خَلَّفَتْ عليها السلام من الوَلَد: الحسنَ، والحُسين، وزينبَ، وأمَّ كلثوم عليهم السلام، فتزوجَ عبدُالله بنُ جعفر بزينب، وولَدَتْ لَه أولادَاً، وتزوَّجَ عُمَرُ بأم كلثوم، وولدَتْ له زيْدَاً ورُقَيَّة ابنَي عُمَر، فكان يجبُ عَلى عَلِيٍّ عليه السلام تسلِيمَ فَدَكٍ إلى ولَدِهَا، وكانَ لِعُمَرَ رضي الله عنه الحظُّ الوَافر في ذلك، وهُو حَقُّ زوجتِهِ أمِّ كُلثومٍ، ثمَّ لزيدٍ ابنِهِ منها ولَدٌ). انتهى.