الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل السيف والقلم، وفيه ركوب الخليفة لصلاة العيد، وفيه تفرقة الأضاحي، كما مرّ ذلك مبينا في موضعه من هذا الكتاب.
عيد الغدير «1» : فيه تزويج الأيامى، وفيه الكسوة، وتفرقة الهبات لكبراء الدولة، ورؤسائها وشيوخها وأمرائها، وضيوفها والأستاذين المحنكين، والمميزين، وفيه النحر أيضا، وتفرقة النحائر على أرباب الرسوم، وعتق الرقاب، وغير ذلك كما سبق بيانه فيما تقدّم.
كسوة الشتاء والصيف: وكان لهم في كل من فصلي الشتاء، والصيف، كسوة تفرّق على أهل الدولة وعلى أولادهم، ونسائهم وقد مرّ ذكر ذلك.
موسم فتح الخليج «2» : وكانت لهم في موسم فتح الخليج وجوه من البرّ منها:
الركوب لتخليق المقياس، ومبيت القرّاء بجامع المقياس، وتشريف ابن أبي الردّاد بالخلع وغيرها، وركوب الخليفة إلى فتح الخليج، وتفرقة الرسوم على أرباب الدولة من الكسوة، والعين والمآكل والتحف، وقد تقدّم تفصيل ذلك.
ذكر النوروز
وكان النوروز القبطيّ في أيامهم من جملة المواسم، فتتعطل فيه الأسواق، ويقلّ فيه سعي الناس في الطرقات، وتفرّق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة، وأولادهم ونسائهم والرسوم من المال، وحوائج النوروز.
قال ابن زولاق: وفي هذه السنة، يعني سنة ثلاث وستين وثلثمائة، منع المعز لدين الله من وقود النيران ليلة النوروز في السكك، ومن صب الماء يوم النوروز.
وقال: في سنة أربع وستين وثلثمائة: وفي يوم النوروز زاد اللعب بالماء ووقود النيران، وطاف أهل الأسواق، وعملوا فيلة، وخرجوا إلى القاهرة بلعبهم، ولعبوا ثلاثة أيام، وأظهروا السماجات والحلي في الأسواق، ثم أمر المعز بالنداء بالكشف، وأن لا توقد نار ولا يصب ماء، وأخذ قوم، فحبسوا وأخذ قوم، فطيف بهم على الجمال.
وقال ابن ميسر: في حوادث سنة ست عشرة وخمسمائة: وفيها أراد الآمر بأحكام الله أن يحضر إلى دار الملك في النوروز الكائن في جمادى الآخرة في المراكب على ما كان عليه الأفضل بن أمير الجيوش، فأعاد المأمون عليه أنه لا يمكن، فإنّ الأفضل لا يجري مجراه مجرى الخليفة، وحمل إليه من الثياب الفاخرة برسم النوروز للجهات، ما له قيمة جليلة.
وقال ابن المأمون: وحل موسم النوروز في التاسع من رجب سنة سبع عشرة وخمسمائة، ووصلت الكسوة المختصة به من الطراز، وثغر الإسكندرية مع ما يبتاع من المذابّ المذهبة والحريري والسوادج، وأطلق جميع ما هو مستقرّ من الكسوات الرجالية، والنسائية، والعين والورق وجميع الأصناف المختصة بالموسم على اختلافها بتفصيلها، وأسماء أربابها، وأصناف النوروز البطيخ والرّمان وعراجين الموز، وأفراد البسر، وأقفاص التمر القوصيّ، وأقفاص السفرجل، وبكل الهريسة المعمولة من لحم الدجاج، ولحم الضأن، ولحم البقر من كل لون بكلة مع خبز برّ مارق.
قال: وأحضر كاتب الدفتر: الإثبابات بما جرت العادة به من إطلاق العين والورق، والكسوات على اختلافها في يوم النوروز، وغير ذلك من جميع الأصناف، وهو أربعة آلاف دينار، وخمسة عشر ألف درهم فضة، والكسوات عدّة كثيرة من شفق ديبقيّ مذهبات، وحريريات، ومعاجر «1» وعصائب مشاومات ملوّنات، وشفق لاذ مذهب وحريريّ، ومشفع وفوط، ديبقيّ حريريّ.
فأما العين والورق، والكسوات فذلك لا يخرج عمن تحوزه القصور، ودار الوزارة، والشيوخ والأصحاب والحواشي والمستخدمون، ورؤساء العشاريات، وبحارتها، ولم يكن لأحد من الأمراء على اختلاف درجاتهم في ذلك نصيب، وأما الأصناف من البطيخ والرمّان والبسر والتمر والسفرجل والعناب، والهرائس على اختلافها فيشمل ذلك جميع من تقدّم ذكرهم، ويشكرهم في ذلك جميع الأمراء أرباب الأطواق، والأقصاب وسائر الأماثل، وقد تقدّم شرح ذلك، فوقع الوزير المأمون على جميع ذلك بالإنفاق.
وقال القاضي الفاضل في تعليق المتجدّدات لسنة أربع وثمانين وخمسمائة: يوم الثلاثاء أربع عشر رجب يوم النوروز القبطيّ، وهو مستهل «2» توت، وتوت أوّل سنتهم، وقد كان بمصر في الأيام الماضية، والدولة الخالية يعني دولة الخلفاء الفاطميين من مواسم بطالاتهم، ومواقيت ضلالاتهم، فكانت المنكرات ظاهرة فيه، والفواحش صريحة في يومه ويركب فيه أمير موسوم: بأمير النوروز، ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس في طلب رسم رتبه على دور الأكابر بالجمل الكبار، ويكتب مناشير، ويندب مترسمين، كل ذلك يخرج مخرج الطير، ويقنع بالميسور من الهبات، ويتجمع المؤنثون، والفاسقات تحت قصر اللؤلؤة بحيث يشاهدهم الخليفة، وبأيديهم الملاهي، وترفع الأصوات، وتشرب الخمر والمزر شربا ظاهرا بينهم، وفي الطرقات، ويتراش الناس بالماء، وبالماء والخمر، وبالماء ممزوجا بالأقدار، فإن غلط مستور، وخرج من داره لقيه من يرشه، ويفسد ثيابه، ويستخف
بحرمته، فإما فدى نفسه، وإما فضح، ولم يجر الحال في هذا النوروز على هذا، ولكن قد رش الماء في الحارات، وأحيى المنكر في الدور أرباب الخسارات.
وقال: في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة: وجرى الأمر في النوروز على العادة من رش الماء، واستجدّ فيه هذا العام التراجم بالبيض، والتصافع بالأنطاع، وانقطع الناس عن التصرّف، ومن ظفر به في الطريق رش بمياه نجسة وخرق به.
قال مؤلفه رحمه الله تعالى: إنّ أوّل من اتخذ النوروز: جمشيد، ويقال في اسمه أيضا: جمشاد أحد ملوك الفرس الأول، ومعناه: اليوم الجديد، وللفرس فيه آراء، وأعمال على مصطلحهم غير أنه في غير هذا اليوم. وقد صنف عليّ بن حميرة الأصفهانيّ كتابا مفيدا في أعياد الفرس.
وذكر الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: كان اليوم الذي ردّ الله فيه إلى سليمان بن داود خاتمه يوم النوروز، فجاءت إليه الشياطين بالتحف، وكانت تحفة الخطاطيف أن جاءت بالماء في مناقيرها فرشته بين يدي سليمان، فاتخذ الناس رش الماء من ذلك اليوم.
وعن مقاتل بن سليمان «1» قال: سمي ذلك اليوم: نيروزا، وذلك أنه وافق هذا اليوم الذي يسمونه النيروز، فكانت الملوك تتيمن بذلك اليوم، واتخذوه عيدا، وكانوا يرشون الماء في ذلك اليوم، ويهدون كفعل الخطاف، ويتيمنون بذلك، ولله درّ القائل:
كيف ابتهاجك بالنوروز يا سكني
…
وكل ما فيه يحكيني وأحكيه
فناره كلهيب النار في كبدي
…
وماؤه كتوالي دمعتي فيه
وقال آخر:
نورز الناس ونورز
…
ت ولكن بدموعي
وذكت نارهم والن
…
ار ما بين ضلوعي
وقال غيره:
ولما أتى النوروز يا غاية المنى
…
وأنت على الإعراض والهجر والصدّ
بعثت بنار الشوق ليلا إلى الحشى
…
فنورزت صبحا بالدموع على الخدّ
الميلاد: وهو اليوم الذي ولد فيه عبد الله، ورسوله المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، والنصارى تتخذ ليلة يوم الميلاد عيدا، وتعمله قبط مصر في التاسع والعشرين من كيهك «2» ،
وما برح لأهل مصر به اعتناء، وكان من رسوم الدولة الفاطمية فيه: تفرقة الجامات المملوءة من الحلاوات القاهرية، والتمارد التي فيها السمك، وقرابات الجلاب، وطيافير الزلابية، والبوري، فيشمل ذلك أرباب الدولة أصحاب السيوف، والأقلام بتقرير معلوم على ما ذكره ابن المأمون في تاريخه.
الغطاس: ومن مواسم النصارى بمصر عمل الغطاس في اليوم الحادي عشر من طوبة «1» .
قال المسعوديّ في مروج الذهب: ولليلة الغطاس بمصر شأن عظيم عند أهلها، لا ينام الناس فيها، وهي ليلة إحدى عشرة من طوبة ولقد حضرت سنة ثلاثين وثلثمائة ليلة الغطاس بمصر، والإخشيد محمد بن طفج في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة الراكبة على النيل، والنيل مطيف بها، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة، وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشمع، وقد حضر النيل في تلك الليلة: مئو ألوف من الناس من المسلمين والنصارى منهم: في الزواريق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل، والمشارب، وآلات الذهب والفضة، والجواهر والملاهي والعزف والقصف، وهي أحسن ليلة تكون بمصر، وأشملها سرورا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أنّ ذلك أمان من المرض، ونشرة للداء.
وقال المسبحيّ: في سنة ثمان وثمانين وثلثمائة: كان غطاس النصارى، فضربت الخيام والمضارب، والأشرعة في عدّة مواضع على شاطىء النيل، فنصبت أسرّة للرئيس فهد ابن إبراهيم النصرانيّ كاتب الأستاذ برجوان، وأوقدت له الشموع والمشاعل، وحضر المغنون، والملهون، وجلس مع أهله يشرب إلى أن كان وقت الغطاس، فغطس وانصرف.
وقال: في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة كان غطاس النصارى، فجرى الرسم من الناس في شراء الفواكه، والضأن وغيره، ونزل أمير المؤمنين الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم لقصر جدّه العزيز بالله بمصر، لنظر الغطاس، ومعه الحرم، ونودي أن لا يختلط المسلمون مع النصارى عند نزولهم إلى البحر في الليل، وضرب بدر الدولة الخادم الأسود متولي الشرطتين خيمة عند الجسر، وجلس فيها، وأمر الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله بأن توقد المشاعل والنار في الليل، فكان وقيدا كثيرا، وحضر الرهبان والقسوس بالصلبان، والنيران، فقسسوا هناك طويلا إلى أن غطسوا.
وقال ابن المأمون: إنه كان من رسوم الدولة أنه يفرّق على سائر أهل الدولة الترنج
والنارنج والليمون المراكبي، وأطنان القصب، والسمك والبوري برسوم مقرّرة لكل واحد من أرباب السيوف والأقلام.
خميس العهد: ويسميه أهل مصر من العامّة: خميس العدس، ويعمله نصارى مصر قبل الفصح بثلاثة أيام ويتهادون فيه، وكان من جملة رسوم الدولة الفاطمية في خميس العدس ضرب خمسمائة دينار ذهبا، عشرة آلاف خرّوبة، وتفرقتها على جميع أرباب الرسوم كما تقدّم.
أيام الركوبات: وكان الخليفة يركب في كل يوم سبت وثلاثاء إلى منتزهاته بالبساتين، والتاج، وقبّة الهواء والخمس وجوه، وبستان البعل، ودار الملك، ومنازل العز، والروضة، فيعمّ الناس في هذه الأيام من الصدقات أنواع ما بين ذهب، ومآكل، وأشربة، وحلاوات، وغير ذلك كما تقدّم بيانه في موضعه من هذا الكتاب.
صلاة الجمعة: وكان الخليفة يركب في كل سنة ثلاث ركبات لصلاة الجمعة بالناس في جامع القاهرة الذي يعرف بالجامع الأزهر مرّة، وفي جامع الخطبة المعروف: بالجامع الحاكميّ مرّة، وفي جامع عمرو بن العاص بمصر أخرى، فينال الناس منه في هذه الجمع الثلاث، رسوم وهبات وصدقات، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى عند ذكر الجامع الأزهر.
ولله در الفقيه عمارة «1» اليمني فقد ضمن مرثيته أهل القصر جملا مما ذكر، وهي القصيدة التي قال ابن سعد فيها، ولم يسمع فيما يكتب في دولة بعد انقراضها أحسن منها:
رميت يا دهر كف المجد بالشلل
…
وجيده بعد حسن الحلي بالعطل
سعيت في منهج الرأي العثور فإن
…
قدرت من عثرات الدهر فاستقل
جدعت ما رنك الأقنى فأنفك لا
…
ينفك ما بين قرع السنّ والخجل
هدمت قاعدة المعروف عن عجل
…
سعيت مهلا أما تمشي على مهل
لهفي ولهف بني الآمال قاطبة
…
على فجيعتها في أكرم الدول
قدمت مصر فأولتني خلائفها
…
من المكارم ما أربى على الأمل
قوم عرفت بهم كسب الألوف ومن
…
كمالها أنها جاءت ولم أسل
وكنت من وزراء الدست حين سما
…
رأس الحصان يهاديه على الكفل
ونلت من عظماء الجيش مكرمة
…
وخلة حرست من عارض الخلل
يا عاذلي في هوى أبناء فاطمة
…
لك الملامة إن قصرت في عذلي
بالله در ساحة القصرين وابك معي
…
عليهما لا على صفين والجمل
وقل لأهليهما والله ما التحمت
…
فيكم جراحي ولا قرحي بمندمل
ماذا عسى كانت الإفرنج فاعلة
…
في نسل آل أمير المؤمنين علي
هل كان في الأمر شيء غير قسمة ما
…
ملكتموا بين حكم السبي والنفل
وقد حصلتم عليها واسم جدّكم
…
محمد وأبوكم غير منتقل
مررت بالقصر والأركان خالية
…
من الوقود وكانت قبلة القبل
فملت عنها بوجهي خوف منتقد
…
من الأعادي ووجه الودّ لم يمل
أسلت من أسفي دمعي غداة خلت
…
رحابكم وغدت مهجورة السبل
أبكي على ما تراءت من مكارمكم
…
حال الزمان عليها وهي لم تحل
دار الضيافة كانت أنس وافدكم
…
واليوم أوحش من رسم ومن طلل
وفطرة الصوم إذ أضحت مكارمكم
…
تشكو من الدهر حيفا غير محتمل
وكسوة الناس في الفصلين قد درست
…
ورث منها جدد عندهم وبلي
وموسم كان في يوم الخليج لكم
…
يأتي تجملكم فيه على الجمل
وأوّل العام والعيدين كم لكم
…
فيهنّ من وبل جود ليس بالوشل
والأرض تهتز في يوم الغدير كما
…
يهتز ما بين قصريكم من الأسل
والخيل تعرض في وشي وفي شية
…
مثل العرائس في حلي وفي حلل
ولا حملتم قرى الأضياف من سعة الأط
…
باق إلا على الأكتاف والعجل
وما خصصتم ببرّ أهل ملتكم
…
حتى عممتم به الأقصى من الملل
كانت رواتبكم للذمتين ولل
…
ضيف المقيم وللطاري من الرسل
ثم الطراز بتنيس الذي عظمت
…
منه الصلات لأهل الأرض والدول
وللجوامع من إحسانكم نعم
…
لمن تصدّر في علم وفي عمل
وربما عادت الدنيا فمعقلها
…
منكم وأضحت بكم محلولة العقل
والله لا فاز يوم الحشر مبغضكم
…
ولا نجا من عذاب الله غير ولي
ولا سقى الماء من حرّ ومن ظمأ
…
من كف خير البرايا خاتم الرسل
ولا رأى جنة الله التي خلقت
…
من خان عهد الإمام العاضد ابن علي
أئمتي وهداتي والذخيرة لي
…
إذا ارتهنت بما قدّمت من عملي
تالله لم أوفهم في المدح حقهم
…
لأنّ فضلهم كالوا بل الهطل
ولو تضاعفت الأقوال واتسعت
…
ما كنت فيهم بحمد الله بالخجل
باب النجاة هم دنيا وآخرة
…
وحبهم فهو أصل الدين والعمل
نور الهدى ومصابيح الدجى ومحل
…
الغيث إن ربت الأنواء في المحل
أئمة خلقوة نورا فنورهم
…
من محض خالص نور الله لم يغل
والله ما زلت عن حبي لهم أبدا
…
ما أخر الله لي في مدّة الأجل
وبسبب هذه القصيدة قتل عمارة رحمه الله، وتمحلت له الذنوب، انتهى ما ذكره رحمه الله تعالى.