الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جزاء من جاء بالسيئة.
وقوله تعالى: {هَلْ تُجْزَوْنَ (1) إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي لا تجزون إلا ما كنتم تعملونه في الدنيا من خير وشر وقد تم الجزاء بمقتضى ذلك فقوم دخلوا الجنة وآخرون كبت وجوههم في النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير عقيد البعث والجزاء بذكر أحداثها مفصلة.
2-
بيان كيفية خراب العوالم وفناء الأكوان.
3-
فضل الشهداء حيث لا يحزنهم الفزع الأكبر وهم آمنون.
4-
تقرير مبدأ الجزاء وهو الحسنة والسيئة، حسنة التوحيد وسيئة الشرك.
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
(91)
وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (92) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)
شرح الكلمات:
هذه البلدة: أي مكة المكرمة والإضافة للتشريف.
الذي حرمها: أي الله الذي حرم مكة فلا يختلى خلاها ولا ينفّر صيدها ولا يقاتل فيها.
من المسلمين: المؤمنين المنقادين له ظاهرا وباطناً وهم أشرف الخلق.
وأن أتلو القرآن: أي أمرني أن أقرأ القرآن إنذاراً وتعليماً وتعبّداً.
1- الاستفهام للنفي كما في التفسير.
سيريكم آياته: أي مدلول آيات الوعيد فيعرفون ذلك وقد أراهموه في بدر وسيرونه عند الموت.
وما ربك بغافل عما يعملون: أي وما ربك أيها الرسول بغافل عما يعمل الناس وسيجزيهم بعملهم.
معنى الآيات:
إنه بعد ذلك العرض الهائل لأحداث القيامة والذي المفروض فيه أن يؤمن كل من شاهده ولكن القوم ما آمن أكثرهم ومن هنا ناسب بيان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنه عبد مأمور بعبادة ربه لا غير، ربه الذي هو رب هذه البلدة الذي (1) حرمها فلا يقاتل فيها ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا تلتقط لقطتها إلا لمن يعرفها، وله كل شيء خلقاً وملكاً وتصرفاً فليس لغيره معه شيء في العوالم كلها علويّها وسلفيّها وقوله:{وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي وأمرني ربي أكون في جملة المسلمين أي المنقادين لله والخاضعين له وهم صالحو عباده من الأنبياء والمرسيلين. وقوله: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} أي وأمرني أن أتلو القرآن تلاوةَ إنذارٍ وتعليم وتعبداً وتقرباً إليه تعالى وبعد تلاوتي فمن اهتدى عليها فعرف طريق الهدى وسلكه فنتائج الهداية وعائدها عائد عليه هو الذي ينتفع بها. ومن ضل فلم يقبل الهدى وأقام على ضلالته فليس علي هدايته لأن ربي قال لي قل لمن ضل {إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} لا من واهبي الإيمان والهداية إنما يهب الهداية ويمن بها الله الذي بيده كل شيء {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} وأمرني أن أحمده على كل ما وهبني من نعم لا تعد ولا تحصى ومن أجلِّها إكرامه لي بالرسالة التي شرفني بها على سائر الناس فالحمد لله والمنة له وقوله {سَيُرِيكُمْ آيَاتِه (2) ِ فَتَعْرِفُونَهَا} أي وأعلم هؤلاء المشركين أن الله ربي سيريكم آياته في مستقبل أيامكم وقد أراهم أول آية في بدر وثاني آية في الفتح وآخر آية عند الموت يوم تضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم وتقول لهم "ذوقوا عذاب الحريق" وقوله تعالى {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (3) } أي وما ربك الذي أكرمك وفضلك أيها الرسول {بغافل عما تعملون} أيها الناس مؤمنين وكافرين وصالحين وفاسدين وسيجزي كلاً بعمله وذلك يوم ترجعون إليه ففي الآية وعد ووعيد.
1- قرأ ابن عباس رضي الله عنهما: {رب هذه البلدة التي حرّمها} نعتاً للبلدة. وقرأ الجمهور الذي وهو في موضع نصب نعت لـ رب
2-
أي: في أنفسكم وفي غيركم كما قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم} من سورة فصلت.
3-
قرأ نافع وحفص والجمهور بتاء الخطاب، وقرأ غيرهم بياء الغيبة.
من هداية الآيات:
1-
بيان وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها عبادة الله والإسلام له، وتلاوة القرآن إنذار اً وإعذاراً وتعليما وتعبداً به وتقرباً إلى منزله عز وجل.
2-
بيان وتقرير حرمة مكة المكرمة والحرم.
3-
الندب إلى حمد الله تعالى على نعمة الظاهرةوالباطنة ولا سيما عند تجدد النعمة وعند ذكرها.
4-
بيان أن عوائد الكسب عائد على الكاسب خيراً كانت أو شراً.
5-
بيان معجزة القرآن الكريم إذ ما علم به المشركين أنهم سيرونها قد رأوه فعلاً وهو غيب، فظهر كما أخبر.
سورة القصص
مكية
وآياتها ثمان وثمانون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)
وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)
شرح الكلمات:
طسم: هذه إحدى الحروف المقطعة تكتب طسم وتقرأ: طا، سينْ، ميمْ.
تلك: أي الآيات المؤلفة من مثل هذه الحروف هي آيات القرآن الكريم.
نتلو عليك: أي نقرأ عليك قاصين شيئاً من نبأ موسى وفرعون أي من خبرهما.
لقوم يؤمنون: أي لأجل المؤمنين ليزدادوا إيماناً ويوقنوا بالنصر وحسن العاقبة.
علا في الأرض: أي تكبر وظلم فادعى الربوبية وظلم بني إسرائيل ظلماً فظيعاً.
شيعاً: أي طوائف بعضهم عدوّ لبعض من باب فرّق تسدْ.
ويستحيي نساءهم: أي يبقي على النساء لا يذبح البنات لأنه لا يخاف منهن ويذبح الأولاد لخوفه مستقبلا على ملكه منهم.
ونريد أن نمن: أي ننعم على الذين استضعفوا فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
ما كانوا يحذرون: من المولود الذي يولد في بني إسرائيل ويذهب بملكهم.
معنى الآيات:
{طسم} : هذا اللفظ الله أعلم بمراده منه، وقد أفاد فائدتين عظيمتين الأولى هي إعجاز القرآن الموجب للإيمان به وبمنزلة من أنزل عليه القرآن وهو محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن هذا القرآن الذي أعجز العرب أن يأتوا بسورة مثله قد تألف من مثل هذه الحروف المقطعة فدل ذلك على أنه كلام الله ووحيه.
والثانية أنه لما خاف المشركون من تأثير القرآن على نفوس السامعين له وأمروا باجتناب سماعه واستعملوا وسائل شتى لمنع الناس في مكة من سماعه كانت هذه الحروف تضطرهم إلى السماع لغرابتها عندهم فإذا قرأ القارئ طسم وجد أحدهم نفسه مضطراً إلى السماع، فإذا ألقى سمعه نفذ القرآن إلى قلبه فاهتدى به إن شاء الله تعالى له الهداية كما حصل لكثيرين منهم.
وقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أي هذه آيات الكتاب المبين أي القرآن المبين
للهدى من الضلال والخير من الشر والحق من الباطل، وقوله {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ (1) نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} أي نقرأ قاصين عليك أيها الرسول شيئا من نبأ موسى وفرعون أي من خبر موسى (2) وفرعون وقوله {للِقَوْمٍ (3) يُؤْمِنُونَ} باعتبارهم أنهم هم الذين ينتفعون بما يسمعون في حياتهم ولأنهم في ظرف صعب يحتاجون معه إلى سماع مثل هذا القصص ليثبتوا على إيمانهم حتى ينصرهم الله كما نصر الذين من قبلهم بعد ضعف كان أشد من ضعفهم وقوله تعالى:{إِنَّ فِرْعَوْنَ..} إلى آخر الآية هذا بيان لما أخبر أنه يقصه للمؤمنين، يخبر تعالى فيقول:{إِنَّ فِرْعَوْنَ..} إلى آخر الآية إن فرعون الحاكم المصري المسمى بالوليد بن الريان الطاغية المدعي الربوبية والألوهية {عَلا فِي الْأَرْضِ} أي أرض البلاد المصرية ومعنى علا طغى وتكبر وتسلط (4) وقوله {وَجَعَلَ أَهْلَهَا} أي أهل تلك البلاد المصرية {شِيَعاً} أي طوائف فرق بينها إبقاءً على ملكه على قاعدة فرق تَسُدْ المذهب السياسي القائم الآن في بلاد الكفر والظلم وقوله {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً} من تلك الطوائف وهي طائفة بني إسرائيل وكيفية استضعافهم أنه يذبح أبناءهم ساعة ولادتهم {وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ} أي بناتهم ليكبرن للخدمة وتذبيح الأولاد سببه أن كهانه وسياسييه أعلموه أن ملكه مهدد بوجود بني إسرائيل أقوياء كثر في البلاد فاستعمل طريقة تقليلهم والحد من كثرتهم بذبح الأولاد الذكور منهم وإبقاء الإناث منهم وهي سياسة تشبه تحديد النسل اليوم التي يستعملها الهالكون اليوم وهم لا يشعرون.
وقوله {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} هذا تعليل لعلو فرعون وطغيانه فذكر أن سبب ذلك الذي يرتكبه من السياسة العمياء الظالمة أنه {مِنَ الْمُفْسِدِينَ} أي في الأرض بارتكاب الجرائم العظام التي لا توصف.
وقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} أي {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} أي من بعض خبرهما أنا نريد أي أردنا أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض أرض مصر وهم بنو إسرائيل، نمُنُّ عليهم بإيمانهم وتخليصهم من حكم فرعون وتسلطه ونجعلهم قادة في الخير {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} لحكم البلاد وسياستها بعد إهلاك فرعون وجنوده وهو معنى قوله:
1- مفعول (نتلوا) محذوف تقديره نتلوا عليك كلاما من نبأ موسى.
2-
وقارون أيضا حيث ذكر خبره في آخر هذه السورة.
3-
اللام في (القوم) للتعليل أي: نتلو عليك لأجل قوم يؤمنون.
4-
وحسبه أن ادعى الألوهية والربوبية وأنه ابن الشمس.
{وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ (1) } . وقوله {وَنُرِيَ (2) فِرْعَوْنَ} أي من جملة ما نتلو عليك أنا أردنا أن {نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ (3) } أي من بني إسرائيل ما كانوا يحذرونه من مولود يولد في بني إسرائيل فيذهب بملك فرعون وذلك بما سيذكر تعالى من أسباب وترتيبات هي عجب! تبتدئ من قوله تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى
…
} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير إعجاز القرآن الذي هو آية أنه كتاب الله حقاًَ.
2-
تقرير النبوة المحمدية بهذا الوحي الإلهي.
3-
التحذير من الظلم والاستطالة على الناس والفساد في الأرض.
4-
المؤمنون هم الذين ينتفعون بما يتلى عليهم لحياة قلوبهم.
5-
تقرير قاعدة لا حذر مع القدر.
6-
تحريم تحديد النسل بإلزام المواطن بأن لا يزيد على عدد معين من الأطفال.
وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى
1- المراد من الأرض أرض الشام حيث ورّثهم أرض الكنعانيين وهم الذين كانوا يعرفون بالجبابرة. أما أرض مصر فإن بني إسرائيل لم يرجعوا إليها بعد أن خرجوا منها هكذا يرى بعضهم وأكثر المفسرين أن بني إسرائيل عادوا إلى أرض مصر وملكوها وسادوا أهلها، والله أعلم.
2-
قرأ الجمهور (ونري) بنون العظمة والتكلم، وقرأ بعضٌ (ويرى) بياء الغيبة أي: ويرى فرعون وجنوده.
3-
الجنود: جمع جند، والجند لفظ دال على جمع ولا واحد له ومعناه: الجماعة من الناس تجتمع على أمر تتبعه.
أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (11)
شرح الكلمات:
وأوحينا إلى أم موسى: أعلمناها أن ترضع ولدها الرضعات الأولى التي لا بد منها ثم تضعه في تابوت ثم تلقيه في اليم.
في اليم: أي في البحر وهو نهر النيل.
ولا تخافي ولا تحزني: أي لا تخافي أن يهلك ولا تحزني على فراقه، إنا رادوه إليك.
فالتقطه آل فرعون: أي أعوانه ورجاله.
ليكون لهم عدواً وحزناً: أي في عاقبة الأمر، فاللام للعاقبة والصيرورة.
قرة عين لي ولك: أي تقر به عيني وعينك فنفرح به ونسر.
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا: أي من كل شيء إلا منه عليه السلام أي لا تفكر في شيء إلا فيه.
إن كادت لتبدي به: أي قاربت بأن تصرخ بأنه ولدها وتظهر ذلك.
وقالت لأخته قصيه: أي اتبعي أثره حتى تعرفي أين هو.
فبصرت به عن جنب: أي لاحظته وهي مختفية تتبعه من مكان بعيد.
معنى الآيات:
هذه بداية قصة موسى مع فرعون وهو طفل رضيع إلى نهاية هلاك فرعون في ظرف طويل بلغ عشرات السنين. بدأ تعالى بقوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى (1) } أي أعلمناها من طريق الإلقاء في القلب {أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} آل فرعون الذين يقتلون مواليد بني إسرائيل الذكور في هذه السنة {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} أي بعد أن تجعليه في تابوت أي صندوق
1- اختلف هل كان هذا الوحي إلهاما أو كان مناما أو أتاها ملك؟ والأقرب أنها أتاها ملك مع الإجماع أنها لم تكن نبية وإنما أرسل إليها الملك فكلمها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص والأعمى في حديث الصحيحين، ولم يعرف لها اسم على الصحيح، وقال السهلي اسمها يارخت.
خشب مطلي بالقار، {وَلا تَخَافِي} عليه الهلاك {وَلا تَحْزَنِي} على فراقك له {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ (1) } لترضعيه {وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} نرسله إلى عدوكم فرعون وملائه. قال تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} أي فعلت ما أمرها الله تعالى به بأن جعلته في تابوت وألقته في اليم أي النيل {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} حيث وجدوه لقطة فأخذوه وأعطوه لآسية بنت مزاحم عليها السلام امرأة فرعون. وقوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ (2) عَدُوّاً وَحَزَناً} هذا باعتبار ما يؤول إليه الأمر فهم ما التقطوه لذلك لكن شاء الله ذلك فكان لهم {عَدُوّاً وَحَزَناً} (3) فعاداهم وأحزنهم.
وقوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} أي آثمين بالكفر والظلم ولذا يكون موسى لهم عدواً وحزناً. وقوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} قالت هذا حين همَّ فرعون بقتله لما نتف موسى لحيته وهو رضيع تعلق به فأخذ شعرات من لحيته فتشاءم فرعون وأمر بقتله فاعتذرت آسية له فقالت هو {قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} فقال فرعون قرة عين لك أما أنا فلا وقولها {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا} في حياتنا بالخدمة ونحوها {أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} وذلك بالتبني وهذا الذي حصل، فكان موسى إلى الثلاثين من عمره يعرف بابن فرعون وقوله {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي بما سيكون من أمره وأن هلاك فرعون وجنوده سيكون على يده.
وقوله تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً} أي من أي شيء إلا من موسى وذلك بعد أن ألقته في اليم.
وقوله {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} أي لتصرخ بأنه ولدها وتظهر ذلك من شدة الحزن لكن الله تعالى ربط على قلبها فصبرت لتكون بذلك من المؤمنين بوعد الله تعالى لها بأن يرده إليها ويجعله من المرسلين.
وقوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ (4) } أي تتبعي أثره وذلك عندما ألقته في اليم وقوله
1- حكى الأصمعي أنه سمع جارية أعرابية تنشد وتقول:
أستغفر الله لذنبي كله
قبّلتُ إنساناً بغير حِلّه
مثل الغزال ناعما في دلّهِ
فانتصف الليل ولم أصله
فقلت لها: قاتلك الله ما أفصحك! فقالت: أو يعدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى} إلى {إنا رادوه إليك} أي: جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين.
2-
هذه اللام تسمى لام العاقبة والصيرورة على حد قول الشاعر:
وللمنايا تُربي كل مرضعة
ودورنا لخراب الدهر نبنيها
3-
الحزن: محرّك الوسط كالحزن بإسكانها وضم الحاء مثل الرَشَد والرُشْد والعَدَم والعُدْم والسَقَم والسُقْم لغات.
4-
اسمها مريم بنت عمران فاتحدت معها مريم أم عيسى في اسمها واسم أبيها عليهم السلام وقيل اسمها كندم في رواية مرفوعة ضعيفة.
{فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ (1) } أي رأته من بعد فكانت تمشي على شاطئ النهر وتلاحقه النظر من بعد حتى رأته انتهى إلى فرع الماء الذي دخل إلى قصر فرعون فعلمت أنه قد دخل القصر. وقوله تعالى: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} أي لا يشعرون أنها أخته لما كانت تلاحقه النظر وتتعرف إليه من بعد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان تدبير الله تعالى لأولياء وصالحي عباده وتجلى ذلك في الوحي إلى أم موسى بإرضاعه وإلقائه في البحر
والتقاط آل فرعون له ليتربى في بيت الملك عزيزاً مكرماً.
2-
بيان سوء الخطيئة وآثارها السيئة وعواقبها المدمرة وتجلى ذلك فيما حل بفرعون وهامان وجنودهما.
3-
فضيلة الرجاء تجلت في قول آسية "قرة عين لي ولك" فقال فرعون: أما لي فلا. فكان موسى قرة عين لآسية ولم
يكن لفرعون.
4-
بيان عاطفة الأمومة حيث أصبح فؤاد أم موسى فارغا إلا من موسى.
5-
بيان عناية الله بأوليائه حيث ربط على قلب أم موسى فصبرت ولم تبده لهم وتقول هو ولدي ليمضي وعد الله
تعالى كما أخبرها. والحمد له رب العالمين.
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ
1- (عن جنب) أي: من مكان جنب أي: جانب وناحية قال قتادة: تنظر إليه بناحية كأنها لا تريده.
فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)
شرح الكلمات:
وحرمنا عليه المراضع: أي منعناه من قبول ثدي أية مرضعة.
من قبل: أي من قبل رده إلى أمه.
فقالت هل أدلكم على: أي قالت أخت موسى.
أهل بيت يكفلونه لكم: يضمونه إليهم، يرضعونه ويربونه لكم.
وهم له ناصحون: أي لموسى ناصحون، فلما قالوا لها إذاً كنت أنت تعريفينه، قالت لا، إنما أعني أنهم ناصحون للملك لا للولد.
فرددناه إلى أمه: أي رددنا موسى إلى أمه أي قبلوا اقتراح أخته.
ولتعلم أن وعد الله حق: إذ أوحى إليها أنه راده إليها وجاعله من المرسلين.
ولكن أكثرهم لا يعلمون: أي أكثر الناس لا يعلمون وعد الله لأم موسى ولا يعلمون أن الفتاة أخته وأن أمها أمه.
ولما بلغ أشده واستوى: أي ثلاثين سنة من عمره فانتهى شبابه وكمل عقله.
آتيناه حكما وعلما: أي وهبناه الحكمة من القول والعمل والعلم بالدين الإسلامي الذي كان عليه بنو إسرائيل وهذا قبل أن ينبأ ويرسل.
ودخل المدينة: مدينة فرعون وهي مُنْفُ بعد أن غاب عنها مدة.
على حين غفلة من أهلها: لأن الوقت كان وقت القيلولة.
هذا من شيعته: أي على دينه الإسلامي.
وهذا من عدوه: على دين فرعون والأقباط.
هذا من عمل الشيطان: أي هذا الفعل من عمل الشيطان لأنه المهيج غضبي.
إنه عدو مضل مبين: أي الشيطان عدو لابن آدم مضل له عن الهدى، مبين ظاهر الإضلال.
معنى الآيات:
ما زال السياق في قصص موسى مع فرعون: إنه بعد أن التقط آل فرعون موسى من النيل وهو رضيع قدموا له المراضع فرفضهن مرضعة بعد أخرى، فاحتار آل فرعون لحبهم لموسى لأن الله تعالى ألقى عليه محبة منه فما رآه أحد إلا أحبه وهذا معنى قوله تعالى في الآية (12) {وَحَرَّمْنَا (1) عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} أي قبل رده إلى أمه. وقوله:{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} هذه أخته وقد أمرتها أمها أن تقص آثار موسى وتتبع أخباره فلما علمت أن أخاها لم يقبل المراضع وأن القصر في قلق من جراء عدم رضاع موسى تقدمت وقالت ما أخبر الله تعالى به عنها في قوله: {فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ} ويرضعونه ويحفظونه حتى تنتهي مدة رضاعته {وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (2) } وهنا ارتابوا في أمرها واستنطقوها واتهموها بأنها تعرفه فقالت: لا أعرفه، إنما عنيت {وهم له ناصحون} أن أهل هذا البيت ناصحون للملك وهنا استجابوا لها فأتت به أمه فما إن رآها حتى رمى نفسه عليها وأخذ ثديها يمتصه فقالوا لها: ما سر قبوله هذه المرأة فأجابت: بأنها طيبة الريح طيبة اللبن فأذنوا لها في إرضاعه في بيتها فعادت به وهو معنى قوله تعالى {فَرَدَدْنَاهُ (3) إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} أي تفرح وتسر ولا تحزن على فراقه، {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ} إذ وعدها بأنه راده إليها. وقوله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لكن أكثر الناس لا يعلمون أنها أمه ولا أن الله وعدها بأن يرده إليها. وقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ} أي موسى {أَشُدَّهُ (4) } أي اكتمال شبابه وهو ثلاثين سنة. {آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً} أي حكمة وهي الإصابة في الأمور {وَعِلْماً} فقهاً في الدين الإسلامي الذي كان عليه بنو إسرائيل. وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزينا (5) أم موسى وولدها موسى نجزي المحسنين وقوله
1- هذا التحريم ليس التحريم الشرعي وإنما هو بمعنى المنع فقط لعدم تكليف الطفل وشاهده قول امرئ القيس:
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري
إني امرؤ صرعي عليك حرام
والمراضع: جمع مرضع بدون تاء إذ ليس في الذكور من يرضع فيفرق بينهما بالتاء.
2-
الجملة في محل نصب حالية.
3-
الفاء للعطف التفريع، إذ قوله تعالى:(فرددناه إلى أمه) متفرع من قوله (هل أدلكم على أهل بيت) إلى قوله (ناصحون) .
4-
قال مالك وربيعة شيخه: الأشد: الحلم لقوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح) وهو أول الأشد وأقصاه أربع وثلاثون سنة. واستوى: أي: بلغ أربعين سنة.
5-
جزاها على استسلامها لأمر ربها وصبرها على فراق ولدها إذ ألقته في اليم وعلى تصديقها بوعد ربها، ومما جزاها به رده ولدها إليها مصحوبا بالتحف والطرف وهي آمنة ووهب ولدها الحكمة والعلم والنبوة.
تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ} أي موسى دخل مدينة مُنْفُ (1) التي هي مدينة فرعون وكان غائبا فترة. {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} لأن الوقت كان وقت القيلولة {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} على دين موسى وبني إسرايئل وهو الإسلام {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} لأنه على دين فرعون والأقباط وهو الكفر. {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ فَقَضَى عَلَيْهِ} أي طلب غوثه على الذي من عدوه {فَوَكَزَهُ مُوسَى} أي ضربه بجمع كفه {فَوَكَزَهُ مُوسَى} أي فقلته ودفنه في الرمال. وقوله تعالى: {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} أي هذا قول موسى عليه السلام اعترف بأن ضربه القبطي كان من تهيج الشيطان لغضبه فقال: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ} للإنسان {مُضِلٌّ} له عن طريق الخير والهدى {مُبِينٌ} أي ظاهر العداوة للإنسان والإضلال.
وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي دعا موسى ربه معترفا بخطئه أوَّلاً فقال: {رَبِّ} أي يا رب {إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} أي بقتلي القبطي {فَاغْفِرْ لِي} هذا الخطأ، فاستجاب الله تعالى وغفر له، إنه تعالى هو الغفور لذنوب عباده التأئبين له الرحيم بهم فلا يعذبهم بذنب تابوا منه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان حسن تدبير الله تعالى في منع موسى من سائر المرضعات حتى يرده إلى أمه.
2-
بيان حسن رد الفتاة على التهمة التي وجهت إليها وذلك من ولاية الله لها وتوفيقه.
3-
تقرير أن وعد الله حق، وأنه تعالى لا يخلف الوعد ولا الميعاد.
4-
بيان إنعام الله على موسى بالحكمة والعلم قبل النبوة والرسالة.
5-
مشروعية إغاثة الملهوف ونصرة (2) المظلوم.
6-
وجوب التوبة بعد الوقوع في الزلل، وأول التوبة الاعتراف بالذنب.
1- وقيل: منفيس: قاعدة مصر الشمالية، وقوله:(ودخل المدينة) هذا عطف جزء القصة على جزئها السابق وهو من قوله: (وأوحينا إلى أم موسى) وأين كان موسى؟ قطعا كان غائبا عن المدينة لأمر من الأمور اقتضى غيابه.
2-
لأن نصر المظلوم دِين في الملل كلها وفرض في جميع الشرائع.