الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كونها منسوخة، لأنها لو كانت مشروعة لكانت مستحبة لا غير، ولو كانت منسوخة كانت بدعة في الإسلام، وإذا دار الأمر بين الاستحباب والابتداع والإباحة والحظر ترجح الحاظر على المبيح، وإذا تعارض المحرم والمبيح وجهل التاريخ يجعل المحرم متأخراً كيلا يلزم النسخ مرتين، ومعنى قوله:(محا ذبحُ الأضاحي كل ذبحٍ كان قبله) أي محا وجوبه كل ذبح قبله، فلا يرد علينا كون الأضحية قد شرعت في السنة الثانية، وعقيقة الحسن والحسين في الثالثة، أو الخامسة وسماع أم كرز حديث العقيقة في الحديبية في السنة السادسة، لأنا نقو ل: كانت الأضحية إذ ذاك مشروعة لا واجبة، ثم وجبت بعد ذلك عند فرض الحج، فمحا وجوبها كل ذبح كان قبله ولأجل ذلك لم يعق النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم رضي الله عنه بدليل أنه سماه ليلة ولد ولو كان قد عق عنه لسماه في اليوم السابع] (1).
ردُّ الحنفية على أدلة الجمهور:
أجاب التهانوي من الحنفية عن الأحاديث الواردة في العقيقة عن الحسن والحسين - سبق ذكرها - بقوله: [والجواب عنه أن رواية العقيقة عنهما مضطربة لأنه روى الحاكم من طريق محمد بن عمر واليافعي عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى، وقال: صحيح الإسناد.
(1) إعلاء السنن 17/ 122.
وأقره الذهبي عليه، وتبعه ابن حجر في الفتح وهو عجيب منهما، فإن محمد ابن عمرو اليافعي، قال ابن القطان: لم تثبت عدالته، وذكره الساجي في الضعفاء، وقال ابن عدي: له مناكير، وقال ابن معين: غيره أقوى منه، كذا في التهذيب.
قال العبد الضعيف: هو من رجال مسلم والنسائي قال الذهبي: ما علمت أحداً ضعفه وذكره ابن حبان في ثقاته وقول ابن القطان: لم تثبت عدالته، وقول ابن عدي: له مناكير، وقول ابن معين: غيره أقوى منه ليس من الجرح في شيء لما في المقدمة، قال: فالرواية ضعيفة وليست بصحيحة. قلت: كلا بل هي صحيحة على شرط مسلم، ظ. قال: ولو سلم فيحتمل أن يكون مراد عائشة من العقيقة حلق الشعر والتصدق بالفضة كما في رواية أبي رافع: لا إهراق الدم.
وأخرج الحاكم أيضاً عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد ابن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسين بشاة وقال: يا فاطمة! احلقي رأسه تصدقي بزنة شعره فوزناه فكان درهماً. ولكنه اختلف فيه على محمد بن إسحاق لأن الحاكم رواه عن عبيد عن محمد بن إسحاق
…
عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي متصلاً رواه الترمذي عن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي عن علي مرسلاً ثم محمد بن إسحاق مع ما فيه من الكلام مدلس يدلس عن الساقطين، وقد عنعن في الرواية فلا تقبل عنعنته ثم هو تفرد بزيادة قوله:(عق عن الحسين بشاة) ولم يروه علي بن الحسين عن أبي رافع ولا محمد بن علي عند سعيد بن منصور ثم لو
كان عن علي بن الحسين رواية عن أبيه عن جده لم يحتج إلى ما رواه عن أبي رافع فهذه أمور تدل على أن رواية محمد بن إسحاق ساقطة فلا يعارض رواية أبي رافع ولا يقوي رواية عائشة، قال: قلت: أخرج الحاكم في فضائل الحسين من طريق حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة فقال: (زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رِجل العقيقة) وقال: صحيح الإسناد.
قلت: تعقبه الذهبي في التلخيص وقال: لا. قلت: وكذا لا يصح ما روى
أبو داود في المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين أن يبعثوا إلى القابلة برِجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً) لأن المرسل لا يعارض المسند الذي رواه علي بن الحسين عن أبي رافع ولم أقف على من رواه عن جعفر، فليحقق.
فإن قلت: يعضده ما رواه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً وإسناده صحيح.
قلنا: يعارضه ما رواه النسائي عن عكرمة عن ابن عباس (أنه صلى الله عليه وسلم عق عنهما كبشين كبشين) وسنده أيضاً صحيح فإذا تعارضا تساقطا فلا يصلح للتأييد.
وقال في الجوهر النقي: قد اضطرب فيه على عكرمة من وجهين أن أبا حاتم قال: روى عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وهو الأصح.
والثاني: أن النسائي أخرج من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عق عن الحسن والحسين بكبشين كبشين. الجوهر النقي 2/ 223.
ورجح ابن حجر في الفتح 9/ 511 روايةً بما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه عق عنهما بكبشين كبشين.
قلت: أخرجه الحاكم وسكت عنه وتعقبه الذهبي فقال: سوار ضعيف وإن كان روايته تؤيد رواية كبشين فرواية ابن إسحاق تؤيد رواية الكبش فلا ترجيح وقال ابن أبي حاتم في العلل 2/ 49: سألت أبي عن حديث رواه عبد الوارث عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشين (أي كبشاً للحسن وكبشاً للحسين) قال أبي: هذا وهم حدثنا أبو معمر وعن عبد الوارث هكذا ورواه وهب وابن علية عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً قال أبي: وهذا أصح. وقال أيضاً: سألت أبي عن حديث رواه المحاربي عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس أن الحسن والحسين عق عنهما. قال أبي: هذا خطأ إنما هو عن عكرمة. قوله: من حديث يحيى ابن سعيد الأنصاري. قلت: كذا حدثنا الأشج عن أبي خالد الأحمر عن يحيى عن عكرمة أن حسناً وحسيناً عق عنهما. قال أبي: لم تصح رواية يحيى بن سعيد عن عكرمة فإنه لا يرضى عكرمة فكيف يروي عنه؟ وقال أيضاً: سألت أبي عن حديث رواه ابن وهب عن جرير بن حازم عن قتادة عن أنس قال: (عق رسول الله عن الحسن والحسين بكبشين). قال أبي: أخطأ جرير في هذا الحديث إنما هو قتادة عن عكرمة قال: عق رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسل أ. هـ. ويظهر منه اضطرابان آخران: الأول أنه روى يحيى بن سعيد عن عكرمة أنه صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بدون قوله: كبشاً أو كبشين. وقال أيوب: كبشاً كبشاً وقال قتادة: كبشين كبشين. والآخر أنه روى جرير عن قتادة عن أنس وغيره عن قتادة عن عكرمة. فالحديث لا يصلح أن يكون معارضاً لما رواه أبو رافع. قال ابن حزم بعد سرد طرقه: واختلاف الرواة في إرساله ورفعه وفي
عدد الكبش والشاة ما نصه: وبأقل من هذا يتعللون في رد الأخبار ويدعون أنه اضطراب أ. هـ (9/ 531).
ويمكن أن يقال: إن ابن عباس روى لعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بدون قوله: كبش أو كبشين كما رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عكرمة وكما روت عمرة عن عائشة وكان مراده أنه أمر أنه يحلق رأسهما والتصدق بوزن شعرهما كما رواه أبو رافع. فتوهم منه الرواة أنه أهراق عنهما دماً. فرووه باجتهادهم أنه عق عنهما كبشين أو أربعة. وعلى هذا لا يكون رواية ابن عباس معارضاً لرواية أبي رافع وتجتمع الروايات كلها] (1).
وأجابوا عن حديث أم كرز الكعبية (أن حديث أم كرز مضطرب اضطراباً شديداً لأنها رويت عنها من وجوه مختلفة، وأمثلها طريق سباع بن ثابت وهو أيضاً مضطرب. لأن سفيان يرويه ويقول تارة: عن عبد الله بن أبي يزيد عن أبيه عن سباع بن ثابت عن أم كرز، وأخرى عن عبيد الله عن سباع عن أم كرز، وابن جريح يرويه عن عبيد الله عن سباع بن ثابت عن محمد بن ثابت بن سباع عن أم كرز. وحماد بن زيد يرويه عن عبيد الله ويقول في حديثه: حدثني عبدالله بن أبي يزيد قال: حدثني سباع عن أم كرز. وهل هذا إلا اضطراب. ثم يقول سفيان: إن أم كرز قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية وذهبت أطلب من اللحم فسمعته يقول: عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ويقول ابن جريج في حديث: أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال: (يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)، ويقول حماد بن زيد في حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عن
(1) إعلاء السنن 17/ 115 - 117.
الغلام شاتان وعن الجارية شاة). والأول: يدل على أنها سمعته يقول في الحديبية، ولم تكن سألته والثاني: يدل على أنها سألته، والثالث: لا يدل على واحد منهما. قال والذي يترجح أن رواية سفيان وابن جريج وهم، والصحيح ما رواه حماد بن زيد، لأنه لو وقع هذا السؤال والجواب في الحديبية لروي عن غير واحد من الصحابة، لأنهم كانوا مجتمعين فيها، فتفرد أم كرز بالرواية يدل على أن هذا ليس من قصة الحديبية، ثم إذا نظرنا أن الحديبية لم تكن محلاً لهذه المسألة. ولا كان أهم لأم كرز السؤال عن العقيقة من سائر أمور الدين. لأنهم قالوا: إنها أسلمت في الحديبية يزداد هذا الظن قوة ثم إذا رأينا الحاكم قد روى عن عبد المالك بن عطاء عن أم كرز وأبي كرز أنها نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزوراً فقالت عائشة: لا، بل السنة أفضل: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة، الحديث. ويحصل لهذا الظن مزيد قوة أنها لم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم بل سمعت من عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلت في الرواية وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه عنها حماد بن زيد. يؤيده أيضاً أن أكثر الروايات عنها بالعنعنة لا بالسماع والسؤال، وذكر الحديبية لم يقع إلا في حديث سفيان ولأجل هذه الأمور لم يخرج الشيخان هذه الرواية في صحيحهما فلا يرد الاعتراض لهذا الحديث على حديث أبي رافع) (1).
وردَّ الشيخ ظفر التهانوي على الكلام السابق بقوله: (قال العبد الضعيف: وهذا ليس من الاضطراب في شيء، وأي بعد في أن يكون ذهبت لطلب اللحم
(1) إعلاء السنن 17/ 118 - 119.
وسألته عن العقيقة أيضاً: وقولها: فسمعته يقول: عن الغلام شاتان إلخ أي بعد أن سئل عن العقيقة) (1).
وقال الشيخ ظفر التهانوي ردَّاً على ما سبق: [قال العبد الضعيف: عدم إخراجهما شيئاً لا يدل على ضعفه، وقوله: إن الحديبية ليست محلاً لهذه المسألة ولا كانت مما يهم أم كرز فكله كلام لا طائل تحته، ولا يعل بمثله الأحاديث. والذي روته أم كرز عن عائشة من إنكارها نحر الجزور في العقيقة غير ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون ذلك دليلاً على الإرسال كما ادعاه، واضطراب السند مرتفع بما في حديث حماد بن زيد من التصريح بسماع عبيد الله بن أبي يزيد من سباع وبسماع سباع من أم كرز، فيكون ما سوى ذلك من المزيد في الإسناد فالأولى أن يقال: إن العقيقة بإراقة الدم كانت مشروعة إلى زمن الحديبية ثم نسخت بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يعق عن ابنه إبراهيم ولو كانت واجبةً أو سنةً لعق عنه، فإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ظ) (2).
وقالوا أيضاً في الجواب عن العقيقة عن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم: [وأما عقيقة إبراهيم فهو قول الزبير بن بكار، ولم يذكر له سنداً. فكيف يجوز الاحتجاج بالقول الذي لا سند له، ولو كان عقيقة إبراهيم ثابتاً لروي بالأسانيد الصحيحة كما رويت أحاديث الوليمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك أنه ليس بثابت. وصرح الحافظ في الفتح بأنه لم ينقل أحد أنه عق عنه 9/ 507 وإذا كان كذلك
(1) إعلاء السنن 17/ 118.
(2)
إعلاء السنن 17/ 119.