المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر اصطبل الطارمة - المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار - جـ ٢

[المقريزي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثانى

- ‌ذكر تاريخ الخليقة

- ‌ذكر ما قيل في مدّة أيام الدنيا ماضيها وباقيها

- ‌ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط

- ‌ذكر تاريخ القبط

- ‌ذكر أسابيع الأيام

- ‌ذكر أعياد القبط من النصارى بديار مصر

- ‌ذكر ما يوافق أيام الشهور القبطية من الأعمال في الزراعات، وزيادة النيل، وغير ذلك على ما نقله أهل مصر عن قدمائهم واعتمدوا عليه في أمورهم

- ‌ذكر تحويل السنة الخراجية القبطية إلى السنة الهلالية العربية

- ‌ذكر فسطاط مصر

- ‌ذكر ما كان عليه موضع الفسطاط قبل الإسلام إلى أن اختطه المسلمون مدينة

- ‌ذكر الحصن الذي يعرف بقصر الشمع

- ‌ذكر حصار المسلمين للقصر وفتح مصر

- ‌ذكر ما قيل في مصر هل فتحت بصلح أو عنوة

- ‌ذكر من شهد فتح مصر من الصحابة رضي الله عنهم

- ‌ذكر السبب في تسمية مدينة مصر بالفسطاط

- ‌ذكر الخطط التي كانت بمدينة الفسطاط

- ‌ذكر أمراء الفسطاط من حين فتحت مصر إلى أن بني العسكر

- ‌ذكر العسكر الذي بني بظاهر مدينة فسطاط مصر

- ‌ذكر من نزل العسكر من أمراء مصر من حين بني إلى أن بنيت القطائع

- ‌ذكر القطائع ودولة بني طولون

- ‌ذكر من ولي مصر من الأمراء بعد خراب القطائع إلى أن بنيت قاهرة المعز على يد القائد جوهر

- ‌ذكر ما كانت عليه مدينة الفسطاط من كثرة العمارة

- ‌ذكر الآثار الواردة في خراب مصر

- ‌ذكر خراب الفسطاط

- ‌ذكر ما قيل في مدينة فسطاط مصر

- ‌ذكر ما عليه مدينة مصر الآن وصفتها

- ‌ذكر ساحل النيل بمدينة مصر

- ‌ذكر المنشأة

- ‌ذكر أبواب مدينة مصر

- ‌ذكر القاهرة قاهرة المعز لدين الله

- ‌ذكر ما قيل في نسب الخلفاء الفاطميين بناة القاهرة

- ‌ذكر الخلفاء الفاطميين

- ‌ذكر ما كان عليه موضع القاهرة قبل وضعها

- ‌ذكر حدّ القاهرة

- ‌ذكر بناء القاهرة وما كانت عليه في الدولة الفاطمية

- ‌ذكر ما صارت إليه القاهرة بعد استيلاء الدولة الأيوبية عليها

- ‌ذكر طرف مما قيل في القاهرة ومنتزهاتها

- ‌ذكر ما قيل في مدّة بقاء القاهرة ووقت خرابها

- ‌ذكر مسالك القاهرة وشوارعها على ما هي عليه الآن

- ‌ذكر سور القاهرة

- ‌ذكر أبواب القاهرة

- ‌ باب زويلة

- ‌باب النصر

- ‌باب الفتوح

- ‌باب القنطرة

- ‌باب الشعرية

- ‌باب سعادة

- ‌الباب المحروق

- ‌باب البرقية

- ‌ذكر قصور الخلفاء ومناظرهم والإلماع بطرف من مآثرهم وما صارت إليه أحوالها من بعدهم

- ‌ القصر الكبير

- ‌كيفية سماط شهر رمضان بهذه القاعة

- ‌عمل سماط عيد الفطر بهذه القاعة

- ‌الإيوان الكبير

- ‌الدواوين

- ‌ديوان المجلس

- ‌ديوان النظر

- ‌ديوان التحقيق

- ‌ديوان الجيوش والرواتب

- ‌ديوان الإنشاء والمكاتبات

- ‌التوقيع بالقلم الدقيق في المظالم

- ‌التوقيع بالقلم الجليل

- ‌مجلس النظر في المظالم

- ‌رتب الأمراء

- ‌قاضي القضاة

- ‌قاعة الفضة

- ‌قاعة السدرة

- ‌قاعة الخيم

- ‌المناظر الثلاث

- ‌قصر الشوك

- ‌قصر أولاد الشيخ

- ‌قصر الزمرّد

- ‌الركن المخلق

- ‌السقيفة

- ‌دار الضرب

- ‌خزائن السلاح

- ‌المارستان العتيق

- ‌التربة المعزية

- ‌القصر النافعيّ

- ‌الخزائن التي كانت بالقصر

- ‌ خزانة الكتب

- ‌خزانة الكسوات

- ‌خزائن الجوهر والطيب والطرائف

- ‌خزائن الفرش والأمتعة

- ‌خزائن السلاح

- ‌خزائن السروج

- ‌خزائن الخيم

- ‌خزانة الشراب

- ‌خزانة التوابل

- ‌دار التعبية

- ‌خزانة الأدم

- ‌خزائن دار أفتكين

- ‌خزانة البنود

- ‌دار الفطرة

- ‌المشهد الحسينيّ

- ‌ما كان يعمل في يوم عاشوراء

- ‌ذكر أبواب القصر الكبير الشرقي

- ‌ذكر المنحر

- ‌ذكر دار الوزارة الكبرى

- ‌ذكر رتبة الوزارة، وهيئة خلعهم، ومقدار جاريهم، وما يتعلق بذلك

- ‌ذكر المناخ السعيد

- ‌ذكر اصطبل الطارمة

- ‌ذكر ما كان يضرب في خميس العدس من خراريب الذهب

- ‌ذكر دار الوكالة الآمرية

- ‌ذكر مصلى العيد

- ‌ذكر هيئة صلاة العيد وما يتعلق بها

- ‌ذكر القصر الصغير الغربي

- ‌أبواب القصر الغربيّ

- ‌ذكر دار العلم

- ‌ذكر دار الضيافة

- ‌ذكر اصطبل الحجريّة

- ‌ذكر مطبخ القصر

- ‌ذكر الدار المأمونية

- ‌ذكر المناظر التي كانت للخلفاء الفاطميين، ومواضع نزههم ما كان لهم فيها من أمور جميلة

- ‌ذكر ما كان يعمل يوم فتح الخليج

- ‌منازل العز

- ‌ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادا، ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم

- ‌ذكر مذاهبهم في أوّل الشهور

- ‌ذكر النوروز

- ‌ذكر ما كان من أمر القصرين، والمناظر بعد زوال الدولة الفاطمية

الفصل: ‌ذكر اصطبل الطارمة

يكون له ما يمنعه، وكانوا في ذلك على مثال الذؤابة، والأستار، وكانوا إذا سمى الرجل منهم: بعقل وشجاعة خرج من هناك إلى الأمرة، أو التقدمة مثل عليّ بن السلار، وغيره، ولا يأوي أحد منهم إلا بحجرته بفرسه، وعدّته وقماشه، وللصبيان الحجرية حجرة مفردة، عليهم أستاذون يبيتون عندهم، وخدّام برسمهم.

‌ذكر المناخ السعيد

وكان من وراء القصر الكبير فيما يلي ظهر دار الوزارة الكبرى والحجر: المناخ، وهو موضع برسم طواحين القمح التي تطحن جرايات القصور، وبرسم مخازن الأخشاب، والحديد ونحو ذلك.

قال ابن الطوير: وأما المناخات ففيها من الحواصل، ما لا يحصره، إلّا القلم من الأخشاب، والحديد، والطواحين النجدية، والغشيمة، وآلات الأساطيل من الأسلحة المعمولة بيد الفرنج القاطنين فيه، والقنب، والكتان، والمنجنيقات المعدّة، والطواحين الدائرة برسم الجرايات المقدّم ذكرها، والزفت في المخازن الذي عليه الأتربة، ولا ينقطع إلّا بالمعاول، وقد أدركت هذه الدولة، يعني دولة بني أيوب منه شيئا كثيرا في هذا المكان انتفع به، وإليه يأوي الفرنج في بيوت برسمهم، وكانت عدّتهم كثيرة، ففيه من النجارين والجزارين، والدهانين والخبازين والخياطين، والفعلة، ومن العجانين، والطحانين في تلك الطواحين، والفرّانين في أفران الجرايات، وفي هذا المكان مادّة أكثر أهل الدولة، وحامية أمير من الأمراء ومشارفه من العدول، وفيه أيضا شاهد النفقات، وعامل يتولى التنفيذ مع المشارف، وعامل برسم نظم الحساب من تعلقاتهما بجار غير جواريهم، لأنّ أوقاتهم مستغرقة في مباشرة الإطلاقات وغيرها، وذكر ابن الطوير: أن المأمون بن البطائحيّ استجدّ طواحين برسم الرواتب.

‌ذكر اصطبل الطارمة

«1»

الطارمة: بيت من خشب، وهو دخيل، وكان بجوار القصر الكبير، تجاه باب الديلم من شرقيّ الجامع الأزهر اصطبل.

قال ابن الطوير: وكان لهم اصطبلان أحدهما يعرف بالطارمة يقابل قصر الشوك، والآخر بحارة زويلة يعرف بالجميزة.

ص: 353

وكان للخليفة الحاضر ما يقرب من ألف رأس في كل اصطبل، النصف من ذلك منها، ما هو برسم الخاص، ومنها ما يخرج برسم العواري لأرباب الرتب، والمستخدمين دائما، ومنها ما يخرج أيام المواسم، وهي التغيرات المتقدّم ذكر إرسالها لأرباب الرتب، والخدم، والمرتب لكل اصطبل منها لكل: ثلاثة أرؤس سائس واحد ملازم، ولكل واحد منها: شدّاد برسم تسييرها، وفي كل اصطبل بئر بساقية، تدور إلى أحواض، ومخازن فيها الشعير، والأقراط اليابسة المحمولة من البلاد إليها، ولكل عشرين رجلا من السّواس: عريف يلتزم دركهم بالضمان لأنهم الذين يتسلمون من خزائن السروج المركبات بالحلي، ويعيدونها إليها كما تقدّم ذكره في خزائن السروج ولكل من الاصطبلين: رائض كأمير أخور، ولهما ميرة، وجامكية متسعة، وللعرفاء على السّواس ميرة، وللجماعات الجرايات من القمح، والخبز خارجا عن الجامكيات، فإذا بقي لأيام المواسم التي يركب فيها الخليفة بالمظلة مدّة أسبوع أخرج إلى كل رائض في الإصطبل مع أستاذ مظلة ديبقيّ مركبة على قنطارية مدهونة، ويختص الرائض على ما يركبه الخليفة إما فرسين أو ثلاثة، وعليهما المركبات الحلي التي يركبها الخليفة، فيركبها الرائض بحائل بينه وبين السرج، ويركب الأستاذ بغلة مظلة، ويحمل تلك المظلة، ويسير في براح الاصطبل، وفيه سعة عظيمة مارّا، وعائدا وحولها البوق والطبل، فيكرّر ذلك عدّة دفعات في كل يوم مدّة ذلك الأسبوع، ليستقرّ ما يركبه الخليفة من الدواب على ذلك، ولا ينفر منه في حال الركوب عليه، فيعمل كذلك في كل اصطبل من الاصطبلين، والدواب البغلة التي تتهيأ، هي التي يركبها الخليفة، وصاحب المظلة يوم الموسم، ولا يختل ذلك.

ويقال: إنه ما راثت دابة ولا بالت، والخليفة راكبها، ولا بغلة صاحب المظلة أيضا إلى حين نزولهما عنهما، وكان في الساحل بطريق مصر من القاهرة في البساتين المنسوبة إلى ملك صارم الدين حللبا: شونتان مملوءتان تبنا معبيتان كتعبيته في المراكب كالجبلين الشاهقين، ولهما مستخدمون حام، ومشارف، وعامل بجامكية جيدة تصل بذلك المراكب التبانة المؤهلة له، من موظف الأتبان بالبلاد الساحلية وغيرها، مما يدخل إليه في أيام النيل، ولها رؤساء، وأمرها جار في ديوان العمائر، والصناعة، والإنفاق منها بالتوقيعات السلطانية للاصطبلات المذكورة وغيرها من الأواسي الديوانية، وعوامل بساتين الملك، وإذا جرى بين المستخدمين خلف في الشنف التبن المعتبر، عادوا إلى قبضه بالوزن، فيكون الشنف التبن: ثلثمائة وستين رطلا بالمصريّ، نقيا وإذا أنفقوا دريسا قد تغيرت صورة قته كان عن القتة اثنا عشر رطلا، ولم يزل ذلك كذلك إلى آخر وقته، ومما يخبر عنهم أنهم لم يركبوا حصانا أدهم قط، ولا يرون إضافته إلى دوابهم بالاصطبلات، وقال ابن عبد الظاهر:

اصطبل الطارمة: كان اصطبلا للخليفة، فلما زالت تلك الأيام اختط وبنى آدرا.

ص: 354

ذكر دار الضرب «1» وما يتعلق بها

وكان بجوار خزانة الدرق التي هي اليوم: خان مسرور الكبير، دار الضرب، وموضعها حينئذ كان بالقشاشين التي تعرف اليوم: بالخرّاطين، وصار مكان دار الضرب اليوم: درب يعرف بدرب: الشمسيّ في وسط سوق السقطيين المهامزيين، وباب هذا الدرب: تجاه قيسارية العصفر، فإذا دخلت هذا الدرب، فما كان على يسارك من الدور فهو موضع دار الضرب، وبجوارها دار الوكالة الحافظية، فجعلت الحوانيت التي على يمنة من سلك من رأس الخرّاطين تجاه سوق العنبر طالبا الجامع الأزهر في ظهر دار الضرب، وأنشأ هذه الحوانيت، وما كان يعلوها من البيوت الأمير المعظم: خمرتاش الحافظيّ، وجعلها وقفا، وقال في كتاب وقفها: وحدّ هذه الحوانيت الغربيّ ينتهي إلى دار الضرب، وإلى دار الوكالة، وقد صارت هذه الحوانيت الآن من جملة أوقاف المدرسة الجمالية مما اغتصب من الأوقاف، وما زالت دار الضرب هذه في الدولة الفاطمية باقية إلى أن استبدّ السلطان صلاح الدين، فصارت دار الضرب حيث هي اليوم، كما تقدّم ذكره، وكان لدار الضرب المذكورة في أيامهم أعمال ويعمل بها دنانير الغرّة، ودنانير خميس العدس، ويتولاها قاضي القضاة لجلالة قدرها عندهم.

قال ابن المأمون: وفي شوّال منها، وهي سنة ست عشرة وخمسمائة أمر الأجل ببناء دار الضرب بالقاهرة المحروسة لكونها مقرّ الخلافة وموطن الإمامة، فبنيت بالقشاقشين:

قبالة المارستان، وسميت بالدار الآمرية، واستخدم لها العدول، وصار دينارها أعلى عيارا من جميع ما يضرب بجميع الأمصار، انتهى.

وكانت دار الضرب المذكورة تجاه المارستان، فكان المارستان، بجوار خزانة الدرق، فما عن يمينك الآن إذا سلكت من رأس الخرّاطين، فهو موضع دار الضرب، ودار الوكالة هكذا إلى الحمام التي بالخرّاطين، وما وراءها، وما عن يسارك، فهو موضع المارستان.

قال ابن عبد الظاهر: في أيام المأمون بن البطائحي وزير الآمر بأحكام الله بنيت دار الضرب في القشاشين قبالة المارستان الذي هناك وسميت بالدار الآمرية.

دار العلم الجديدة «2» : وكان بجوار القصر الكبير الشرقيّ: دار في ظهر خزانة الدرق من باب تربة الزعفران لما أغلق الأفضل بن أمير الجيوش دار العلم التي كان الحاكم بأمر الله

ص: 355

فتحها في باب التبانين اقتضى الحال بعد قتله إعادة دار العلم، فامتنع الوزير المأمون من إعادتها في موضعها، فأشار الثقة زمام القصور بهذا الموضع، فعمل دار العلم في شهر ربيع الأوّل سنة سبع عشرة وخمسمائة، وولاها لأبي محمد حسن بن أدم، واستخدم فيها مقرئين ولم تزل دار العلم عامر حتى زالت الدولة الفاطمية.

قال ابن عبد الظاهر: رأيت في بعض كتب الأملاك القديمة ما يدل على أنها قريبة من القصر النافعيّ، وكذا ذكر لي السيد الشريف الحلبيّ، أنها دار ابن أزدمر المجاورة لدار سكنى الآن، خلف فندق مسرور الكبير، وكذلك قال لي والدي رحمه الله، وقد بناها جمال الدين الإستادار الحلبيّ: دارا عظيمة غرم عليها مائة ألف، وأكثر من ذلك على ما ذكره، انتهى. وموضع دار العلم هذه دار كبيرة ذات زلاقة بجوار درب ابن عبد الظاهر قريبا من خان الخليلي، بخط الزراكشة العتيق.

موسم أوّل العام: قال ابن المأمون، وأسفرت غرّة سنة سبع عشرة، وخمسمائة، وبادر المستخدمون في الخزائن، وصناديق الإنفاق بحمل ما يحضر بين يدي الخليفة من عين، وورق من ضرب السنة المستجدّة، ورسم جميع من يختص به من إخوته، وجهاته، وقرابته، وأرباب الصنائع، والمستخدمات، وجميع الأستاذين العوالي والأدوان، وثنوا بحمل ما يختص بالأجلّ المأمون، وأولاده، وإخوته، واستأذنوا على تفرقة ما يختص بالأجلّ المأمون، وأولاده، والأصحاب والحواشي والأمراء، والضيوف، والأجناد، فأمروا بتفرقته، والذي اشتمل عليه المبلغ في هذه السنة نظير ما كان قبلها، وجلس المأمون باكرا على السماط بداره، وفرّقت الرسوم على أرباب الخدم والمميزين من جميع أصنافه على ما تضمنته الأوراق، وحضرت التعاشير، والتشريفات، وزي الموكب إلى الدار المأمونية، وتسلم كل من المستخدمين المدارج بأسماء من شرف بالحجبة، ومصفات العساكر، وترتيب الأسمطة، وأصمد كل منهم إلى شغله، وتوجه لخدمته، ثم ركب الخليفة، واستدعى الوزير المأمون، ثم خرج من باب الذهب، وقد نشرت مظلته، وخدمت الرهجية، ورتب الموكب والجنائب، ومصفات العساكر عن يمينه وشماله، وجميع تجار البلدين من الجوهريين والصيارف، والصاغة، والبزازين، وغيرهم قد زينوا الطريق بما تقتضيه تجارة كل منهم، ومعاشه لطلب البركة بنظر الخليفة.

وخرج من باب الفتوح، والعساكر فارسها وراجلها بتجملها وزيها، وأبواب حارات العبيد معلقة بالستور، ودخل من باب النصر والصدقات تعمّ المساكين، والرسوم تفرّق على المستقرّين إلى أن دخل من باب الذهب، فلقيه المقرئون بالقرآن الكريم في طول الدهاليز إلى أن دخل خزانة الكسوة الخاص، وغير ثياب الموكب بغيرها، وتوجه إلى تربة آبائه للترحيم على عادته، وبعد ذلك إلى ما رآه من قصوره على سبيل الراحة، وعبيت الأسمطة،

ص: 356

وجرى الحال فيها، وفي جلوس الخليفة، ومن جرت عادته، وتهيئة قصور الخلافة، وتفرقة الرسوم على ما هو مستقرّ.

وتوجه الأجلّ المأمون إلى داره، فوجد الحال في الأسمطة على ما جرت به العادة والتوسعة فيها أكثر مما تقدّمها، وكذلك الهناء في صبيحة الموسم بالدار المأمونية والقصور، وحضر من جرت العادة بحضوره للهناء وبعدهم الشعراء على طبقاتهم، وعادت الأمور في أيام السلام، والركوبات، وترتيبها على المعهود، وأحضر كل من المستخدمين في الدواوين ما يتعلق بديوانه من التذاكر، والمطالعات مما تحتاج إليه الدولة في طول السنة، وينعم به ويتصدّق ويحمل إلى الحرمين الشريفين من كل صنف على ما فصل في التذاكر على يد المندوبين، ويحمل إلى الثغور ويخزن من سائر الأصناف ما يستعمل، ويباع في الثغور والبلاد والاستيمار وجريدة الأبواب، وتذكرة الطراز والتوقيع عليها.

وقال ابن الطوير: فإذا كان العشر الأخير من ذي الحجة في كل سنة انتصب كل من المستخدمين بالأماكن لإخراج آلات الموكب من الأسلحة وغيرها، فيخرج من خزائن الأسلحة ما يحمله صبيان الركاب حول الخليفة من الأسلحة، وهو الصماصم المصقولة المذهبة، مكان السيوف المحدّبة، والدبابيس الكيمخت «1» الأحمر والأسود، ورؤوسها مدوّرة مضرّسة، واللتوت «2» كذلك ورؤوسها مستطيلة مضرّسة أيضا، وآلات يقال لها:

المستوفيات، وهي عمد حديد من طول ذراعين مربة الأشكال بمقابض مدوّرة في أيديهم بعدّة معلومة من كل صنف، فيتسلمها نقباؤهم، وهي في ضمانهم، وعليهم إعادتها إلى الخزائن بعد تقضي الخدمة بها، ويخرج للطائفة من العبيد الأقوياء السودان الشباب، ويقال لهم: أرباب السلاح الصفر، وهم ثلثمائة عبد لكل واحد حربتان بأسنة مصقولة تحتها جلب فضة كل اثنتين في شرابة وثلثمائة درقة بكوامخ فضة، يتسلم ذلك عرفاؤهم على ما تقدّم، فيسلمونه للعبيد لكل واحد حربتان ودرقة.

ثم يخرج من خزانة التجمل، وهي من حقوق خزائن السلاح القصب الفضة برسم تشريف الوزير، والأمراء أرباب الرتب، وأزمّة العساكر، والطوائف من الفارس، والراجل وهي رماح ملبسة بأنابيب الفضة المنقوشة بالذهب إلّا ذراعين منها، فيشدّ في ذلك الخالي من الأنابيب عدّة من المعاجر الشرب الملوّنة، ويترك أطرافها المرقومة مسبلة كالصناجق «3» ، وبرءوسها رمامين منفوخة فضة مذهبة وأهلة مجوّفة كذلك، وفيها جلاجل لها حس إذا

ص: 357

تحرّكت، وتكون عدّتها ما يقرب من مائة، ومن العماريات «1» ، وهي شبه الكخاوات «2» من الديباج الأحمر، وهو أجلها والأصفر والقرقوبيّ، والسقلاطون «3» مبطنة مضبوطة بزنانير حرير، وعلى دائر التربيع منها: مناطق بكوامخ فضة مسمورة في جلد نظير عدد القصب، فيسير من القصب عشرة، ومن العماريات مثلها من الحمر خاصة، ويخرج للوزير خاصة لواءان على رمحين طويلين ملبسين، بمثل تلك الأنابيب ونفس اللواء ملفوف غير منشور، وهذا التشريف يسير أمام الوزير، وهو للأمراء من ورائهم، ثم يسير للأمراء أرباب الرتب في الخدم، وأوّلهم صاحب الباب، وهو أجلهم خمس قصبات، وخمس عماريات، ويرسل لأسفهسلار العساكر أربع قصبات، وأربع عماريات من عدّة ألوان، ومن سواهما من الأمراء على قدر طبقاتهم: ثلاث ثلاث واثنتان اثنتان، وواحدة واحدة، ثم يخرج من البنود الخاص الديبقيّ المرقوم الملوّن برماح ملبسة بالأنابيب، وعلى رؤوسها الرمامين، والأهلة للوزير خاصة، ودون هذه البنود مما هو من الحرير على رماح غير ملبسة ورؤوسها ورمامينها من نحاس مجوّف مطليّ بالذهب، فتكون هذه أمام الأمراء المذكورين من تسعة إلى سبعة أذرع برأسها طلعة مصقولة، وهي من خشب القنطاريات داخلة في الطلعة، وعقبها حديد مدوّر أسفل، فهي في كف حاملها الأيمن، وهو يفتلها فيه فتلا متدارك الدوران، وفي يده اليسرى تشابه كبير يخطر بها، وعدّتها ستون مع ستين رجلا يسيرون رجالة في الموكب يسيرون يمنة ويسرة.

ثم يخرج من النقارات «4» حمل عشرين بغلا على كل بغل ثلاث مثل نقارات الكوسات «5» بغير كوسات يقال لها طبول، فيتسلمها صناعها، ويسيرون في الموكب اثنين اثنين ولها حس مستحسن، وكان لها ميزة عندهم في التشريف، ثم يخرج لقوم متطوّعين بغير جار، ولا جراية تقرب عدّتهم من مائة رجل لكل واحد درقة من درق اللمط «6» ، وهي واسعة وسيف، ويسيرون أيضا رجالة في الموكب هذا وظيفة خزائن السلاح.

ثم يحضر حامي خزائن السروج وهو من الأستاذين المحنكين إليها مع مشارفها، وهو من الشهود المعدّلين، فيخرج منها برسم خاص الخليفة من المركبات الحلي ما هو برسم

ص: 358

ركوبه، وما يجنب في موكبه مائة سرج، منها سبعون على سبعين حصانا، ومنها ثلاثون على ثلاثين بغلة كل مركب مصوغ من ذهب أو من ذهب وفضة، أو من ذهب منزل فيه المينا، أو من فضة منزلة بالمينا، وروادفها وقرابيسها من نسبتها، ومنها ما هو مرصع بالجواهر الفائقة، وفي أعناقها الأطواق الذهب، وقلائد العنبر، وربما يكون في أيدي وأرجل أكثرها خلاخل مسطوحة دائرة عليها، ومكان الجلد من السروج الديباج الأحمر والأصفر، وغيرهما من الألوان والسقلاطون المنقوش بألوان الحرير، قيمة كل دابة، وما عليها من العدّة ألف دينار، فيشرّف الوزير من هذه بعشرة حصن لركوبه وأولاده وإخوته، ومن يعز عليه من أقاربه، ويسلم ذلك لعرفاء الاصطبلات بالعرض عليهم من الجرائد التي هي ثابتة فيها بعلاماتها في أماكنها، وأعدادها، وعدد كل مركب منقوش عليه مثل: أوّل وثان وثالث إلى آخرها كما هو مسطور في الجرائد، فيعرف بذلك قطعة قطعة، ويسلمها العرفاء للشدّادين بضمان عرفائهم إلى أن تعود، وعليهم غرامة ما نقص منها، وإعادتها برمّتها.

ثم يخرج من الخزائن المذكورة لأرباب الدواوين المرتبين في الخدم على مقاديرهم مركبات أيضا من الحليّ دون ما تقدّم ذكره، وما تقرب عدّته من ثلثمائة مركب على خيل وبغلات، وبغال يتسلمها العرفاء المتقدّم ذكرهم على الوجه المذكور، وينتدب حاجب يحضر على التفرقة لفلان، وفلان من أرباب الخدم سيفا وقلما، فيعرّف كل شدّاد صاحبه، فيحضر إليه بالقاهرة ومصر سحر يوم الركوب، ولهم من الركاب رسوم من دينار إلى نصف دينار إلى ثلث دينار، فإذا تكمل هذا الأمر، وسلم أيضا الجمالون بالمناخات أغشية العماريات، ويكون إراحة في ذلك كله إلى آخر الثامن والعشرين من ذي الحجة، وأصبح اليوم التاسع والعشرون من سلخه على رأي القوم، عزم الخليفة على الجلوس في الشباك لعرض دوابه الخاص المقدّم ذكرها، ويقال له: يوم عرض الخيل، فيستدعي الوزير بصاحب الرسالة، وهو من كبار الأستاذين المحنكين، وفصحائهم وعقلائهم ومحصليهم، فيمضي إلى استدعائه في هيئة المسرعين على حصان دهراج «1» امتثالا لأمر الخليفة بالإسراع على خلاف حركته المعتادة، فإذا عاد مثل بين يدي الخليفة، وأعلمه باستدعائه الوزير، فيخرج راكبا من مكانه في القصر ولا يركب أحد في القصر إلّا الخليفة، وينزل في السدلا «2» بدهليز باب الملك الذي فيه الشباك، وعليه من ظاهره للناس ستر، فيقف من جانبه الأيمن زمام القصر «3» ، ومن جانبه الأيسر صاحب بيت المال، وهما من الأستاذين المحنكين فيركب

ص: 359

الوزير من داره، وبين يديه الأمراء، فإذا وصل إلى باب القصر ترجل الأمراء، وهو راكب، ويكون دخوله في هذا اليوم من باب العيد، ولا يزال راكبا إلى أوّل باب من الدهاليز الطوال، فينزل هناك، ويمشي فيها، وحواليه حاشيته، وغلمانه وأصحابه، ومن يراه من أولاده، وأقاربه ويصل إلى الشباك فيجد تحته كرسيا كبيرا من كراسي البلق الجيد، فيجلس عليه، ورجلاه تطأ الأرض، فإذا استوى جالسا رفع كل أستاذ الستر من جانبه، فيرى الخليفة جالسا في المرتبة الهائلة، فيقف ويسلم ويخدم بيده إلى الأرض ثلاث مرات، ثم يؤمر بالجلوس على كرسيه، فيجلس ويستفتح القرّاء بالقراءة قبل كل شيء بآيات لائقة بذلك الحال، مقدار نصف ساعة، ثم يسمر الأمراء، ويسرع في عرض الخيل، والبغال الخاص المقدّم ذكرها دابة دابة، وهي هادئة كالعرائس بأيدي شدّاديها إلى أن يكمل عرضها، فيقرأ القرّاء لختم ذلك الجلوس، ويرخي الأستاذان الستر، فيقدّم الوزير ويدخل إليه، ويقبل يديه ورجليه وينصرف عنه إلى داره، فيركب من مكان نزوله، والأمراء بين يديه لوداعه إلى داره ركبانا ومشاة، إلى قريب المكان فإذا صلى الخليفة الظهر بعد انفضاض ما تقدّم، جلس لعرض ما يلبسه في عيد تلك الليلة، وهو يوم افتتاح العام بخزائن الكسوات الخاص، ويكون لباسه فيه البياض غير الموشح فيعين على منديل خاص وبدلة، فأما المنديل: فيسلم الشادّ التاج الشريف، ويقال له شدّة الوقار «1» ، وهو من الأستاذين المحنكين، وله ميزة لممارسة ما يعلو تاج الخليفة فيشدّها شدّة غريبة لا يعرفها سواه، شكل الإهليلجة، ثم يحضر إليه اليتيمة، وهي جوهرة عظيمة لا يعرف لها قيمة فتنظم هي وحواليها ما دونها من الجواهر، وهي موضوعة في الحافر، وهو شكل الهلال من ياقوت أحمر ليس له مثال في الدنيا، فتنظم على خرقة حرير أحسن وضع، ويخيطها شادّ التاج بخياطة خفيفة ممكنة، فتكون بأعلى جبهة الخليفة.

ويقال: إنّ زنة الجوهرة سبعة دراهم، وزنة الحافر: أحد عشر مثقالا، وبدائرها قصبة زمرّذ ذبابي «2» له قدر عظيم ثم يؤمر بشدّ المظلة التي تشابهها تلك البدلة المحضرة بين يديه، وهي مناسبة للثياب، ولها عندهم جلالة لكونها تعلو رأس الخليفة، وهي اثنا عشر شوزكا «3» عرض سفل كل شوزك شبر، وطوله ثلاثة أذرع وثلث، وآخر الشورك من فوق دقيق جدّا، فيجتمع ما بين الشوازك في رأس عودها بدائره، وهو قنطارية من الزان ملبسة بأنابيب الذهب، وفي آخر أنبوبة تلي الرأس من جسمه،

ص: 360

فلكة «1» بارزة مقدار عرض إبهام فيشدّ آخر الشوارك في حلقة من ذهب، ويترك متسعا في رأس الرمح، وهو مفروض فتلقى تلك الفلكة، فتمنع المظلة من الحدور في العمود المذكور ولها أضلاع من خشب الخلنج مربعات مكسوّة بوزن الذهب على عدد الشوارك خفاف في الوزن طولها طول الشوارك، وفيها خطاطيف لطاف، وحلق يمسك بعضها بعضا، وهي تنضم وتنفتح على طريقة شوكات الكيزان، ولها رأس شبه الرمانة، ويعلوه رمانة صغيرة، كلها ذهب مرصع بجوهر يظهر للعيان، ولها رفرف دائر يفتحها من نسبتها عرضه أكثر من شبر ونصف، وسفل الرمانة فاصل يكون مقداره ثلاث أصابع، فإذا أدخلت الحلقة الذهب الجامعة لآخر شوارك المظلة في رأس العمود ركبت الرمانة عليها، ولفت في عرض ديبقيّ مذهب، فلا يكشفها منه إلا حاملها عند تسليمها إليه أوّل وقت الركوبة.

ثم يؤمر بشدّ لواءي الحمد المختصين بالخليفة، وهما رمحان طويلان ملبسان بمثل أنابيب عمود المظلة إلى حدّ نصفهما، وهما من الحرير الأبيض المرقوم بالذهب، وغير منشورين بل ملفوفين على جسم الرمحين، فيشدّان ليخرجا بخروج المظلة إلى أميرين من حاشية الخليفة، برسم حملهما ويخرج إحدى وعشرون راية لطاف من الحرير المرقوم ملوّنة بكتابة تخالف ألوانها من غيره.

ونص كتابتها: نصر من الله وفتح قريب، على رماح مقوّمة من القنا المنتقى، طول كل راية ذراعان في عرض ذراع ونصف في كل واحدة ثلاث طرازات، فتسلم لأحد وعشرين رجلا من فرسان صبيان الخاص «2» ، ولهم بشارة عود الخليفة سالما عشرون دينارا، ثم يخرج رمحان رؤوسهما أهلة من ذهب صامتة في كل واحد سبع من ديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الريح، فينفتحان فيظهر شكلهما، ويتسلمهما فارسان من صبيان الخاص، فيكونان أمام الرايات، ثم يخرج السيف الخاص، وهو من صاعقة وقعت على ما يقال، وجلبته ذهب مرصعة بالجوهر في خريطة مرقومة بالذهب لا يظهر إلا رأسه، ليسلم إلى حامله، وهو أمير عظيم القدر، وهذه عندهم رتبة جليلة المقدار، وهو أكبر حامل، ثم يخرج الرمح وهو رمح لطيف في غلاف منظوم من اللؤلؤ، وله سنان مختصر بحلية ذهب، ودرقة بكوامخ ذهب فيها سعة منسوبة إلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في غشاء من حرير لتخرج إلى حاملها، وهو أمير مميز، ولهذه الخدمة وصاحبها عندهم جلالة.

ثم تشعر الناس بطريق الموكب، وسلوكه لا يتعدّى دورتين إحداهما كبرى، والأخرى

ص: 361

صغرى، أما الكبرى: فمن باب القصر إلى باب النصر مارّا إلى حوض عز الملك نبا، ومسجده هناك، وهو أقصاها ثم ينعطف على يساره طالبا باب الفتوح إلى القصر، والأخرى إذا خرج من باب النصر سار حافا بالسور، ودخل من باب الفتوح، فيعلم الناس بسلوك إحداهما، فيشيرون إذا ركب الخليفة فيها من غير تبديل للموكب ولا تشويش، ولا اختلال، فلا يصبح الصبح من يوم الركوب إلّا وقد اجتمع من بالقاهرة ومصر من أرباب الرتب وأرباب التميزات من أرباب السيوف، والأقلام قياما بين القصرين، وكان براحا واسعا خاليا من البناء الذي فيه اليوم، فيسع القوم لانتظار الخليفة، ويبكر الأمراء إلى الوزير إلى داره، فيركب إلى القصر من غير استدعاء لأنها خدمة لازمة للخليفة، فيسير أمامه تشريفه المقدّم ذكره، والأمراء بين يديه ركبانا ومشاة، وأمامه أولاده وإخوته وكل منهم مرخي الذؤابة بلا حنك، وهو في أبهة عظيمة من الثياب الفاخرة، والمنديل، وهو بالحنك، ويتقلد بالسيف المذهب، فإذا وصل القصر ترجل قبله أهله في أخص مكان لا يصل الأمراء إليه، ودخل من باب القصر، وهو راكب دون الحاضرين إلى دهليز يقال له دهليز العمود، فيترجل على مصطبة هناك، ويمشي بقية الدهليز إلى القاعة فيدخل مقطع الوزارة هو وأولاده وإخوته، وخواص حاشيته، ويجلس الأمراء بالقاعة على دكك معدّة لذلك مكسوّة في الصيف بالحصر السامان، وفي الشتاء بالبسط الجهرمية المحفورة، فإذا أدخلت الدابة لركوب الخليفة وأسندت إلى الكرسيّ الذي يركب عليه من باب المجلس، أخرجت المظلة إلى حاملها، فيكشفها مما هي ملفوفة فيه غير مطوية، فيتسلمها بإعانة أربعة من الصقالبة «1» برسم خدمتها، فيركزها في آلة حديد متخذة شكل القرن وهو مشدود في ركاب حاملها الأيمن بقوّة وتأكيد، فيمسك العمود بحاجز فوق يده، فيبقى وهو منتصف واقف ولم يذكر قط أنها اضطربت في ريح عاصف، ثم يخرج بالسيف، فيتسلمه حامله فإذا تسلمه أرخيت ذؤابته ما دام حاملا له، ثم تخرج الدواة، فتسلم لحاملها، وهو من الأستاذين المحنكين.

وكان الوزراء حملوها لقوم من الشهود المعدّلين، وهي الدواة التي كانت من أعاجيب الزمان، وهي في نفسها من الذهب، وحليتها مرجان، وهي ملفوفة في منديل شرب بياض مذهب، وقد قال فيها بعض الشعر: يخاطب الخليفة التي صنعت حلية المرجان في وقته وهذا من أغرب ما يكون ذكر ذلك في بيتين وهما:

ألين لداود الحديد كرامة

فقدّر منه السرد كيف يريد

ولأن لك المرجان وهو حجارة

ومقطعه صعب المرام شديد

فيخرج الوزير، ومن كان معه من المقطع، وتنضم إليه الأمراء، ويقفون إلى جانب

ص: 362

الراية، فيرفع صاحب المجلس الستر فيخرج من كان عند الخليفة للخدمة منهم، وفي إثرهم يبرز الخليفة بالهيئة للشروح حالها في لباسه الثياب المعروضة عليه، والمنديل الحامل لليتيمة بأعلى جبهته، وهو محنك مرخي الذؤابة مما يلي جانيه الأيسر، ويتقلد بالسيف المغربي وبيده قضيب الملك، وهو طول شبر ونصف من عود مكسوّ بالذهب المرصع بالدرر والجوهر، فيسلم على الوزير قوم مرتبون لذلك، وعلى أهله على الأمراء بعدهم، ثم يخرج أولئك أوّلا فأوّلا، والوزير يخرج بعد الأمراء فيركب ويقف قبالة باب القصر بهيئته.

ويخرج الخليفة وحواليه الأستاذون ودابته ماشية على بسط مفروشة خيفة من زلقها على الرخام، فإذا قارب الباب، وظهر وجهه ضرب رجل ببوق لطيف من ذهب معوج الرأس يقال له: الغربية، بصوت عجيب يخالف أصوات البوقات، فإذا سمع ذلك ضربت الأبواق في الموكب، ونشرت المظلة، وبرز الخليفة من الباب، ووقف وقفة يسيرة بمقدار ركوب الأستاذين المحنكين وغيرهم من أرباب الرتب الذين كانوا بالقاعة للخدمة، وسار الخليفة وعلى يساره صاحب المظلة، وهو يبالغ أن لا يزول عنها ظلها، ثم يكتنف الخليفة مقدّمو صبيان الركاب منهم، اثنان في الشكيمة، واثنان في عنق الدابة من الجانبين، واثنان في ركابه فالأيمن مقدّم المقدّمين، وهو صاحب المقرعة التي يتناولها، ويناولها، وهو المؤدّي عن الخليفة مدّة ركوبه الأوامر، والنواهي، ويسير الموكب بالحث.

فأوّله الأمراء وأولادهم، وأخلاط بعض العسكر الأماثل إلى أرباب القصر إلى أرباب الأطواق إلى الأستاذين المحنكين إلى حامل اللوائين من الجانبين إلى حامل الدواة، وهي بينه وبين قربوس السرج إلى صاحب السيف، وهما في الجانب الأيسر كل واحد ممن تقدّم ذكره بين عشرة إلى عشرين من أصحابه، ويحجبه أهل الوزير المقدّم ذكرهم من الجانب الأيمن بعد الأستاذين المحنكين، ثم يأتي الخليفة، وحواليه صبيان الركاب المذكورة، تفرقة السلاح فيهم، وهم أكثر من ألف رجل، وعليهم المناديل الطبقيات، ويتقلدون بالسيوف، وأوساطهم مشدودة بمناديل، وفي أيديهم السلاح مشهور، وهم من جانبي الخليفة كالجناحين المادّين وبينهما فرجة لوجه الفرس ليس فيها أحد، وبالقرب من رأس الصقلبيان الحاملان للمذبتين، وهما مرفوعتان كالنخلتين لما يسقط من طائر وغيره، وهو سائر على تؤدة، ورفق وفي طول الموكب من أوّله إلى آخره والي القاهرة مارّ وعائد، يفسح الطرقات ويسير الركبان فيلقي في عوده الإسفهسلار كذلك مارا وعائدا لحث الأجناد في الحركة والإنكار على المزاحمين المعترضين، ويلقي في عوده صاحب الباب، ومروره في زمرة الخليفة إلى أن يصل إلى الإسفهسلار، فيعود لترتيب الموكب، وحراسة طرقات الخليفة، وفي يد كل منهم دبوس، وهو راكب خير دوابه وأسرعها، هذا لمن أمام الموكب، ثم يسير خلف دابة الخليفة قوم من صبيان

ص: 363

الركاب لحفظ أعقابه، ثم عشرة يحملون عشرة سيوف في خرائط ديباج أحمر وأصفر بشراريب غزيرة يقال لها: سيوف الدم برسم ضرب الأعناق ثم يسير بعدهم صبيان السلاح الصغير، أرباب الفرنجيات المقدّم ذكرهم.

ثم يأتي الوزير في هيبة، وفي ركابه من أصحابه قوم يقال لهم: صبيان الزرد من أقوياء الأجناد يختارهم لنفسه ما مقداره خمسمائة رجل من جانبيه بفرجة لطيفة أمامه، دون فرجة الخليفة، وكأنه على وفز من حراسة الخليفة، ويجتهد أن لا يغيب عن نظره، وخلفه الطبول والصنوج والصفافير، وهو مع عدّة كثيرة تدوي بأصواتها وحسّها الدنيا، ثم يأتي حامل الرمح المقدّم ذكره ودرقته حمراء.

ثم طوائف الراجل من الركابية والجيوشية، وقبلهما المصامدة، ثم الفرنجية، ثم الوزيرية زمرة زمرة في عدّة وافرة تزيد على أربعة آلاف في الوقت الحاضر، وهم أضعاف ذلك، ثم أصحاب الرايات والسبعين، ثم طوائف العساكر من الآمرية والحجرية الكبار، والحافظية، والحجرية الصغار المنقولين، والأفضلية والجيوشية، ثم الأتراك المصطنعون، ثم الديلم، ثم الأكراد، ثم الغز المصطنعة، وقد كان تقدّم هؤلاء الفرسان عدّة وافرة من المترجلة أرباب قسيّ اليد، وقسيّ الرجل في أكثر من خمسمائة، وهم المعدّون للأساطيل، ويكون من الفرسان المقدّم ذكرهم ما يزيد على ثلاثة آلاف، وهذا كله بعض من كل.

فإذا انتهى الموكب إلى المكان المحدود، عادوا على أدراجهم، ويدخلون من باب الفتوح، ويقفون بين القصرين بعد الرجوع، كما كانوا قبله، فإذا وصل الخليفة إلى الجامع الأقمر بالقماحين اليوم وقف وقفة بجملته في موكبه، وانفرج الموكب للوزير، فيتحرّك مسرعا ليصير أمام الخليفة، حتى يدخل بين يديه فيمرّ الخليفة، ويسكع «1» له سكعة ظاهرة، فيشير الخليفة للسلام عليه إشارة خفية، وهذه أعظم مكارمة تصدر عن الخليفة، ولا تكون إلّا للوزير صاحب السيف، وسبقه إلى دخول باب القصر راكبا على عادته إلى موضعه، ويكون الأمراء، قد نزلوا قبله لأنهم في أوائل الموكب، فإذا وصل الخليفة إلى باب القصر، ودخله ترجل الوزير، ودخل قبله الأستاذون المحنكون، وأحدقوا به، والوزير أمام وجه الفرس مكان ترجله إلى الكرسيّ الذي ركب منه، فينزل عليه ويدخل إلى مكانه بعد خدمة المذكورين له، فيخرج الوزير، ويركب من مكانه الجاري به على عادته، والأمراء بين يديه، وأقاربه حواليه، فيركبون من أماكنهم ويسيرون صحبته إلى داره، فيدخل وينزل أيضا إلى مكانه على كرسيّ فتخدمه الجماعة بالوداع، ويتفرّق الناس إلى أماكنهم.

ص: 364