الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً:
التحنيك:
التحنيك: وهو في لغة العرب من حنَّكت الصبي تحنيكاً أي مضغت تمراً ودلكت به حنكه (1).
قال الحافظ ابن حجر: [والتحنيك مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ودلك حنكه به، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه وينبغي عند التحنيك أن يفتح فاه حتى ينزل جوفه وأولاه التمر فإن لم يتيسر تمر فرطب وإلا فشيء حلو وعسل النحل أولى من غيره ثم ما لم تمسه نار كما في نظيره مما يفطر الصائم عليه](2).
والتحنيك بالتمر مستحب ولو حنكه بغيره كالعسل حصل التحنيك ولكن التمر أفضل (3).
اتفق العلماء على أن تحنيك المولود من السنن المستحبة، قال الإمام النووي:[اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه وقريب منه من الحلو فيمضغ المحنكُ التمرَ حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه ليدخل شيء منها في جوفه فإن لم يكن حاضراً حمل إليه](4).
(1) المصباح المنير ص154.
(2)
فتح الباري 12/ 4.
(3)
المجموع 5/ 303.
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 302، المجموع 8/ 443، الإنصاف 4/ 114، التهذيب 8/ 51،
ويدل على استحباب التحنيك الأحاديث التالية:
1.
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ولد لي غلام، فأتيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ وكان أكبر ولد أبي موسى) رواه البخاري ومسلم (1).
2.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء) رواه البخاري (2).
3.
عن أسماء رضي الله عنها: أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلنا قباء فولدت بقباء ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته – أي في حجره - ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه. فكان أول شيء دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له فبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام ففرحوا به فرحاً شديداً لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم) رواه البخاري ومسلم (3). ومعنى (برَّك عليه) أي دعا له بالبركة بأن يقول للمولود: بارك الله عليك
4.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان ابن أبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان فقربت إليه العشاء ثم أصاب منها فلما فرغ قالت: وارِ
5.
(1) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 4/ 12، صحيح مسلم مع شرح النووي 5/ 304.
(2)
صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/ 5.
(3)
صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/ 5 - 6، شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 304.
6.
الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما فولدت غلاماً قال لي
أبو طلحة: احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم وأرسلت معه بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أمعه شيء؟ قالوا: نعم تمرات. فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذ من فيه فجعلها في فيّ الصبي وحنكه به وسماه عبد الله) رواه البخاري (1).
7.
وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في عباءة يهنأ بعيراً له فقال: هل معك تمر؟ فقلت: نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه فلاكهن ثم فغر فا الصبي فمجه في فيه فجعل الصبي يتلمظه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حب الأنصار التمر) وسماه عبد الله) رواه مسلم (2).
8.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه فطلبنا تمرة فعز علينا طلبها) رواه مسلم (3).
الحكمة من التحنيك:
قال الحافظ ابن حجر: [يصنع ذلك ليتمرن على الأكل ويقوى عليه](4).
واعترضه العيني شارح البخاري: [وأين وقت الأكل من وقت التحنيك؟ وهو حين يولد والأكل غالباً بعد سنتين أو أقل أو أكثر؟ والحكمة فيه أنه يتفاءل له
(1) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري 12/ 6.
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 302.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم 5/ 305.
(4)
فتح الباري 12/ 4.
بالإيمان لأن التمر ثمرة الشجرة التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمن وبحلاوته أيضاً ولا سيما إذا كان المحنك من أهل الفضل والعلماء والصالحين لأنه يصل إلى جوف المولود من ريقهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حنك عبد الله بن الزبير حاز من الفضائل والكمالات ما لا يوصف؟ وكان قارئاً للقرآن عفيفاً في الإسلام وكذلك عبد الله بن أبي طلحة كان من أهل العلم والفضل والتقدم في الخير ببركة ريقه المبارك] (1).
ويستحب أن يكون المحنك من الصالحين لحديث أنس في قصة عبد الله بن أبي طلحة.
قال النووي: [وينبغي أن يكون المحنك من أهل الخير فإن لم يكن رجلاً فامرأة صالحة](2).
وقال العيني: [وحمله إلى صالح يحنكه](3).
(1) عمدة القاري 14/ 464.
(2)
المجموع 8/ 443.
(3)
عمدة القاري 14/ 465.
ثالثاً: حلق رأس المولود والتصدق بزنة شعره:
وردت الأحاديث الكثيرة في حلق رأس المولود وإماطة الأذى عنه والتصدق بزنة شعره فضة.
وقد اتفق أهل العلم على أن ذلك من السنن.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [ويستحب أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ويسمى لحديث سمرة وإن تصدق بزنة شعره فضة فحسن
…
] (1).
وقال الإمام النووي: [يستحب حلق رأس المولود يوم سابعه قال أصحابنا ويستحب أن يتصدق بوزن شعره ذهباً فإن لم يفعل ففضة سواء فيه الذكر والأنثى](2).
ويدل على هذه السنة أحاديث كثيرة منها:
عن سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى).
وعن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمَّى).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى).
وعن أبي رافع رضي الله عنه أن الحسن بن علي حين ولدته أمه أرادت أن تعق عنه بكبش عظيم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها لا تعقي عنه بشيء ولكن احلقي شعر
(1) المغني 9/ 461.
(2)
المجموع 8/ 432.
رأسه ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله عز وجل أو على ابن السبيل وولدت الحسين من العام المقبل فصنعت مثل ذلك).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة قال فوزنته فكان وزنه درهماً أو بعض درهم).
وعن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي - بريدة - يقول: كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن بشاة وقال: يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة. قال: فوزنته فكان وزنه درهماً أو بعض درهم)(1).
والذكر والأنثى في حلق الرأس سواء ويدل على ذلك ما رواه مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه قال: وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر حسن وحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة (2).
وإماطة الأذى المذكورة في الأحاديث تشمل تنظيف المولود من كل قذر وتشمل أيضاً حلق الرأس.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [قوله (الأذى) وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال: إن لم يكن
(1) سبق تخريج هذه الأحاديث.
(2)
الموطأ 2/ 399، وانظر الاستذكار 15/ 370.
الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هو؟ وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال: لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى أ. هـ. وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم (وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى) ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني (ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه) فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب (ويماط عنه أقذاره)] (1).
وورد في الأحاديث أيضاً استحباب الصدقة بالفضة وينوب عنها الصدقة بالنقود المتداولة اليوم.
(1) فتح الباري 12/ 10، وانظر المجموع 8/ 429، سنن البيهقي 9/ 303.