الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الكلمات:
اتق الله: أي دم على تقواه بامتثالك أوامره واجتنابك نواهيه.
ولا تطع الكافرين: أي المشركين فيما يقترحون عليك.
والمنافقين: أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر بما يخوفونك به.
إن الله كان عليما حكيما: أي عليما بخلقه ظاهراً وباطناً حكيما في تدبيره وصنعه.
واتبع ما يوحى إليك من ربك: أي تقيد بما يشرع لك من ربك ولا تلتفت إلى ما يقوله خصومك لك من اقتراحات أو تهديدات.
وتوكل على الله: أي فوض أمرك إليه وامض في ما أمرك به غير مبال بشيء.
معنى الآيات:
لقد واصل المشركون اقتراحاتهم التي بدأوها بمكة حتى المدينة وهي عروض المصالحة بينه وبينهم بالتخلي عن بعض
(1)
دينه أو بطرد بعض أصحابه، والمنافقون قاموا بدورهم في المدينة بتهديده صلى الله عليه وسلم بالقتل غيلة إن لم يكف عن ذكر آلهة المشركين في هذا الظرف بالذات نزل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ (2) } ناداه ربه تعالى بعنوان النبوة تقريراً لها وتشريفاً له ولم يناده باسمه العلم كما نادى موسى وعيسى وغيرهما بأسمائهم فقال {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ (3) الْكَافِرِينَ (4) وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} أي اتق الله فخفه فلا تقبل اقتراح المشركين، ولا ترهب تهديد المنافقين بقتلك إن الله كان وما يزال عليماً بكل خلقه وما يحدثون من تصرفات ظاهرة أو باطنة حكيما في تدبيره وتصريفه أمور
1 - هذا من قوله تعالى في سورة الإسراء {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذوك خليلا ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلا} .
2 -
نداؤه تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بعنوان النبوة تشريف له وتقرير لنبوته وناداه بعنوان الرسالة في موضعين من كتابه وذلك في سورة المائدة. وأمره أن يخبر البشرية كلها بأنه رسول الله إليهم وحدث عنه فوصفه بالرسالة "محمد رسول الله" ولم يناده باسمه العلم لشهرته وعدم الحاجة إليه وحتى لا يدعي أحد أنه هو المعني بهذا الاسم وله صلى الله عليه وسلم خمسة أسماء كما جاء ذلك في حديث الموطأ: لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب.
3 -
الطاعة: العمل بما يأمر به الغير أو يشير به لأجل تحقيق غرض له صالحاً كان أو فاسداً.
4 -
سبب نزول هذه الآية أن وفداً جاء من مكة بعد غزوة أحد برئاسة أبي سفيان واجتمعوا بعد أن أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولهم المدينة بعدد من المنافقين على رأسهم ابن أبي ومعتب بن قشير وطعمة بن أبيرق فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك ذكر آلهة قريش كخطوة في المصالحة فغضب المسلمون وهمّ عمر بقتلهم فنزلت هذه الآية: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} .
خلقه وعباده فهو تعالى لعلمه وحكمته لا يخذلك ولا يتركك، ولا يمكن أعداءك وأعداءه منك بحال وقوله {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} من تشريعات خاصة وعامة ولا تترك منها صغيرة ولا كبيرة إذ هي طريق فوزك وسلّم نجاحك أنت وأمتك تابعة لك في كل ذلك، وقوله {إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} هذه الجملة تعليلية تحمل الوعد والوعيد إذ علم الله بأعمال العباد صالحها وفاسدها يستلزم الجزاء عليها فمتى كانت صالحة كان الجزاء حسناً وفي هذا وعده ومتى كانت فاسدة كان الجزاء سوءاً وفي هذا الوعيد. وقوله {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً} أمر تعالى رسوله وأمته تابعة له أن يتوكل على الله في أمره ويمضي في طريقه منفذاً أحكام ربه غير مبالٍ بالكافرين ولا بالمنافقين، وأعلمه ضمناً أنه كافيه متى توكل عليه وكفى بالله كافياً ووكيلا حافظاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
وجوب تقوى الله بفعل المأمور به وترك المنهي عنه.
2-
حرمة طاعة الكافرين والمنافقين فيما تقترحون أو يهددون من أجله.
3-
وجوب اتباع الكتاب والسنة والتوكل على الله والمضي في ذلك بلا خوف ولا وجل.
مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (5)
شرح الكلمات:
ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه: أي لم يخلق الله رجلا بقلبين كما ادعى بعض المشركين.
تظاهرون منهن أمهاتكم: يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي.
وما جعل أدعياءكم أبناءكم: أي ولم يجعل الدعيَّ ابناً لمن ادعاه.
ذلكم قولكم بأفواهكم: أي مجرد قول باللسان لاحقيقة له فى الخارج فلم تكن المرأة أماً ولا الدعي ابنا.
هو أقسط عند الله: أي أعدل.
فإخوانكم في الدين ومواليكم: أي أخوة الإسلام وبنو عمكم فمن لم يعرف أبوه فقولوا له: يا أخي أو ابن عمي.
ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به: أي لا حرج ولا إثم في الخطأ، فمن قال للدعي خطأ يا ابن فلان فلا إثم عليه.
ولكن ما تعمدت قلوبكم: أي الإثم والحرج في التعمد بأن ينسب الدعي لمن ادعاه.
وكان الله غفوراً رحيماً: ولذا لم يؤاخذكم بالخطأ ولكن بالتعمد.
معنى الآيات:
لما كان القلب محط العقل والإدراك كان وجود قلبين في جوف رجل واحد يحدث تعارضاً يؤدي إلى الفساد في حياة الإنسان ذي القلبين لم يجعل الله تعالى لرجل قلبين في جوفه كما ادعى بعض أهل مكة أن أبا معمر جميل بن معمر الفهري كان له قلبان لما شاهدوا من ذكائة ولباقته وحذقه وغره ذلك فقال إن لي قلبين أعقل بهما أفضل من عقل محمد صلى الله عليه وسلم فكانت الآية رداً عليه قال تعالى {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ (1) مِنْ قَلْبَيْنِ (2) فِي جَوْفِهِ} وفيه إشارة إلى أنه لا يجمع بين حب الله تعالى وحب أعدائه وطاعة الله وطاعة
1 - يروى أنه لما انهزمت قريش يوم بدر رأى أبو سفيان جميل بن معمر المدعي أن له قلبين رآه منهزماً وإحدى نعليه في رجله والآخر في يده، فسأله أبو سفيان ما حال الناس؟ قال انهزموا فقال له ما بال أحد نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ قال: ما شعرت فانفضح في دعواه.
2 -
القلب بضعة لحم صغيرة على هيئة (صنوبرة) خلقها الله تعالى في الآدمي وجعلها محلا للعلم، وهو بين لمتين لمة من الملك ولمة من الشيطان، وهو محل العلم ومحل الخطرات والوساوس ومحل الصدق واليقين ومحل الشك والكذب، ومحل الانزعاج والطمأنينة فسبحان الله الخلاق العليم.
أعدائه، وقوله {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} أي لم يجعل الله تعالى المرأة المظاهر منها أما لمن ظاهر منها كأن يقول لها أنت عليّ كظهر أمي وكان أهل الجاهلية يعدون الظهار محرّماً للزوجة كالأم فأبطل الله تعالى ذلك وبيّن حكمه في سورة المجادلة، وأن من ظاهر من امرأته يجب عليه كفارة: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا.
وقوله تعالى {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ (1) أَبْنَاءَكُمْ} أي لم يجعل الله الدعيّ ابنا إذ كانوا في الجاهلية وفي صدر الإسلام يطلقون على المتبنى ابناً فيترتب على ذلك كامل حقوق البنوة من حرمة التزوج بامرأته إن طلقها أو مات عنها، وقوله {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} أي ما هو إلا نطق بالفم ولا حقيقة في الخارج له إذ قول الرجل للدعيّ أنت ولدي لم يصيّره ولده وقول الزوج لزوجته أنت كأمي لم تكن أما له. قوله تعالى {وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ} فلا يطلق على المظاهر منها لفظ أم، ولا على الدعيّ لفظ ابن، {وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} أي الأقوم والأرشد سبحانه لا إله إلا هو.
وقوله تعالى في الآية (5) من هذا السياق {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} أي ادعوا الأدعياء لآبائهم أي انسبوهم لهم يا فلان بن فلان. فإن دعوتهم إلى آبائهم أقسط وأعدل في حكم الله وشرعه. {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} فادعوهم باسم الأخوة الإسلامية فقولوا هذا أخي في الإسلام {وَمَوَالِيكُمْ} أي بنو عمكم فادعوهم بذلك فقولوا يا ابن عمي وإن كان الدعي ممن حررتموه فقولوا له مولاي {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} أي إثم أو حرج {فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} (2) من قول أحدكم للدعي يا ابن فلان لمن ادعاه خطأ لسان بدون قصد، أو ظنا منكم أنه ابنه وهو في الواقع ليس ابنه ولكن الإثم في التعمد والقصد المعتمد، وقوله {وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً} أي غفورا لمن تاب رحيما لم يعاجل بالعقوبة من عصى لعله يتوب ويرجع.
1 - هذه الآية نزلت في شأن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة النبوية، إذ كان عبداً رقيقاً لخديجة فأهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولما جاء أبوه وعرفه طلبه فخيره رسول الله بين الذهاب مع والده والبقاء معه فاختار العبودية على الحرية فتبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح من يومئذ يعرف بزيد بن محمد حتى نزلت هذه الآية فأبطلت التبني ففي هذا نسخ للسنة بالكتاب.
2 -
أخذ عطاء وكثير من العلماء من السلف أخذوا من هذه الآية أنه لا مؤاخذة مع الخطأ من ذلك إذا حلف المرء ألا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يظن أنه هو فإنه لا يحنث، أو حلف أن لا يفارق غريمه حتى يقضيه دينه فأعطاه دراهم فوجدها زيوفاً لا يحنث، وروى البخاري من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام، كما روي "ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلم إلا كفر".