الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحتجوا: بأن قوله " ولو قال قائل بكذا كان مذهبًا " ظاهرٌ أنه يحتمل هذا القول ويحتمل ما ذكروه، فصار كما قال: هذه المسألة تحتمل قولين.
والجواب: أن أكثر ما فيه أنه دل على ذلك، فيحتمل في الاجتهاد، وهذا لا يدل على أنه مذهب له.
ألا ترى أنَّا نقول أبدًا في مسائل الخلاف: هذه مسألة يسوغ فيها الاجتهاد، ثم لا يقتضي ذلك أن تكون تلك المذاهب أقوالًا " اهـ كلام الشيرازي.
* * *
طريقتا المذهب، وطبقات الأصحاب:
الإمام الشافعي - رحمه اللَّه تعالى - كانت له تلامذة نشروا مذهبه في بغداد - في العراق - وآخرون نشروا مذهبه في خراسان، وآخرون نشروا مذهبه في مصر، وأصبحت هناك طريقتان كبيرتان في العالم، طريقة الخراسانيين، وطريقة العراقيين في تناول مذهب الإمام الشافعي.
وبدأت كل طريقة في التميز عن أختها ابتداء من أصحاب الشافعي كما سنذكره، ْوأصبح لكل فريق طريقة معينة في التفكير الفقهي، وفي الاستنباط، وفي الأصول، إلا أنهما يعملان سويًّا من خلال أصول الشافعي بالجملة، وظل الحال هكذا إلى أن وصلنا
إلى اتحاد الطريقتين مرة أخرى في تلامذة القفال المروزي.
وأخذت الطريقتان تتلاشيان حتى انتهتا تماما في عصر الإمام الرافعي، ومن بعده الإمام النووي، ولم يعد بعد ذلك ما كان يذكر في هذه العصور من الفرق بين طريقة أصحابنا الخراسانيين، وأصحابنا العراقيين.
وهذه الصورة للمذهب نجدها عند الإمام النووي حينما ذكر سلسلة التفقه التي تلقاها في الفقه الشافعي.
* *
سلسلة المذهب الشافعي:
يقول الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى:
فأما أنا فأخذت الفقه قراءة وتصحيحًا وسماعًا وشرحًا وتعليقًا عن جماعات أولهم شيخي الإمام أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي ثم المقدسي، ثم شيخنا أبو عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم المقدسي، ثم الدمشقي مفتي دمشق، ثم شيخنا أبو حفص عمر بن أسعد بن
أبي طالب الربعي، ثم الأربلي، وتفقه شيوخنا على الإمام أبي عمرو ابن الصلاح،
وتفقه هو على والده فأخذ عنه الطريقتين.
أما طريقة العراقيين: فعلى ابن سعيد عبد اللَّه بن محمد بن هبة اللَّه بن علي بن أبي عسرون الموسوي، وتفقه أبو سعيد على القاضي أبي علي الفارقي، وتفقه الفارقي على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، الذي تفقه على القاضي أبي الطيب الطبري طاهر بن عبد الله، وأبو الطيب تفقه على أبي الحسن الماسرجسي محمد بن علي بن سهل بن
مصلح، وتفقه أبو الحسن الماسرجسي على أبي إسحاق المروزي إبراهيم بن أحمد،
وتفقه المروزي على ابن سريج، وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، وتفقه ابن سريج على أبي القاسم عثمان بن باشر الأنماطي، وتفقه الأنماطي على المزني، أبي
إبراهيم إسماعيل بن يحيى، وتفقه المزني على الإمام الشافعي.
والإمام الشافعي على جماعة منهم: مالك بن أنس، والإمام سفيان بن عيينة،
والإمام أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي.
أما الإمام مالك: فتفقه على ربيعة الرأي عن أنس، وعلى نافع عن ابن عمر.
وأما الإمام سفيان بن عيينة فعلى: عمرو بن دينار عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.
وأما الإمام أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي: فعلى عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس.
وأخذ ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن جماعات من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب، وعلي، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم جميعًا عن سيدنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام النووي: وأما طريقة أصحابنا الخراسانيين، فأخذتها عن شيوخنا
المذكورين عن ابن الصلاح عن والده عن أبي القاسم بن البزري الجزري عن إلكيا الهراسي أبي الحسن علي بن محمد بن علي، والذي تفقه على إمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني عن والده أبي محمد الجويني عن القفال المروزي الصغير، والذي تفقه على أبي زيد المروزي محمد بن أحمد بن عبد اللَّه،
وأخذ أبو زيد عن أبي إسحاق المروزي عن ابن سريج على ما سبق.
ومن هنا يتبين لنا أن ابن الصلاح كان قد تلقى الطريقتين، وأن طريقة العراقيين، والخراسانيين ما زالتا تدرسان حتى عصر ابن الصلاح الذي جمع بينهما كما جمع