الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فحسن ".
والمعنى هنا: أنه وقع لمالك في غير المدونة: " لا يؤذنون "، ووقع له في
المدونة: " إن أذنوا فحسن "، فقيل: هو اختلاف قول من مالك.
وقيل: ليس هو اختلاف قول.
ومن ذلك قوله: " وعن "، ومن قاعدته: أنه حيث يقول: " فعن "، فهو كالمتبرئ من صحة نسبة القول إلى قائله، كقوله في التيمم:" فعن ابن قاسم إن كانتا مشتركتي الوقت أعاد الثانية في الوقت، وإلا أعادها أبدا "، وليس هو لابن القاسم، وإنما قاله أصبغ.
وقد يأتي بها لاستشكالها كقوله في المزارعة: " وعن ابن القاسم: والحصاد
والدراس "، وهذه الرواية وقعت في العتبية من رواية حسين بن عاصم، واستشكلت.
وقد يأتي بها إذا كان ذلك عن ابن القاسم على وجه التأويل لقول لمالك.
* * *
طرق المذهب المالكي:
ويتصل بهذا الكلام في " الطرق ".
والطرق: اختلاف الشيوخ في حكاية المذهب،
وهي مختصة بالأصحاب والشيوخ.
قال في التوضيح: الطريق عبارة عن شيخ، أو شيوخ يرون المذهب كله على ما نقلوه، فهي عبارة عن اختلاف الشيوخ في كيفية نقل المذهب، هل هو قول واحد، أو على قولين فأكثر.
والأولى الجمع بين الطرق ما أمكن، والطريق التي فيها زيادة راجحة على غيرها؛ لأن الجميع ثقات.
وحاصل دعوى النافي شهادة على نفي.
" ثالثها ": من قاعدة المؤلف - يعني ابن الحاجب - أنه ينبه على الأقوال الثلاثة، أو الروايات الثلاثة بقوله:" ثالثها ".
وذلك إذا كانت الأقوال إذا جمعت فهمت بالطريق
التي قررها، فإن كانت لا تفهم إذا جُمِعَت فإنه يبينها، كقوله في مصرف الزكاة:
" فإن كانوا قرابة لا تلزمه، وليسوا في عياله فثلاثة: الجواز، والكراهة والاستحباب ".
وطريقة استخراج القولين الأولين أنه إذا قال: " ثالثها "، فإنه يجعل القول الثالث
دليلًا على القولين الأولين، فيجعل صدره دليلًا على القول الأول، وعجزه دليلًا على القول الثاني فإذا صَدَّره بإثبات فالقول الأول هو: الجواز مثلًا، أو الوجوب، وإن صَدَّره بالمنع فالأول عدم الجواز، والثاني مقابل الأول، والثالث مفهوم من كلامه.
ومن قاعدته: أن ثالث الأقوال إذا كان مشهورًا، فإنه يقول: ثالثها المشهور، وإن كان المشهور غير الثالث بدأ بذكره.
وقد يجمع المؤلف مسألتين، ويحكى ثلاثة أقوال، ويكون في الأول قولين، وفىِ الثانية ثلاثة أقوال.
" ورابعها ": من قاعدة المؤلف أنه إذا ذكر قسمة رباعية، فإنه يُصَدِّر القول الرابع بإثباتين، ويقابله بنفيين، ثم بإثبات الجزء الأول من الإثباتين الأولين، ونفي الجزء الثاني
وهو القول الثاني، ثم بإثبات الجزء الثاني من الإثباتين الأولين، ونفي الجزء الأول وهو القول الثالث.
واعلم أن هذا غير مطرد في كل موقع يذكر فيه: ورابعها، فقد يكون القول الأول بالجواز، والثاني بالمنع، والثالث بالكراهة، والرابع ما ينص عليه.
فالقول بالكراهة لا يفهم من قاعدته، وإنما يفهم بالتوقيف عليه، وقد لا يذكر صَدْر القول الرابع ولا يبينه.
ومن قاعدته: أنه إذا كان في المسألة أربعة أقوال، وفي مسألة أخرى ثلاثة منها: ذكر المسألة التي فيها الثلاثة الأقوال، وذكر في المسألة الأخرى القول الرابع خاصة.
" وفيها ": من قاعدة المؤلف أنه يكنى عن المدونة بقوله: وفيها، وإن لم يتقدم لها ذكر، وذلك لاستحضارها في الذهن، وكثرة تداولها بين أهل المذهب.
وقد قيل: المدونة بالنسبة إلى كتب المذهب كالفاتحة في الصلاة، تغني عن غيرها ولا يغني عنها غيرها.
واعلم أن المؤلف لم يتقيد في قوله: " وفيها "، بالمدونة الكبرى، ولا بالتهذيب،
فتارة ينقل من المدونة، وتارة ينقل من التهذيب، ولعل ذلك لكون التهذيب قصد به البراذعي اتباع ترتيبها، والمحافظة على كثير من ألفاظها، فصار عنده بمنزلة المدونة.
ومن قاعدته: أنه إنما ينمشا المسألة إلى المدونة لأمر زائد على كونها من مسائل المدونة، وذلك أنواع:
الأول: كونها محتملة للقولين، أو ظاهرة في أحدهما بحيث يكون ترجيحا له،
فيذكره على لفظه في الأصل، أو قريبا من لفظه، ليتم ما أراد أخذه من المدونة.
الثاني: أن ينسب المسألة إليها لإشكالها في تصورها عند الشيوخ حتى ترددوا في فهمها، وقد يكون إشكالها من جهة التصديق.
الثالث: قد يذكرها ليستشهد بما فيها على ما ذكره.
الرابع: قد يذكرها لكونها تخالف ما شَهَّرَه من القولين، فيورده ليجيب عنه، لئلا يعترض به على ما شَهّرَه من القولين.
الخامس: قد يذكرها خشية النقض بما فيها على ما نقله.
السادس: قد يذكرها لخروجها عن أصل المذهب.
السابع: قد يأتي بلفظ المدونة لا لشيء من المعاني المتقدمة، بل لوَجَازَته،
وعموم فائدته.
وقد يعدل المؤلف عن الكتابة عن المدونة بقوله " فيها " إلى التصريح بالمدونة.
وقد يقول المؤلف: " وفيها " وذلك اللفظ ليس في المدونة، ولا في مختصراتها، فالمؤلف - يعني ابن الحاجب - لم يتقيد بالمحافظة - على لفظ المدونة، ولا مختصرها للبراذعي، بل ينمسب للمدونة ما هو ظاهر لفظها، كما ينسحب إليها صريح لفظها.
" في التشبيهات ": من قاعدة المؤلف رحمه الله: أنه إذا ذكر مسألة، وذكر ما فيها من الأقوال، وعَين المشهور، ثم ذكر مسألة أخرى، وشَبَّهها بها فإنما يشبهها بها في القول المشهور خاصة، ولا يلزمه أن يجري في المسألة المشبّهة ما في المسألة المشبه بها من الأقوال.
وهكذا ينبغي أن يُفْهَم كلام المؤلف فيما لا يمكن أن تجري فيه الأقوال التي في المسألة المشُبَّه بها.
قال ابن عبد السلام في باب الردة: " تشبيهات المؤلف في هذا الكتاب تقع تارة في أصل الحكم الذي بنيَت عليه المسألة بدون خصوصية من وفاق وخلاف، وتارة يقع في
ذلك الحكم، مع وصف من خلاف، أو وفاق.
ومن قاعدته: أنه إذا ذَكَرَ فرعًا مختلَفًا فيه، ثم شَبَّهَه بفرعٍ آخر، ولم يذكَّر في المشُبَّه به خلافًا، وذلك الخلاف في المشبَّه، كان مراده أن المشُبَّه به فيه من الخلاف ما في المشُبَّه، وأنه إنما ترك ذِكْره في الشُبَّه به اختصارًا.
ومن قاعدته: أنه يشبه بما سيأتي مما لم يتقدم له ذكر.
وقال ابن راشد: ومن قاعدة المؤلف أنه إذا رَتَّبَ شيئين على شيئين، فإنه يجعل الأول للأول، والثاني للثاني.
" السُّنَّة - العمل - أمر الناس - الخلاف - لا بأس - واسح - رجوت ": في بيان معاني ألفاظ وقعت في هذا الكتاب، وهي أنواع:
الأول، قوله: السنة: كقوله " والسُّنَّة التكبير حين الشروع ".
ومراده بالسّنَّة: عمل أهل المدينة.
وقال ابن عبد السلام: " مراده عمل أهل العلم، وهذه اللفظة وقعت في الموطأ كثيرًا ".
قال البوني في شرح الموطأ عن أحمد بن المعدل: " إن المراد عنده بالسنَّة ما جرى عليه أمر بلدهم في القديم والحديث ".
الثاني: قوله: " للعمل ": المراد به عمل أهل المدينة، قاله ابن راشد، وإليه أشار الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد.
ويحتمل أن يريد به عمل الصحابة رضي الله عنهم قاله ابن عبد السلام.
وقد يشير بالعمل إلى ما اتفق عليه الفقهاء السبعة.
وقوله: " والنضح من أمر الناس ": هي بمعنى قوله للعمل.
الثالث: قوله " للخلاف ": قال ابن عبد السلام: " كثيرًا ما يجري على ألسنة الفقهاء من أهل المذهب: الحكم كذا مراعاة للخلاف، ويقولون: هل يراعى كل خلاف أو لا؟ قولان.
والذي ينبغي أن يعتقد أن الإمام رحمه الله إنما يراعى من الخلاف ما قوى دليله.