الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر دار الوزارة الكبرى
وكان بجوار هذا القصر الكبير الشرقيّ تجاه رحبة باب العيد، دار الوزارة الكبرى، ويقال لها: الدار الأفضلية والدار السلطانية.
قال ابن عبد الظاهر: دار الوزارة بناها: بدر الجماليّ أمير الجيوش، ثم لم يزل يسكنها من يلي إمرة الجيوش إلى أن انتقل الأمر عن المصريين، وصار إلى بني أيوب، فاستقرّ سكن الملك الكامل بقلعة الجبل خارج القاهرة، وسكنها السلطان الملك الصالح ولده، ثم أرصدت دار الوزارة لمن يرد من الملوك، ورسل الخليفة إلى هذا الوقت، وكانت دار الوزارة قديما تعرف بدار القباب، وأضافها الأفضل إلى دور بني هريسة، وعمرها دارا وسماها دار الوزارة، انتهى.
والذي تدل عليه كتب ابتياعات الأملاك القديمة التي بتلك الخطة أنها من بناء الأفضل، لا من عمارة أبيه بدر، والدار التي عمرها أمير الجيوش بدر هي داره: بحارة برجوان التي قيل لها دار المظفر، وما زال وزراء الدولة الفاطمية أرباب السيوف من عهد الأفضل بن أمير الجيوش يسكنون بدار الوزارة هذه إلى أن زالت الدولة فاستقرّ بها السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وابنه من بعده: الملك العزيز عثمان، ثم ابنه الملك المنصور، ثم الملك العادل أبو بكر بن أيوب، ثم ابنه الملك الكامل، وصاروا يسمونها الدار السلطانية، وأوّل من انتقل عنها من الملوك، وسكن بالقلعة الملك الكامل ناصر الدين محمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وجعلها منزلا للرسل، فلما ولي قطز سلطنة ديار مصر، وتلقب بالملك العادل في سنة سبع وخمسين وستمائة، وحضر إليه البحرية وفيهم بيبرس البندقداريّ، وقلاون الألفيّ من الشام، خرج الملك العادل قطز إلى لقائهم، وأنزل الأمير ركن الدين بيبرس بدار الوزارة، فلم يزل بها، حتى سافر صحبة قطز إلى الشام، وقتله وعاد إلى مصر فتسلطن، وسكن بقلعة الجبل. وفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، لما قتل الأشرف خليل بن قلاون في واقعة بيدرا «1» ، ثم قتل بيدرا، وأجلس الملك الناصر محمد علي تخت الملك، وثارت الأشرفية من المماليك على الأمراء، وقتل من قتل منهم، خاف بقية الأمراء من شرّ المماليك الأشرفية، فقبض منهم على نحو الستمائة مملوك، وأنزل بهم من القلعة، وأسكن منهم نحو: الثلاثمائة بدار الوزارة، وأسكن منهم كثير في مناظر الكبش، وأجريت عليهم الرواتب، ومنعوا من الركوب إلى أن كان من أمرهم ما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب.
ولما كانت سنة سبعمائة: أخذ الأمير شمس الدين قرا سنقر المنصوري نائب السلطنة في أيام الملك المنصور حسام الدين لاجين: قطعة من دار الوزارة، فبنى بها الربع المقابل خانقاه سعيد السعداء، ثم بنى المدرسة المعروفة: بالقراسنقرية، ومكتب الأيتام، فلما كانت دولة البرجية بنى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير: الخانقاه الركنية، والرباط بجانبها من جملة دار الوزارة، وذلك في سنة تسع وسبعمائة، ثم استولى الناس على ما بقي من دار الوزارة، وبنوا فيها، فمن حقوقها الربع تجاه الخانقاه الصلاحية دار سعيد السعداء، والمدرسة القراسنقرية، وخانقاه ركن الدين بيبرس، وما بجوارها من دار قزمان ودار الأمير شمس الدين سنقر الأعسر الوزير، المعروفة: بدار خوند طولوباي الناصرية، جهة الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون، وحمام الأعسر التي بجانبها، والحمام المجاور لها، وما وراء هذه الأماكن من الآدر وغيرها. وهي الفرن والطاحون التي قبليّ المدرسة القراسنقرية، ومن الآدر والخربة التي قبليّ ربع قراسنقر، وما جاور باب سرّ المدرسة القراسنقرية من الآدر، وخربة أخرى هناك، والدار الكبرى المعروفة بدار الأمير سيف الدين برلغي الصغير صهر الملكك المظفر بيبرس الجاشنكير المعروفة اليوم: بدار الغزاوي، وفيها السرداب الذي كان رزيك بن الصالح رزيك فتحه في أيام وزارته من دار الوزارة إلى سعيد السعداء، وهو باق إلى الآن في صدر قاعتها، وذكر أنّ فيه حية عظيمة، ومن حقوق دار الوزارة المناخ المجاور لهذه القاعة، وكان على دار الوزارة: سور مبنيّ بالحجارة وقد بقي الآن منه قطعة في حدّ دار الوزارة الغربيّ، وفي حدّها القبليّ، وهو الجدار الذي فيه باب الطاحون والساقية تجاه باب سعيد السعداء من الزقاق الذي يعرف اليوم: بخرائب تتر، ومنه قطعة في حدّها الشرقيّ عند باب الحمام، والمستوقد بباب الجوّانية، وكان بدار الوزارة هذا الشباك الكبير المعمول من الحديد في القبة التي دفن تحتها بيبرس الجاشنكير من خانقاهه، وهو الشباك الذي يقرأ فيه القرّاء، وكان موضوعا في دار الخلافة ببغداد يجلس فيه الخلفاء من بني العباس.
فلما استولى الأمير أبو الحرث البساسيري «1» على بغداد، وخطب فيها للخليفة المستنصر بالله الفاطميّ أربعين جمعة، وانتهب قصر الخلافة، وصار الخليفة القائم بأمر الله العباسيّ إلى عانة، وسير البساسيريّ الأموال، والتحف من بغداد إلى المستنصر بالله بمصر في سنة سبع وأربعين وأربعمائة: كان من جملة ما بعث به منديل الخليفة القائم بأمر الله الذي عممه بيده في قالب من رخام، قد وضع فيه كما هو حتى لا تتغير شدّته، ومع هذا المنديل رداءه، والشباك الذي كان يجلس فيه، ويتكئ عليه، فاحتفظ بذلك إلى أن عمرت دار الوزارة على يد الأفضل بن أمير الجيوش، فجعل هذا الشباك بها، يجلس فيه الوزير،