الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
مذهب الحنفية
ولابد من معرفة
ترجمة الإمام أبي حنيفة
، ومعرفة أيضًا ترجمة أبي يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وزفر لما لهم من دور أساس في بناء المذهب الحنفي.
ترجمة الإمام أبي حنيفة:
هو الإمام البارع أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطَى (بضم الزاي وفتح الطاء)
مولى تيم اللَّه بن ثعلبة، ولد سنة ثمانين من الهجرة، وتوفي ببغداد سنة خمسين ومائة وهو ابن سبعين سنة.
وهو إمام أصحاب الرأي، وفقيه أهل العراق.
معدود في حفاظ الحديث النبوي،
فقد ترجمه الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ، وصدر ترجمته بقوله:
" أبو حنيفة الإمام الأعظم فقيه العراق ".
أخذ الفقه عن: حماد بن أبي سليمان، وكان في زمنه أربعة من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد اللَّه بن أبي أوفى، وسهل بن سعد، وأبو الطفيل، ولم يأخذ عن أحد منهم.
وقد رأى أنس بن مالك، وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبا إسحاق السبيعي،
ومحارب بن دثار، والهيثم بن حبيب العراف، وقيس بن مسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافعًا مولى عبد اللَّه بن عمر، وهشام بن عروة، ويزيد الفقير، وسماك بن حرب، وعلقمة بن مرثد، وعطة العوفي، وعبد العزيز بن رفيع، وعبد الكريم أبا أمية، وغيرهم.
روى عنه: أبو يحيى الحماني، وهشيم بن بشر، وعباد بن العوام،
وعبد اللَّه بن المبارك، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وعلي بن عاصم، ويحيى بن نصر،
وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وعمرو بن محمد، وهودة بن خليفة، وأبو عبد الرحمن المقري، وعبد الرزاق بن همام، وآخرون.
نقله أبو جعفر المنصور من الكوفة إلى بغداد، فأقام بها حتى مات، ودفن بالجانب الشرقي منها في مقبرة الخيزران، وقبره هناك ظاهر معروف.
وقد كلم ابنُ هبيرة أبا حنيفة أن يلي له قضاء الكوفة، فأبى عليه، فضربه مائة سوط وعشرة أسواط، في كل يوم عشرة أسواط، وهو على الامتناع فلما رأى ذلك خلى سبيله، وكان ابن هبيرة عاملًا على العراق في زمن بني أمية.
وعن إسماعيل بن سالم البغدادي قال: أكره أبو حنيفة على الدخول في القضاء فلم يقبل، قال: وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى، وترحم على أبي حنيفة.
وعن بشر بن الوليد الكندي قال: أشخص المنصورُ أبو جعفر أمير المؤمنين أبا حنيفة
(يعني من الكوفة إلى بغداد) فأراده على أن يوليه القضاء فأبى، فحلف عليه ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا، فحلف المنصور ليفعلن، فحلف أبو حنيفة أن لا يفعل.
فقال الربيع الحاجب: ألا ترى أمير المؤمنين يحلف.
قال أبو حنيفة: أمير المؤمنين على كفارة
أيمانه أزقدر منى على كفارة أيماني.
فأمر به إلى السجن في الوقت.
ْوالصحيح أنه توفي وهو في السجن.
وقال خارجة بن يزيد: دعا أبو جعفر المنصور أبا حنيفة إلى القضاء فأبى عليه، فحبسه، ثم دعا به، فقال: أترغب عما نحن فيه.
فقال أبو حنيفة: أصلح اللَّه أمير المؤمنين، لا أصلح للقضاء.
فقال له: كذبت، ثم عرض عليه الثانية.
فقال أبو حنيفة: قد حكم عليَّ أمير المؤمنين أني لا أصلح للقضاء، لأنه نسبني إلى الكذب، فإن كنت كذابًا فلا أصلح للقضاء، وإن كنت صادقًا فقد أخبرت أمير المؤمنين أني لا أصلح، فرده في الحبس.
قال أبو حنيفة: قدمت البصرة وظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه،
فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت على نفسي أن لا أفارق حمادًا حتى يموت، فصحبته ثماني عشرة سنة.
وقال أبو حنيفة: ما صليت صلاة منذ مات حماد إلا استغفرت له مع والدي، وإني لأستغفر لمن تعلمت منه علمًا، أو علمته علمًا.
ودخل أبو حنيفة يومًا على المنصور، فقال المنصور: هذا عالم أهل الدنيا اليوم.
وعن سهل بن مزاحم قال: بُذلت الدنيا لأبي حنيفة فلم يُرِدْها، وضُرِبَ عليها بالسياط فلم يقبلها.
وعن الفضيل بن عياض قال: كان أبو حنيفة فقيهًا، معروفًا بالفقه، مشهورًا
بالورع، وسيع المال، معروفًا بالإفضال على من يطيق، صبورًا على تعليم العلم بالليل والنهار، كثير الصمت، قليل الكلام، حتى ترد مسألة في حلال أو حرام، وكان يحسن يدل على الحق، هاربا من السلطان.
وعن أبي يوسف قال: إني لأدعو لأبي حنيفة قبل أبواي، ولقد سمعت أبا حنيفة يقول: إني لأدعو لحماد مع والدي.
وعن أبي بكر بن عياش قال: مات أخو سفيان الثوري، فاجتمع الناس إليه لعزائه فجاء أبو حنيفة، فقام إليه سفيان، وأكرمه، وأقعده مكانه، وقعد بين يديه، ولما تفرق الناس قال أصحاب سفيان: رأيناك فعلت شيئًا عجيبًا.
قال: هذا رجل من العلم بمكان، فإن لم أقم لعلمه قمت لسنه، وإن لم أقم لسنه قمت لفقهه، وإن لم أقم لفقهه قمت لورعه.
وعن ابن المبارك قال: ما رأيت في الفقه مثل أبي حنيفة، وعن ابن المبارك قال: رأيت مسعرًا في حلقة أبي حنيفة جالسًا بين يديه يسأله، ويستفيد منه، وما رأيت أحدًا قط تكلم في الفقه أحسن من أبي حنيفة.
وعن وكيع قال: ما لقيت أفقه من أبي حنيفة، ولا أحسن صلاة منه.
وعن النضر بن شميل قال: كان الناس نيامًا عن الفقه حتى أيقظهم أبو حنيفة بما فتقه، وبَيَّنه، ولخصه.
وعن الشافعي قال: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه.
وعن جعفر بن الربيع قال: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطول صمتا منه، فإذا سئل عن الشيء من الفقه يُفتح، ويُسال كالوادي.
وعن إبراهيم بن عكرمة قال: ما رأيت أورع، ولا أفقه من أبي حنيفة.
وعن سفيان بن عيينة قال: ما قدم مكة في وقتنا رجل أكثر صلاة من أبي حنيفة.
وعن يحيى بن أيوب الزاهد قال: كان أبو حنيفة لا ينام الليل.