الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[20] موقف فاطمة من طلب أبي سفيان الشفاعة رضي الله عنهما
-.
جاء أبو سفيان ـ قبل إسلامه ــ إلى المدينة، قبل فتح مكة، يريد العفو من النبي صلى الله عليه وسلم بعد نقض العهد، فطلب من فاطمة رضي الله عنها أن تشفعَ له عند رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِيجدد الهُدنة التي بينه وبين قريش.
والروايات في هذا مُرسَلَة، غير متِّصلة، وهي من أحاديث السيرة.
قال عبدالرزاق الصنعاني (ت 211 هـ) رحمه الله: عن مَعمَر، عن عثمان الجزَرِي، عن مِقْسَمٍ.
قال مَعْمَر: وكان يُقال لعثمان الجزري المشاهد، عن مِقْسَمٍ مَولى ابن عباس (ت 101 هـ)، قال: لما كانت المدَّةُ التي كانت بينَ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين قريش زمن الحديبية، وكانت سنين ذَكرَ أنها كانت حَربٌ بَين بني بكرٍ ــ وهم حُلَفَاءُ قُريش ــ، وبين خُزَاعَة ـ وهُمْ حُلَفاءُ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ـ؛ فأعانَت قريشٌ حُلَفاءَه عَلى خُزاعة، فبلغَ ذلكَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال:«والذي نَفسي بيدِه، لأمنعَنَّهُم مما أمنَعُ مِنهُ نَفْسِي وأهلَ بَيتِي» .
وأخذَ في الجهَازِ إليهم، فبلَغَ ذلكَ قُرَيشَاً، فقالوا لأبي سفيان: ما تصنَعُ وهذهِ الجيوش تجهَّزُ إلينا؟ ! انطَلِقْ فجَدِّدْ بينَنا وبينَ محمَّدٍ كِتَابَاً،
وذلك مَقدَمَهُ مِن الشام.
فخرَجَ أبو سفيان حتَّى قَدِمَ المدينة، فكَلَّمَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: هَلُمَّ فلَنْجُدِّدْ بيننا وبينَك كِتَابَاً.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فنحنُ على أمرِنَا الذي كانَ، وهَلْ أحدَثْتُمْ مِن حَدَثٍ» ؟
فقال أبو سفيان: لا.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «فنحنُ عَلى أمْرِنَا الذي كان بيننا» .
فجاءَ عَليَّ بنَ أبي طالب فقال: هَلْ لكَ عَلى أنْ تسُودَ العرَبَ، وتمُنَّ عَلى قَومِكَ فتُجِيْرَهُمْ، وتُجَدِّدَ لهم كتاباً؟ فقال عليٌّ: ما كنتُ لأفتَاتَ عَلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بأمْرٍ.
ثمَّ دخَلَ ــ أبو سفيان ــ عَلى فاطِمَةَ، فقالَ: هَل لَكِ أنْ تَكُوْنِي خَيْرَ سَخْلَةٍ
(1)
في العَرَبِ؟ أنْ تُجيرِي بَينَ الناس، فقد أجارَتْ أختُكِ عَلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم زوجَها أبا العاص بن الربيع فلَمْ يُغَيِّرْ ذلِكَ.
فقالت فاطمة: ما كنتُ لأفتَاتَ عَلى رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأمرٍ.
ثم قال ذلكَ للحسَنِ والحُسَين: أجِيرَا بَين الناس، قُولا: نَعَمْ، فلَمْ يقُولا شيئاً، ونظَرَا إلى أمِّهِما وقالا: نقولُ ما قالَتْ أمُّنَا.
فلَم يَنجح مِن واحِدٍ منهم مَا طلَب. الحديث.
(1)
كذا في طبعة الأعظمي، وط. التأصيل لِـ «مصنَّف عبدالرزاق» .
وعند ابن أبي شيبة: قال أبو سفيان لفاطمة: يا فاطمة، هل لك في أمر تَسُودِين فيه نساءَ قومك، ثم ذكر لها نَحوَاً مما ذكرَ لأبي بكر، فقالت: ليس الأمرُ إليَّ، الأمرُ إلى اللَّهِ وإلى رسُولِه. ثمَّ أتى عَلِيَّاً الحديث.
عند الواقدي: دخل أبو سفيان على فاطمة بنت النبيِّ صلى الله عليه وسلم فكلَّمَها، فقال: أجيري بين الناس!
فقالت رضي الله عنها: إنما أنا امرأةٌ.
قال: إنَّ جِوارَكِ جَائِزٌ، قَدْ أجارَتْ أُختُكِ أبا العاص بن الربيع، فأجازَ ذلكَ محمد.
قالت فاطمة: ذلكَ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! وأبَت ذلك عليه.
فقال: مُرِي أحدَ بَنِيكِ يُجِيرُ بين الناس!
قالت فاطمة: إنهما صَبِيَّان، وليس مِثلُهُما يُجير.
وعند البيهقي: قالت: إنما أنا امرأة، وإنما ذاك إلى رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال: فأمُرِي أحدَ ابنَيْكِ، قالت رضي الله عنها: إنما هما صبيَّان ليس مثلهما يُجِير، قال: فكلِّمِي عليَّاً، قالت: أنتَ فكلِّمْهُ، فكلَّمَ عليَّاً الحديث.
وعند البيهقي ـ أيضاً ـ: ثمَّ خرَجَ أبو سفيان فدخلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ أبي طالب وعندَه فاطمةُ بنتُ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وعندَهَا حسَنٌ، غلامٌ يدبُّ بين يديها، فقال: يا عليٌّ، إنك أمسُّ القومِ بي رَحِمَاً، وأقربُهُمْ مِنِّي
قَرابَةً، وقد جِئتُ في حَاجَةٍ، فلا أرجِعَنَّ كما جِئتُ خَائِبَاً، فاشْفَعْ لي إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ويحك يا أبا سفيان، واللَّهِ لقد عزمَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمَه فيه، فالتَفَتَ إلى فاطمة رضي الله عنها، فقال: يا بنتَ محمَّدٍ، هل لكِ أن تَأمُرِي بَنِيْكِ هَذَا، فيُجِيرَ بَينَ الناس؛ فيَكُونَ سَيِّدَ العَرَبِ إلى آخر الدهر؟
فقالت فاطمة رضي الله عنها: واللَّهِ ما بلغَ بَنِييَّ ذاكَ أنْ يُجيرَ بَينَ الناس، وما يُجيرُ أحدٌ على رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
أقول: يُلحظ أنَّ في رواية ابنِ إسحاق، لم يطلُبْ أبو سفيان من فاطمة أن تشفع، بل أن تأمُرَ ولدَها الحسن رضي الله عنهم، بخلاف رواية الواقدي، وموسى بن عُقبة، ومِقْسَم، وعكرمة ــ واللَّهُ أعلم ــ.