الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
الحكمة من مشروعية العقيقة
لا شك أن للعقيقة حكماً وفوائد كثيرة منها:
أولاً: قال ولي الله الدهلوي: [وكان فيها مصالح كثيرة راجعة إلى المصلحة الملية والمدنية والنفسانية، فأبقاها النبي صلى الله عليه وسلم وعمل بها ورغب الناس فيها.
فمن تلك المصالح التلطف بإشاعة نسب الولد إذ لا بد من إشاعته لئلا يقال ما لا يحبه ولا يحسن أن يدور في السكك فينادي أنه ولد لي فتعين التلطف بمثل ذلك
ومنها اتباع داعية السخاوة وعصيان داعية الشح.
ومنها أن النصارى كان إذا ولد لهم ولد صبغوه بماء أصفر يسمونه المعمودية وكانوا يقولون يصير الولد به نصرانياً وفي مشاكلة هذا الاسم نزل قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} سورة البقرة الآية 138، فاستحب أن يكون للحنيفيين فعل بإزاء فعلهم ذلك يشعر بكون الولد حنيفياً تابعاً لملة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وأشهر الأفعال المختصة بها المتوارثة في ذريتهما ما وقع له عليه السلام من الإجماع على ذبح ولده ثم نعمة الله عليه أن فداه بذبح عظيم وأشهر شرائعهما الحج الذي فيه الحلق والذبح فيكون التشبه بهما في هذا تنويهاً بالملة الحنيفية ونداء أن الولد قد فعل به ما يكون من أعمال هذه الملة.
ومنها أن هذا الفعل في بدء ولادته يخيل إليه أنه بذل ولده في سبيل الله كما فعل إبراهيم عليه السلام وفي ذلك تحريك سلسلة الإحسان والانقياد كما ذكرنا في السعي بين الصفا والمروة] (1).
ثانياً: الشكر لله سبحانه وتعالى على نعمة الولد فإنها من أعظم النعم، والأولاد زينة الحياة الدنيا، قال تعالى:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} سورة الكهف الآية 46. وفطر الله الإنسان على السرور والبهجة عند قدوم المولود فكان حرياً بالإنسان أن يشكر الله الخالق الواهب وقد ورد في الأثر عن الحسين رضي الله عنه في تهنئة من رزق مولوداً أن يقال له: (بارك الله لك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره) (2)، فالعقيقة نوع من أنواع الشكر لله تعالى والتقرب إليه.
ثالثاً: فيها فكاك المولود وفديته كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش وقد كان أهل الجاهلية يفعلونها ويسمونها عقيقةً ويلطخون رأس الصبي بالدم، فأقرها الإسلام ونهى عن تلطيخ رأس المولود بالدم.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ما يذبح عن المولود إنما ينبغي أن يكون على سبيل النسك كالأضحية والهدي فقال: (من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل) فجعلها على سبيل الأضحية التي جعلها الله نسكاً وفداء لإسماعيل عليه السلام وقربة إلى الله عز وجل. وغير مستبعد في حكمة الله في شرعه وقدره أن يكون سبباً لحسن
(1) حجة الله البالغة 2/ 261
(2)
الأذكار ص 246.
إثبات الولد ودوام سلامته وطول حياته في حفظه من ضرر الشيطان حتى يكون كل عضو منها فداء كل عضو منه (1).
رابعاً: الإعلان والأخبار بأن هذا الشخص قد رزق مولوداً وسماه كذا فيظهر ذلك بين الناس من الأهل والجيران والأصدقاء فيقدم هؤلاء لتهنئته وحضور عقيقته مما يؤدي إلى زيادة روابط الألفة والمودة بين المسلمين.
خامساً: فيها نوع من أنواع التكافل الاجتماعي في الإسلام حيث إن الذي يعق عن ولده يذبح الذبيحة ويرسل منها للفقراء والأصدقاء والجيران أو يدعوهم إليها ويسهم هذا الأمر في تخفيف معاناة الفقراء والمحتاجين (2).
وقال ابن الحاج: [وفي فعل العقيقة من الفوائد أشياء كثيرة منها: امتثال السنة وإخماد البدعة ولو لم يكن فيها من البركة إلا أنها حرز للمولود من العاهات والآفات كما ورد فالسنة مهما فعلت كانت سبباً لكل خير وبركة والبدعة بضد ذلك.
وقد حكي عن بعضهم أنه دخل عليه بعض أصحابه فوجدوا الذهب والفضة منثورين في بيته وأولاده ذاهبون وراجعون عليها فقالوا له: يا سيدنا أما هذا إضاعة مال؟ قال: بل هي في حرز قالوا له: وأين الحرز؟ قال لهم: هي مزكاة وذلك حرزها فكذلك فيما نحن بسبيله من عق عنه فهو في حرز من العاهات والآفات وأقل آفة تقع بالمولود يحتاج وليه أن ينفق عليه قدر العقيقة الشرعية أو أكثر منها فمن كان له لب فليبذل جهده على فعلها لأنها جمعت
(1) انظر تحفة المودود ص 54 - 55.
(2)
انظر أحكام الذبائح ص 169، تربية الأولاد في الإسلام 1/ 99 - 100.
بين حرز المال والبدن. أما البدن فسلامة المولود سيما من الآفات والعاهات كما تقدم وأما كونها حرزاً للمال فإن النفقة في العقيقة نزر يسير بالنسبة إلى ما يتكلفونه من العوائد المتقدم ذكره وغيرها من النفقات فيما يتوقع على المولود من توقع العاهات والآفات وفيها كثرة الثواب الجزيل لأجل امتثال السنة في فعلها وتفريقها سيما في هذا الزمان فإن فيها الأجر الكثير لقلة فاعلها] (1).
(1) المدخل 3/ 228 - 229.