الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الساباط مما يحمل إلى من حوته القصور، وإلى دار الوزارة، والأصحاب والحواشي اثنتا عشرة ناقة، وثمانية عشر رأس بقر، وخمسة عشر رأس جاموس، ومن الكباش: ألف وثمانمائة رأس، ويتصدّق كل يوم في باب الساباط بسقط ما يذبح من النوق والبقر.
وقال ابن عبد الظاهر: كان في القصر باب يعرف بباب الساباط، كان الخليفة في العبيد يخرج منه إلى الميدان، وهو الخرنشف الآن لينحر فيه الضحايا.
باب التبانين: هذا الباب، مكان باب الخرنشف الآن، وجعل في موضعه دار العلم التي بناها الحاكم الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
باب الزمرّذ: كان موضع اصطبل القطبية قريبا من باب البستان الكافوريّ الموجود الآن.
ذكر دار العلم
وكان بجوار القصر الغربيّ من بحريه دار العلم، ويدخل إليها من باب التبانين الذي هو الآن يعرف: بقبو الخرنشف، وصار مكان دار العلم الآن، الدار المعروفة: بدار الخضيري الكائنة بدرب الخضيري المقابل للجامع الأقمر ودار العلم هذه، اتخذها الحاكم بأمر الله، فاستمرّت إلى أن أبطلها الأفضل بن أمير الجيوش.
قال الأمير المختار عز الملك محمد بن عبد الله المسبحيّ: وفي يوم السبت هذا يعني العاشر من جمادى الآخرة سنة خمس وتسعين وثلثمائة: فتحت الدار الملقبة بدار الحكمة بالقاهرة، وجلس فيها الفقهاء، وحملت الكتب إليها من خزائن القصور المعمورة ودخل الناس إليها، ونسخ كل من التمس نسخ شيء مما فيها مما التمسه، وكذلك من رأى قراءة شيء مما فيها، وجلس فيها القرّاء والمنجمون، وأصحاب النحو واللغة، والأطباء بعد أن فرشت هذه الدار، وزخرفت وعلقت على جميع أبوابها وممرّاتها الستور، وأقيم قوّام وخدّام وفرّاشون، وغيرهم وسموا بخدمتها، وحصل في هذه الدار من خزائن أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله من الكتب التي أمر بحملها إليها من سائر العلوم، والآداب والخطوط المنسوبة ما لم ير مثله مجتمعا لأحد قط من الملوك.
وأباح ذلك كله لسائر الناس، على طبقاتهم ممن يؤثر قراءة الكتب، والنظر فيها فكان ذلك من المحاسن المأثورة أيضا، التي لم يسمع بمثلها من إجراء الرزق السنيّ، لمن رسم له بالجلوس فيها، والخدمة لها من فقيه وغيره، وحضرها الناس على طبقاتهم، فمنهم من يحضر لقراءة الكتب، ومنهم من يحضر للنسخ، ومنهم من يحضر للتعلم، وجعل فيها ما يحتاج الناس إليه من الحبر، والأقلام، والورق والمحابر، وهي الدار المعروفة بمختار الصقلبيّ. قال: وفي سنة ثلاث وأربعمائة: أحضر جماعة من دار العلم من أهل الحساب
والمنطق وجماعة من الفقهاء منهم: عبد الغنيّ بن سعيد، وجماعة من الأطباء إلى حضرة الحاكم بأمر الله، وكانت كل طائفة تحضر على انفرادها للمناظرة بين يديه، ثم خلع على الجميع ووصلهم، ووقف الحاكم بأمر الله أماكن في فسطاط مصر على عدّة مواضع، وضمنها كتابا ثبت على قاضي القضاة: مالك بن سعيد، وقد ذكر عند ذكر الجامع الأزهر، وقال فيه: وقد ذكر دار العلم، ويكون العشر وثمن العشر لدار الحكمة لما يحتاج إليه في كل سنة من العين المغربيّ: مائتان وسبعة وخمسون دينارا، من ذلك الثمن الحصر العبدانيّ، وغيرها لهذه الدار عشرة دنانير، ومن ذلك لورق الكاتب يعني الناسخ تسعون دينارا، ومن ذلك للخازن بها ثمانية وأربعون دينارا، ومن ذلك لثمن الماء اثنا عشر دينارا، ومن ذلك للفرّاش خمسة عشر دينارا، ومن ذلك للورق والحبر، والأقلام لمن ينظر فيها من الفقهاء اثنا عشر دينارا، ومن ذلك لمرمّة الستارة: دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما عسى أن يتقطع من الكتب وما عساه أن يسقط من ورقها: اثنا عشر دينارا، ومن ذلك لثمن لبود للفرش في الشتاء خمسة دنانير، ومن ذلك لثمن طنافس في الشتاء أربعة دنانير.
وقال ابن المأمون: وفي هذا الشهر يعني شهر ذي الحجة سنة ست عشرة وخمسمائة جرت نوبة القصار، وهي طويلة، وأوّلها من الأيام الأفضلية، وكان فيهم رجلان يسمى أحدهما: بركات، والآخر: حميد بن مكيّ الإطفيحيّ القصار، مع جماعة يعرفون بالبديعية، وهم على الإسلام والمذاهب الثلاثة المشهورة، وكانوا يجتمعون في دار العلم بالقاهرة، فاعتمد بركات من جملتهم أن استفسد عقول جماعة، وأخرجهم عن الصواب، وكان ذلك في أيام الأفضل فأمر للوقت بغلق دار العلم، والقبض على المذكور، فهرب، وكان من جملة من استفسد عقله بركات المذكور: أستاذان من القصر.
فلما طلب بركات المذكور، واستتر دقق الأستاذان الحيلة إلى أن دخلاه عندهما في زيّ جارية اشترياها، وقاما بحقه، وجميع ما يحتاج إليه، وصار أهله يدخلون إليه في بعض الأوقات، فمرض بركات عند الأستاذين، فحارا في أمره ومداواته، وتعذر عليهما إحضار طبيب له، واشتدّ مرضه، ومات، فأعملا الحيلة، وعرّفا زمام القصر، أنّ إحدى عجائزهما قد توفيت، وأن عجائزهما يغسلنها على عادة القصور، ويشيعنها إلى تربة النعمان بالقرافة، وكتبا عدّة من يخرج، ففسح لهما في العدّة، وأخذا في غسله، وألبساه ما أخذاه من أهله، وهو ثياب معلمة، وشاشية ومنديل، وطيلسان مقوّر، وأدرجوه في الديبقيّ، وتوجه مع التابوت الأستاذان المشار إليهما، فلما قطعوا به بعض الطريق أرادا تكميل الأجر له على قدر عقولهما، فقالا للحمالين: هو رجل تربيته عندنا فنادوا عليه: نداء الرجال، واكتموا الحال، وهذه أربعة دنانير لكم، فسرّ الحمالون بذلك، فلما عادوا إلى صاحب الدكان عرّفوه بما جرى، وقاسموه الدنانير، فخافت نفسه، وعلم أنها قضية لا تخفى، فمضى بهم إلى الوالي، وشرح له القضية فأودعهم في الاعتقال، وأخذ الذهب منهم، وكتب مطالعة بالحال.
فمن أوّل ما سمع القائد أبو عبد الله بن فاتك الذي قيل له بعد ذلك: المأمون بالقضية، وكان مدبر الأمور في الأيام الأفضلية قال: هو بركات المطلوب، وأمر بإحضار الأستاذين والكشف عن القضية، وإحضار الحمالين، والكشف عن القبر بحضورهم، فإذا تحققوه أمرهم بلعنه، فمن أجاب إلى ذلك منهم أطلقوه، ومن أبى أحضروه، فحققوا معرفته، فمنهم من بصق في وجهه، وتبرّأ منه، ومنهم من همّ بتقبيله، ولم يتبرّأ منه، فجلس الأفضل واستدعى الوالي والسياف، واستدعى من كان تحت الحوطة من أصحابه، فكل من تبرّأ منه، ولعنه أطلق سبيله، وبقي من الجماعة ممن لم يتبرّأ منه: خمسة نفر وصبيّ لم يبلغ الحلم، فأمر بضرب رقابهم، وطلب الأستاذين، فلم يقدر عليهما، وقال للصبيّ: من لفظه تبرّأ منه، وأنعم عليك، وأطلق سبيلك فقال له: الله يطالبك إن لم تلحقني بهم، فإني مشاهد ما هم فيه، وأخذ بسيفه على الأفضل، فأمر بضرب عنقه، فلما توفي الأفضل أمر الخليفة الآمر بأحكام الله: وزيره المأمون بن البطائحيّ باتخاذ دار العلم، وأفسد عقل أستاذ وخياط، وجماعة، وادّعى الربوبية فحضر الداعي ابن عبد الحقيق إلى الوزير المأمون، وعرّفه بأنّ هذا قد تعرّف بطرف من علم الكلام، على مذهب أبي الحسن الأشعريّ، ثم انسلخ عن الإسلام، وسلك طريق الحلاج في التمويه فاستهوى من ضعف عقله، وقلة بصيرته، فإنّ الحلاج في أوّل أمره كان يدّعي أنه: داعية المهديّ، ثم ادّعى أنه المهديّ ثم ادّعى الإلهية، وأنّ الجنّ تخدمه، وأنه أحيى عدّة من الطيور، وكان هذا القصار شيعيّ الدين، وجرت له أمور في الأيام الأفضلية، ونفي دفعة واعتقل أخرى، ثم هرب بعد ذلك، ثم حضر وصار يواصل طلوع الجبل، واستصحب من استهواء من أصحابه، فإذا أبعد قال لبعضهم بعد أن يصلي ركعتين: نطلب شيئا تأكله أصحابنا فيمضي، ولا يلبث دون أن يعود، ومعه ما كان أعدّه مع بعض خاصته الذين يطلعون على باطنه، فكانوا يهابونه ويعظمونه حتى أنهم يخافون الإثم في تأمّل صورته، فلا ينفكون مطرقين بين يديه، وكان قصيرا دميم الخلقة، وادّعى مع ذلك الربوبية وكان ممن اختص بحميد رجل خياط وخصيّ، فرسم المأمون بالقبض على المذكور، وعلى جميع أصحابه فهرب الخياط، وطلب فلم يوجد، ونودي عليه وبذل لمن يحضر به مال، فلم يقدر عليه، واعتقل القصار وأصحابه، وقرّروا فلم يقرّوا بشيء من حاله، وبعد أيام تماوت في الحبس.
فلما استؤمر عليه أمر بدفنه، فلما حمل ليدفن ظهر أنه حيّ، فأعيد إلى الاعتقال، وبقي كل من لم يتبرّأ منه معتقلا ما خلى الخصيّ، فإنه لم يتبرّأ منه، وذكر أن القتل لا يصل إليه فأمر بقطع لسانه، ورمى قدّامه، وهو مصرّ على ما في نفسه، فأخرج القصار، والخصيّ، ومن لم يتبرّأ منه من أصحابه فصلبوا على الخشب، وضربوا بالنشاب، فماتوا لوقتهم، ثم نودي على الخياط ثانيا، فاحضر وفعل به ما فعل بأصحابه بعد أن قيل له: ها أنت تنظره، فلم يتبرّأ منه، وصلب إلى جانبه.
وذكر أن بعض أصحاب هذا القصار ممن لم يعرف أنه كان يشتري الكافور، ويرميه بالقرب من خشبته التي هو مصلوب عليها، فيستقبل رائحته من سلك تلك الطريق ويقصد بذلك أن يربط عقول من كان القصار قد أضله، فأمر المأمون أن يحطوا عن الخشب، وأن تخلط رممهم ويدفنوا متفرّقين، حتى لا يعرف قبر القصار من قبورهم، وكان قتلهم في سنة سبع عشرة وخمسمائة، وابتداء هذه القضية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
قال: وكان الشريف عبد الله يحدّث عن صديق له مأمول القول: إنه أخبره أنه لما شاع خبر هذا القصار، وما ظهر منه أراد أن يمتحنه، فتسبب إلى أن خالطه، وصار في جملة أصحابه، ومن يعظمه ويطلع معه إلى الجبل، فأفسد عقله، وغير معتقده، وأخرجه عن الإسلام، وأنه لامه على ذلك، وردعه فحدّثه بعجائب منها أنه قال: والله ما من الجماعة الذين يطلعون معه إلى الجبل أحد إلّا ويسأله، ويستدعيه ما يريد على سبيل الامتحان فيحضره إليه لوقته، وإنّ بيده سكينا لا تقطع إلّا بيده، وإذا أمسك طائرا، وقبضه أحد من الحاضرين يدفع السكين التي معه له، ويقول له: اذبحه، فلا تمشي في يده، فيأخذها هو ويذبحه بها ويجري دمه، ثم يعود ويمسكه بيده، ويسرّحه فيطير، ويقول: إنّ الحديد لا يعمل فيه، ويوسع القول فيما يشاهده منه، ويسمعه، فلما اعتقل القصار بقي هذا الرجل مصرّا على اعتقاده، فلما قتل وخرج إليه وشاهده، وتحقق موته علم أن ما كان فيه سحر، وزور وإفك، فتصدّق بجملة من ماله، وعاد إلى مذهبه، وصحّ معتقده.
وقال ابن عبد الظاهر: دار العلم كان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطلها، وهي بجوار باب التبانين، وهي متصلة بالقصر الصغير، وفيها مدفون الداعي: المؤيد في الدين هبة الله بن موسى الأعجميّ، وكان لإبطالها أمور سببها اجتماع الناس، والخوض في المذاهب والخوف من الاجتماع على المذهب النزاريّ، ولم يزل الخدّام يتوصلون إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، حتى تحدّث في ذلك مع الوزير المأمون فقال: أين تكون هذه الدار؟ فقال بعض الخدّام: تكون بالدار التي كانت أوّلا، فقال المأمون: هذا لا يكون لأنه باب صار من جملة أبواب القصر، وبرسم الحوائج، ولا يمكن الاجتماع ولا يؤمن من غريب يتحصل به، فأشار كل من الأستاذين بشيء، فأشار بعضهم أن تكون في بيت المال القديم، فقال المأمون: يا سبحان الله قد منعنا أن تكون متاخمة للقصر الكبير الذي هو سكن الخليفة نجعلها ملاصقة؟ فقال الثقة زمام القصور: في جواري موضع ليس ملاصقا للقصر، ولا مخالطا له يجوز أن يعمر، ويكون دار العلم، فأجاب المأمون إلى ذلك وقال: بشرط أن يكون متوليها رجلا دينا، والداعي الناظر فيها، ويقام فيها متصدّرون برسم قراءة القرآن، فاستخدم فيها أبو محمد حسن بن آدم، فتولاها، وشرط عليه ما تقدّم ذكره، واستخدم فيها مقرئون.