الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوقاتا في أيام تجمع الناس فيها من كل أوب لمشاهدة ذلك، ولهجوا بذكرهما زمنا، وقالوا فيهما شعرا، وغناء كثيرا، وعملوا نموذجات من ثياب الحرير، وتطريز المناديل عرفت بجرّ العمود، وكانت الأنفس حينئذ منبسطة، والقلوب خالية من الهموم وللناس إقبال على اللهو لكثرة نعمهم، وطول فراغهم، وكان العمودان المذكوران، مما ارتدم من أنقاض القصر فسبحان الوارث.
الركن المخلق
«1»
موضعه الآن: تجاه حوض الجامع الأقمر على يمنة من أراد الدخول إلى المسجد المعروف الآن: بمعبد موسى «2» وقيل له: الركن المخلق لأنه ظهر في: سنة ستين وستمائة في هذا الموضع حجر مكتوب عليه: هذا مسجد موسى عليه السلام، فخلق بالزعفران، وسمي من ذلك اليوم بالركن المخلق، وأخبرني الأمير الوزير أبو المعالي يلبغا السالميّ، أنه قرأ في الأسطر المكتوبة: بأسكفة باب الجامع الأقمر كلاما من جملته، والحوانيت التي بالركن المخوّق: بواو بعد الخاء، فرأيت بعد ذلك في الأمالي للقالي، وقال أبو عبيدة عن أبي عمر، والخوقاء: الصحراء التي لا ماء بها، ويقال: الواسعة وأخوق: واسع، فلعله سمي: المخوّق بمعنى الاتساع، فكان ركنا متسعا، وفي بناء واسع أو يكون المخلق باللام من قولهم قدح مخلق بضم الميم، وفتح الخاء، وتشديد اللّام، وفتحها أي: مستو أملس، وكل ما لين وملس، فقد خلق، فكل مملس مخلق، وسمته العامة بعد ذلك: الركن المخلق عندما خلقوه بالزعفران، والله أعلم.
السقيفة
«3»
وكان من جملة القصر الكبير موضع يعرف: بالسقيفة يقف عنده المتظلمون، وكانت عادة الخليفة أن يجلس هناك كل ليلة لمن يأتيه من المتظلمين، فإذا ظلم أحد وقف تحت السقيفة، وقال بصوت عال: لا إله إلّا الله محمد رسول الله عليّ وليّ الله، فيسمعه الخليفة، فيأمر بإحضاره إليه، أو يفوّض أمره إلى الوزير أو القاضي أو الوالي، ومن غريب ما وقع أن
الموفق بن الخلال: لما كان يتحدّث في أمور الدواوين أيام الخليفة الحافظ لدين الله، وخرج من انتدب بعد انحطاط النيل من العدول، والنصارى الكتاب إلى الأعمال لتحرير ما شمله الريّ، وزرع من الأراضي وكتابة المكلفات، فخرج إلى بعض النواحي من يمسحها من شادّ، وناظر، وعدول، وتأخر الكاتب النصرانيّ، ثم لحقهم وأراد التعدية إلى الناحية، فحمله ضامن تلك المعدّية إلى البرّ، وطلب منه أجرة التعدية، فنفر فيه النصرانيّ ووسبّه، وقال: أنا ماسح هذه البلدة، وتريد مني حق التعدية، فقال له الضامن: إن كان لي زرع خذه، وقلع لجام بغلة النصرانيّ، وألقاه في معدّيته، فلم يجد النصراني بدّا من دفع الأجرة إليه، حين أخذ لجام بغلته، فلما تمم مساحة البلد، وبيض مكلفة المساحة ليحملها إلى دواوين الباب، وكانت عادتهم حينئذ، كتب الجملة بزيادة عشرين فدّانا ترك بياضا في بعض الأوراق، وقابل العدول على المكلفة، وأخذ الخطوط عليها بالصحة، ثم كتب في البياض الذي تركه: أرض اللجام باسم ضامن المعدّية عشرين فدانا، قطيعة كل فدّان: أربعة دنانير، عن ذلك ثمانون دينارا، وحمل المكلفة إلى ديوان الأصل وكانت العادة إذا مضى من السنة الخراجية أربعة أشهر ندب من الجند من فيه حماسة، وشدّة، ومن الكتاب العدول، وكاتب نصرانيّ، فيخرجون إلى سائر الأعمال لاستخراج ثلث الخراج على ما تشهد به المكلفات المذكورة فينفق في الأجناد، فإنه لم يكن حينئذ للأجناد إقطاعات، كما هو الآن، وكان من العادة أن يخرج إلى كل ناحية ممن ذكر من لم يكن خرج وقت المساحة، بل ينتدب قوم سواهم، فلما خرج الشادّ والكاتب والعدول لاستخراج ثلث مال الناحية استدعوا أرباب الزرع على ما تشهد به المكلفة، ومن جملتهم ضامن المعدّية، فلما حضر: ألزم بستة وعشرين دينارا وثلثي دينار عن نظير ثلث المال الثمانين دينارا التي تشهد بها المكلفة، عن خراج أرض اللجام فأنكر الضامن أن تكون له زراعة بالناحية، وصدّقه أهل البلد، فلم يقبل الشادّ ذلك، وكان عسوفا، وأمر به فضرب بالمقارع واحتج بخط العدول على المكلفة، وما زال به حتى باع معدّيته وغيرها، وأورد ثلث المال الثابت في المكلفة وسار إلى القاهرة، فوقف تحت السقيفة، وأعلن بما تقدّم ذكره، فأمر الخليفة الحافظ بإحضاره، فلما مثل بحضرته قص عليه ظلامته مشافهة، وحكى له ما اتفق منه في حق النصرانيّ، وما كاده به، فأحضر ابن الخلال، وجميع أرباب الدواوين، وأحضرت المكلفات التي عملت للناحية المذكورة في عدّة سنين ماضية، وتصفحت بين يديه سنة سنة، فلم يوجد لأرض اللجام ذكر البتة، فحينئذ أمر الخليفة الحافظ: بإحضار ذلك النصرانيّ، وسمر في مركب وأقام له من يطعمه ويسقيه، وتقدّم بأن يطاف به سائر الأعمال، وينادى عليه، ففعل ذلك، وأمر بكف أيدي النصرانية كلها عن الخدم في سائر المملكة، فتعطلوا مدّة إلى أن ساءت أحوالهم.
وكان الحافظ مغرما بعلم النجوم وله عدّة من المنجمين من جملتهم: شخص صار إليه عدّة من أكابر كتاب النصارى، ودفعوا إليه جملة من المال، ومعهم رجل منهم يعرف: