الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أني أتقاكُم للهِ، وأصدَقُكم، وأبرُّكم، ولولا هَدْيي لَحللتُ كما تحلُّون، فحُلُّوا، فلو استقبلتُ من أمري ما استدبَرتُ ما أهدَيْتُ». قال جابر رضي الله عنه: فحلَلْنا وسمعنا وأطعنا. متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة رضي الله عنه لما سأله عن القُبْلَة للصائم: «أما والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له» . رواه مسلم.
رابعاً: محبتُه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لها، واحتفاؤه
(1)
بها
.
عن أسامة بن زيد، قال: مررت بعلي والعباس رضي الله عنهم ـ وهما قاعدان في المسجد ـ فقالا: يا أسامة استأذن لنا على رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول اللَّهِ، هذا علي والعباس يستأذنان فقال:«أتدري ما جاء بهما» ؟ قلت: لا واللَّهِ ما أدري.
قال: «لكني أدري ما جاء بهما» . قال: فأذَنْ لهما. فدخَلا فسلَّمَا ثمَّ قعَدَا، فقالا: يا رسول اللهِ، أيُّ أهلِكَ أحبُّ إليكَ؟ قال:«فاطمة بنت محمد» .
أخرجه: أبو داوود الطيالسي ــ وهذا لفظه ــ، والترمذي، والطبراني، وغيرهم. وهو حَديثٌ حسَن.
(1)
الاحتفاء: المبالغة في البِرِّ والإكرام، والسؤال عن الحال، وإظهار الفرح والسرور.
سئلت عائشة رضي الله عنها أيُّ النَّاسِ كان أحبَّ إلى رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قالت: «فاطمة» ، فقيل: مِن الرجال؟ قالت: «زوجها، إنْ كانَ ما علِمتُ صوَّامَاً قوَّامَاً» .
أخرجه: الترمذي، والطبراني، والحاكم، وغيرهم، وهو حديث حسن.
عن بُريدة رضي الله عنها قال: «كان أحبُّ الناسِ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من النساء فاطمة، ومِن الرجال علي» .
أخرجه: الترمذي، والنسائي ــ وهذا لفظه ــ وإسناده حسن.
أما حديث علي: خطبتُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاطمة، فزوَّجني فقلت: يا رسولَ اللهِ أنا أحبُّ إليك أم هي؟ فقال: «هي أحبُّ إليَّ مِنك، وأنتَ أعزُّ عليَّ منها» . عند النسائي، وغيره، فحديث ضعيف.
عَنْ مَسْرُوقٍ، قال: حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُ جَمِيعَاً، لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام تَمْشِي، لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَىهَا رَحَّبَ قَالَ:«مَرْحَباً بِابْنَتِي» ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدَاً، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ. الحديث. أخرجاه في «الصحيحين» .
وفي «السنن» : عن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً أَشْبَهَ سَمْتَاً وَدَلَّاً وَهَدْياً بِرَسُولِ اللَّه فِي قِيَامِهَا وَقُعُودِهَا مِنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» قَالَتْ: «وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا. الحديث.
أما ما ورد من أنه صلى الله عليه وسلم إذا سافر كان آخرُ عهده بإنسان من أهله فاطمة، فقد جاء من حديث ثوبان مولى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا سَافرَ كانَ آخرُ عهدِه بإنسان من أهلِه فاطِمةَ، وأوَّل مَن يدخلُ علَيه إذا قدِم فاطمة.
قال: فقَدِم مِن غَزاة له فأتاها، فإذا هو بمِسْحٍ على بَابها، ورأى على الحسَن والحُسين قُلْبَيْن
(1)
من فضَّة، فرجَعَ ولمْ يدخُلْ علَيها.
فلمَّا رأتْ ذلك فاطمةُ ظنَّت أنَّه لم يدخُل عليها مِن أجْلِ ما رأى، فهَتَكَتْ السِّتْرَ، ونَزعَتْ القُلْبَين مِن الصَبِيَّيْن فقطَعتْهُما، فبَكَى الصبيَّان فقسَّمَتْه بينَهُما، فانطَلَقا إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهُمَا يبكيان، فأخذَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم منهما، فقال: «يا ثوبان، اذهَبْ بهذا إلى بَني فلان ــ أهل بيت بالمدينة ــ، واشتَرِ لفاطمةَ قِلادةً من عَصَبٍ
(2)
، وسِوَارَيْنِ من
(1)
مفردها: قُلْب وهو السِّوار، ويقال: سِوارٌ بلا نَقْش.
(2)
خرَز يُنظَم من عظامِ حيوانٍ طاهر، تُتَّخذ قلادة، وقيل: سِنُّ حيوان بحري يُتَّخذُ منه الخرَز.
عَاج؛ فإنَّ هؤلاء أهلُ بيتي، ولا أُحِبُّ أن يأكلوا طيِّبَاتِهِم في حياتهم الدُّنيَا».
أخرجه: أحمد، ومسدد، وغيرهما، وهو ضعيف جدَّاً، وله شواهد كلها ضعيفة.
وجاء أنه قلَّما كان صلى الله عليه وسلم يدخل المدينةَ إلا بدأَ بها.
أخرجه: أحمد، وابنُ أبي شيبة، وأبو داوود، وغيرُهم.
وهو مُستَنكر: كيف يُفضِّلُ فاطمةَ على أخواتها؟ وإن كان بعد وفاة أم كلثوم (ت شعبان 9 هـ) فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يغادر المدينة إلا إلى حجة الوداع، وكانت فاطمة رضي الله عنها معه، فالأظهر عدم صحة شيء من هذه الأحاديث.
أما ما يُروَى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قدِم من مَغازيه قبَّل فاطمة. فلا يَصِح.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيتَ فاطمة، فلم يدخل عليها، وجاء عليٌّ، فذكرَتْ له ذلك، فذكرَهُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«إني رأيتُ على بابِها سترَاً مُوشياً»
(1)
، فقال:«ما لي وللدنيا» .
(2)
(1)
المُخطَّط بألوان شتى.
(2)
قال ابن حجر: (قال المهلب وغيره: كرِه النبي صلى الله عليه وسلم لابنته ما كَرِهَ لنفسه من تعجيل الطيبات في الدنيا، لا أنَّ ستر الباب حرام، وهو نظير قوله لها لما سألته خادماً: ألا أدلُّكِ على خيرٍ من ذلك، فعلَّمَهَا الذِّكْرَ عند النوم).
فأتاها عليٌّ، فذكر ذلك لها، فقالت: ليأمرني فيه بما شاء، قال:«تُرسِلْ به إلى فلان، أهلِ بيت بهم حاجة» . أخرجه: البخاري.
ومسألة محبَّة النبيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لابنته فاطمة لا تحتاج إلى دليلٍ، ولا تأمُّلٍ، وإنما ورد إشكال في كونها أحب الناس إلى أبيها، أم غيرها مما ورد فيه نص.
فقد ورد أنَّ أسامةَ بنَ زيد رضي الله عنهما أحبُّ الناسِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وورَدَ أنَّ أبا بكر أحبُّ الناسِ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وورد كذلك في علي بن أبي طالب رضي الله عنه،
والظاهر ــ واللَّهُ أعلم ــ أنَّ الاختلاف باختلاف جِهة المحبة، فكون علي بن أبي طالب أحبَّ الرجال إليه أي من آل بيته، وعائشة من زوجاته، وفاطمة من النساء مطلقاً، ومحبَّتُها جواباً لمن سأل بعد وفاة بنات النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظهر ــ كما سيأتي بعد قليل ــ.
ومن الأدلة على محبتها مطلقاً: حديث عمر رضي الله عنه: يا فاطمة، واللَّهِ ما رأيتُ أحداً أحبَّ إلى رسُولِ اللَّه منكِ. الحديث.
ومَحبةُ أسامة بن زيد من بين المَوالي، ويُحمَل قولُه: أحبُّ الناس على التبعيض أي: مِن أحبِّ الناس، كما في الرواية الأخرى، ولا شَكَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُحبُّ ابنته فاطمة أكثرَ من أي رجُل آخَر، أسامةَ وغيرَه.
ومحبتُه للأنصار من بين القبائل، ومحبته لأبي بكر من بين الرجال مطلقاً.
ولكلٍّ محبةٌ تناسب مكانته، وتناسب العلاقة بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم.
أما ما ورد من حديث عائشة في قصة مجيء زيد بن حارثة بزينب بنت رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة، وفي آخره: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هيَ أفضلُ بنَاتي أُصيبَتْ فِيَّ» .
أخرجه: البخاري في «التاريخ الأوسط» ، والبزَّار، والطحاوي، والطبراني، والحاكم، وغيرهم، وقد حسَّنَه بعضُ أهل العلم.
فقد حمله العلماء كابن خزيمة والحاكم على تقدير: مِن أفضل بناتي.
وقيل: كان هذا التفضيل متقدماً، ثم وهبَ اللَّهُ لفاطمة من الأحوال السَّنِيَّة والكمالِ ما لم يشاركها أحدٌ من نساء هذه الأمة مطلقاً، ذكره ابن حجر في «الفتح» .
أما بعد
فلا يَشكُّ عَاقلٌ بمحبَّةِ المرءِ لأولادِه وشفقتِه عليهم، والبناتُ لهن درجةٌ على البنين مِن جهةِ الرحمة بهن، والصغيرُ من الأولاد لَهُ درجةٌ أخرى، فإن كان الولد ذكرَاً أو أنثى يتيم الأم، كان له درجات في الرحمة والحنو، والمحبة والعطف.
إنَّ محبةَ المرءِ لأولادِه أمرٌ فِطرِيٌّ لا يُمكن دفعُه، وقد اجتمعَ لبناتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أبوةٌ ونُبوَّةٌ، فلهُنَّ الرحمةُ الخاصةُ وهُو صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة، 128)
فلبناتِه المحبةُ والاحتفاءُ الخاصَّين، وتزدادُ المحبة والرحمةُ بأسباب شرعية وقدرية، فبنات النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً أم كلثوم وفاطمة، نشأوا أيتاماً أو شبه أيتامٍ من قبل الأم، وأصغرهن: فاطمة، ولم يكن لهما من قبل عماتهما وخالاتهما مَن يعطف عليهما، وتنشآن في حنانها، فلم يكن لهما ــ بعدَ اللَّهِ عز وجل ــ إلا والدُهما صلى الله عليه وسلم، ثم إنَّ المحبة تزداد لفاطمة بعد فقدها أخواتها كلها واحدة تلو الأخرى، فبقيت وحيدة مع والدِها صلى الله عليه وسلم وزوجِها من شهر شعبان سنة (9 هـ) إلى وفاته صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول (11 هـ).
قبل تلك الفترة، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفرِّق بين بناته في المحبة والاحتفاء، فهو صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لربِّه، وأعدَلُهم، وقد أمرَ بالعدل بين الأولاد ــ وسبق بيان ذلك ــ.
فالأحاديثُ الدالَّةُ على اختصاصِ فاطمةَ بشَيءٍ مِن المحبَّةِ والاحتفاءِ والفضلِ إنما وردَتْ بعدَ وفاةِ أخواتِها، وتفرُّدِها عنهم، وذلك بعد (شعبان 9 هـ).
فقد تُوفيت:
1.
رقية رضي الله عنها، زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، سنة (2 هـ)، والمسلمون في بدر.
2.
زينب رضي الله عنها زوج ابن خالتها: أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه، أول سنة (8 هـ).
3.
أم كلثوم رضي الله عنها، زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد موت رقية، في شعبان سنة (9 هـ).
فقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ: سيِّدةُ نساء أهل الجنة، وفاطمةُ بَضعة منِّي يُريبني ما يُريبُها،
(1)
وحديثُ رجوعه من غزوة تبوك ـ على فرض صحته ـ وأنه ابتدأ بفاطمة، إنما كان ذلك كله بعد (شهر شعبان، من السنة التاسعة)، بعد ما انفردت فاطمة بوفاة أخواتها كلهن.
هذا في إظهار المحبة الخاصة بفاطمة، والاحتفاء الخاص بها عن بقية أخواتها رضي الله عنهن، أما الإشارة إليها، فقد ورَدَتْ في حديثين:
(1)
خِطبة عليٍّ ابنةَ أبي جهل كان بعد شعبان (سنة 9 هـ).
1.
قوله: «لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .
(1)
2.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أول الإسلام حين نادى على الصفا: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أُغني عنكم من اللَّهِ شيئاً. يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي لا أُغني عنكِ من اللَّهِ شيئاً» .
خصَّها هنا ربما لأنها أصغر بناته، والأصغرُ لها عَطفٌ خاص، والرحمة بها أشد، وذكرها لتأثير البيان عن مسؤولية الإنسان عن نفسه، (وأن النيابة لا تدخل في أعمال البر؛ إذْ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلِّصها، فإذا كان عملُه لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع). كما في «الفتح»
وكانت فاطمة رضي الله عنها مِن أعزِّ الناس عنده، وفي حديث إرسال حِزبِ أم سلمة فاطمةَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألنه العدلَ في ابنةِ أبي قُحافة الحديث. ذكر ابن حجر من فوائده:(ما كان عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من مهابته والحياء منه، حتَّى راسلْنَهُ بأعَزِّ الناسِ عندَه: فاطمة).
(1)
قال ذلك بعد غزوة الفتح، سنة (8 هـ)، وذكر ابن حجر في «الفتح» أنه خصها بالذكر؛ لأنها أعزُّ أهلِه عندَه، ولم يبقَ من بناته غيرُها.
قلت: وأم كلثوم ـ كما سبق ـ توفيت في شعبان سنة (9 هـ).