الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثمانين ألف سنة شمسية، حكم بأنّ الطوفان كان في مائة ألف وثمانين ألف سنة، وسيكون فيما بعد كذلك، ومثل هذا لا يقبل إلّا بحجة أو من معصوم.
وأما تاريخ بخت نصر: فإنه على سني القبط، وعليه يعمل في استخراج مواضع الكواكب من كتاب المجسطي، ثم أدوار قالليس، وأوّل أدواره في سنة ثماني عشرة وأربعمائة لبخت نصر، وكل دور منها ست وسبعون سنة شمسية، وكان قالليس من جلّة أصحاب التعاليم، وبخت نصر هذا ليس هو الذي خرّب بيت المقدس، وإنما هو آخر كان قبل بخت نصر مخرّب بيت المقدس، بمائة وثلاث وأربعين سنة، وهو اسم فارسيّ أصله بخت برسي، ومعناه كثير البكاء والأنين، ويقال له بالعبرانية: نصار، وقيل تفسيره: عطارد، وهو ينطق وذلك لتحيبه على الحكمة، وتغريب أهلها ثم عرّب فقيل: بخت نصر.
وأما تاريخ فيلبس: فإنه على سني القبط، وكثيرا ما يستعمل هذا التاريخ من موت الإسكندر البناء المقدونيّ، وكلا الأمرين سواء، فإن القائم بعد البناء هو فيلبس فسواء كان من موت الأوّل أو من قيام الآخر، فإن الحالة المؤرخة هي كالفصل المشترك بينهما، وفيلبس هذا هو أبو الإسكندر المقدونيّ، ويعرف هذا التاريخ: بتاريخ الإسكندرانيين، وعله بنى تاون الإسكندرانيّ في تاريخه المعروف بالقانون، وأعلم.
وأما تاريخ الإسكندرية فإنه على سني الروم عليه يعمل أكثر الأمم إلى وقتنا هذا من أهل الشام، وأهل بلاد الروم، وأهل المغرب والأندلس، والفرنج واليهود، وقد تقدّم الكلام عليه عند ذكر الإسكندرية من هذا الكتاب.
وأما تاريخ أغشطش «1» فإنه لا يعرف اليوم أحد يستعمله، وأغشطش هذا هو أوّل القياصرة، ومعنى قيصر بالرومية شقّ عنه، فإنّ أغشطش هذا لما حملت به أمّه ماتت في المخاض، فشق بطنها حتى أخرج منه، فقيل: قيصر، وبه يلقب من بعده من ملوك الروم، ويزعم النصارى أنّ المسيح عليه السلام: ولد لأربعين سنة من ملكه، وفي هذا القول نظر، فإنه لا يصح عند سياقه السنين، والتواريخ بل يجيء تعديل ولادته عليه السلام في السنة السابعة عشر من ملكه. وأما تاريخ أنطينس: فإن بطليموس صحح الكواكب الثابتة في كتابه المعروف بالمجسطيّ لأوّل ملكه على الروم وسنو هذا التاريخ رومية.
ذكر تاريخ القبط
إعلم: أن السنة الشمسية عبارة عن عود الشمس في فلك البروج إذا تحرّكت على
خلاف حركة الكل إلى أيّ نقطة فرضت، ابتداء حركتها، وذلك أنها تستوفي الأزمنة الأربعة التي هي الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، وتحوز طبائعها الأربع، وتنتهي إلى حيث بدأت، وفي هذه المدّة يستوفي القمر اثنتي عشرة عودة، وأقلّ من نصف عودة، ويستهل اثنتي عشرة مرّة، فجعلت المدّة التي فيها عودات القمر الاثنتا عشرة في فلك البروج سنة للقمر على جهة الاصطلاح، وأسقط الكسر الذي هو أحد عشر يوما بالتقريب، فصارت السنة على قسمين: سنة شمسية، وسنة قمرية، وجميع من على وجه الأرض من الأمم أخذوا تواريخ سنيهم من مسير الشمس والقمر، فالآخذون بسير الشمس خمس أمم وهم:
اليونانيون، والسريانيون، والقبط، والروم، والفرس، والآخذون بسير القمر خمس أمم هم:
الهند، والعرب، واليهود، والنصارى، والمسلمون.
فأهل قسنطينية والإسكندرية، وسائر الروم والسريانيون والكلدانيون، وأهل مصر، ومن يعمل برأي المعتضد أخذوا بالسنة الشمسية التي هي ثلثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم بالتقريب، وصيروا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما، وألحقوا الأرباع بها في كل أربع سنين يوما حتى انجبرت السنة، وسمّوا تلك السنة كبيسة لانكباس الأرباع فيها.
وأما قبط مصر القدماء: فإنهم كانوا يتركون الأرباع حتى يجتمع منها أيام سنة تامّة، وذلك في كل ألف وأربعمائة وستين سنة، ثم يكبسونها سنة واحدة، ويتفقون حينئذ في أوّل تلك السنة مع أهل الإسكندرية وقسطنطينية.
وأما الفرس: فإنهم جعلوا السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما من غير كبس حتى اجتمع لهم من ربع اليوم في مائة وعشرين سنة أيام شهر تامّ، ومن خمس الساعة الذي يتبع ربع اليوم عندهم، يوم واحد، فألحقوا الشهر التامّ بها في كل مائة وست عشرة سنة، واقتفى أثرهم في هذا أهل خوارزم القدماء والصفد، ومن دان بدين فارس، وكانت الملوك البيشدادية منهم، وهم الذين ملكوا الدنيا بحذافيرها يعملون السنة ثلثمائة وخمسة وستين يوما كل شهر منها: ثلاثون يوما سواء، وكانوا يكبسون السنة كل ست سنين بيوم، ويسمونها كبيسة، وكل مائة وعشرين سنة بشهرين أحدهما بسبب خمسة الأيام، والثاني بسبب ربع اليوم، وكانوا يعظمون تلك السنة ويسمونها المباركة.
وأما قدماء القبط: وأهل فارس في الإسلام، وأهل خوارزم والصفد فتركوا الكسور أعني الربع، وما يتبعه أصلا. وأما العبرانيون، وجميع بني إسرائيل، والصابئون، والحرّانيون فإنهم أخذوا السنة من مسير الشمس، وشهورها من مسير القمر لتكون أعيادهم، وصيامهم على حساب قمريّ، وتكون مع ذلك حافظة لأوقاتها من السنة، فكبسوا كل تسع عشرة سنة قمرية بستة أشهر، ووافقهم النصارى في صومهم، وبعض أعيادهم لأن مدار أمرهم على نسخ اليهود، وخالفوهم في الشهور إلى مذهب الروم والسريانيين، وكانت
العرب في جهالتها تنظر إلى فضل ما بين سنتهم، وسنة القمر، وهو عشرة أيام وإحدى وعشرون ساعة وخمس ساعة، فيلحقون ذلك بها شهرا كلما تمّ منها ما يستوفي أيام شهر، ولكنهم كانوا يعملون على أنه عشرة أيام وعشرون ساعة، وكان يتولى ذلك النّسأة من بني كنانة المعروفون بالقلامس، وأحدهم قلمس، وهو البحر الغزير، وهو أبو تمام جنادة بن عوف بن أمية بن قلع، وأوّل من فعل ذلك منهم: حذيفة بن عبد فقيم، وآخر من فعله أبو تمامة، وأخذ العرب الكبس من اليهود قبل مجيء دين الإسلام بنحو المائتي سنة، وكانوا يكبسون في كل أربعة وعشرين سنة، تسعة أشهر حتى تبقى أشهر السنة ثابتة مع الأزمنة على حالة واحدة لا تتأخر عن أوقاتها، ولا تتقدّم إلى أن حج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى عليه: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ
[التوبة/ 37]، فخطب صلى الله عليه وسلم وقال:«إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض فبطل النسيء، وزالت شهور العرب عما كانت عليه، وصارت أسماؤها غير دالة على معانيها» .
وأما أهل الهند فإنهم يستعملون رؤية الأهلة في شهورهم، ويكبسون كل تسعمائة سنة وسبعين يوما بشهر قمريّ، ويجعلون ابتداء تاريخهم: اتفاق اجتماع في أوّل دقيقة من برج ما، وأكثر طلبهم لهذا الاجتماع أن يتفق في إحدى نقطتي الاعتدالين، ويسمون السنة الكبيسة بذمات فهذه آراء الخليقة في السنة.
وأما اليوم فإنه عبارة عن عود الشمس بدوران الكل إلى دائرة قد فرضت، وقد اختلف فيه فجعله العرب من غروب الشمس إلى غروبها من الغد، ومن أجل أنّ شهور العرب مبنية على مسير القمر، وأوائلها مقيدة برؤية الهلال، والهلال يرى لدن غروب الشمس، صارت الليلة عندهم قبل النهار، وعند الفرس والروم، اليوم بليلته من طلوع الشمس بارزة من أفق المشرق إلى وقت طلوعها من الغد، فصار النهار عندهم قبل الليل، واحتجوا على قولهم:
بأنّ النور وجود، والظلمة عدم، والحركة تغلب على السكون لأنها وجود لا عدم، وحياة لا موت، والسماء أفضل من الأرض، والعامل الشاب أصح، والماء الجاري لا يقبل عفونة كالراكد، واحتج الآخرون بأن الظلمة أقدم من النور، والنور طارىء عليها، فالأقدم يبدأ به، وغلبوا السكون على الحركة بإضافة الراحة والدعة إليه، وقالوا: الحركة إنما هي الحاجة والضرورة، والتعب تنتجه الحركة، والسكون إذا دام في الاستقصاءات مدّة لم يولد فسادا، فإذا دامت الحركة في الاستقصاءات واستحكمت أفسدت، وذلك كالزلازل والعواصف، والأمواج وشبهها، وعند أصحاب التنجيم أن اليوم بليلته من موافاة الشمس فلك نصف النهار إلى موافاتها إياه في الغد، وذلك من وقت الظهر إلى وقت العصر، وبنوا على ذلك حساب أزياجهم، وبعضهم ابتدأ باليوم من نصف الليل، وهو صاحب زيج شهر بارازانساه،
وهذا هو حدّ اليوم على الإطلاق إذا اشترط الليلة في التركيب فأمّا على التفصيل: فاليوم بانفراده، والنهار بمعنى واحد، وهو من طلوع جرم الشمس إلى غروب جرمها، والليل خلاف ذلك وعكسه، وحدّ بعضهم أوّل النهار بطلوع الفجر وآخره بغروب الشمس لقوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ
[البقرة/ 187] وقال: هذان الحدّان هما طرفا النهار، وعورض بأنّ الآية إنما فيها بيان طرفي الصوم لا تعريف أوّل النهار، وبأن الشفق من جهة المغرب نظير الفجر من جهة المشرق، وهما متساويان في العلة، فلو كان طلوع الفجر أوّل النهار، لكان غروب الشفق آخره، وقد التزم ذلك بعض الشيعة، فإذا تقرّر ذلك، فنقول تاريخ القبط يعرف عند نصارى مصر الآن بتاريخ الشهداء، ويسميه بعضهم، تاريخ دقلطيانوس.
ذكر دقلطيانوس «1» الذي يعرف تاريخ القبط به
إعلم: أنّ دقلطيانوس هذا: أحد ملوك الروم المعروفين بالقياصرة ملك في منتصف سنة خمس وتسعين وخمسمائة من سني الإسكندر، وكان من غير بيت الملك، فلما ملك تجبر وامتدّ ملكه إلى مدائن الأكاسرة، ومدينة بابل، فاستخلف ابنه على مملكة رومة، واتخذ تخت ملكه بمدينة أنطاكية، وجعل لنفسه بلاد الشام ومصر إلى أقصى المغرب، فلما كان في السنة التاسعة عشر من ملكه، وقيل: الثانية عشر خالف عليه أهل مصر، والإسكندرية، فبعث إليهم وقتل منهم خلقا كثيرا، وأوقع بالنصارى فاستباح دماءهم وغلق كنائسهم، ومنع من دين النصارى، وحمل الناس على عبادة الأصنام، وبالغ في الإسراف في قتل النصارى، وأقام ملكا إحدى وعشرين سنة، وهلك بعد علل صبعة دوّد منها بدنه، وسقطت أسنانه، وهو آخر من عبد الأصنام من ملوك الروم، وكل من ملك بعده فإنما كان على دين النصرانية، فإن الذي ملك بعده ابنه سنة واحدة، وقيل: أكثر من ذلك، ثم ملك قسطنطين الأكبر، فأظهر دين النصرانية، ونشره في الأرض، ويقال: إن رجلا ثار بمصر، يقال له: أجله، وخرج عن طاعة الروم، فسار إليه دقلطيانوس وحصر الإسكندرية دار الملك يومئذ ثمانية أشهر، حتى أخذ أجله وقتله، وعمّ أرض مصر كلها بالسبي والقتل، وبعث قائده، فحارب سابور ملك فارس، وقتل أكثر عسكره، وهزمه وأسر امرأته وإخوته وأثخن في بلاده، وعاد بأسرى كثيرة من رجال فارس، ثم أوقع بعامّة بلاد رومة، فأكثر في قتلهم وسبيهم، فكانت أيامه شنعة، قتل فيها من أصناف الأمم، وهدم من بيوت العبادات ما لا يدخل تحت حصر، وكانت واقعته بالنصارى هي الشدّة العاشرة، وهي أشنع شدائدهم،