الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شمال المشرق، فيملكون الفرات والروم والشام، وقال يعقوب بن إسحاق الكنديّ: مدّة ملة الإسلام ستمائة وثلاث وتسعون سنة.
وقال الفقيه الحافظ أبو محمد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم «1» : وأما اختلاف الناس في التاريخ، فإنّ اليهود يقولون: أربعة آلاف سنة، والنصارى يقولون: الدنيا خمسة آلاف سنة، وأما نحن يعني أهل الإسلام، فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا، ومن ادّعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقلّ فقد قال ما لم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لفظة تصح، بل صح عنه عليه السلام خلافه، بل نقطع على أن للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى، قال الله تعالى: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ
[الكهف/ 51]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود والشعرة السوداء في الثور الأبيض» . وهذه نسبة من تدبرها، وعرف مقدار عدد أهل الإسلام، ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض، وإنه الأكثر علم أن للدنيا أمدا لا يعلمه إلا الله تعالى، وكذلك قوله عليه السلام:«بعثت أنا والساعة كهاتين» وضم أصبعيه المقدّستين السبابة والوسطى، وقد جاء النص: بأن الساعة لا يعلم متى تكون إلا الله تعالى لا أحد سواه، فصح أنه صلى الله عليه وسلم، إنما عني شدّة القرب لا فضل السبابة على السباحة إذ لو أراد ذلك لأخذت نسبة ما بين الإصبعين، ونسب من طول الأصبع، فكان يعلم بذلك متى تقوم الساعة، وهذا باطل وأيضا فكان تكون نسبته صلى الله عليه وسلم إيانا من قبلنا بأننا كالشعرة في الثور كذبا، ومعاذ الله من ذلك، فصح أنه عليه السلام، إنما أراد شدّة القرب، وله صلى الله عليه وسلم منذ بعث أربعمائة عام ونيف، والله تعالى أعلم بما بقي للدنيا، فإذا كان هذا العدد العظيم لا نسبة له عندما سلف لقتله، وتفاهته بالإضافة إلى ما مضى، فهو الذي قاله صلى الله عليه وسلم من أننا فيمن مضى كالشعرة في الثور أو الرقمة في ذراع الحمار.
وقد رأيت بخط الأمير أبي محمد عبد الله بن الناصر قال: حدّثني محمد بن معاوية القرشيّ أنه رأى بالهند بلدا له اثنتان وسبعون ألف سنة، وقد وجد محمود بن سبكتكين بالهند مدينة يؤرخون بأربعمائة ألف سنة، قال أبو محمد: إلا أن لكل ذلك أوّلا، ولا بدّ ونهاية لم يكن شيء من العالم موجودا قبله، ولله الأمر من قبل ومن بعد، والله أعلم.
ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط
التاريخ: كلمة فارسية أصلها: ماروز، ثم عرّب.
قال محمد بن أحمد بن محمد بن يوسف البلخيّ في كتاب مفاتيح العلوم، وهو
كتاب جليل القدر، وهذا اشتقاق بعيد لولا أنّ الرواية جاءت به، وقال قدامة بن جعفر في كتاب الخراج: تاريخ كل شيء آخره، وهو في الوقت غايته، يقال: فلان تاريخ قومه، أي إليه ينتهي شرفهم، ويقال: ورّخت الكتاب توريخا وأرخته تأريخا، اللغة الأولى لتميم، والثانية لقيس، ولكل أهل ملة تاريخ، فكانت الأمم تؤرخ أوّلا بتاريخ الخليقة، وهو ابتداء كون النسل من آدم عليه السلام، ثم أرخت بالطوفان، وأرخت ببخت نصر، وأرخت بفيلبس، وأرخت بالإسكندر، ثم بأغشطش، ثم بأنطيس، ثم بدقلطيانوس، وبه تؤرخ القبط، لم يكن بعد تاريخ القبط إلا تاريخ الهجرة، ثم تاريخ يزدجرد، فهذه تواريخ الأمم المشهورة، وللناس تواريخ أخر قد انقطع ذكرها.
فأما تاريخ الخليقة، ويقال له: ابتداء كون النسل، وبعضهم يقول: بدو التحرّك، فإنّ لأهل الكتاب من اليهود والنصارى والمجوس في كيفيته، وسياقة التاريخ منه خلافا كثيرا، قال المجوس والفرس: عمر العالم اثنا عشر ألف عام على عدد بروج الفلك وشهور السنة، وزعموا أنّ زرادشت صاحب شريعتهم قال: إن الماضي من الدنيا إلى وقت ظهوره ثلاثة آلاف ومائتا سنة وثمان وخمسون سنة، وإذا حسبنا من أوّل يوم كيومرت الذي هو عندهم الإنسان الأوّل، وجمعنا مدّة كل من ملك بعده، فإنّ الملك ملصق فيهم غير منقطع عنهم، كان العدد منه إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وثلثمائة وأربعا وخمسين سنة، فإذا لم يتفق التفصيل مع الجملة، وقال قوم: الثلاثة الآلاف الماضية إنما هي من خلق كيومرت فإنه مضى قبله ألف سنة، والفلك فيها واقف غير متحرّك، والطبائع غير مستحيلة، والأمّهات غير متمازجة، والكون والفساد غير موجود فيها، والأرض غير عامرة، فلما تحرّك الفلك حدث الإنسان الأوّل في معدن النهار، وتولد الحيوان وتوالد وتناسل الإنس فكثروا، وامتزجت أجزاء العناصر للكون والفساد، فعمرت الدنيا، وانتظم العالم.
وقال اليهود: الماضي من آدم إلى الإسكندرية ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان وأربعون سنة.
وقال النصارى: المدّة بينهما خمسة آلاف ومائة وثمانون سنة، وزعموا أن اليهود نقصوها، ليقع خروج عيسى ابن مريم عليه السلام في الألف الرابع وسط السبعة آلاف التي هي مقدار العالم عندهم، حتى تخالف ذلك الوقت الذي سبقت البشارة من الأنبياء الذين كانوا بعد موسى بن عمران عليه السلام، بولادة المسيح عيسى، وإذا جمع ما في التوراة التي بيد اليهود من المدّة التي بين آدم عليه السلام، وبين الطوفان، كانت ألفا وستمائة وستا وخمسين سنة، وعند النصارى في إنجيلهم ألفان ومائتا سنة واثنتان وأربعون سنة، وتزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط، وتزعم النصارى: أن توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف، ولا تبديل، وتقول اليهود: فيها خلاف ذلك، وتقول السامرية: بأنّ
توارثهم هي الحقّ، وما عداها باطل، ولس في اختلافهم ما يزيل الشك بل يقوّي الجالبة له، وهذا الاختلاف بعينه بين النصارى أيضا في الإنجيل، وذلك أنّ له عند النصارى أربع نسخ مجموعة في مصحف واحد، أحدهما إنجيل متى، والثاني لمارقوس، والثالث للوقا، والرابع ليوحنا، قد ألف كل من هؤلاء الأربعة إنجيلا على حسب دعوته في بلاده، وهي مختلفة اختلافا كثيرا، حتى في صفات المسيح عليه السلام، وأيام دعوته، ووقت الصلب بزعمهم، وفي نسبه أيضا، وهذا الاختلاف لا يحتمل مثله، ومع هذا فعند كل من أصحاب مرقيون، وأصحاب ابن ديصان إنجيل يخالف بعضه هذا الأناجيل، ولأصحاب ماني إنجيل على حدة يخالف ما عليه النصارى من أوّله إلى آخره، ويزعمون أنه هو الصحيح، وما عداه باطل.
ولهم أيضا إنجيل يسمى: إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس، والنصارى وغيرهم ينكرونه، وإذا كان الأمر من الاختلاف بين أهل الكتاب، كما قد رأيت ولم يكن للقياس والرأي مدخل في تمييز حق ذلك من باطله امتنع الوقوف على حقيقة ذلك من قبلهم، ولم يعوّل على شيء من أقوالهم فيه، وأما غير أهل الكتاب، فإنهم أيضا مختلفون في ذلك.
قال أسوش: بين خلق آدم وبين ليلة الجمعة أوّل الطوفان ألفا سنة ومائتا سنة وست وعشرون سنة وثلاثة وعشرون يوما وأربع ساعات، وقال ما شاه: واسمه منشا بن أثري منجم المنصور والمأمون في كتاب القرانات: أوّل قران وقع بين زحل والمشتري في بدء التحرّك، يعني ابتداء النسل من آدم كان على مضيّ خمسمائة وتسع سنين وشهرين وأربعة وعشرين يوما مضت من ألف المريخ، فوقع القران في برج الثور من المثلثة الأرضية على سبع درج واثنتين وأربعين دقيقة، وكان انتقال الممرّ من برج الميزان، ومثلثته الهوائية إلى برج العقرب، ومثلثته المائية بعد ذلك بألفي سنة وأربعمائة سنة واثنتي عشرة سنة وستة أشهر وستة وعشرين يوما، ووقع الطوفان في الشهر الخامس من السنة الأولى من القران الثاني من قرانات هذه المثلثة المائية، وكان بين وقت القران الأوّل الكائن في بدء التحرّك، وبين الشهر الذي كان فيه الطوفان ألفان وأربعمائة وثلاث وعشرون سنة وستة أشهر واثنا عشر يوما، قال: وفي كل سبعة آلاف سنة وسنتين وعشرة أشهر وستة أيام يرجع القران إلى موضعه من برج الثور الذي كان في بدء التحرّك، وهذا القول أعزك الله هو الذي اشتهر، حتى ظنّ كثير من الملل، أنّ مدّة بقاء الدنيا سبعة آلاف سنة فلا تغترّ به، وتنبه إلى أصله تجده أوهى من بيت العنكبوت فاطرحه.
وقيل: كان بين آدم وبين الطوفان ثلاثة آلاف وسبعمائة وخمس وثلاثون سنة، وقيل:
كانت بينهما مدّة ألفين ومائتين وست وخمسين سنة، وقيل: ألفان وثمانون سنة.
وأما تاريخ الطوفان: فإنه يتلو تاريخ الخليقة، وفيه من الاختلاف ما لا يطمع في حقيقته من أجل الاختلاف فيما بين آدم وبينه وفيما بينه وبين تاريخ الإسكندر، فإن اليهود
عندهم أنّ بين الطوفان، وبين الإسكندر ألفا وسبعمائة واثنتين وتسعين سنة، وعند النصارى بينهما ألفا سنة وتسعمائة وثمان وثلاثون سنة، والفرس وسائر المجوس، والكلدانيون أهل بابل، والهند، وأهل الصين، وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان، وأقرّ به بعض الفرس، لكنهم قالوا: لم يكن الطوفان بسوى الشام والمغرب، ولم يعمّ العمران كله ولا غرّق إلا بعض الناس، ولم يتجاوز عقبة حلوان، ولا بلغ إلى ممالك المشرق، قالوا: ووقع في زمان طمهورت، وإنّ أهل المغرب لما أنذر حكماؤهم بالطوفان اتخذوا المباني العظيمة كالهرمين بمصر، ونحوهما ليدخلوا فيها عند حدوثه، ولما بلغ طمهورت الإنذار بالطوفان قبل كونه بمائة وإحدى وثلاثين سنة، أمر باختيار مواضع في مملكته صحيحة الهواء والتربة، فوجد ذلك بأصبهان «1» ، فأمر بتجليد العلوم، ودفنها فيها في أسلم المواضع، ويشهد لهذا ما وجد بعد الثلاثمائة من سني الهجرة في حيّ من مدينة أصبهان من التلال التي انشقت عن بيوت مملوءة أعد الأعدّة كثيرة قد ملئت من لحاء الشجر التي تلبس بها القسيّ «2» ، وتسمى:
التور مكتوبة بكتابة لم يدر أحد ما هي؟.
وأما المنجمون: فإنهم صححوا هذه السنين من القران الأوّل من قرانات العلويين:
زحل والمشتري التي أثبت علماء أهل بابل، والكلدانيين مثلها إذا كان الطوفان ظهوره من ناحيتهم، فإنّ السفينة استقرّت على الجوديّ «3» وهو غير بعيد من تلك النواحي، قالوا: وكان هذا القران قبل الطوفان بمائتين وعشرين سنة ومائة وثمانية أيام، واعتنوا بأمرها وصححوا ما بعدها، فوجدوا ما بين الطوفان، وبين أوّل ملك بخت نصر الأوّل ألفي سنة وستمائة وأربع سنين، وبين بخت نصر هذا، وبين الإسكندر أربعمائة وست وثلاثون سنة، وعلى ذلك بنى أبو معشر أوساط الكواكب في زيجه، وقال: كان الطوفان عند اجتماع الكواكب في آخر برج الحوت، وأوّل برج الحمل، وكان بين وقت الطوفان، وبين تاريخ الإسكندر قدر ألفي سنة وسبعمائة وتسعين سنة مكبوسة وسبعة أشهر وستة وعشرين يوما، وبينه وبين يوم الخميس أوّل المحرّم من السنة الأولى من سني الهجرة النبوية ألف ألف يوم وثلثمائة ألف يوم وتسعة وخمسون ألف يوم وتسعمائة يوم وثلاثة وسبعون يوما، يكون من السنين الفارسية المصرية ثلاثة آلاف سنة، وسبعمائة وخمسا وعشرين سنة، وثلثمائة يوم وثمانية وأربعين يوما.
ومنهم من يرى أنّ الطوفان كان يوم الجمعة، وعند أبي معشر أنه كان يوم الخميس، ولما تقرّر عنده الجملة المذكورة، وخرجت له المدّة التي تسمى: أدوار الكواكب، وهي بزعمهم ثلثمائة ألف وستون ألف سنة شمسية، وأوّلها متقدّم على وقت الطوفان بمائة ألف