الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً) رواه أبو داود في المراسيل والبيهقي، وقال الشيخ الأرناؤوط وفيه انقطاع (1)، وفي سنده حسين بن زيد العلوي فيه ضعف، وذكر النووي أنه روي موقوفاً على علي رضي الله عنه، وذكر البيهقي الرواية الموقوفة وهي: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أعطى القابلة رِجْل العقيقة) (2).
روى الخلال أن الإمام أحمد سئل عن العقيقة: [قيل: يبعث منها إلى القابلة بشيء. قال: نعم](3).
المطلب الثالث: إطعام غير المسلم من العقيقة:
كره بعض أهل العلم إطعام الكافر منها [قال في العتبية في أول رسم من سماع أشهب من كتاب الضحايا: وسألته – أي مالك - عن الضحية والعقيقة أيطعم منها أحد من النصارى أو غيرهم ممن على غير الإسلام؟ فقال: ما سمعت ذلك وأحب إليَّ أن لا يطعم أحداً منهم شيئاً](4).
ونقل عن الإمام مالك جواز ذلك في الأضحية وتقاس العقيقة عليها (5).
ولا أرى مانعاً من إطعام أهل الذمة منها وخاصة إذا كانوا فقراء أو جيراناً أو قرابة.
المطلب الرابع: حكم جلدها وسواقطها:
الأصل أن لا يباع شيء من العقيقة حيث إنها ملحقة بالأضحية في معظم أحكامها وقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز بيع شيء من الأضحية لا لحمها ولا
(1) زاد المعاد 2/ 332، سنن البيهقي 9/ 302.
(2)
تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج 2/ 539، المجموع 8/ 431، سنن البيهقي 9/ 304.
(3)
تحفة المودود ص 67.
(4)
مواهب الجليل 4/ 393.
(5)
مواهب الجليل 4/ 393.
جلدها ولا أطرافها، واجبة كانت أو تطوعاً. قال الإمام أحمد: لا يبيعها ولا يبيع شيئاً منها.
وقال أيضاً: سبحان الله كيف يبيعها وقد جعلها لله تبارك وتعالى؟
وأجاز ابن عمر رضي الله عنه أن يبيع الجلد ويتصدق بثمنه، ونقله ابن المنذر عن أحمد وإسحاق (1).
ويجوز أن ينتفع بالجلد، بأن يجعله سقاءً أو فرواً أو نعلاً أو غير ذلك.
فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت: يجعل من جلد الأضحية سقاء ينبذ فيه.
وعن مسروق أنه كان يجعل من جلد أضحيته مصلىً يصلي فيه.
وعن الحسن البصري قال: انتفعوا بمُسُوك – جلود – الأضاحي ولا تبيعوها (2).
ويدل على ذلك ما ورد في حديث علي رضي الله عنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدْنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزَّار منها. وقال نحن نعطيه من عندنا) رواه البخاري ومسلم. فقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بلحومها وجلودها وجلالها، كما أنه قد جعلها قربة لله تعالى فلم يجز بيع شيء منها كالوقف (3).
(1) المغني 9/ 450.
(2)
معجم فقه السلف 4/ 148.
(3)
المغني 9/ 451.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له) رواه الحاكم، وقال: حديث صحيح. ورواه البيهقي وقال الشيخ الألباني: حسن. (1).
وقال الحافظ المنذري: [وقد جاء في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع جلد الأضحية](2).
وجاء في الحديث عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (
…
لا تبيعوا لحوم الهدي والأضاحي، فكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها، وإن أُطعمتم من لحمها فكلوا إن شئتم) رواه أحمد وذكره الهيثمي وقال: في الصحيح طرف منه. رواه أحمد وهو مرسل صحيح الإسناد (3).
وأما الانتفاع بجلدها فلا بأس به على أي وجه كان، ويدل على ذلك ما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:(دفَّ ناس من أهل البادية، حضرة الأضحى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله: ادخروا ثلاثاً ثم تصدقوا بما بقي، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما ذاك؟ قالوا: نهيتَ أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا) رواه مسلم (4).
(1) سنن البيهقي 9/ 294، صحيح الجامع الصغير 2/ 1055، صحيح الترغيب والترهيب ص455.
(2)
الترغيب والترهيب 2/ 156، وانظر صحيح الترغيب والترهيب ص 455.
(3)
الفتح الرباني 13/ 54.
(4)
صحيح مسلم مع شرح النووي 5/ 112 - 113.
والأسقية، جمع سقاء ويتخذ من جلد الحيوان، وفي الحديث إشارة إلى أنه يتخذ من جلود الأضحية، وقولها:(ويجملون منها الودك) أي يذيبون شحمها (1)، وقد أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك (2).
هذا ما قرره الفقهاء بالنسبة للأضحية وقد ألحق المالكية والشافعية والحنابلة في رواية، العقيقة بها فمنعوا بيع أي شيء من العقيقة، قال الإمام مالك:[ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها](3).
وقال ابن رشد: [وأما حكم لحمها وجلدها وسائر أجزائها فحكم لحم الضحايا في الأكل والصدقة ومنع البيع](4).
وقال البغوي: [ولا يجوز أن يبيع شيئاً منها لأنه ذبحها قربة إلى الله تعالى كالأضحية](5).
ويرى الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه جواز بيع جلد العقيقة ورأسها ونحو ذلك ويتصدق بثمنه، فقد روى الخلال أن أحمد سئل في العقيقة:[الجلد والرأس والسقط يباع ويتصدق به، قال: يتصدق به](6).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [قال أحمد يباع الجلد والرأس والسقط ويتصدق به، وقد نص في الأضحية على خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لأنها ذبيحة لله فلا يباع منها شيء كالهدي ولأنه تُمكِن الصدقة بذلك بعينه فلا حاجة إلى بيعه
(1) شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 113.
(2)
انظر المفصل في أحكام الأضحية ص 153 - 154.
(3)
الموطأ 2/ 400، وانظر مواهب الجليل 4/ 394.
(4)
بداية المجتهد 1/ 377.
(5)
التهذيب 8/ 49.
(6)
تحفة المودود ص 70، وانظر كشاف القناع 3/ 31.
وقال أبو الخطاب يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى فيخرج في المسألتين روايتان ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث إن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة فأشبهت الذبيحة في الوليمة ولأن الذبيحة ههنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به فضلها وثوابها وحصول النفع به فكان له ذلك] (1).
المطلب الخامس: هل يكره كسر عظام العقيقة؟
في المسألة قولان:
القول الأول: قال الشافعية والحنابلة يستحب أن تذبح العقيقة وتقطع على المفاصل، ولا تكسر عظامها وتطبخ جُدُولاً (2)، ونقل هذا عن عائشة وعطاء وابن جريج (3)، وذكر البيهقي أن عطاءً كان يقول: تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم (4). ونص على ذلك الإمام أحمد، فقد روى الخلال عن عبد الملك بن عبد الحميد أنه سمع أبا عبد الله يقول في العقيقة:[لا يكسر عظمها ولكن يقطع كل عظم من مفصله فلا تكسر العظام](5). وقد اعتبر الحنابلة أن من الفوارق بين العقيقة وبين الأضحية أن العقيقة لا يكسر عظمها (6).
(1) المغني 9/ 463وانظر الإنصاف 4/ 113 - 114.
(2)
الجُدُول بضم الجيم وبضم الدال، جمع جَدْل وهو كل عظم موفر كما هو لا يكسر أي تقطع العقيقة عضواً عضواً ولا يكسر لها عظم، لسان العرب 2/ 211.
(3)
المجموع 8/ 430، المغني 9/ 463، المحلى 6/ 240، مغني المحتاج 4/ 394، كشاف القناع 3/ 30، طرح التثريب 5/ 215.
(4)
السنن الكبرى 9/ 302.
(5)
تحفة المودود 60/ 61.
(6)
الإنصاف 4/ 113.
قال الحافظ العراقي: [وقال أصحابنا إن ذلك خلاف الأولى فقط، واختلفوا في كراهته على وجهين: أصحهما أنه لا يكره، وعلله النووي في شرح المهذب بأنه لم يثبت فيه نهي مقصود، وفيه نظر فإن النهي الصريح قد رواه الحاكم في مستدركه وصححه كما تقدم، ولعل النووي لا يوافق على صحته](1).
القول الثاني: ذهب الإمام مالك إلى جواز كسر عظمها بل استحب ذلك، لمخالفة أهل الجاهلية الذين كانوا لا يكسرون عظم الذبيحة التي تذبح عن المولود وبه قال الزهري وابن حزم الظاهري، وهو وجه للبصريين من الشافعية (2).
قال الزهري في العقيقة: تكسر عظامها ورأسها (3).
وقال ابن رشد: [واستحب كسر عظامها لما كانوا في الجاهلية يقطعونها من المفاصل](4).
الأدلة:
احتج الفريق الأول بما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين رضي الله عنهم: (أن ابعثوا إلى بيت القابلة برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً) رواه البيهقي وغيره وهو ضعيف كما سبق.
واحتجوا أيضاً بما ورد عن عائشة أنها قالت: (تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم) سبق تخريجه وجعله الألباني مدرجاً في الحديث من كلام عطاء وأيد ذلك بما ذكره البيهقي: [وكان عطاء يقول تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم](5).
(1) طرح التثريب 5/ 215 وانظر المجموع 8/ 430.
(2)
شرح الخرشي 3/ 48، الموطأ 2/ 400، المنتقى 4/ 204، المحلى 6/ 240، المجموع 8/ 448، الحاوي 15/ 130، التاج والإكليل 4/ 393.
(3)
المحلى 6/ 240.
(4)
بداية المجتهد 1/ 377.
(5)
سنن البيهقي 9/ 302، إرواء الغليل 4/ 396.
وقالوا إن كراهة كسر عظامها إنما هو من باب التفاؤل بالسلامة للمولود وطيب العيش (1).
واحتج الفريق الثاني بأنه لم يثبت في كسر عظامها نهي مقصود، قال ابن حزم:[ولم يصح في المنع من كسر عظامها شيء](2). وضعف ابن حزم ما ورد عن عائشة في ذلك (3).
وقالوا إن كسر عظامها فيه مخالفة لأهل الجاهلية، قال الباجي:[قال ابن حبيب: إنما قاله مالك - أي كسر عظامها - لأن أهل الجاهلية كانوا إذا عقوا عن المولود لم يكسروا العظام وإنما كانت العقيقة تفصل من مفصل إلى مفصل فأتى الإسلام بالرخصة في ذلك إن أحب أهلها يصنعون من ذلك ما وافقهم، وفي الجملة إن كسر عظامها ليس بلازم وإنما لا يجوز تحري الامتناع عنه، والعقيقة في ذلك كسائر الذبائح وربما كان لها مزية المخالفة لفعل أهل الجاهلية](4).
وقالوا إن العادة جرت بكسر العظام، وفي ذلك مصلحة لتمام الانتفاع بها ولا مصلحة تمنع من ذلك ولم يصح في المنع من ذلك ولا في كراهته سنة يجب المصير إليها (5).
وقال الماوردي معللاً عدم كراهة كسر عظامها: (لأنه طيرة وقد نهي عنها، ولأن ذبحها أعظم من كسر عظمها)(6).
(1) الحاوي 15/ 129.
(2)
المحلى 6/ 240، انظر المجموع 8/ 430.
(3)
المحلى 6/ 240.
(4)
المنتقى 4/ 204 - 205.
(5)
تحفة المودود ص 62.
(6)
الحاوي 15/ 130.
والذي يظهر لي أنه لا بأس بكسر عظامها إن احتيج لذلك، وإن قطعت على المفاصل فهو أفضل لما ورد في الآثار وإن لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم فقد وردت الآثار عن طائفة من السلف كعائشة وعطاء وجابر كما ذكره البيهقي وغيره (1).
ويضاف إلى ما سبق أن القائلين بعدم تكسير عظامها ذكروا وجوهاً في الحكمة من ذلك تميل إليها النفس ذكرها ابن القيم وهي:
1.
أنها جرت مجرى الفداء فاستحب أن لا تكسر عظامها تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود وصحته وقوتها وبما زال من عظام فدائه من الكسر.
2.
إظهار شرف الإطعام وخطره إذا كان يقدم للآكلين ويهدى إلى الجيران ويطعم للمساكين فاستحب أن يكون قطعاً كل قطعة تامة في نفسها لم يكسر من عظامها شيء ولا نقص العضو منها شيئاً، ولا ريب أن هذا أجل موقعاً وأدخل في باب الجود من القطع الصغار.
3.
أن الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعاً حسناً عند المهدى إليه ودلت على شرف نفس المهدي وكبر همته، وكان في ذلك تفاؤلاً بكبر نفس المولود وعلو همته وشرف نفسه (2)]. والله أعلم.
(1) سنن البيهقي 9/ 302.
(2)
تحفة المودود ص 62.