الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن
ما هو الأفضل في العقيقة
؟
العقيقة قربة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل فينبغي أن تكون أطيب ما تكون من حيث السلامة من العيوب وبلوغ السن المطلوب شرعاً كما سبق وكذلك ينبغي استسمانها واستعظامها واستحسانها وأن تكون خالية من كل ما تنفر منه الطباع السليمة.
وقد ورد في الحديث عن أم كرز الكعبية رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة).
قال أبو داود: [سمعت أحمد قال: مكافئتان مستويتان أو متقاربتان](1)، ووقع في رواية أخرى لحديث أم كرز (مثلان) رواه أبو داود أيضاً.
ولا بأس أن تكون العقيقة من الذكور أو الإناث لما في حديث أم كرز: (لا يضركم أذكراناً كن أم إناثاً).
والذكر أفضل إذا كان أسمن وأطيب ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين بالكباش، قال الحافظ العراقي:(اختار النبي صلى الله عليه وسلم في عقيقة ولديه الأكمل وهو الضأن والذكورة)(2).
والأفضل في لونها البياض قياساً على الأضحية. وقالت عائشة: (ائتوني به أعين أقرن)(3)، وأعين أي واسع العينين ضخمهما (4).
(1) عون المعبود 8/ 25.
(2)
طرح التثريب 5/ 208،215.
(3)
المغني 9/ 460، الفتح الرباني 13/ 121، عون المعبود 8/ 27، فتح الباري 6/ 9.
(4)
لسان العرب 9/ 505.
ونقل البيهقي عن عطاء أن الضأن أحب إليه من المعز والذكور أحب إليه من الإناث (1).
وورد عن الإمام أحمد أنه سئل عن العقيقة: [تجزئ بنعجة أو حمل كبير؟ قال: فحلٌ خير](2).
واختلف العلماء في الأفضل من هذه الأنواع:
- فقال الشافعية في الأصح عندهم وبعض المالكية إن البدنة أفضل ثم البقرة ثم جذعة الضأن ثم ثنية المعز، قالوا لأنها نسك فوجب أن يكون الأعظم فيها أفضل قياساً على الهدايا (3).
- وقال الإمام مالك: [الضأن أفضلها ثم المعز أحب إليه من الإبل والبقر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم (عق عن الحسن والحسين بشاة شاة)]. وهذا وجه آخر للشافعية وهو الأرجح لأنه الثابت بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله (4).
ونقل هذا القول عن بعض السلف فقد روى الحاكم بإسناده عن عطاء عن أم كرز وأبي كرز قالا: نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزوراً فقالت عائشة رضي الله عنها: لا بل السنة أفضل، عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة، تقطع جدولاً ولا يكسر لها عظم، فيأكل ويطعم ويتصدق، وليكن ذاك يوم السابع، فإن لم يكن ففي أربعة عشر، فإن لم يكن ففي إحدى وعشرين) قال الحاكم: صحيح الإسناد (5).
(1) سنن البيهقي 9/ 301.
(2)
تحفة المودود ص 63.
(3)
المجموع 8/ 430، بداية المجتهد 1/ 376، والهدايا جمع هدي.
(4)
الموطأ 2/ 400، المنتقى 4/ 202، المجموع 8/ 430، كفاية الأخيار ص 535.
(5)
المستدرك 5/ 338.
وروى ابن حزم بسنده عن يوسف بن ماهك أنه دخل على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وقد ولدت للمنذر بن الزبير فقلت لها: [هلا عققت جزوراً عن ابنك قالت: معاذ الله كانت عمتي عائشة تقول على الغلام شاتان وعلى الجارية شاة](1).
(1) المحلى 6/ 236.
المبحث التاسع
في حق من تشرع العقيقة؟
وهل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها أم لا؟
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في حق من تشرع العقيقة؟
العقيقة من السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق وإن إحياء السنن أمر مطلوب من المسلم فينبغي المحافظة على هذه السنة في حق كل من كان مستطيعاً لها، فالأفضل لمن أراد العقيقة أن يكون مستطيعاً فإذا كانت الواجبات الشرعية كالحج قد اشترط فيها الاستطاعة فمن باب أولى السنن (1).
وقال بعض أهل العلم إنها مشروعة في حق الفقير الذي لا يملك ثمنها، بل إن الإمام أحمد يرى أنه يستحب للمسلم إن كان معسراً أن يستقرض ويشتري عقيقة ويذبحها إحياءً للسنة، وقد ورد عنه عدة نصوص في هذه المسألة منها:
1.
نقل الخلال في رواية أبي الحارث وقد سئل عن العقيقة إن استقرض، قال أحمد:[رجوت أن يخلف الله عليه، أحيا سنة].
2.
وقال له صالح ابنه: [الرجل يولد له وليس عنده ما يعق أحب إليك أن يستقرض ويعق عنه أم يؤخر ذاك حتى يوسر؟ قال: أشد ما سمعنا في العقيقة
(1) انظر الشرح الممتع 7/ 536، وقد سبق أن الظاهرية يرون وجوبها ويجبر الإنسان عليها إذا فضل له عن قوته مقدارها. المحلى 6/ 234.
حديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (كل غلام مرتهن بعقيقته) وإني لأرجو إن استقرض أن يعجل الله الخلف لأنه أحيا سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء عنه (1).
وعقب ابن المنذر على هذه الروايات بقوله: [صدق أحمد إحياء السنن واتباعها أفضل وقد ورد فيها من الأخبار التي رويناها ما لم يرد في غيرها ولأنها ذبيحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فكانت أولى كالوليمة والأضحية](2).
وقال ابن القيم معقباً على كلام الإمام أحمد ما نصه: [وهذا لأنه سنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به فصار سنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عند ولادته كما كان ذكر اسم الله عليه عند وضعه في الرحم حرزاً له من ضرر الشيطان
…
] (3).
وقال الإمام النووي: [فعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها عندنا، وبه قال أحمد وابن المنذر](4).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [ومن عدم ما يضحي به ويعق اقترض وضحى وعق مع القدرة على الوفاء](5).
وقال ابن الحاج المالكي: [وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم فيمن كان له ثوب للجمعة ولا فضل عنده غيره: فإنه يبيعه حتى يضحي، فكذلك يبيعه حتى
(1) تحفة المودود ص 50 - 51.
(2)
المغني 9/ 460.
(3)
تحفة المودود ص51.
(4)
المجموع 8/ 433.
(5)
الاختيارات ص 71 وانظر الإنصاف 4/ 110، الفروع 3/ 564.
يعق عن ولده، وكذلك قالوا: أنه يتداين للأضحية فكذلك يتداين للعقيقة سواء
…
بسواء] (1).
وينبغي أن يعلم أن كثيراً من الناس ينفقون نفقات باهظة عند الولادة في شراء الملابس والحلويات وغيره ويقيمون حفلات عيد الميلاد المحرمة شرعاً ويبخلون عن العقيقة فلا يعقون عن أولادهم، ويظهر أن تباخل الناس بالعقيقة قديم فقد قال ابن الحاج المالكي: [ثم العجب ممن يدعي الفقر منهم ويعتل به على ترك سنة العقيقة، ويتكلف لبعض العوائد التي أحدثوها ما يزيد على ثمن العقيقة الشرعية. فمن ذلك ما يفعله بعضهم في اليوم السابع من عمل الزلابية أو شرائها وشراء ما تؤكل به ما ثمنه أضعاف ما يفعل به العقيقة الشرعية. هذا ما يفعله بعضهم في اليوم السابع مع وجود النفقة الكثيرة فيه لغير معنى شرعي، بل للبدعة والظهور والقيل والقال. وبعضهم يفعل ذلك أيضاً في اليوم الثاني من الولادة. وبعضهم يفعل ذلك في اليوم السابع، وفي اليوم الثاني والثالث من الولادة. وبعضهم يقتصر على أحدهما ويعتلون في ذلك بكونهم لا يقدرون على العقيقة والعقيقة الشرعية ثمنها أيسر وأخف من ذلك، بل لو اقتصر على ترك ما أحدثوه في العصيدة من البدعة لكان فيه ثمن العقيقة الشرعية وزيادة، لأن العصيدة لا يحتاج إليها إلا النفساء وحدها فزبدية واحدة أو دونها تكفيها وهم يعملون العصيدة ويشترون ما تؤكل به ويفرقون ذلك على الأهل والجيران والمعارف، وهذا شيء لم يتعين عليهم ولم يندبهم الشرع إليه وإن كان إطعام الطعام مندوباً إليه في الشرع الشريف، لكن ما لم يعارض ذلك ترك سنة وهم لو
(1) المدخل 3/ 229
اشتروا بثمن العصيدة وما تؤكل به ما يعق به على الوجه الشرعي، لكان فيه الكفاية وزيادة. ثم يزيدون مع ذلك ما يتخذونه من النُّقل ليلة السابع ويفرقونه في يومه كما تقدم بيانه. وهذا في حق الفقير منهم. ومنهم من يعوض عن النُّقل المذكور حلاوة على صفة معلومة تشبه النُّقل، يسمونها بالمغزدرات وبعضهم يسمونها بالنثور، وذلك من باب السرف والبدعة ومحبة الظهور والخيلاء وترك السنن والاهتبال بأمرها واغتنام بركتها. ثم مع ذلك زادوا عادة ذميمة وهو أنهم لا بد أن يجددوا كسوة لأهل البيت، كذلك كل ما يحتاج إليه البيت حتى الحصير لا بد من تجديدها إلى غير ذلك مما اعتادوه. فانظر رحمنا الله تعالى وإياك، إلى صرف هذه النفقات وكثرتها وتشعبها ثم إنهم مع ذلك يعتلون لترك العقيقة الشرعية بعدم القدرة عليها. وبعضهم يتداين لتلك العوائد ولبعضها ويعتلون بأن العقيقة لا تجب عليهم، فلا يشغلون ذمتهم بالدين لأجلها ويشغلون ذمتهم بالدين لأجل تلك العوائد، عكس ما يندبون إليه ويطلب منهم في الشرع الشريف. ثم إن التداين لأجل العقيقة الشرعية يخلف على المنفق عليها وييسر عليه وفاء دينها كالأضحية لبركة امتثال السنة فيها، وكذلك في جميع أمور الامتثال ولا شك أن الشيطان اللعين ألقى إليهم ذلك حتى يحرمهم بركة امتثال السنة، لأجل أن فعلها بركة وخير وغنيمة وهي بالنسبة إلى ما يكلفهم من العوائد يسيرة النفقة، وفيها الثواب الجزيل وفي العوائد ضد ذلك، ولو لم يكن من فعل البدعة من الذم، إلا أن النفقة فيها لا تخلف ولا يثاب عليها مع تعبه لأجلها، ففيها التعب دنيا وأخرى] (1).
(1) المدخل 3/ 227 - 228.