الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية
من المعلوم أن " الفقه " علم مستقل، و " أصول الفقه " علم مستقل، ولكل منهما قواعده على رغم وجود الارتباط الجذري الوثيق بينهما بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر.
والإمام القرافي يعتبر أول من ميز بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية، فقد جاء في مقدمة الفروق ما يلي: " فإن الشريعة المعظمة المحمدية - زاد اللَّه تعالى منارها شَرَفًا وعلوًا - اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
أحدهما: المسمى بأصول الفقه، وهو في غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العريية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيع،
ونحو الأمر للوجوب والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم ونحو ذلك.
والقسم الثاني: قواعد فقهية كلية، كثيرة العدد، عطمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر شيء منها في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال فبقى تفصيله لم يتحصل.
ونوه بها في موضع آخر بقوله: " فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه، بل للشريعة قواعد كثيرة جدًّا عند أئمة الفتوى والقضاء لا توجد في كتب الفقه أصلًا ".
وإذا أجرينا موازنة عامة بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية تبين لنا عدة أمور قد تعد فوارق رئيسية بين المصطلحين:
1 -
إن علم أصول الفقه بالنسبة للفقه ميزان وضابط لاسثنباط الصحيح من غيره، شأنه في ذلك علم النحو لضبط النطق والكتابة، وقواعد هذا الفن هي وسط بين الأدلة والأحكام، فهي التي يستنبط بها الحكم من الدليل التفصيلي، وموضوعها دائمًا الدليل
والحكم، كقولك: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والواجب الخُيَّر يُخرج المكلف عن العهدة فيه بفعل واحد مما خُيِّر فيه.
أما القاعدة الفقهية فهي قضية كلية، أو أكثرية، جزئياتها بعض مسائل الفقه، وموضوعها دائمًا هو فعل المكلف.
2 -
القواعد الأصولية قواعد كلية تنطق على جميع جزئياتها وموضوعاتها.
أما القواعد الفقهية: فإنها أغلبية يكون الحكم فيها على أغلب الجزئيات، وتكون لها
المستثنيات.
3 -
القواعد الأصولية هي ذريعة لاستنباط الأحكام الشرعية العملية، وبذا تنفصل القواعد الفقهية عنها، لأنها عبارة عن مجموعة الأحكام المتشابهة التي ترجع إلى علة واحدة تجمعها، أو ضابط فقهي يحيط بها، والغرض منها تقريب المسائل الفقهية وتسهيلها.
4 -
القواعد الفقهية متأخرة في وجودها الذاني والواقعي عن الفروع، لأنها جمع لأشتاتها، وربط بينها، وجمع لمعانيها.
أما الأصول فالفرض الذهني يقتضي وجودها قبل الفروع؛ لأنها القيود التي أخذ الفقيه نفسه بها عند الاستنباط، ككون ما في القرآن مقدَّمًا على ما جاءت به السُّنة،
وأن نص القرآن أقوى من ظاهره، وغير ذلك من مساللث الاجتهاد.
وهذه مُقَدَّمة في وجودها إلى استباط الفروع بالفعل، وكون هذه الأصول كشفت عنها الفروع ليس دليلًا على أن الفروع متقدمة عليها، بل هي في الوجود سابقة، والفروع لها دالة كاشفة، كما يدل المولود على والده، وكما تدل الثمرة كلى الغراس،
وكما يدل الفرع على نوع البذور.
5 -
القواعد الفقهية تشبه أصول الفقه من ناحية، وتخالفها من ناحية أخرى.
أما جهة المتشابهة: فهي أن كلا منهما قواعد تندرج تحتها جزئيات.
وأما جهة الاختلاف: فهي أن قواعد الأصول عبارة عن المسائل التي تشملها أنواع من الأدلة التفصيلة، يمكن استنباط التشريع منها.
وأما قواعد الفقه: فهي عبارة عن المسائل التي تندرج تحتها أحكام الفقه نفسه، ليصل المجتهد إليها بناء على تلك القضايا المبينة في أصول الفقه، ثم إن الفقيه إن أوردها أحكامًا جزئية فليست قواعد، وإن ذكرها في صور قضايا كلية تندرج تحتها الأحكام الجزئية فهي القواعد.
وكل منهما - القواعد الكلية والأحكام الجزئية - داخل في مدلول الفقه على وجه الحقيقة، وكل منهما متوقف عند المجتهد على دراسة الأصول التي يبني عليها كل ذلك.