الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ذكر الجوامع، عند ذكر الجامع المؤيدي.
باب النصر
«1»
كان باب النصر أوّلا دون موضعه اليوم، وأدركت قطعة من أحد جانبيه، كانت تجاه ركن المدرسة القاصدية الغربيّ، بحيث تكون الرحبة التي فيما بين المدرسة القاصدية، وبين بابي جامع الحاكم القبليين خارج القاهرة، ولذلك تجد في أخبار الجامع الحاكميّ أنه وضع خارج القاهرة، فلما كان في أيام المستنصر، وقدم عليه أمير الجيوش بدر الجماليّ من عكا، وتقلد وزارته، وعمر سور القاهرة، نقل باب النصر، من حيث وضعه القائد جوهر إلى حيث هو الآن، فصار قريبا من مصلى العيد، وجعل له باشورة أدركت بعضها إلى أن احتفرت أخت الملك الظاهر برقوق الصهريج السبيل تجاه باب النصر، فهدمته، وأقامت السبيل مكانه، وعلى باب النصر مكتوب بالكوفيّ في أعلاه: لا إله إلّا الله محمد رسول الله عليّ وليّ الله صلوات الله عليهما.
باب الفتوح
«2»
وضعه القائد جوهر دون موضعه الآن، وبقي منه إلى يومنا هذا عقده، وعضادته اليسرى، وعليه أسطر من الكتابة بالكوفيّ، وهو برأس حارة بهاء الدين من قبليها دون جدار الجامع الحاكميّ، وأما الباب المعروف اليوم: بباب الفتوح، فإنه من وضع أمير الجيوش، وبين يديه باشورة، قد ركبها الآن الناس بالبنيان، لما عمر ما خرج عن باب الفتوح.
أمير الجيوش: أبو النجم بدر الجماليّ كان مملوكا أرمنيا لجمال الدولة بن عمار، فلذلك عرف: بالجماليّ، وما زال يأخذ بالجدّ من زمن سبيه فيما يباشره، ويوطن نفسه على قوّة العزم، ويتنقل في الخدم، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر في يوم الأربعاء ثالث عشري ربيع الآخر سنة خمس وستين وأربعمائة، ثم سار منها كالهارب في ليلة الثلاثاء لأربع عشرة خلت من رجب سنة ست وخمسين، ثم وليها ثانيا يوم الأحد سادس شعبان سنة
ثمان وخمسين، فبلغه قتل ولده شعبان بعسقلان، فخرج في شهر رمضان سنة ستين وأربعمائة، فثار العسكر، وأخربوا قصره، وتقلد نيابة عكا، فلما كانت الشدّة بمصر من شدّة الغلاء، وكثرة الفتن، والأحوال بالحضرة قد فسدت، والأمور قد تغيرت، وطوائف العسكر قد شغبت، والوزراء يقنعون بالاسم دون نفاذ الأمر والنهي، والرخاء قد أيس منه، والصلاح لا مطمع فيه، ولواته قد ملكت الريف، والصعيد بأيدي العبيد، والطرقات قد انقطعت برّا وبحرا إلّا بالخفارة الثقيلة، فلما قتل بلدكوش «1» : ناصر الدولة حسين بن حمدان، كتب المستنصر إليه يستدعيه ليكون المتولي لتدبير دولته، فاشترط أن يحضر معه من يختاره من العساكر، ولا يبقى أحدا من عسكر مصر، فأجابه المستنصر إلى ذلك، فاستخدم معه عسكرا، وركب البحر من عكا في أوّل كانون، وسار بمائة مركب بعد أن قيل له: إنّ العادة لم تجر بركوب البحر في الشتاء لهيجانه، وخوف التلف، فأبى عليهم، وأقلع فتمادى الصحو، والسكون مع الريح الطيبة مدّة أربعين يوما، حتى كثر التعجب من ذلك، وعدّ من سعادته، فوصل إلى تنيس ودمياط، واقترض المال من تجارها ومياسيرها، وقام بأمر ضيافته، وما يحتاج إليه من الغلال: سليمان اللواتيّ كبير أهل البحيرة، وسار إلى قليوب، فنزل بها وأرسل إلى المستنصر يقول: لا أدخل إلى مصر حتى تقبض على بلدكوش، وكان أحد الأمراء، وقد اشتدّ على المستنصر بعد قتل ابن حمدان، فبادر المستنصر، وقبض عليه، واعتقله بخزانة البنود، فقدم بدر عشية الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة خمس وستين وأربعمائة، فتهيأ له أن قبض على جميع أمراء الدولة، وذلك أنه لما قدم لم يكن عند الأمراء علم من استدعائه، فما منهم إلّا من أضافه، وقدّم إليه، فلما انقضت نوبهم في ضيافته استدعاهم إلى منزله في دعوة صنعها لهم، وبيت مع أصحابه أن القوم إذا أجنهم الليل، فإنهم لا بدّ يحتاجون إلى الخلاء، فمن قام منهم إلى الخلاء يقتل هناك، ووكل بكل واحد واحدا من أصحابه، وأنعم عليه بجميع ما يتركه ذلك الأمير من دار ومال، وإقطاع وغيره، فصار الأمراء إليه وظلوا نهارهم عنده، وباتوا مطمئنين، فما طلع ضوء النهار حتى استولى أصحابه على جميع دور الأمراء، وصارت رؤوسهم بين يديه، فقويت شوكته، وعظم أمره، وخلع عليه المستنصر بالطيلسان المقوّر، وقلده وزارة السيف والقلم، فصارت القضاة والدعاة، وسائر المستخدمين من تحت يده، وزيد في ألقابه أمير الجيوش كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، وتتبع المفسدين، فلم يبق منهم أحدا حتى قتله، وقتل من أماثل المصريين، وقضاتهم ووزرائهم جماعة، ثم خرج إلى الوجه البحريّ، فأسرف في قتل من هنا لك من لواتة، واستصفى أموالهم، وأزاح المفسدين وأفناهم بأنواع القتل، وصار