الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل في مدّة بقاء القاهرة ووقت خرابها
قال المعارف محيي الدين محمد بن العربيّ الطائيّ الحاتميّ في الملحمة المنسوبة إليه قاهرة تعمر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة، وتخرب سنة ثمانين وسبعين، ووقفت لها على شرح لم أعرف تصنيف من هو، فإنه لم يسمّ في النسخة التي وقفت عليها، وهو شرح لطيف قليل الفائدة، فإنه ترك كلام المصنف فيما مضى على ما هو معروف في كتب التاريخ، ولم يبين مراده، فيما يستقبل، وكانت الحاجة ماسة إلى معرفة ما يستقبل أكثر من المعرفة بحال ما مضى، لكن أخبرني غير واحد من الثقات، أنه وقف لهذه الملحمة على شرح كبير في مجلدين، قال هذا الشارح: كانت بداية عمارة القاهرة والنّيران في شرفهما: الشمس في برج الحمل، والقمر في برج الثور، وهو برج ثابت. قال: فعمّر القاهرة، ومدّتها أربعمائة، وإحدى وستون سنة، قال في الأصل: وإذا نزل زحل برج الجوزاء عزت الأقوات بمصر، وقلّ أغنياؤهم، وكثر فقراءهم ويكون الموت فيهم ويخرج أهل برقة عن أوطانهم، لا سيما إذا قارن زحل الجوزهر، فإنّ الحال يكون أشدّ وأقوى.
قال الشارح: كان ذلك في سنة أربع وستين وستمائة في أيام الملك الظاهر ركن الدين بيبرس، فإنه نزل زحل برج الجوزاء، فوقع الغلاء، وفي آخر سنة أربع، وأوّل سنة خمس وتسعين وستمائة، في أيام الملك العادل: كتبغا «1» حلّ زحل في برج الجوزاء، وكان معه الجوزهر، فكانت أشدّ وأقوى وكثر الغلاء والوباء.
قال: سئل المعز عن الترك ما هم؟ فقال: قوم مسلمون يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الحدود والواجبات، ويقاتلون في سبيل الله أعداء الله، فقيل له:
أتطول مدّتهم؟ قال: لا تطول مدّتهم، قيل: فكيف يكون زوالهم؟ قال: يكون هكذا، وكان إلى جانبه طبق كيزان، فحرّكه حركة شديدة، فتكسرت الكيزان، فقال: هكذا يكون زوالهم يقتل بعضهم بعضا، قال:
احذر بنيّ من القران العاشر
…
وارحل بأهلك قبل نقر الناقر
قال الشارح: أوّل القران العاشر في سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وفيه تكون حالات رديئة بأرض مصر، وهذا يوافق ما في القول عن القاهرة، وتخرب في سنة خمس وثمانين وسبعمائة، يعني بداية انحطاطها من سنة خمس وثمانين وسبعمائة التي فيها القران العاشر، ويثبت في عشرين سنة التي هي أيام القران، وقد ذكر في الربع الآخر أربعمائة، وإحدى وستين سنة، وقد تخيلت أنها مدّة عمر القاهرة، فإذا زدتها على تاريخ عمارتها بلغ ذلك ثمانمائة وتسع عشرة سنة، وفي ذلك الوقت يكون زوالها، وهو ما بين سنة ثمانين، وسبعمائة إلى سنة تسع عشرة وثمانمائة، ويكون ذلك سببه قحط عظيم، وقلة خير، وكثرة شرّ حتى تتخرّب ويضعف أهلها.
قال: قران زحل والمرّيخ في برج الجدي يكون في سنة سبعين وسبعمائة، فتعدّ لكل مائة سنة من سني الهجرة ثلاث سنين، فيكون ثلاثا وعشرين سنة تزيدها على سبعمائة وسبعين سنة تبلغ سبعمائة، وثلاثا وتسعين سنة، ففي مثلها من سني الهجرة يكون أوّل أوقات خراب القاهرة، انتهى.
وتهذيب هذا القول: أنّ زحل كلما حلّ برج الجوزاء،. اتضعت أحوال مصر، وقلت أموالهم، وكثر الغلاء والفناء عندهم، بحسب الأوضاع الفلكية، وزحل يحلّ في برج الجوزاء كل ثلاثين سنة شمسية، فيقيم فيه نحوا من ثلاثين شهرا، وأنت إذا اعتبرت أمور العالم وجدت الحال كما ذكرنا، فإنه كلما حلّ زحل برج الجوزاء وقع الغلاء بمصر، وذكر أنّ القران العاشر تتضع فيه أحوال القاهرة، ورأينا الأمر كما ذكرنا، فإنّ القران العاشر كان في سنة ست وثمانين وسبعمائة، ومدّة سنينه عشرون سنة شمسية، آخرها سابع عشر رجب سنة سبع وثمانمائة، وفي هذه المدّة اتضع حال القاهرة وأهلها، اتضاعا قبيحا، ومن الأوقات المحذورة لها أيضا اقتران زحل والمريخ في برج السرطان، ويكون ذلك في كل ثلاثين سنة شمسية، ويقترنان في سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وفي مدّته تنقضي الأربعمائة والإحدى والستون سنة التي ذكر أنها عمر القاهرة في سنة تسع عشرة وثمانمائة، وشواهد الحال اليوم تصدّق ذلك لما عليه أهل القاهرة الآن من الفقر والفاقة، وقلة المال وخراب الضياع والقرى، وتداعى الدور للسقوط، وشمول الخراب أكثر معمور القاهرة، واختلاف أهل الدولة، وقرب انقضاء مدّتهم وغلاء سائر الأسعار.
ولقد سمعت عمن يرجع إليه في مثل ذلك: أنّ العمارة تنتقل من القاهرة إلى بركة الحبش، فيصير هناك مدينة، والله تعالى أعلم.