الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما في الاصطلاح، فقد عرفها التفتازاني بقوله:
" إنها حكم كلي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه ".
* * *
القواعد الفقهية - مدخل تاريخي:
1 -
من الملاحظ أن عملية السعى نحو الكلي الضابط للجزئيات وردت في السنة المطهرة في مثل أحاديث: " قل هو اللُّه أحد تعدل ثلث القرآن "، أو " يس " تعدل ربع القرآن " على مذهب من فسرها على نحو ذلك.
ثم نرى أمثال ذلك عند عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه في كتابه إلى أبي
موسى الأشعري والذي ورد فيه: " أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، لا يمنعك قضاء قضيته، راجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك، أن تراجع الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم فيما يختلج في صدرك، مما لم يبلغك في
الكتاب والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق ".
فيما ترى فهذه قطعة من كتاب عمر رضي اللَّه تعالى عنه، وكتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري، أخرجه الدارقطي في السنن.
قال حدثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن محمد النعماني أخبرنا عبد اللَّه بن عبد الصمد بن خداش أخبرنا عيسى بن يونس أخبرنا عبيد اللَّه بن حميد عن أبي المليح الهذلي قال: "كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة
…
" إلخ.
وأخبرنا محمد بن مخلد أخبرنا عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل حدثني أبي أخبرنا
سفيان بن عيينة أخبرنا إدريس الأودي عن سعيد بن أبي بردة، وأخرج الكتاب فقال: هذا كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: " أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة
…
"إلخ.
وأخرجه البيهقي في المعرفة: أخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصنعاني حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن كناسة حدثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام البصري قال: كتب عمر، فذكره.
والبيهقي في السنن الكبرى: حدثنا أبو طاهر الفقيه إملاء وقراءة أنبأنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع المكي حدثنا سفيان بن إدريس الأودي قال: أخرج إلينا سعيد بن أبي بردة كتابًا، فقال: هذا كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه فذكر الحديث،
قال فيه: " الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن
والسنة، اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك
…
" إلخ.
وقال الخطب البغدادي في الفقيه والمتفقه: أخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد اللَّه بن زياد القطان حدثنا أبو الحسن على بن عبد الملك ابن أبي الشوارب حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إدريس أبو عبد اللَّه ابن إدريس: قال: أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسائل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبي موسى الأشعري، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة،
فأخرج إليَّ كتبًا، فرأتحا كتابًا منها: " أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة
…
"إلخ.
وقال ابن حزم في إحكام الأحكام: حدثنا أحمد بن عمر العذري حدثنا أبو ذر
الهروي حدثنا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي السجستاني حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا يوسف بن موسى القطان حدثنا عبيد اللَّه بن موسى حدثنا عبد الملك بن الوليد بن معدان عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى موسى الأشعري - فذكر الرسالة - وفيها:
" الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم
اعرف الأمثال، والأشكال فقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أشبهها بالحق وأقربها إلى اللَّه "، وذكر باقي الرسالة.
وحدثنا أحمد بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الشافعي حدثنا القاضي أحمد ابن محمد الكرجي حدثنا محمد بن عبد اللَّه العلاف حدثنا أحمد بن علي بن محمد الوراق حدثنا عبد اللَّه بن سعد حدثنا أبو عبد اللَّه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني
حدثنا سفيان بن إدريس بن يزيد الأودي عن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى فذكر الرسالة..
اهـ.
قال ابن حزم: لا يصح؛ لأن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان وهو كوفي متروك الحديث، ساقط بلا خلاف، وأما السند الثاني، فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهولون، وهو أيضًا منقطع فبطل القول به جملة. اهـ.
على أنه يمكن القول بأن عبد الملك متوسط، ولم يصفه أحد إلا ابن حزم، وأما أبوه فهو ثقة معروف، ذكره ابن حيان في الثقات.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: قال أبو عبيد: حدثنا كثير بن هشام عن جعفر برقان، وقال أبو نعيم بن جعفر بن برقان، عن معمر البصري، عن أبي العوام البصري،
وقال سفيان بن عيينة: حدثنا إدريس أبو عبد اللَّه بن إدريس قال:
أتيت سعيد بن أبي بردة فسألته عن رسل عمر بن الخطاب التي كان يكتب بها إلى أبو موسى الأشعري، وكان أبو موسى قد أوصى إلى أبي بردة فأخرج إليه كتبًا، فرأيت في كتاب منها وذكر الكتاب
…
إلخ.
قال أبو عبيد: قلت لكثير: هل أسنده جعفر؟ قال: لا.
قال ابن القيم "وهذا كتاب جليل، تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة ".
وقال ابن حجر في التلخيص: أخرجه الدارقطي والبيهقي، وساقه ابن حزم من طريقين وأعلهما بالانقطاع، لكن اختلاف الخرج فيهما مما يقوي أصل الرسالة، لا سيما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة المكتوبة.
وقال شيخنا الحافظ أبي الفضل عبد اللَّه بن الصديق في تخريج أحاديث اللمع: أخرجه الدارقطني في السن من طريق عبيد اللَّه بن أبي حميد عن أبي المليح الهذلي، وعبيد اللَّه بن أبي حميد ضعيف متروك، لكن ورد من طرق تدل على أن له أصلًا، لا سيما وفي بعض طرقه عند الدارقطني أن سعيد بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أخرج الكتاب وقال: هذا كتاب عمر، ثم قرئ على سفيان بن عيينة، وقد تلقاه الناس بالقبول، وجعلوه أصلًا في باب القضاء فأغنى ذلك أيما غناء اهـ.
2 -
ثم ترى ذلك عن الإمام الشافعي (ت 402 هـ) في حديث " إنما الأعمال بالنيات " حيث يقول: يدخل في هذا الحديث ثلث العلم، ويجعل ثلاثة أحاديث يبني عليها الدين، وهي طريقة تبين آلية التقعيد في ذهن الإمام الشافعىِ.
ثم يأتي البيهقي (ت 458) فيذكر خمسة أحاديث، ثم يأتي النووي (ت 676 هـ)
ويجمع أربعين حديثًا من هذه التي قيل فيها إنها من قواعد الدين، وهكذا.
وأرى أن هذا التوجيه إنما يبين الرغبة في التقعيد المؤيد بالفعل النبوي الشريف، المشتمل على الإرشاد لمثل هذا النوع من التعامل مع العلم والمعلومات.
3 -
قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية: " اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم به يطلع على حقائق الفقه ومداركه، ومآخذه، وأسراره، ويتمهر في فهمه، واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج، ومعرفة
أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على ممر الزمان، ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر.
وحكى القاضي أبو سعيد الهروي أن بعض أئمة الحنفية بهراة، بلغه أن الإمام أبا طاهر الدباس إمام الحنفية بما وراء النهر رد على جميع مذهب أبي حنيفة إلى سبع عشرة قاعدة فسافر إليه، وكان أبو طاهر ضريرًا، وكان يكرر كل ليلة تلك القواعد بمسجده بعد أن يخرج الناس منه، فالتف الهروي بحصير، وخرج الناس وأغلق أبو طاهر المسجد، وسرد من تلك القواعد سبعًا، فحصلت للهروي سعلة، فأحسَّ به أبو طاهر
فضربه وأخرجه من المسجد، ثم لم يكررها فيه بعد ذلك، فرجع الهروي إلى أصحابه وتلا عليهم تلك السبع.
قال القاضي أبو سعيد: فلما بلغ القاضي حسينًا ذلك رد جميع مذهب الشافعي إلى أربع قواعد:
الأولى: اليقين لا يزول بالشك، وأصل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول له: أحدثت فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ".
الثانية: المشقة تجلب التيسير، قال تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) .
وقال صلى الله عليه وسلم: " بعثت بالحنيفية السمحة ".