المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالثمعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل غلام مرتهن بعقيقته - المفصل في أحكام العقيقة

[حسام الدين عفانة]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأولما يتعلق بالعقيقة

- ‌المبحث الأول‌‌تعريف العقيقة لغةًواصطلاحاً

- ‌تعريف العقيقة لغةً

- ‌ تعريف العقيقة اصطلاحاً:

- ‌المبحث الثانيمشروعية العقيقة

- ‌المطلب الأول: العقيقة قبل الإسلام:

- ‌المطلب الثاني: العقيقة في الإسلام:

- ‌ السنة القولية

- ‌ السنة الفعلية

- ‌ هل عق النبي صلى الله عليه وسلم عن ولده إبراهيم

- ‌ الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في العقيقة:

- ‌المبحث الثالثمعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل غلام مرتهن بعقيقته

- ‌المبحث الرابعالحكمة من مشروعية العقيقة

- ‌المبحث الخامسهل يكره تسمية العقيقة بهذا الاسم

- ‌المبحث السادسحكم العقيقة

- ‌ خمسة أقوال:

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌القول الرابع:

- ‌القول الخامس:

- ‌الأدلة:

- ‌أدلة القول الأول:

- ‌أدلة القول الثاني:

- ‌أدلة القول الثالث:

- ‌ردُّ الحنفية على أدلة الجمهور:

- ‌أدلة القول الرابع:

- ‌أدلة القول الخامس:

- ‌مناقشة وترجيح:

- ‌المبحث السابعشروط العقيقة

- ‌المطلب الأول: هل يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية

- ‌المطلب الثاني شروط العقيقة:

- ‌الشرط الأول: أن تكون العقيقة من الأنعام

- ‌الشرط الثاني: أن تكون العقيقة سليمة من العيوب

- ‌الشرط الثالث: أن تتوافر الأسنان المطلوبة في العقيقة

- ‌المبحث الثامنما هو الأفضل في العقيقة

- ‌المطلب الثاني: العقيقة أفضل من التصدق بثمنها ولو زاد:

- ‌المبحث العاشرهل يصح الاشتراك في العقيقة

- ‌العقيقة عن التوائم:

- ‌المطلب الأول: الانتفاع بها:

- ‌المطلب الثاني: إعطاءُ القابلةِ رِجْلَ العقيقةِ:

- ‌المطلب الثالث: إطعام غير المسلم من العقيقة:

- ‌المطلب الرابع: حكم جلدها وسواقطها:

- ‌المبحث الثالث عشرحكم تلطيخ رأس المولود بشيء من دم العقيقة

- ‌المبحث الرابع عشرحكم اجتماع الأضحية والعقيقة

- ‌الفصل الثانيما يتعلق بمن يتولى العقيقة ووقت ذبحها

- ‌المبحث الأولمن يتولى العقيقة

- ‌المبحث الثانيفي وقت العقيقة

- ‌المطلب الأول: العقيقة في اليوم السابع:

- ‌المطلب الثالث: حكم ذبح العقيقة بعد اليوم السابع:

- ‌المطلب الرابع: حكم العقيقة إذا مات المولود قبل اليوم السابع:

- ‌المطلب الخامس: حكم العقيقة إذا مات المولود بعد اليوم السابع ولم يعق عنه

- ‌المطلب السادس: هل يحسب يوم الولادة في الأيام السبعة أم لا

- ‌المطلب السابع: حكم ذبح العقيقة قبل الولادة:

- ‌المطلب الثامن: أفضل وقت للذبح نهاراً:

- ‌المطلب التاسع: حكم ذبح العقيقة ليلاً:

- ‌المطلب العاشر: أيهما يقدم ذبح العقيقة أم حلق رأس المولود

- ‌الرأي المختار في وقت العقيقة والفروع المتعلقة به:

- ‌المبحث الثالثحكم من لم يُعَق عنه صغيراً هل يَعُقُّ عن نفسه إذا بلغ

- ‌المبحث الرابعالتسمية والنية عند ذبح العقيقة

- ‌ملحق بالمندوبات المتعلقة بالمولود

- ‌ الأذان في أذن المولود:

- ‌ التحنيك:

- ‌ التسمية:

- ‌ الختان:

- ‌ التهنئة بالمولود:

- ‌قائمة المصادر

- ‌الأعمال العلمية للمؤلف

الفصل: ‌المبحث الثالثمعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل غلام مرتهن بعقيقته

‌المبحث الثالث

معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل غلام مرتهن بعقيقته

ورد في الحديث عن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمَّى ويحلق رأسه)(1)، وفي رواية عند أحمد والنسائي:(كل غلام رهين بعقيقته)(2)، وفي رواية عند الترمذي وابن ماجة:(كل غلام مرتهن بعقيقته)(3)، وقد اختلف العلماء في تفسير ذلك:

1.

قال الخطابي: [قال أحمد: هذا في الشفاعة يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلاً لم يُشفع في والديه. وقوله (رهينة) بإثبات الهاء، معناه مرهون فعيل بمعنى مفعول، والهاء تقع في هذا للمبالغة، يقال فلان كريمة قومه أي محل العقدة الكريمة عندهم](4).

وقول أحمد هذا روى البيهقي مثله عن عطاء الخراساني حيث روى بسنده عن يحيى بن حمزة قال: [قلت لعطاء الخراساني ما مرتهن بعقيقته؟ قال: يحرم شفاعة ولده](5).

2.

وقال الملا علي القاري: [(بعقيقته): يعني أنه محبوس سلامته عن الآفات بها أو إنه كالشيء المرهون لا يتم الاستمتاع به دون أن يقابل بها لأنه

(1) سبق تخريجه.

(2)

الفتح الرباني 13/ 13، صحيح سنن النسائي 3/ 885.

(3)

صحيح سنن الترمذي 2/ 94، صحيح سنن ابن ماجة 2/ 206.

(4)

معالم السنن 4/ 264 - 265، شرح السنة 11/ 268.

(5)

سنن البيهقي 9/ 299.

ص: 30

نعمة من الله على والديه فلا بد لهما من الشكر عليه وقيل: معناه أنه معلق شفاعته بها لا يشفع لهما إن مات طفلاً ولم يعق عنه.

قال التوربشتي في قوله: (مرتهن) نظر لأن المرتهن هو الذي يأخذ الرهن والشيء مرهون ورهين ولم نجد فيما يعتمد من كلامهم بناء المفعول من الارتهان فلعل الراوي أتى به مكان الرهينة من طريق القياس قال الطيبي: طريق المجاز غير مسدود وليس بموقوف على السماع ولا يستراب أن الارتهان هنا ليس مأخوذاً بطريق الحقيقة ويدل عليه قول الزمخشري في أساس البلاغة في قسم المجاز: فلان رهن بكذا ورهين ورهينته ومرتهن به مأخوذ به، وقال صاحب النهاية: معنى قوله: (رهينة بعقيقته) أن العقيقة لازمة له لا بد له منها. فشبهه في لزومها له وعدم انفكاكه منه بالرهن في يد غير المرتهن والهاء في الرهينة للمبالغة لا للتأنيث كالشتم والشتيمة أ. هـ.

وهو بحث غريب واعتراض عجيب فإن كلام التوربشتي في أن لفظ المرتهن بصيغة المفعول غير مسموع وأن الراوي ظن أن المرتهن يأتي بمعنى الرهينة الثابتة في الرواية فنقله بالمعنى على حسبانه وأما كون الرهن في هذا المقام ليس على حقيقته بل على المجاز فلا يخفى على من له أدنى تأمل وتعقل فكيف على الإمام الجليل المحقق في المنقول والمعقول والجامع بين الفروع والأصول بل ما ذكره عن الأساس والنهاية يدل على مراده وبحثه في الغاية وسيأتي في كلامه أيضاً ما يبين هذا المبحث لفظاً ومعنىً. وفي شرح السنة: قد تكلم الناس فيه وأجودها ما قاله أحمد بن حنبل معناه أنه إذا مات طفلاً ولم يعق عنه لم يشفع في والديه. وروي عن قتادة: أنه يحرم شفاعتهم. قال الشيخ التوربشتي: ولا أدري بأي سبب تمسك ولفظ الحديث لا يساعد المعنى الذي أتى به بل بينهما

ص: 31

من المباينة ما لا يخفى على عموم الناس فضلاً عن خصوصهم والحديث إذا استبهم معناه فأقرب السبب إلى إيضاحه استيفاء طرقه فإنها قلما تخلو عن زيادة أو نقصان أو إشارة بالألفاظ المختلف فيها رواية فيستكشف بها ما أبهم منه وفي بعض طرق هذا الحديث (كل غلام رهينة بعقيقته) أي مرهون والمعنى أنه كالشيء المرهون لا يتم الانتفاع والاستمتاع به دون فكه والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يعق عن المولود شكراً لله تعالى وطلباً لسلامة المولود ويحتمل أنه أراد بذلك أن سلامة المولود ونشوءَه على النعت المحبوب رهينة بالعقيقة وهذا هو المعنى اللهم إلا أن يكون التفسير الذي سبق ذكره متلقى من قبل الصحابة ويكون الصحابي قد اطلع على ذلك من مفهوم الخطاب أو قضية الحال ويكون التقدير شفاعة الغلام لأبويه مرتهن بعقيقته قال الطيبي: ولا ريب أن الإمام أحمد بن حنبل ما ذهب إلى هذا القول إلا بعدما تلقى من الصحابة والتابعين على أنه إمام من الأئمة الكبار يجب أن يتلقى كلامه بالقبول ويحسن الظن به] (1).

2.

وقيل إن المعنى أن الغلام مرهون بأذى شعره ويدل على ذلك قوله: (فأميطوا عنه الأذى)(2).

3.

وقيل إنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها (3).

(1) مرقاة المفاتيح 7/ 745 - 746.

(2)

معالم السنن 4/ 265.

(3)

نيل الأوطار 5/ 150.

ص: 32

ولم يرتض الشيخ ابن القيم هذه التفسيرات للحديث وردَّها وقال: [وفيه نظر لا يخفى فإن شفاعة الولد في الوالد ليست بأولى من العكس وكونه والداً له ليس للشفاعة فيه.

وكذا سائر القرابات والأرحام وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} سورة لقمان الآية 30. وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} سورة البقرة الآية 48. وقال تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ} سورة البقرة الآية 254. فلا يشفع أحد لأحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، فإذنه سبحانه وتعالى في الشفاعة موقوف على عمل المشفوع له من توحيده وإخلاصه. ومن الشافع من قربه عند الله ومنزلته ليست مستحقة بقرابة ولا بنوة ولا أبوة.

وقد قال سيد الشفعاء وأوجههم عند الله لعمه ولعمته وابنته: (لا أغني عنكم من الله شيئاً) وفي رواية: (لا أملك لكم من الله شيئاً) وقال في شفاعته العظمى لما يسجد بين يدي ربه ويشفع: (فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة) فشفاعته في حدٍ محدودٍ يحدّهم الله سبحانه له ولا تجاوزهم شفاعته.

فمن أين يقال إن الولد يشفع لوالده فإذا لم يعق عنه حبس عن الشفاعة له ولا يقال لمن يشفع لغيره أنه مرتهن ولا في اللفظ ما يدل على ذلك والله سبحانه وتعالى يخبر عن ارتهان العبد بكسبه كما قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} سورة الأنعام الآية 70.فالمرتهن هو

ص: 33

المحبوس إما بفعل منه أو فعل من غيره، وأما من لم يشفع لغيره فلا يقال له مرتهن على الإطلاق، بل المرتهن هو المحبوس عن أمر كان بصدد نيله وحصوله ولا يلزم من ذلك أن يكون بسبب منه بل يحصل ذلك تارة بفعله وتارة بفعل غيره.

وقد جعل الله سبحانه النسيكة عن الولد سبباً لفك رهانه من الشيطان الذي يعلق به من حين خروجه إلى الدنيا وطعن في خاصرته فكانت العقيقة فداءً وتخلصاً له من حبس الشيطان له وسجنه في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده فكأنه محبوس لذبح الشيطان له بالسكين التي أعدها لأتباعه وأوليائه وأقسم لربه أنه ليستأصلن ذرية آدم إلا قليلاً منهم فهو بالمرصاد للمولود من حين يخرج إلى الدنيا فحين يخرج يبتدره عدوه ويضمه إليه ويحرص على أن يجعله في قبضته وتحت أسره ومن جملة أوليائه وحزبه فهو أحرص شيء على هذا

فكان المولود بصدد هذا الارتهان فشرع الله سبحانه للوالدين أن يفكا رهانه بذبحٍ يكون فداه، فإذا لم يذبح عنه بقي مرتهناً به فلهذا قال صلى الله عليه وسلم:(الغلام مرتهن بعقيقته فأريقوا عنه الدم وأميطوا عنه الأذى) فأمر بإراقة الدم عنه الذي يخلص به من الارتهان، ولو كان الارتهان يتعلق بالأبوين لقال فأريقوا عنكم الدم لتخلص إليكم شفاعة أولادكم. فلما أمرنا بإزالة الأذى الظاهر عنه وإراقة الدم الذي يزيل الأذى الباطن بارتهانه علم أن ذلك تخليص للمولود من الأذى الباطن والظاهر، والله أعلم بمراده ورسوله] (1).

(1) تحفة المودود ص 57 - 59.

ص: 34