الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى المشهد تجاه الفندق الذي كان دار الفطرة، ولم يبق لهذا الباب أثر البتة.
باب تربة الزعفران «1» : مكانه الآن بجوار خان الخليلي من بحريه، مقابل فندق المهمندار الذي يدق فيه ورق الذهب، وقد بني بأعلاه طبقة، ورواق ولا يكاد يعرفه كثير من الناس، وعليه كتابة بالقلم الكوفيّ، وهذا الباب كان يتوصل منه إلى تربة القصر المذكورة فيما تقدّم.
باب الزهومة «2» : كان في آخر ركن القصر، مقابل خزانة الدرق التي هي اليوم: خان مسرور، وقيل له: باب الزهومة لأن اللحوم وحوائج الطعام التي كانت تدخل إلى مطبخ القصر الذي للحوم إنما يدخل بها من هذا الباب. فقيل له: باب الزهومة يعني باب الزفر، وكان تجاهه أيضا درب السلسلة الآتي ذكره إن شاء الله تعالى. وموضعه الآن: باب قاعة الحنابلة من المدارس الصالحية، تجاه فندق مسرور الصغير، ومن بعد باب الزهومة المذكور باب الذهب الذي تقدّم ذكره، فهذه أبواب القصر الكبير التسعة.
ذكر المنحر
«3»
وكان بجوار هذا القصر الكبير: المنحر، وهو الموضع الذي اتخذه الخلفاء لنحر الأضاحي في عيد النحر، وعيد الغدير وكان تجاه رحبة باب العيد، وموضعه الآن يعرف:
بالدرب الأصفر تجاه خانقاه بيبرس، وصار موضعه ما في داخل هذا الدرب من الدور والطاحون وغيرها، وظاهره تجاه رأس حارة برجوان يفصل بينه وبين حارة برجوان الحوانيت التي تقابل باب الحارة، ومن جملة المنحر الساحة العظيمة التي عملت لها خوند بركة أمّ السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، البوّابة العظيمة بخط الركن المخلق بجوار قيسارية الجلود التي عمل فيها حوانيت الأساكفة، وكان الخليفة إذا صلى صلاة عيد النحر، وخطب ينحر بالمصلى، ثم يأتي المنحر المذكور، وخلفه المؤذنون يجهرون بالتكبير، ويرفعون أصواتهم كلما نحر الخليفة شيئا، وتكون الحربة في يد قاضي القضاة، وهو بجانب الخليفة ليناوله إياها إذا نحر، وأوّل من سنّ منهم إعطاء الضحايا، وتفرقتها في أولياء الدولة على قدر رتبهم: العزيز بالله نزار.
ما كان يعمل في عيد النحر: قال المسبحيّ: وفي يوم عرفة يعني من سنة ثمانين وثلثمائة حمل يانس صاحب الشرطة السماط، وحمل أيضا عليّ بن سعد المحتسب سماطا آخر، وركب العزيز بالله يوم النحر، فصلى وخطب على العادة، ثم نحر عدّة نوق بيده، وانصرف إلى قصره، فنصب السماط، والموائد، وأكل ونحر بين يديه، وأمر بتفرقة الضحايا على أهل الدولة، وذكر مثل ذلك في باقي السنين.
وقال ابن المأمون في عيد النحر من سنة خمس عشرة وخمسمائة: وأمر بتفرقة عيد النحر، والهبة وجملة العين، ثلاثة آلاف وثلثمائة وسبعون دينارا، ومن الكسوات مائة قطعة، وسبع قطع برسم الأمراء المطوّقين، والأستاذين المحنكين، وكاتب الدست، ومتولي حجبة الباب، وغيرهم من المستخدمين، وعدّة ما ذبح: ثلاثة أيام النحر في هذا العيد، وعيد الغدير: ألفان وخمسمائة وأحد وستون رأسا.
تفصيله: نوق مائة وسبعة عشر رأسا، يقر أربعة وعشرون رأسا، جاموس عشرون رأسا، هذا الذي ينحره ويذبحه الخليفة بيده في المصلى والنحر، وباب الساباط، ويذبح الجزارون من الكباش ألفين وأربعمائة رأس، والذي اشتملت عليه نفقات الأسمطة في الأيام المذكورة خارجا عما يعمل بالدار المأمونية من الأسمطة، وخارجا عن أسمطة القصور عند الحرم، وخارجا عن القصور الحلواء، والقصور المنفوخ المصنوعة بدار الفطرة: ألف وثلثمائة وستة وعشرون دينارا، وربع وسدس دينار، ومن السكر برسم القصور، والقطع المنفوخ أربعة وعشرون قنطارا.
تفصيله عن قصرين في أوّل يوم خاصة اثنا عشر قنطارا المنفوخ عن ثلاثة الأيام اثنا عشر قنطارا، وقال في سنة ست عشرة وخمسمائة: وحضر وقت تفرقة كسوة عيد النحر ووصل ما تأخر فيها بالطراز، وفرّقت الرسوم على من جرت عادته خارجا عما أمر به من تفرقة العين المختص بهذا العيد وأضحيته، وخارجا عما يفرّق على سبيل المناخ، ومن باب الساباط مذبوحا، ومنحورا ستمائة دينار وسبعة عشر دينارا، وفي التاسع من ذي الحجة، جلس الخليفة الآمر بأحكام الله على سرير الملك، وحضر الوزير، وأولاده وقاموا بما يجب من السلام، واستفتح المقرئون، وتقدّم حامل المظلة، وعرض ما جرت عادته من المظال الخمسة التي جميعها مذهب، وسلم الأمراء على طبقاتهم، وختم المقرئون، وعرضت الدواب جميعها، والعماريات والوحوش وعاد الخليفة إلى محله، فلما أسفر الصبح: خرج الخليفة، وسلم على من جرت عادته بالسلام عليه، ولم يخرج شيء عما جرت به العادة في الركوب والعود، وغير الخليفة ثيابه، ولبس ما يختص بالنحر، وهي البدلة الحمراء بالشدّة التي تسمى: بشدّة الوفار، والعلم الجوهر في وجهه بغير قضيب ملك في يده إلى أن دخل المنحر، وفرشت الملاءة الديبقيّ الحمراء وثلاث بطائن
مصبوغة حمر، ليتقي بها الدم مع كون كل من الجزارين، بيده مكبة صفاف مدهونة يلقي بها الدم عن الملاءة، وكبر المؤذنون، ونحر الخليفة أربعا وثلاثين ناقة، وقصد المسجد الذي آخر صف المنحر، وهو مغلق بالشروب والفاكهة المعبأة فيه بمقدار ما غسل يديه، ثم ركب من فوره، وجملة ما نحره، وذبحه الخليفة خاصة في المنحر، وباب الساباط دون الأجل الوزير المأمون، وأولاده، وإخوته في ثلاثة الأيام ما عدّته: ألف وتسعمائة وستة وأربعون رأسا.
تفصيله: نوق مائة وثلاث عشرة ناقة، نحر منها في المصلى عقيب الخطبة، ناقة وهي التي تهدي وتطلب من آفاق الأرض للتبرّك بلحمها، ونحر في المناخ مائة ناقة، وهي التي يحمل منها للوزير، وأولاده وإخوته والأمراء، والضيوف، والأجناد، والعسكرية والمميزين من الراجل، وفي كل يوم يتصدّق منها على الضعفاء والمساكين بناقة واحدة، وفي اليوم الثالث من العيد تحمل ناقة منحورة للفقراء في القرافة، وينحر في باب الساباط ما يحمل إلى من حوته القصور، وإلى داره الوزارة، وإلى الأصحاب، والحواشي اثنتا عشرة ناقة، وثماني عشرة بقرة وخمس عشرة جاموسة، ومن الكباش ألف وثمانمائة رأس، ويتصدّق كل يوم في باب الساباط بسقط ما يذبح من النوق والبقر.
وأما مبلغ المنصرف على الأسمطة في ثلاثة الأيام خارجا عن الأسمطة بالدار المأمونية، فألف وثلثمائة وستة وعشرون دينارا وربع وسدس دينار، ومن السكر برسم قصور الحلاوة، والقطع المنفوخ المصنوعة بدار الفطرة خارجا عن المطابخ ثمانية وأربعون قنطارا.
وقال ابن الطوير: فإذا انقضى ذو القعدة، وأهلّ ذو الحجة، اهتمّ بالركوب في عيد النحر، وهو يوم عاشره، فيجري حاله كما جرى في عيد الفطر من الزي، والركوب إلى المصلى، ويكون لباس الخليفة فيه: الأحمر الموشح، ولا ينخرم منه شيء، وركوبه ثلاثة أيام متوالية، فأوّلها: يوم الخروج إلى المصلى والخطابة، كعيد الفطر، وثاني يوم وثالثه إلى المنحر، وهو المقابل لباب الريح الذي في ركن القصر المقابل لسور دار سعيد السعداء، الخانقاه «1» اليوم، وكان براحا خاليا لا عمارة فيه، فيخرج من هذا الباب الخليفة بنفسه، ويكون الوزير واقفا عليه، فيترجل ويدخل ماشيا بين يديه بقربه، هذا بعد انفصالهما من المصلى، ويكون قد قيّد إلى هذا المنحر أحد وثلاثون فصيلا وناقة أمام مصطبة مفروشة يطلع
عليها الخليفة والوزير، ثم أكابر الدولة، وهو بين الأستاذين المحنكين، فيقدّم الفرّاشون له إلى المصطبة رأسا، ويكون بيده حربة، من رأسها الذي لا سنان فيه ويد قاضي القضاة في أصل سنانها، فيجعله القاضي في نحر النحيرة، ويطعن بها الخليفة، وتجرّ من بين يديه، حتى يأتي على العدّة المذكورة، فأوّل نحيرة هي التي تقدّد، وتسير إلى داعي اليمن، وهو الملك فيه، فيفرّقها على المعتقدين من وزن نصف درهم إلى ربع درهم، ثم يعمل ثاني يوم كذلك فيكون عدد ما ينحر: سبعا وعشرين، ثم يعمل في اليوم الثالث كذلك وعدّة ما ينحر ثلاث وعشرون.
هذا: وفي مدّة هذه الأيام الثلاثة يسير رسم الأضحية إلى أرباب الرتب والرسوم كما سيرت الغرّة في أوّل السنة من الدنانير بغير رباعية، ولا قراريط على مثال الغرّة من عشرة دنانير إلى دينار، وأما لحم الجزور، فإنه يفرّق في أرباب الرسوم للتبرّك في أطباق مع أدوان الفرّاشين، وأكثر ذلك تفرقة قاضي القضاة وداعي الدعاة للطلبة بدار العلم، والمتصدّرين بجوامع القاهرة، ونقباء المؤمنين بها من الشيعة للتبرّك، فإذا انقضى ذلك خلع الخليفة على الوزير ثيابه الحمر التي كانت عليه، ومنديلا آخر بغير السمة، والعقد المنظوم من القصر عند عود الخليفة من المنحر، فيركب الوزير من القصر بالخلع المذكورة شاقا القاهرة، فإذا خرج من باب زويلة انعطف على يمينه سالكا على الخليج، فيدخل من باب القنطرة إلى دار الوزارة، وبذلك انفصال عيد النحر.
وقال ابن أبي طيّ: عدّة ما يذبح في هذا العيد في ثلاثة أيام النحر، وفي يوم عيد الغدير: ألفان وخمسمائة وأحد وستون رأسا، وتفصيله: نوق مائة وسبعة عشر رأسا، بقر أربعة وعشرون رأسا، جاموس عشرون رأسا، هذا الذي ينحره الخليفة، ويذبحه بيده في المصلى، والمنحر، وباب الساباط، ويذبح الجزارون بين يديه من الكباش ألفا وأربعمائة رأس.
وقال ابن عبد الظاهر: كان الخليفة ينحر بالمنحر: مائة رأس، ويعود إلى خزانة الكسوة فيغير قماشه، ويتوجه إلى الميدان، وهو الخرنشف «1» بباب الساباط للنحر والذبح، ويعود بعد ذلك إلى الحمام ويغير ثيابه للجلوس على الأسمطة، وعدّة ما يذبحه ألف وسبعمائة وستة وأربعون رأسا: مائة وثلاث عشر ناقة والباقي بقر وغنم.
قال ابن الطوير: وثمن الضحايا على ما تقرّر ما يقرب من ألفي دينار، وكانت تخرج المخلقات إلى الأعمال بشائر بركوب الخليفة في يوم عيد النحر.
فمما كتب به الأستاذ البارع أبو القسم عليّ بن منجيب بن سليمان الكاتب المعروف:
بابن الصيرفيّ المنعوت: بتاج الرياسة، أما بعد: فالحمد لله الذي رفع منار الشرع، وحفظ نظامه ونشر راية هذا الدين، وأوجب إعظامه، وأطلع بخلافة أمير المؤمنين كواكب سعوده، وأظهر للمؤالف والمخالف عزة أحزابه وقوّة جنوده، وجعل فرعه ساميا ناميا، وأصله ثابتا راسخا، وشرّفه على الأديان بأسرها وكان لعراها فاصما ولأحكامها ناسخا، يحمده أمير المؤمنين أن الزم طاعته الخليقة، وجعل كراماته الأسباب الجديرة بالإمارة الخليقة، ويرغب إليه في الصلاة على جدّه محمد الذي حاز الفخار أجمعه، وضمن الجنة لمن آمن به واتبع النور الذي أنزل معه، ورفعه إلى أعلى منزلة تخير له منها المحل، وأرسله بالهدى ودين الحق، فزهق الباطل، وخمدت ناره واضمحل، صلى الله عليه، وعلى أخيه وابن عمه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب خير الأمّة وإمامها، وحبر الملة وبدر تمامها، والموفي يومه في الطاعات على ماضي أمسه، ومن أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المباهلة مقام نفسه، واختصه بأبعد غاية في سورة براءة، فنادى في الحج بأوّلها، ولم يكن غيره ينفذ نفاذه ولا يسدّ مكانه، لأنه قال:«لا يبلغ عني إلّا رجل من أهل بيتي» عملا في ذلك بما أمر الله به سبحانه، وعلى الأئمة من ذريتهما خلفاء الله في أرضه، والقائمين في سياسة خلقه بصريح الإيمان ومحضه، والمحكمين من أمر الدين ما لا وجه لحله، ولا سبيل إلى نقضه، وسلم عليهم أجمعين سلاما يتصل دوامه، ولا يخشى انصرامه، ومجد وكرّم، وشرّف وعظم، وكتاب أمير المؤمنين هذا إليك يوم الأحد عيد النحر من سنة ست وثلاثين وخمسمائة الذي تبلج فجره عن سيئات محصت، ونفوس من آثار الذنوب خلصت، ورحمة امتدّت ظلالها وانتشرت ومغفرة هنأت ونشرت، وكان من خبر هذا اليوم: أن أمير المؤمنين برز لكافة من بحضرته من أوليائه، متوجها لقضاء حق هذا العيد السعيد وأدائه، في عترة راسخة قواعدها متمكنة، وعساكر جمة تضيق عنها ظروف الأمكنة، ومواكب تتوالى كتوالي السيل، وتهاب هيبة مجيئه في الليل، بأسلحة تحسر لها الأبصار وتبرق وترتاع الأفئدة منها وتفرق، فمن مشرفيّ إذا ورد تورّد، ومن سمهريّ إذا قصد تقصد، ومن عمد إذا عمدت تبرّأت المغافر من ضمانها، ومن قسيّ إذا أرسلت بنانها وصلت إلى القلوب بغير استئذانها، ولم يزل سائرا في هدي الإمامة وأنوارها، وسكينة الخلافة ووقارها، إلى أن وصل إلى المصلى قدام المحراب، وأدّى الصلاة إذ لم يكن بينه وبين التقبيل حجاب، ثم علا المنبر فاستوى على ذروته، ثم هلل الله وكبر، وأثنى على عظمته وأحسن إلى الكافة بتبليغ موعظته، وتوجه إلى ما أعدّ من البدن فنحره تكميلا لقربته، وانتهى في ذلك إلى ما أمر الله عز وجل، وعاد إلى قصوره المكرّمة، ومنازله المقدّسة، قد رضي الله عمله، وشكر فعله وتقبله، أعلمك أمير المؤمنين بذلك، لتشكر الله على النعمة فيه، وتذيعه قبلك على الرسم مما تجاريه، فاعلم هذا، واعمل به إن شاء الله تعالى.