الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
متاع الحياة الدنيا إذا قوبل بما أعد الله للمؤمنين المتقين لا يعد شيئاً يذكر أبدا.
2-
بيان أكمل الشخصيات الإسلامية وهي الشخصية التي تتصف بالصفات العشر التي تضمنتها الآيات الأربع ذات الرقم (36- 37- 38- 39) .
3-
مشروعية القصاص وعقوبة الظالم.
4-
عدم مؤاخذة من ظلم فأخذ بحقه بلا زيادة عنه ما لم يكن حداً فإن الحدود يقيمها الإمام.
5-
فضيلة العفو على الإخوة المسلمين والإصلاح بينهم.
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(42)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
شرح الكلمات:
إنما السبيل: أي بالعقوبة والأذية.
على الذين يظلمون الناس: أي يعتدون عليهم في أعراضهم وأبدانهم وأموالهم.
ويبغون في الأرض بغير الحق: أي ويطلبون في الأرض الفساد فيها بالشرك والظلم والإجرام.
ولمن صبر وغفر: أي ولمن صبر فلم ينتصر لنفسه وغفر وتجاوز عمن أساء إليه.
إن ذلك: أي ذلك الصبر والتجاوز عن المسيء.
لمن عزم الأمور: أي لمن معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
ومن يضلل الله: أي حسب سنته في الإضلال.
فما له من ولي من بعده: أي فليس له من أحد يتولى هدايته ويقدر عليها.
هل إلى مرد من سبيل: أي هل إلى مرد إلى الحياة الدنيا من سبيل نسلكها لنعود إلى الدنيا.
وتراهم يعرضون عليها: أي على النار خاشعين خائفين متواضعين.
ينظرون من طرف خفي: أي من عين ضعيفة النظر كما ينظر المقتول إلى السيف لا يملأ عينه منه.
يوم القيامة: أي لخلودهم في النار، وعدم وصولهم إلى الحور العين في دار السلام.
ألا إن الظالمين: أي المشركين.
في عذاب مقيم: أي دائم لا يخرجون منه وهو عذاب الجحيم.
ومن يضلل الله فما له من سبيل: أي طريق الهداية في الدنيا، وإلى الجنة يوم القيامة.
معنى الآيات:
لقد تقدم في قوله تعالى في الآية قبل هذه: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} فلما نفى عن المنتصرين السبيل إلى عقوبتهم أثبت هنا أن السبيل إلى العقوبة والمؤاخذة هو على الذين (1) يظلمون الناس بالاعتداء عليهم في أبدانهم أو أعراضهم أو أموالهم يبغون في الأرض بغير الحق أي ويطلبون الفساد فيها بالشرك والظلم والمعاصي، وليس في الشرك والظلم والمعاصي من حق يبيحها، وقوله {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي للذين يبغون في الأرض بغير الحق لهم عذاب أليم أي موجع وهو عذاب الدنيا بعقوبتهم الصارمة ويوم القيامة إن لم يتوبوا من الظلم والفساد في الأرض.
وقوله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (2) } يخبر تعالى مؤكداً الخبر بلام الابتداء أن من صبر فلم ينتصر لنفسه من أخيه المسلم وغفر لأخيه زلته فتجاوز له عنها فإن ذلك المذكور من الصبر والتجاوز من معزومات الأمور المطلوبة شرعا.
1- هذه الآية تقابل آية التوبة {ما على المحسنين من سبيل} حيث نفت السبيل على المحسنين وهو لومهم وعتابهم وهذه أثبتته على المسيئين الظالمين.
2-
قال العلماء هذا فيمن ظلمه مسلم فإنه مندوب إلى الصبر وعدم المؤاخذة وهو العفو روي أن رجلاً سب آخر في مجلس الحسن البصري فكان المسبوب يكظم ويعرق ويمسح العرق ثم قام فتلا هذه الآية فقال الحسن عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون، والعزم عقد النية على العمل والثبات عليه.
وقوله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ (1) مِنْ بَعْدِهِ} أي ومن يضلله الله تعالى حسب سنته في الإضلال فليس له من أحد من بعد الله يهديه. وقوله تعالى: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ} أي المشركين لما رأوا العذاب أي عذاب النار يقولون: متمنيين الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا ويوحدوا حتى ينجوا من عذاب النار ويدخلوا الجنة مع الأبرار: هل إلى مرد من سبيل؟ أي هل إلى مرد إلى الدنيا من طريق؟ قال تعالى {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار خاشعين خاضعين متواضعين من الذل ينظرون من طرف خفي (2) يسترقون النظر لا يملأون أعينهم من النظر إلى النار لشدة خوفهم منها. وهنا يقول الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة وذلك لخلودهم في النار وحرمانهم من الوصول إلى الحور العين في الجنة دار الأبرار، ويعلن معلن فيقول: ألا إن الظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي في عذاب مقيم لا يبرح ولا يزول وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ} يخبر تعالى بأنه لم يكن لأولئك الظالمين من أهل النار من أولياء من دون الله ينصرونهم بتخليصهم من العذاب. وقوله: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ} أي فما له طريق إلى هدايته في الدنيا وإلى الجنة يوم القيامة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
لا سبيل إلى معاقبة من انتصر لنفسه بعد ظلمه.
2-
وجوب معاقبة الظالم والضرب على يديه.
3-
فضيلة الصبر والتجاوز عن المسلم إذا أساء بقول أو عمل.
4-
لا أعظم خسرانا ممن يخلد في النار ويحرم الجنة وما فيها من نعيم مقيم.
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا
1- من ولي (من) زائدة للتوكيد إذ الكلام فما له ولي من بعده وكذلك في قوله الآتي {وما كان لهم من أولياء} فمن زائدة للتوكيد.
2-
الطرف مصدر طرف يطرف طرفاً إذا حرك جفنه ولذا هو لا يثنى ولا يجمع قال تعالى {لا يرتد إليهم طرفهم} ويطلق الطرف على العين كما في هذه الآية قال الشاعر:
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعباً بلغت ولا كلابا
أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
شرح الكلمات:
استجيبوا لربكم: أي أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والعبادة.
من قبل أن يأتي يوم: أي يوم القيامة.
لا مرد له من الله: أي إذا أتى لا يرد بحال.
ما لكم من ملجأ يومئذ: أي تلجأون إليه وتتحصنون فيه.
وما لكم من نكير: أي وليس لكم ما تنكرون به ذنوبكم لأنها في كتاب الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
فإن أعرضوا: أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة.
إن عليك إلا البلاغ: وقد بلغت فلا مسئولية تخشاها بعد البلاغ.
وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة: أي نعمة كالغنى والصحة والعافية.
وإن تصبهم سيئة: أي بلاء كالمرض والفقر وغير ذلك.
بما قدمت أيديهم: أي من الذنوب الخطايا.
فإن الإنسان كفور: أي للنعمة والمنعم والإنسان هو غير المؤمن التقي.
لله ملك السموات والأرض: أي خلقاً وملكاً وتصرفاً.
يهب لمن يشاء إناثاً: أي يرزق من يشاء من الناس بنات.
ويهب لمن يشاء الذكور: أي ويعطي من يشاء الأولاد الذكور.
أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً: أي يجعلهم ذكوراً وإناثاً.
ويجعل من يشاء عقيماً: أي لا يلد ولا يولد له.
معنى الآيات:
بعد ذلك العرض الهائل لأهوال وأحوال الظالمين في عرصات القيامة طلب الرب تعالى من عباده أن يجيبوه لما طلبه منهم إنقاذاً لأنفسهم من النار فقال: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ (1) } بمعنى أجيبوه لما دعاكم إليه من التوحيد والطاعات قبل فوات الفرصة وذلك قبل الموت وقبل يوم القيامة اليوم الذي إذا جاء لا مرد له من الله، إذ لا يقدر على رده إلا الله والله أخبر أنه لا يرده فمن يرده إذاً؟ فبادروا بالتوبة إلى ربكم قبل مجيئه حيث لا يكون لكم يومئذ ملجأ تلجأون إليه هاربين من العذاب ولا يكون لكم نكير يمكنكم أن تنكروا به ذنوبكم إذ قد جمعت لكم في كتاب واحد لم يترك صغيرة من الذنوب ولا كبيرة إلا أحصاها عدا. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (47) وهي قوله تعالى:{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (2) } . وقوله تعالى في الآية الثانية (48){فَإِنْ أَعْرَضُوا} أي لم يجيبوا ربهم لما دعاهم إليه من التوحيد والطاعة {فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} رقيباً تحصي أعمالهم وتحفظها لهم وتجازيهم بها. {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} أي ما عليك إلا البلاغ وقد بلغت وبرئت ذمتك فلا يهمك أمرهم ولا تحزن على إعراضهم.. وقوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْأِنْسَانَ (3) مِنَّا رَحْمَةً} أي نعمة كسعة رزق وصحة بدن وكثرة مال وولد فرح بها فرح البطر والأشر، وهذا الإنسان الكافر أو الجاهل الضعيف الإيمان. وإن تصبهم سيئة أي ضيق عيش ومرض وفقر بما قدمت أيديهم من الذنوب فإن الإنسان كفور سرعان ما ينسى النعمة والمنعم ويقع في اليأس والقنوط هذا الإنسان قبل أن يؤمن ويسلم ويحسن فإذا آمن وأسلم وأحسن تغير طبعه وطهر نبعه وأصبح يشكر عند النعمة ويصبر عند النقمة. وقوله تعالى:{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ (4) وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} إن بحكم سلطانه على الأرض والسماء فإنه يتصرف كيف يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم له ذكرانا وإناثاً، ويجعل من يشاء من الناس عقيماً لا يلد ولا يولد له، وهذا ناتج عن علم أحاط بكل شيء، وقدرة أخضعت لها كل شيء وهذا معنى قوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (5) فالواجب أن يسلم العبد لربه فيما وهبه وأعطاه إذ الله يعطي لحكمة ويمنع لحكمة، من السفه الاعتراض على حكم الله.
1- السين والتاء للتوكيد واللام لربكم لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول نحو شكرت له وحمدت له وتسمى هذه اللام لام التبليغ ولام التبيين إذ الأصل أجابه واستجابه.
2-
النكير: اسم مصدر أنكر ينكر إنكاراً والنكير اسم المصدر إذ نقصت حروفه والمعنى ما لكم إنكار لما جوزيتم به إذ لا يسعكم إلا الاعتراف.
3-
الإذاقة كناية عن الإصابة والمراد بالرحمة أثرها وهي النعمة والتقدير وإنا إذا رحمنا الإنسان فأصبناه بنعمة.
4-
الجملة مستأنفة بيانياً إذ لسائل أن يقول لم لا يفطر الله الإنسان على خلق الشكر فكان الجواب لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء.
5-
الجملة تعليلية فصفتا العلم والقدرة بهما يكون الولد ولا يكون فليسلم الأمر لله في العقم والولادة.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
وجوب الاستجابة لله تعالى في كل ما دعا العبد إليه، وذلك قبل أن يطلب الاستجابة ولا يمكن منها.
2-
على الدعاة إلى الله تعالى إبلاغ مطلوب الله تعالى من عباده، ولا يضرهم بعد ذلك شيء.
3-
بيان طبع الإنسان وحاله قبل أن يهذب بالإيمان واليقين والطاعات.
4-
لله مطلق التصرف في الملكوت كله فلا يصح الاعتراض عليه في شيء فهو يهب ويمنع لحكم عالية لا تدركها عقول العباد.
5-
وجود عقم في الرجال وعقم في النساء، ولا بأس بالعلاج الجائز المشروع عند الشعور بالعقم أو العقر. أما ما ظهر الآن من بنوك المني، والإنجاب بطريق صبّ ماء فحل في فرج امرأة عاقر وما إلى ذلك فهذه من أعمال الملاحدة الذين لا يدينون لله بالطاعة له والتسلم لقضائه، وإن صاموا وصلوا وادعوا أنهم مؤمنون إذ لا حياء لهم ولا إيمان لمن لا حياء له، وحسبهم قبحا في سلوكهم هذا الكشف عن السوءات بدون إنقاذ حياة ولا طلب رضا الله رب الأرض والسموات.
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
شرح الكلمات:
إلا وحيا أو من وراء حجاب: أي إعلاما خفيا سريعاً في يقظة أو منام، أو يكلمه من وراء حجاب فيسمع الكلام ولا يرى الذات.
أو يرسل رسولاً: أي يرسل ملكاً في صورة إنسان فيكلمه مبلغاً عن الله تعالى.
إنه علي حكيم: أي الله تعالى ذو علو على سائر خلقه حكيم في تدبير خلقه.
وكذلك أوحينا إليك: أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن.
روحاً من أمرنا: أي وحياً ورحمة من أمرنا الذي نوحيه إليك.
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان: أي لم تكن قبل تدري أي شيء هو الكتاب، ولا الإيمان الذي هو قول وعمل واعتقاد.
ولكن جعلناه نوراً نهدي به: أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا إلى صراطنا.
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم: أي الإسلام.
ألا إلى الله تصير الأمور: أي ترجع أمور جميع العباد في يوم القيامة إلى الله تعالى.
معنى الآيات:
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً (1) } يخبر تعالى أنه ليس من شأن البشر كائنا من كان أن يكلمه الله تعالى إلا وحيا بأن يعلمه بطريق سريع خفي إلهاماً أو مناماً فيفهم عن الله تعالى ما ألقاه في روعه (2) جازماً أنه كلام الله ألقاه إليه، هذه طريقة وثانية أن يكلمه الله تعالى فيسمعه كلامه بدون أن يرى ذاته كما كلم موسى عليه السلام غيره مرة. وثالثة أن يرسل إليه رسولاً كجبريل عليه السلام فيبلغه كلام ربه تعالى هذا معنى قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ (3) رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ} أي ذو علو على خلقه {حَكِيمٌ} في تدبيره لخلقه.
وقوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} أي كما كنا نوحي إلى سائر رسلنا أوحينا إليك يا محمد روحا وهو القرآن وسمي روحاً لأن القلوب تحيا به كما تحيا الأجسام بالأرواح، وقوله
1- روى غير واحد أن الآية نزلت ردا على قول من قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبياً كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن لك حتى تفعل ذلك وجائز أن يكون اليهود الذين أشاروا بهذا على كفار قريش وجائز أن يكون اليهود هم القائلون له.
2-
الروع بضم الراء القلب أو العقل، والفتح الفزع. وفي الحديث "إن روح القدس نفثت في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب" والحديث صحيح. وأرج بعضهم خذوا ما حل ودعوا ما حرم.
3-
اختلف الفقهاء فيمن حلف ألا يكلم فلاناً فكتب إليه أو أرسل إليه رسولاً فهل يحنث؟ أوجه الأقوال أنه إذا اشترط المشافهة في حلفه أنه لا يحنث وإن لم يشترطها يحنث ولا يحنث إن سلم عليه في الصلاة أما في خارجها فإنه يحنث.
{مِنْ أَمْرِنَا (1) } أي الذي نوحيه إليك الشامل للأمر والنهي والوعد والوعيد وقوله تعالى: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} أي القرآن {وَلا الْأِيمَانُ (2) } الذي هو عقيدة وقول وعمل. وقوله {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} أي جعلنا القرآن نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا إلى الإيمان بنا وتوحيدنا وطلب مرضاتنا بفعل محابّنا وترك مساخطنا.
وقوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي وإنك يا رسولنا لتهدي إلى صراط مستقيم الذي هو الدين الإسلامي وقوله {صِرَاطِ اللهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} أي خلقا وملكاً وعبيداً {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} أي وإليه تعالى مصير كل شيء، ومرد كل شيء إذ هو المالك الحق والمدبر لأمر المخلوقات كلها، ولذا وجب تفويض الأمر إليه والرضا بحكمه وقضائه ثقة فيه وفي كفايته.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
1-
بيان طرق الوحي وهي ثلاثة الأولى الإلقاء في الروع يقظة أو مناماً والثانية أن يكلم الله النبي بدون أن يرى ذاته عز وجل كما كلم موسى في الطور وكلم محمداً صلى الله عليه وسلم في الملكوت الأعلى والثالث أن يرسل إليه الملك إما في صورته الملائكية أو في صورة رجل من بني آدم فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه من أمره.
2-
القرآن الكريم روح تحيا به القلوب الميتة كما تحيا الأجسام بالأرواح.
3-
القرآن نور يستضاء به في الحياة فتعرف به طرق السعادة وسبل النجاة.
1- أي من شأننا العظيم المقتضي الإيحاء إليك بالقرآن الحاوي للشرائع والأحكام وأنواع الهدايات المكملة للإنسان الآخذ بها المسعدة له في الحياتين.
2-
المنفي من الإيمان هو التفصيلي أما الإجمالي فقد ولد صلى الله عليه وسلم مؤمناً موحداً، ولذا لم يقل وما كنت مؤمناً فالمنفي شرائع الإيمان وتفاصيله.