المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر رتبة الوزارة، وهيئة خلعهم، ومقدار جاريهم، وما يتعلق بذلك - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٢

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثانى

- ‌ذكر تاريخ الخليقة

- ‌ذكر ما قيل في مدّة أيام الدنيا ماضيها وباقيها

- ‌ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط

- ‌ذكر تاريخ القبط

- ‌ذكر أسابيع الأيام

- ‌ذكر أعياد القبط من النصارى بديار مصر

- ‌ذكر ما يوافق أيام الشهور القبطية من الأعمال في الزراعات، وزيادة النيل، وغير ذلك على ما نقله أهل مصر عن قدمائهم واعتمدوا عليه في أمورهم

- ‌ذكر تحويل السنة الخراجية القبطية إلى السنة الهلالية العربية

- ‌ذكر فسطاط مصر

- ‌ذكر ما كان عليه موضع الفسطاط قبل الإسلام إلى أن اختطه المسلمون مدينة

- ‌ذكر الحصن الذي يعرف بقصر الشمع

- ‌ذكر حصار المسلمين للقصر وفتح مصر

- ‌ذكر ما قيل في مصر هل فتحت بصلح أو عنوة

- ‌ذكر من شهد فتح مصر من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ذكر السبب في تسمية مدينة مصر بالفسطاط

- ‌ذكر الخطط التي كانت بمدينة الفسطاط

- ‌ذكر أمراء الفسطاط من حين فتحت مصر إلى أن بني العسكر

- ‌ذكر العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر

- ‌ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع

- ‌ذكر القطائع ودولة بني طولون

- ‌ذكر من ولي مصر من الأمراء بعد خراب القطائع إلى أن بنيت قاهرة المعز على يد القائد جوهر

- ‌ذكر ما كانت عليه مدينة الفسطاط من كثرة العمارة

- ‌ذكر الآثار الواردة في خراب مصر

- ‌ذكر خراب الفسطاط

- ‌ذكر ما قيل في مدينة فسطاط مصر

- ‌ذكر ما عليه مدينة مصر الآن وصفتها

- ‌ذكر ساحل النيل بمدينة مصر

- ‌ذكر المنشأة

- ‌ذكر أبواب مدينة مصر

- ‌ذكر القاهرة قاهرة المعز لدين الله

- ‌ذكر ما قيل في نسب الخلفاء الفاطميين بناة القاهرة

- ‌ذكر الخلفاء الفاطميين

- ‌ذكر ما كان عليه موضع القاهرة قبل وضعها

- ‌ذكر حدّ القاهرة

- ‌ذكر بناء القاهرة وما كانت عليه في الدولة الفاطمية

- ‌ذكر ما صارت إليه القاهرة بعد استيلاء الدولة الأيوبية عليها

- ‌ذكر طرف مما قيل في القاهرة ومنتزهاتها

- ‌ذكر ما قيل في مدّة بقاء القاهرة ووقت خرابها

- ‌ذكر مسالك القاهرة وشوارعها على ما هي عليه الآن

- ‌ذكر سور القاهرة

- ‌ذكر أبواب القاهرة

- ‌ باب زويلة

- ‌باب النصر

- ‌باب الفتوح

- ‌باب القنطرة

- ‌باب الشعرية

- ‌باب سعادة

- ‌الباب المحروق

- ‌باب البرقية

- ‌ذكر قصور الخلفاء ومناظرهم والإلماع بطرف من مآثرهم وما صارت إليه أحوالها من بعدهم

- ‌ القصر الكبير

- ‌كيفية سماط شهر رمضان بهذه القاعة

- ‌عمل سماط عيد الفطر بهذه القاعة

- ‌الإيوان الكبير

- ‌الدواوين

- ‌ديوان المجلس

- ‌ديوان النظر

- ‌ديوان التحقيق

- ‌ديوان الجيوش والرواتب

- ‌ديوان الإنشاء والمكاتبات

- ‌التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم

- ‌التوقيع بالقلم الجليل

- ‌مجلس النظر في المظالم

- ‌رتب الأمراء

- ‌قاضي القضاة

- ‌قاعة الفضة

- ‌قاعة السدرة

- ‌قاعة الخيم

- ‌المناظر الثلاث

- ‌قصر الشوك

- ‌قصر أولاد الشيخ

- ‌قصر الزمرّد

- ‌الركن المخلق

- ‌السقيفة

- ‌دار الضرب

- ‌خزائن السلاح

- ‌المارستان العتيق

- ‌التربة المعزية

- ‌القصر النافعيّ

- ‌الخزائن التي كانت بالقصر

- ‌ خزانة الكتب

- ‌خزانة الكسوات

- ‌خزائن الجوهر والطيب والطرائف

- ‌خزائن الفرش والأمتعة

- ‌خزائن السلاح

- ‌خزائن السروج

- ‌خزائن الخيم

- ‌خزانة الشراب

- ‌خزانة التوابل

- ‌دار التعبية

- ‌خزانة الأدم

- ‌خزائن دار أفتكين

- ‌خزانة البنود

- ‌دار الفطرة

- ‌المشهد الحسينيّ

- ‌ما كان يعمل في يوم عاشوراء

- ‌ذكر أبواب القصر الكبير الشرقي

- ‌ذكر المنحر

- ‌ذكر دار الوزارة الكبرى

- ‌ذكر رتبة الوزارة، وهيئة خلعهم، ومقدار جاريهم، وما يتعلق بذلك

- ‌ذكر المناخ السعيد

- ‌ذكر اصطبل الطارمة

- ‌ذكر ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب

- ‌ذكر دار الوكالة الآمرية

- ‌ذكر مصلى العيد

- ‌ذكر هيئة صلاة العيد وما يتعلق بها

- ‌ذكر القصر الصغير الغربي

- ‌أبواب القصر الغربيّ

- ‌ذكر دار العلم

- ‌ذكر دار الضيافة

- ‌ذكر اصطبل الحجريّة

- ‌ذكر مطبخ القصر

- ‌ذكر الدار المأمونية

- ‌ذكر المناظر التي كانت للخلفاء الفاطميين، ومواضع نزههم ما كان لهم فيها من أمور جميلة

- ‌ذكر ما كان يعمل يوم فتح الخليج

- ‌منازل العز

- ‌ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادا، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم

- ‌ذكر مذاهبهم في أوّل الشهور

- ‌ذكر النوروز

- ‌ذكر ما كان من أمر القصرين، والمناظر بعد زوال الدولة الفاطمية

الفصل: ‌ذكر رتبة الوزارة، وهيئة خلعهم، ومقدار جاريهم، وما يتعلق بذلك

ويتكئ عليه، وما زال بها إلى أن عمر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الخانقاه الركنية، وأخذ من دار الوزارة أنقاضا منها هذا الشباك، فجعله في القبة، وهو شباك جليل، وأما العمامة والرداء: فما زالا بالقصر حتى مات العاضد، وتملك السلطان صلاح الدين ديار مصر، فسيرهما في جملة ما بعث من مصر إلى الخليفة المستضيء بالله العباسيّ ببغداد، ومعهما الكتاب الذي كتبه الخليفة القائم على نفسه، وأشهد عليه العدول فيه أنه لا حق لبني العباس، ولا له من جملتهم في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء عليها السلام.

وكان البساسيريّ ألزمه حتى أشهد على نفسه بذلك، وبعث بالأشهاد إلى مصر، فأنفذه صلاح الدين إلى بغداد مع ما سير به من التحف التي كانت بالقصر، وأخبرني شيخ معمر:

يعرف بالشيخ عليّ السعوديّ ولد في سنة سبع وسبعمائة قال: رأيت مرّة، وقد سقط من ظهر الرباط المجاور لخانقا هبيبرس من جملة ما بقي من سور دار الوزارة جانب، ظهرت منه علبة فيها رأس إنسان كبير، وعندي أن هذا الرأس من جملة رؤوس الأمراء البرقية الذين قتلهم ضرغام في أيام وزارته للعاضد بعد شاور، فإنه كان عمل الحيلة عليهم بدار الوزارة، وصار يستدعي واحدا بعد واحد إلى خزانة بالدار، ويوهم أنه يخلع عليهم، فإذا صار واحد منهم في الخزانة قتل، وقطع رأسه، وذلك في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة، وكانت دار الوزارة في الدولة الفاطمية تشتمل على عدّة قاعات، ومساكن وبستان وغيره، وكان فيها مائة وعشرون مقسما للماء الذي يجري في بركها، ومطابخها ونحو ذلك.

‌ذكر رتبة الوزارة، وهيئة خلعهم، ومقدار جاريهم، وما يتعلق بذلك

أما المعز لدين الله: أوّل الخلفاء الفاطميين بديار مصر، فإنه لم يوقع اسم الوزارة على أحد في أيامه، وأوّل من قيل له الوزير في الدولة الفاطمية، الوزير يعقوب بن كاس وزير العزيز بالله أبي منصور نزار بن المعز، وإليه تنسب الحارة الوزيرية، كما ستقف عليه، عند ذكر الحارات من هذا الكتاب، فلما مات ابن كاس، لم يستوزر العزيز بالله بعده أحدا، وإنما كان رجل يلي الوساطة، والسفارة، فاستقرّ في ذلك جماعة كثيرة بقية أيام العزيز، وسائر أيام ابنه أبي عليّ منصور الحاكم بأمر الله، ثم ولي الوزارة: أحمد بن عليّ الجرجرأيّ في أيام الظاهر أبي هاشم عليّ بن الحاكم، وما زال الوزراء من بعده واحدا بعد واحد، وهم أرباب أقلام حتى قدم أمير الجيوش بدر الجماليّ.

قال ابن الطوير: وكان من زيّ هؤلاء الوزراء، أنهم يلبسون المناديل الطبقيات بالأحناك تحت حلوقهم، مثل العدول الآن، وينفردون بلباس ثياب قصار، يقال لها:

الذراريع، واحدها: ذراعة، وهي مشقوقة أمام وجهه إلى قريب من رأس الفؤاد بأزرار وعرى، ومنهم من تكون أزراره ممن ذهب مشبك، ومنهم من أزراره لؤلؤ، وهذه علامة الوزارة، ويحمل له الدواة المحلاة بالذهب، ويقف بين يديه الحجاب، وأمره نافذ في أرباب

ص: 345

السيوف من الأجناد وأرباب الأقلام، وكان آخرهم الوزير: ابن المغربيّ الذي قدم عليه أمير الجيوش بدر الجماليّ من عكا، ووزر للمستنصر: وزير سيف، ولم يتقدّمه في ذلك أحد، انتهى.

وترتيب وزارته بأن تكون وزارته وزارة صاحب سيف بأن تكون الأمور كلها مردودة إليه، ومنه إلى الخليفة، دون سائر خدمه، فعقد له هذا العقد، وأنشئ له السجل، ونعت بالسيد الأجل أمير الجيوش، وهو النعت الذي كان لصاحب ولاية دمشق وأضيف إليه: كافل قضاة المسلمين وهادي دعاة المؤمنين، وجعل القاضي والداعي نائبين عنه، ومقلدين من قبله.

وكتب له في سجله، وقد قلدك أمير المؤمنين: جميع جوامع تدبيره، وناط بك النظر في كل ما وراء سريره، فباشر ما قلدك أمير المؤمنين من ذلك مدبرا للبلاد، ومصلحا للفساد، ومدمرا أهل العناد، وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق، وزيد له الحنك مع الذؤابة المرخاة، والطيلسان المقوزريّ قاضي القضاة، وذلك في سنة سبع وستين وأربعمائة، فصارت الوزارة من حينئذ وزارة تفويض، ويقال لمتوليها: أمير الجيوش، وبطل اسم الوزارة، فلما قام شاهنشاه بن أمير الجيوش من بعد أبيه، ومات الخليفة المستنصر، ولقبه بالمستعلي، صار يقال له: الأفضل ومن بعده صار من يتولى هذه الرتبة يتلقب به أيضا.

وأوّل من لقب بالملك منهم مضافا إلى بقية الألقاب: رضوان بن ولخشي، عندما وزر للحافظ لدين الله، فقيل له: السيد الأجل الملك الأفضل، وذلك في سنة ثلاثين وخمسمائة، وفعل ذلك من بعده، فتلقب طلائع بن رزيك: بالملك المنصور، وتلقب ابنه رزيك بن طلائع: بالملك العادل وتلقب شاور بالملك المنصور، وتلقب آخرهم: صلاح الدين يوسف بن أيوب بالملك الناصر، وصار وزير السيف من عهد أمير الجيوش بدر إلى آخر الدولة، هو سلطان مصر، وصاحب الحل والعقد، وإليه الحكم في الكافة من الأمراء والأجناد، والقضاة، والكتاب، وسائر الرعية، وهو الذي يولي أرباب المناصب الديوانية، والدينية، وصار حال الخليفة معه كما هو حال ملوك مصر من الأتراك إذا كان السلطان صغيرا والقائم بأمره من الأمراء، وهو الذي يتولى تدبير الأمور، كما كان الأمير يلبغا الخاصكيّ مع الأشرف شعبان، وكما أدركنا الأمير برقوق قبل سلطنته مع ولدي الأشرف، وكما كان الأمير أيتمش مع الملك الناصر فرج بعد موت الظاهر برقوق.

قال ابن أبي طي: وكانت خلعهم يعني الخلفاء الفاطميين على الأمراء: الثياب الديبقيّ، والعمائم الصب بالطراز الذهب، وكان طراز الذهب، والعمامة من خمسمائة دينار، ويخلع على أكابر الأمراء: الأطواق الذهب، والأسورة والسيوف المحلاة، وكان يخلع على الوزير عوضا عن الطوق عقد جوهر.

ص: 346

قال ابن الطوير «1» : وخلع عليه، يعني على أمير الجيوش بدر الجماليّ بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق، وزيد له الحنك، مع الذؤابة المرخاة، والطيلسان المقوّر زي قاضي القضاة، وهذه الخلع تشابه خلع الوزراء، وأرباب الأقلام في زمننا هذا، غير أنه لقصور أحوال الدولة جعل عوض العقد الجوهر الذي كان للوزير، ويفك بخمسة آلاف مثقال ذهبا قلادة من عنبر مغشوش يقال لها: العنبرية، ويتميز بها الوزير خاصة، ويلبس أيضا:

الطيلسان المقوّر، ويسمى اليوم: بالطرحة، ويشاركه فيها جميع أرباب العمائم، إذا خلع عليهم، فإنه تكون خلعهم بالطرحة، وترك أيضا اليوم من خلعة الوزير، وغيره الذؤابة المرخاة، وهي العذبة وصارت الآن من زي القضاة فقط، وهجرها الوزوراء، ويشبه، والله أعلم، أن يكون وضعها في الدولة الفاطمية للوزير في خلعه إشارة إلى أنه كبير أرباب السيوف، والأقلام، فإنه كان مع ذلك يتقلد بالسيف وكذلك ترك في الدولة التركية من خلع الوزارة تقليد السيف لأنه لا حكم له على أرباب السيوف، ولما قام الأفضل بن أمير الجيوش خلع أيضا عليه بالسيف والطيلسان المقوّر، وبعد الأفضل لم يخلع على أحد من الوزراء كذلك إلى أن قدم طلائع بن رزيك، ولقب بالملك الصالح عندما خلع عليه للوزارة، وجعل في خلعته السيف والطيلسان المقوّر.

قال ابن المأمون: وفي يوم الجمعة ثانية، يعني ثاني ذي الحجة يعني سنة خمس عشرة وخمسمائة: خلع على القائد ابن فاتك البطائحي من الملابس الخاص الشريفة في فردكم مجلس الكعبة، وطوّق بطوق ذهب مرصع وسيف ذهب كذلك، وسلم على الخليفة الآمر بأحكام الله، وأمر الخليفة الأستاذين المحنكين بالخروج بين يديه وأن يركب من المكان الذي كان الأفضل بن أمير الجيوش يركب منه، ومشى في ركابه القوّاد على دعاة من تقدّمه وخرج بتشريف الوزارة يعني: من باب الذهب، ودخل من باب العيد راكبا، وجرى الحكم فيه على ما تقدّم للأفضل ووصل إلى داره، فضاعف الرسوم، وأطلق الهبات.

ولما كان يوم الاثنين خامس ذي الحجة اجتمع أمراء الدولة لتقبيل الأرض بين يدي الخليفة الآمر على العادة التي قرّرها مستجدّة، واستدعى الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة، فلما حضر أمر بإحضار السجل للأجل الوزير المأمون من يده، فقبله وسلمه لزمام القصر، وأمر الخليفة الوزير المأمون بالجلوس عن يمينه، وقرىء السجل على باب المجلس، وهو أوّل سجل قرىء في هذا المكان، وكانت سجلات الوزراء قبل ذلك تقرأ بالإيوان، ورسم للشيخ أبي الحسن أن ينقل النسبة للأمراء، والمحنكين من الأمراء إلى المأموني للناس أجمع، ولم يكن أحد منهم ينتسب للأفضل، ولا لأمير الجيوش، وقدّمت الدواة للمأمون، فعلم في مجلس الخليفة، وتقدّمت الأمراء، والأجناد فقبلوا الأرض، وشكروا على هذا

ص: 347

الإحسان، وأمر الخليفة بإحضار الخلع لحاجب الحجاب حسام الملك، وطوّق بطوق ذهب، وسيف ذهب، ومنطقة ذهب، ثم أمر بالخلع للشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة باستمراره على ما بيده من كتابة الدست الشريف، وشرفه بالدخول إلى مجلس الخليفة، ثم استدعى الشيخ أبا البركات بن أبي الليث، وخلع عليه بدلة مذهبة، وكذلك أبو الرضى سالم ابن الشيخ أبي الحسن، وكذلك أبو المكارم أخوه، وأبو محمد أخوهما، ثم أبو الفضل بن الميدميّ، ووهبه دنانير كثيرة بحكم أنه الذي قرأ السجل، وخلع على الشيخ أبي الفضائل بن أبي الليث، صاحب دفتر المجلس، ثم استدعى عدي الملك سعيد بن عماد الضيف متولي أمور الضيافات، والرسل الواصلين إلى الحضرة من مجلس الأفضل، ولا يصل لعتبته أحد لا حاجب الحجاب، ولا غيره سوى عدي الملك هذا، فإنه كان يقف من داخل العتبة، وكانت هذه الخدمة في ذلك الوقت من أجل الخدم وأكبرها، ثم عادت من أهون الخدم، وأقلها، فعند ذلك قال القاضي أبو الفتح بن قادوس: يمدح الوزير المأمون عند مثوله بين يديه وقد زيد في نعوته:

قالوا أتاه النعت وهو السيد ال

مأمون حقا والأجلّ الأشرف

ومغيث أمة أحمد ومجيرها

ما زادنا شيئا على ما نعرف

قال: ولما استمرّ حسن نظر المأمون للدولة، وجميل أفعاله، بلغ الخليفة الآمر بأحكام الله، فشكره وأثنى عليه فقال له المأمون: ثمّ كلام يحتاج إلى خلوة، فقال الخليفة:

تكون في هذا الوقت، وأمر بخلوّ المجلس، فعند ذلك مثل بين يدي الخليفة، وقال له: يا مولانا امتثالنا الأمر صعب، ومخالفته أصعب، وما يتسع خلافه قدّام أمراء دولته، وهو في دست خلافته، ومنصب آبائه وأجداده، وما في قواي ما يرومه مني، ويكفيني هذا المقدار، وهيهات أن أقوم به والأمر كبير، فعند ذلك تغير الخليفة، وأقسم إن كان لي وزير غيرك، وهو في نفسي من أيام الأفضل، وهو مستمرّ على الاستعفاء، إلى أن بان له التغير في وجه الخليفة، وقال: ما اعتقدت أنك تخرج عن أمري، ولا تخالفني فقال له المؤمون عند ذلك:

لي شروط، وأنا أذكرها، فقال له: مهما شئت اشترط، فقال له: قد كنت بالأمس مع الأفضل وكان قد اجتهد في النعوت، وحل المنطقة، فلم أفعل فقال الخليفة: علمت ذلك في وقته، قال: وكان أولاده يكتبون إليه بما يعلمه مولاي من كوني قد خنته في المال والأهل، وما كان والله العظيم ذلك مني يوما قط، ثم مع ذلك معاداة الأهل جميعا والأجناد، وأرباب الطيالس، والأقلام، وهو يعطيني كل رقعة تصل إليه منهم، وما سمع كلام أحد منهم فيّ، فعند ذلك، قال له الخليفة: فإذا كان فعل الأفضل معك ما ذكرته إيش يكون فعلي أنا، فقال المأمون: يعرّفني المولى ما يأمر به، فأمتثله بشرط أن لا يكون عليه زائد، فأوّل ما ابتدأ به أن قال: أريد الأموال لا تجبى إلا بالقصر ولا تصل الكسوات من الطراز والثغور إلّا إليه، ولا تفرّق إلّا منه، وتكون أسمطة الأعياد فيه، ويوسع في رواتب

ص: 348

القصور من كل صنف وزيادة رسم منديل الكمّ، فعند ذلك قال له المأمون: سمعا وطاعة، أما الكسوات والجباية من الأسمطة، فما تكون إلّا بالقصور، وأما توسعة الرواتب فما ثم من يخالف الأمر، وأما زيادة رسم منديل الكم، فقد كان الرسم في كل يوم ثلاثين دينارا، يكون في كل يوم مائة دينار، ومولانا سلام الله عليه يشاهد ما يعمل بعد ذلك في الركوبات، وأسمطة الأعياد، وغيرها في سائر الأيام، ففرح الخليفة، وعظمت مسرّته، ثم قال المأمون: أريد بهذا مسطورا بخط أمير المؤمنين، ويقسم لي فيه بآبائه الطاهرين أن لا يلتفت لحاسد، ولا مبغض، ومهما ذكر فيّ يطلعني عليه، ولا يأمر فيّ بأمر سرّا، ولا جهرا، يكون فيه ذهاب نفسي، وانحطاط قدري، وهذه الإيمان باقية إلى وقت وفاتي فإذا توفيت تكون لأولادي، ولمن أخلفه بعدي، فحضرت الدواة، وكتب ذلك جميعه، وأشهد الله تعالى في آخرها على نفسه، فعندما حصل الخط بيد المأمون وقف، وقبل الأرض، وجعله على رأسه، وكان الخط بالأيمان نسختين: إحداهما في قصبة فضة، قال: فلما قبض على المأمون في شهر رمضان سنة تسع وعشرين وخمسمائة أنفذ الخليفة الآمر بأحكام الله يطلب الإيمان، فنفذ له التي في القصبة الفضة، فحرّقها لوقتها، وبقيت النسخة الأخرى عندي، فعدمت في الحركات التي جرت.

وقال ابن ميسر: في حوادث سنة خمس عشرة وخمسمائة، وفيها: تشرّف القائد أبو عبد الله محمد ابن الأمير نور الدولة أبي شجاع فاتك ابن الأمير منجد الدولة أبي الحسن مختار المستنصري المعروف: بابن البطائحيّ في الخامس من ذي الحجة، وكان قبل ذلك عند الأفضل استاداره، وهو الذي قدّمه إلى هذه المرتبة، واستقرّت نعوته في سجله المقرّر على كافة الأمراء، والأجناد بالأجل المأمون، تاج الخلافة، عز الإسلام، فخر الأنام، نظام الدين والدنيا، ثم نعت بما كان ينعت به الأفضل، وهو السيد الأجل المأمون أمير الجيوش سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين.

ولما كان يوم الثلاثاء التاسع من ذي الحجة، وهو يوم الهناء بعيد النحر، جلس المأمون في داره عند أذان الصبح، وجاء الناس لخدمته للهناء على طبقاتهم من أرباب السيوف، والأقلام، ثم الأمراء، والأستاذون المحنكون، والشعراء بعدهم، فركب إلى القصر، وأتى باب الذهب، فوجد المرتبة المختصة بالوزارة، وقد هيئت له في موضعها الجاري به العادة، وأغلق الباب الذي عندها على الرسم المعتاد لوزراء السيوف والأقلام، وهذا الباب يعرف: بباب السرداب، فعند ما شاهد الحال في المرتبة توقف عن الجلوس عليها، لأنها حالة لم يجر معه حديث فيها، ثم ألجأته الضرورة لأجل حضور الأمراء إلى الجلوس فجلس عليها، وجلس أولاده الثلاثة عن يمينه، وأخواه عن يساره، والأمراء المطوّقون خاصة دون غيرهم قيام بين يديه، فإنه لا يصل أحد إلى هذا المكان سواهم، فلم يكن بأسرع من أن فتح الباب، وخرج عدّة من الأستاذين المحنكين بسلام أمير المؤمنين،

ص: 349

وخرج إليه الأمير الثقة متولي الرسالة، وزمام القصور، فعند حضوره وقف له أولاد المأمون، وأخواه فطلع عند خروجه قبالة المرتبة، وقال أمير المؤمنين يردّ على السيد الأجل المأمون السلام، فوقف عند ذلك المأمون، وقبل الأرض، وعاد فجلس مكانه، وتأخر الأمير إلى أن نزل من المصطبة، وقبل الأرض، وقبل يد المأمون، ودخل من فوره من الباب، وأغلق الباب على حاله على ما كان عليه الأفضل، وكان الأفضل يقول: ما أزال أعدّ نفسي سلطانا حتى أجلس على تلك المرتبة، والباب يغلق في وجهي والدخان في أنفي، فإن الحمام كانت من حلف الباب في السرداب، ثم فتح الباب، وعاد الثقة، وأشار بالدخول إلى القصر فدخل إلى المكان الذي هيئ له، وعاد لمجلس الوزارة، وبقي الأمراء بالدهاليز إلى أن جلس الخليفة.

واستفتح القرّاء، واستدعى المأمون، فحضر بين يديه وسلم عليه أولاده، وإخوته وأحلّ الأمراء على قدر طبقاتهم، أوّلهم: أرباب الأطواق، ويليهم أرباب العماريات، والأقصاب، ثم الضيوف والأشراف، ثم دخل ديوان المكاتبات وسلم بهم الشيخ أبو الحسن ابن أبي أسامة، ثم ديوان الإنشاء، وسلم بهم الشريف ابن أنس الدولة، ثم بقية الطالبيين من الأشراف، ثم سلم القاضي ابن الرسعنيّ بشهوده والداعي ابن عبد الحق بالمؤمنين، ثم سلم القائد مقبل مقدّم الركاب الآمري، بجميع المقدّمين الآمرية، ثم سلم بعدهم الشيخ أبو البركات بن أبي الليث متولي ديوان المملكة ثم دخل الأجناد من باب البحر، وسلم كل طائفة بمقدّمها، فلما انقضى ذلك دخل والي القاهرة، ووالي مصر وسلم كل منهما ببياض أهل البلدين.

ثمّ دخل البطرك بالنصارى، وفيهم كتاب الدولة من النصارى، ورئيس اليهود، ومعه الكتاب من اليهود، ثم سلم المقربون، وقد قارب القصر، ودخل الشعراء على طبقاتهم، وأنشد كل منهم ما سمحت به قريحته.

قال: فكان هذا رتبة الوزير المأمون، قال ابن المأمون: وأما ما قرّر للوزارة عينا في الشهر بغير إيجاب بل يقبض من بيت المال، فهو ثلاثة آلاف دينار. تفصيلها: ما هو على حكم النيابة في العلامة: ألف دينار، وما هو على حكم الراتب: ألف وخمسمائة دينار، وما هو عن مائة غلام برسم مجلسه، وخدمته لكل غلام: خمسة دنانير في الشهر، فأما الغلمان الركابية، وغيرهم من الفرّاشين والطباخين، فعلى حكم ما يرغب في إثباته، وفي السنة من الإقطاعات: خمسون ألف دينار منها: دهشور، وجزيرة الذهب، وبقية الجملة صفقات، ومن البساتين ثلاثة: بستان لأمير تميم، وبستانان بكوم أشفين.

ومن القوت يعني القمح، ومن القضم يعني الشهير والبرسيم في السنة: عشرون ألف إردب قمحا وشعيرا، ومن الغنم برسم مطابخه، ساقه من المراحات ثمانية آلاف رأس، وأما

ص: 350

الحيوان والأحطاب، وجميع التوابل العال منها والدون، فمهما استدعاه متولي المطابخ يطلق من دار أفتكين، وشون الأحطاب، وغير ذلك، وقد تقدّم مقرّر كسوة الوزارة في العيدين، وفصلي الشتاء والصيف، وموسم عيد الغدير وفتخ الخليج، وغير ذلك من غرّتي شهر رمضان، وأوّل العام وغيره، كما سيرد في موضعه من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.

وقد استقصيت سير الوزراء في كتابي الذي سميته تلقيح العقول، والآراء في تنقيح أخبار الجلة الوزراء. فانظره.

ذكر الحجر «1» التي كانت برسم الصبيان الحجرية

وكان بجوار دار الوزارة مكان كبير يعرف: بالحجر: جمع حجرة فيها الغلمان المختصون بالخلفاء، كما أدركنا بالقلعة البيوت التي كان يقال لها: الطباق، وكانت هذه الحجر من جانب حارة الجوّانية، وإلى حيث المسجد الذي يعرف: بمسجد القاصد تجاه باب الجامع الحاكميّ الذي يفضي إلى باب النصر، فمن حقوق هذه الحجر: دار الأمير بهادر اليوسفيّ السلاحدار الناصريّ، التي تجاور المسجد الكائن على يمنة من سلك من باب الجوّنية طالبا باب النصر، ومنها الحوض المجاور لهذه الدار، ودار الأمير أحمد قريب الملك الناصر محمد بن قلاون، والمسجد المعروف بالنخلة، وما بجواره من القاعتين اللتين تعرف إحداهما: بقاعة الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ، وما في جانبها إلى مسجد القاصد، وما وراء هذه الدور، وكان لهؤلاء الحجرية: إصطبل برسم دوابهم سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وما زالت هذه الحجر باقية بعد انقضاء دولة الخلفاء الفاطميين إلى ما بعد السبعمائة، فهدمت وابتنى الناس مكانها الأماكن المذكورة.

قال ابن أبي طيّ: عن المعز لدين الله، وجعل كل ماهر في صنعة صانعا للخاص، وأفرد لهم مكانا برسمهم، وكذلك فعل بالكتاب والأفاضل، وشرط على ولاة الأعمال عرض أولاد الناس بأعمالهم، فمن كان ذا شهامة، وحسن خلقة أرسله ليخدم في الركاب، فسيروا إليه عالما من أولاد الناس، فأفرد لهم دورا، وسماها الحجر.

وقال ابن الطوير: وكوتب الأفضل بن أمير الجيوش من عسقلان باجتماع الفرنج، فاهتمّ للتوجه إليها، فلم يبق ممكنا من مال وسلاح، وخيل ورجال واستناب أخاه المظفر:

ص: 351

أبا محمد جعفر بن أمير الجيوش بدر بين يدي الخليفة مكانه، وقصد استنفاذ الساحل من يد الفرنج، فوصل إلى عسقلان، وزحف عليها بذلك العسكر، فخذل من جهة عسكره، وهي نوبة النصة، وعلم أنّ السبب في ذلك من جنده، ولما غلب حرّق جميع ما كان معه من الآلات، وكان عند الفرنج شاعر منتجع إليهم فقال: يخاطب صنجل ملك الفرنج:

نصرت بسيفك دين المسيح

فلله درك من صنجل

وما سمع الناس فيما رووه

بأقبح من كسرة الأفضل

فتوصل الأفضل إلى ذبح هذا الشاعر، ولم ينتفع بعد هذه النوبة أحد من الأجناد بالأفضل، وحظر عليهم النعوت ولم يسمع لأحد منهم كلمة، وأنشأ سبع حجر، واختار من أولاد الأجناد ثلاثة آلاف راجل، وقسمهم في الحجر، وجعل لكل مائة زمانا، ونقيبا، وزم الكل بأمير يقال له: الموفق، وأطلق لكل منهم ما يحتاج إليه من خيل وسلاح، وغيره.

وعني بهؤلاء الأجناد، فكان إذا دهمه أمر مهمّ جهزهم إليه مع الزمام الأكبر.

وقال ابن المأمون: وكان من جملة الحجرية الذين يحضرون السماط رجل يعرف بابن زحل، وكان يأكل خروفا كبيرا مشويا، ويستوفيه إلى آخره، ثم يقدّم له صحن كبير من القصور المعمولة بالسكرة، وجميع صنوف الحيوانات على اختلاف أجناسها، ما لم يعمل قط مثله من الأطعمة، فيأكل معظمه، وكان يقعد في طرف المدوّرة، حتى يكون بالقرب من نظر الخليفة، لا لميزته، وكان من الأجناد وأسر في أيام الأفضل، وقيده الفرنجيّ الذي أسره، وعذبه وطالت مدّته في الأسر، وكان فقيرا، فاتفق أن ذكر للفرنجيّ كثرة أكله، فأراد أن يمتحنه، فقال له: أحضر لي عجلا أكبر عجل عندكم آكله إلى آخره، فضحك منه الفرنجيّ، ونقص عقله وأتاه بعجل كبير، ويقال: بخنزير، فقال له: اذبحه واشوه وائتني معه بجرّة خل، ثم قال: إذا أكلته ما يكون لي عندك، فغلط الفرنجيّ، وقال له: أطلقك حتى تمضي إلى أهلك، فاستحلفه على ذلك، وغلظ عليه اليمين، وأحضر الفرنجيّ عدّة من أصحابه ليشاهدوا فعله، فلما استوفى العجل جميعه صلّب كل من الحاضرين على وجهه وتعجب من فعله، وأطلقه، فقال: أخاف من أن يعتقد أنني هربت فأرد إليكم، فأحضر الفرنجيّ من العربان من سلمه إليهم، ولم يشعر به إلّا بباب عسقلان، فطلع منها، وأعفي بعد ذلك من السفر، وبقي برسم الأسمطة.

وقال ابن عبد الظاهر: الحجر قريب من باب النصر، وهو مكان كبير في صف دار الوزارة إلى جانبه باب القوس الذي يسمى: باب النصر قديما على يمنة الخارج من القاهرة، كان تربى فيه جماعة من الشباب يسمون: صبيان الحجر، يكونون في جهات متعدّدة، وهم يناهزون خمسة آلاف نسمة، ولكل حجرة اسم تعرف به، وهي المنصورة، والفتح والجديدة، وغير ذلك مفردة لهم، وعندهم سلاحهم، فإذا جرّوا خرج كل منهم لوقته لا

ص: 352