المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٤

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ النمل

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(70)

- ‌(76)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(17)

- ‌(22)

- ‌(38)

- ‌(44)

- ‌(52)

- ‌(60)

- ‌(68)

- ‌(85)

- ‌ العنكبوت

- ‌(1)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(65)

- ‌ الروم

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(26)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(58)

- ‌ لقمان

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌ السجدة

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(23)

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(35)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(56)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌ سبأ

- ‌(1)

- ‌3

- ‌(7)

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(40)

- ‌(43)

- ‌ فاطر

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌(1

- ‌يس:

- ‌(13)

- ‌(20)

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(47)

- ‌(55)

- ‌ الصافات

- ‌(1)

- ‌(22)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(62)

- ‌(75)

- ‌(83)

- ‌(133)

- ‌(139)

- ‌(161)

- ‌(171)

- ‌ ص

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(34)

- ‌(55)

- ‌(65)

- ‌ الزمر

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(60)

- ‌(67)

- ‌غافر

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(28)

- ‌(41)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(64)

- ‌(69)

- ‌(77)

- ‌(82)

- ‌ فصلت

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(25)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(40)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52)

- ‌ الشورى

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(42)

- ‌ الزخرف

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(74)

- ‌(86)

الفصل: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‌

(15)

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)

شرح الكلمات:

فلذلك فادع: أي فإلى ذلك الدين الذي شرع الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك يا محمد فادع عباد الله.

واستقم كما أمرت: أي استقم على العمل به ولا تزغ عنه واثبت عليه كما أمرك الله.

ولا تتبع أهواءهم: أي ولا تتبع أهواء المشركين وأهل الكتاب فتترك الحنيفية التي بعثت بها فإنها الحق.

وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب: أي ولست كالذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض.

وأمرت لأعدل بينكم: أي أمرني ربي أن أحكم بينكم بالعدل الذي هو خلاف الجور.

الله ربنا وربكم: أي خالقنا وخالقكم ورازقنا ورازقكم وإلهنا وإلهكم.

لنا أعمالنا ولكم أعمالكم: وسيجزى كل منا بعمله خيراً كان أو شراً.

لا حجة بيننا وبينكم: أي ما هناك حاجة إلى المحاجة الآن بعد ظهور الحق.

الله يجمع بيننا: أي يوم القيامة.

والذين يحاجون في الله: أي يجادلون في دين الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.

من بعد ما استجيب له: أي بالإيمان لظهور معجزته وهم اليهود.

ص: 601

حجتهم داحضة: أي باطلة عند ربهم.

وعليهم غضب: أي من الله ولهم عذاب شديد يوم القيامة.

معنى الآيات:

قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ (1) } أي فإلى ذلك الدين الحق الذي هو الإسلام الذي شرعه الله لكم ووصى به نوحاً وأوحاه إليك فادع جميع الناس عربهم وعجمهم فإنه دين الله الذي لا يقبل ديناً سواه، ولا يكمل الإنسان في أخلاقه ومعارفه وآدابه ولا يسعد في الدارين إلا عليه واستقم (2) عليه (3) كما أمرك ربك، فلا تزغ عنه ولا تعدل به غيره فإنه الصراط المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك ولا تتبع أهواء المشركين ولا أهواء أهل الكتاب. وقل في صراحة ووضوح آمنت بما أنزل من كتاب فلا أومن ببعض وأكفر ببعض كما أنتم عليه معشر اليهود والنصارى، وقل لهم أمرني ربي أن أعدل (4) بينكم في الحكم إذا تحاكمتم إليّ، كما أني لا أفرق بينكم إذ أعتبركم على الكفر سواء فكل من لم يكن على الإسلام الذي كان عليه نوح وإبراهيم وموسى وعيسى والذي عليه أنا وأصحابي اليوم فهو كافر من أهل النار.

وقوله تعالى {اللهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} أي أمرني أن أقول لكم هذا الله ربنا وربكم إذ لا رب سواه فهو رب كل شيء ومليكه، {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} (5) وسَيُجزى كل منا بعلمه السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها، إلا أن الكافر لا تكون له حسنة ما دام قد كفر بأصل الدين فلم يؤمن بالله ولقائه، ولا بوحيه ولا برسوله وقوله {لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} أي اليوم إذ ظهر الحق ولاح الصبح لذي عينين فلا داعي إلى الجدال والخصومة معكم يا أهل الكتابين من يهود ونصارى الله يجمع بيننا يوم القيامة إذ المصير في النهاية إليه لا إلى غيره وسوف يحكم بيننا فيما اختلفنا فيه فيقضي لأهل الحق بالنجاة من النار ودخول الجنة ويقضي لأهل الباطل بالنار والخلود فيها.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ (6) فِي اللهِ} أي في دين الله النبي والمؤمنين يريدون أن يردوهم

1- قال القرطبي اللام هنا بمعنى إلى وله نظائر مثل بأن ربك أوحى لها أي إليها وأولى أن تكون اللام للتعليل أي لأجل ما ذكر من الأمر بإقامة الدين وعدم التفرق فيه فادع.

2-

الاستقامة الاعتدال والسين والتاء فيها للمبالغة مثل أجاب استجاب والمراد هنا الاستقامة المعنوية وهي ملازمة الآداب الرفيعة والأخلاق الفاضلة والتمسك بأهداف الشريعة.

3-

كما أمرت هذه الكاف كالتي في قوله تعالى واذكروه كما هداكم أعطيت معنى التقليل مثل كما صليت على إبراهيم وما في التفسير أولى من هذا فإن المراد على نحو ما أمرك لا تخالفه.

4-

هذا من الغيب الذي أخبر به القرآن قبل وقوعه فكان كما أخبر فقد نصر الله رسوله وحكم اليهود وعدل بينهم وذلك في المدينة وخيبر وتيماء والآية نزلت بمكة.

5-

هذه صور من صور الإنصاف والعدل.

6-

قال مجاهد في قوله تعالى والذين يحاجون في الله الآية قال هؤلاء رجال طمعوا أن تعود الجاهلية بعد ما دخل الناس في الإسلام. وقيل إنهم اليهود والنصارى والكل جائز ويقع وواقع وما في التفسير أوضح وأصح.

ص: 602

إلى باطلهم من بعد ما استجيب للرسول ودخل الناس في دين الله أفواجاً، هؤلاء حجتهم داحضة عند ربهم أي باطلة، وعليهم غضب أي من ربهم ولهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة هذه الآية نزلت في يهود بالمدينة نصبوا أنفسهم خصوماً لأصحاب رسول الله يجادلونهم يريدون تشكيكهم في الإسلام والعودة بهم إلى وثنية الجاهلية وكان هذا قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فرد تعالى عليهم وأسكتهم بهذه الآية متوعداً إياهم بالغضب والعذاب الشديد.

هداية الآيات:

من هداية الآيات:

1-

وجوب الدعوة إلى الإسلام بين أمم العالم إذ لا نجاة للبشرية إلا بالإسلام.

2-

حرمة اتباع أهواء أهل الأهواء والسير معهم (1) وموافقتهم في باطلهم.

3-

وجوب الاستقامة على الإسلام عقائد وعبادات وأحكام قضائية وآداب وأخلاق.

4-

تعين ترك الحجاج والمخاصمة مع أهل الكتاب وكذا أهل الأهواء والبدع لأنا على الحق وهم على الباطل، فكيف نحاجهم إذ الواجب أن يسلموا وكفى.

اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ

1- الأهواء جمع هوى وهو الحب وغلب على حب ما لا نفع فيه إذ هو نابع عن ميل نفساني مناف للخير والعدل ويغلب إطلاق لفظ العشق عليه.

ص: 603

مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)

شرح الكلمات:

الله الذي أنزل الكتاب بالحق: أي أنزل القرآن متلبساً بالحق والصدق لا يفارقه أبداً.

والميزان:: أي وأنزل الميزان وهو العدل ليحق الحق.

وما يدريك لعل الساعة قريب: أي أيّ شيء يجعلك تدري قرب الساعة إلا أن يكون الوحي الإلهي.

يستعجل بها الذين لا يؤمنون: أي يطالب المكذبون بها لأنهم لا يخافون ما فيها لعدم إيمانهم به.

والذين آمنوا مشفقون منها: أي خائفون وذلك لإيمانهم فهم لا يدرون ما يكون لهم فيها من سعادة أو شقاء ولذا هم مشفقون.

ويعلمون أنها الحق: أي أن الساعة حق واجبة الإتيان لا محالة.

إن الذين يمارون في الساعة: أي إن الذين يجادلون في الساعة شاكين في وقوعها.

الله لطيف بعباده: أي برهم وفاجرهم بدليل أنهم يعصونه وهو يرزقهم ولا يعاقبهم.

من كان يريد حرث الآخرة: أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة.

نزد له في حرثه: أي نضاعف له ثوابه الحسنة بعشر أمثالها وأكثر.

ومن كان يريد حرث الدنيا: أي من كان يريد بعمله متاع لحياة الدنيا من طيباتها.

نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب: أي نعطه منها ما قدر له وليس له في الآخرة من حظ ولا نصيب.

أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين: أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين.

ما لم يأذن به الله: أي ما لم يشرعه الله تعالى وهو الشرك.

ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم: أي ولولا كلمة الفصل التي حكم الله بها بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأهلكهم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين.

معنى الآيات:

قوله تعالى: {اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ (1) } يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنه هو

1- جائز أن يكون الكتاب اسم جنس يشمل الكتب الإلهية إذ الله تعالى هو منزلها وجائز أن يكون المراد به القرآن. وأل فيه للتفخيم من شأنه كأنه الكتاب الفذ في بابه.

ص: 604

الذي أنزل الكتاب أي القرآن بالحق والصدق وأنزل الميزان (1) وذلك من أجل إحقاق الحق في الأرض وإبطال الباطل فيها، فلا يعبد إلا الله ولا يحكم إلا شرع الله وفي ذلك كمال الإنسانية وسعادتها، وقوله تعالى:{وَمَا يُدْرِيكَ (2) لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} أي أيّ شيء جعلك تدري قرب الساعة إنه الوحي الإلهي لا غير وقوله {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} أي الذين لا يؤمنون بالبعث الآخر والجزاء فيه هم الذين يطالبون بإتيانها في غير وقتها ويستعجلون الرسول بها بقولهم متى الساعة؟ أما المؤمنون بالبعث والجزاء فإنهم مشفقون أي خائفون من وقوعها لأنهم لا يدرون مصيرهم فيها ولا يعلمون ما هم صائرون إليه من سعاة أو شقاء وقوله {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أي والمؤمنون يعلمون أن الساعة حق واجبة الوقوع ليحكم الله فيها بين عباده ويجزي كل واحد بعمله، ويقتص فيها من الظالم للمظلوم فلذا هي واقعة حتماً لا تتخلف أبداً.

وقوله تعالى: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} يخبر تعالى مؤكداً الخبر بأن الذين يشككون في الساعة ويجادلون في صحة وقوعها في ضلال عن الهدى والصواب والرشد، بعيد لا يرجى لهم معه العودة إلى الصواب والهدى في هذه المسألة من مسائل العقيدة. وقوله تعالى {اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} يخبر تعالى بأنه ذو لطف بعباده مؤمنهم وكافرهم برهم وفاجرهم يكفر به الكافرون ويعصيه العاصون وهو يطعمهم ويسقيهم ويعفو عنهم ولا يهلكهم بذنوبهم فهذا من دلائل لطفه بهم. يرزق من يشاء أي يوسع الرزق على من يشاء ويقدر على من يشاء حسب ما تقتضيه تربيتهم فلا يدل على الغنى على الرضاء ولا الفقر على السخط. وهو تعالى القوي القادر الذي لا يعجزه شيء العزيز في انتقامه ممن أراد الانتقام منه وقوله تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ (3) الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} ، وهذا من مظاهر لطفه بعباده وهو أن من أراد منهم بعمله ثواب الآخرة وما أعد الله فيها للمؤمنين المتقين نزد له في حرثه أي يضاعف له أجر عمله الحسنة بعشر إلى سبعمائة ويضاعف لمن يشاء ومن كان يريد بعمله حرث الدنيا أي متاع الحياة الدنيا يؤته على قدر عمله للدنيا وهو ما قدره له أزلاً وجعله مقدوراً له لا بد نائله، وماله في الآخرة من نصيب لأنه لم يعمل لها فلا حظ له ولا نصيب له فيها إلا النار وبئس القرار.

وقوله تعالى في الآية (21){أَمْ (4) لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ} يقول

1- هل المراد من الميزان العدل أو هو الآلة التي يوزن بها والظاهر أنه الآلة التي يوزن بها إذ بها يتم العدل ولقوله تعالى {وأنزلنا معهم الكتاب الميزان ليقوم الناس بالقسط} وإنزاله إلهام وضعه والعمل به.

2-

ما استفهامية أي من جعلك تدري قرب الساعة. قال ابن عباس ما قال تعالى فيه وما أدراك فقد أدراه، وما قال فيه وما يدريك فإنه لم يدره به.

3-

المراد بالحرث العمل والكسب قال الشاعر:

كلانا إذا ما نال شيئاً أفاته

ومن يحترث حرثي وحرثك يهزل

بهذه الآية رد على من زعم أن المرء لو دخل ماء للتبرد فيه أن له أن يصلي به لأن الآية نص في إرادة العمل والثواب بحسب الإرادة التي هي النية.

4-

أم للإضراب الانتقالي والاستفهام للتفريع والتوبيخ.

ص: 605

أللمشركين من كفار قريش شركاء من الشياطين شرعوا لهم ديناً وهو الشرك لم يأذن به الله، وهذا إنكار عليهم، وإعلان غضب شديد أجل شركهم الذي زينته لهم الشياطين فصرفتهم عن الدين الحق إلى الدين الباطل، ولذا قال:{وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي ولولا أنه تعالى قضى بأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لعذبهم في الدنيا وأهلكهم فيها قبل الآخرة، وذلك لاتخاذهم دينا لم يشرعه الله لهم. وقوله تعالى وإن الظالمين أي المشركين لهم عذاب أليم أي موجع وذلك يوم القيامة وهذا وعيد للمشركين الذين اتخذوا الجاهلية والشرك وعبادة الأوثان ديناً وأعرضوا عن دين الله الذي أوصى به نوحاً وأوحاه إلى محمد خاتم رسله، كما أوصى به إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

بيان بعض الحكمة في إنزال الكتاب أي القرآن والميزان وهو أن يحكم الناس بالقسط.

2-

بيان قرب الساعة وأن معرفة قربها كان بالوحي الإلهي مثل اقترب للناس حسابهم.

3-

المستعجلون بالساعة هم الكافرون الجاحدون لها.

4-

بيان لطف الله بعباده فله الحمد وله المنة والشكر.

5-

بيان وجوب إصلاح النيات فإن مدار العمل قبولاً ورفضاً بحسبها.

6-

حظر التشريع بجميع أنواعه عن غير الله ورسوله.

تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللهِ

ص: 606

كَذِباً فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)

شرح الكلمات:

ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا: أي ترى أيها المرء الظالمين يوم القيامة خائفين من جزاء ما عملوا.

وهو واقع بهم: أي وهو أي جزاء ما كسبوا من الباطل والشرك نازل بهم معذبون به لا محالة.

والذين آمنوا وعملوا الصالحات: آمنوا بالله ولقائه وآياته ورسوله وأدوا الفرائض واجتنبوا المحارم.

في روضات الجنات: أي هم في روضات الجنات، والروضة في الجنة أنزه مكان فيها.

لهم ما يشاءون عند ربهم: أي لهم ما تشتهيه أنفسهم وتلذه أعينهم في جوار ربهم.

قل لا أسألكم عليه أجراً: أي قل يا رسولنا لقومك لا أسألكم على التبليغ أجراً أي ثواباً.

إلا المودة في القربى: أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي فتمنعوني حتى أبلغ رسالتي.

ومن يقترف حسنة: أي ومن يكسب حسنة بقول أو عمل صالح.

نزد له فيها حسنا: أي نضاعفها له أضعافاً.

أم يقولون افترى على الله كذبا: أي أيقول هؤلاء المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فنسب إليه القرآن وهو ليس بكلامه ولا بوحيه.

فإن يشأ الله يختم على قلبك: أي إن يشإ الله تعالى يطبع على قلبك وينسيك القرآن أي أن الله قادر على أن يمنعك من الافتراء عليه كما زعم المشركون.

ويمحوا الله الباطل ويحق الحق: أي إن من شأن الله تعالى أنه يمحوا الباطل.

ص: 607

بكلماته: أي بالآيات القرآنية وقد محا الباطل وأحق الحق بالقرآن.

وهو الذي يقبل التوبة عن عباده: أي هو تعالى الذي يقبل توبة التائبين من عباده.

ويعفوا عن السيئات: أي لا يؤاخذ بها من تاب منها فهذا هو الإله الحق لا الأصنام التي ليس لها شيء مما هو لله ألبتة.

ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات: أي ويجيب تعالى عباده الذين آمنوا به وعملوا الصالحات إلى ما دعوه فيه فيعطيهم سؤلهم.

ويزيدهم من فضله: أي يعطيهم ما سألوا ويعطيهم ما لم يسألوه من الخير.

والكافرون لهم عذاب شديد: أي والكافرون بالله ورسوله ولقاء الله وآياته لهم عذاب شديد.

معنى الآيات:

يقول تعالى لرسوله {تَرَى الظَّالِمِينَ} (1) يوم القيامة مشفقين أي خائفين مما كسبوا أي من جزاء ما كسبوا من الشرك والمعاصي، وهو أي العذاب واقع بهم نازل عليهم لا محالة وقوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أي في الوقت الذي يكون فيه الظالمون مشفقين مما كسبوا يكون الذين آمنوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا وعملوا الصالحات من الفرائض والنوافل بعد اجتناب الشرك والكبائر في روضات الجنات وهي أنزهها وأحسنها لهم ما يشاءون من النعيم مما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين كل ذلك في جوار رب كريم وقوله تعالى {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (2) } أي ذاك الذي أخبر تعالى به أنهم فيه من روضات الجنات وغيره هو الفضل الكبير الذي تفضل الله تعالى عليهم به.

وقوله في الآية الثانية (23){ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي ذلك المذكور من روضات الجنات وغيره هو الذي يبشر الله تعالى به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات في كتابه وعلى لسان رسوله.

وقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ (3) عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} يأمر تعالى رسوله أن يقول لقومه من المشركين لا أسألكم على إبلاغي إياكم دعوة ربي إلى الإيمان به وتوحيده لتكملوا وتسعدوا أجراً أي مالاً لكن أسألكم أن تودوا قرابتي منكم فلا تؤذوني وتمنعوني من الناس حتى

1- هذا عرض لما يجري من أحوال في عرصات القيامة وما ينتهي إليه الموقف من إسعاد أهل الإيمان والعمل الصالح وإشقاء أهل الشرك والمعاصي.

2-

لا يوصف ولا يهتدي العقول إلى معرفة كنه صفته لأن الله تعالى إذا قال كبير كان مما لا يقادر قدره.

3-

هذا الخطاب خاص بقريش قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والاستثناء منقطع فهو بمعنى لكن ومعنى الآية قل لا أسألكم عليه أي على البلاغ أجراً أي ثواباً وجزاءً إلا أن تودّوني من قرابتي منكم أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني وتنصروني حتى أبلغ رسالتي وذلك أنه ما من بطن من بطون قريش إلا وفيه للرسول صلى الله عليه وسلم قرابة رحم وأما توجيه الآية على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو تمحل واضح إلا أن حب آل البيت وتعظيمهم واجب أكيد ووردت فيه أحاديث كثيرة صالحة للاحتجاج بها.

ص: 608

أبلغ دعوة ربي.

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً} أي من يعمل حسنة نزد له فيها حسنا بأن نضاعفها له إذ الله غفور للتائبين من عباده شكور للعاملين منهم فلا يضيع أجر من أحسن عملا.

وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ (1) افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي بل يقولون أفترى على الله كذبا أي يقول المشركون إن محمداً افترى على الله كذباً فادعى أن القرآن كلام الله ووحيه وما هو إلا افتراء افتراه على الله. فأبطل الله تعالى هذه الدعوة وقال: {فَإِنْ يَشَأِ اللهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} أي يطبع على قلبك فتنسى القرآن ولا تقدر على قوله والنطق به، فكيف إذًا يقال إنه يفتري على الله كذباً والله قادرٌ على منعه والإحالة بينه وبين ما يقوله. وقوله:{وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} هذا شأنه تعالى يمحوا الباطل ويحق الحق بالقرآن وقد فعل فمحاَ الباطل وأحق الحق فما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الجزيرة من يعبد غير الله تعالى. وقوله {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} فلواسع علمه وعظيم قدرته محا الباطل وأحق الحق بالقرآن ولو كان القرآن مفترى ما محا باطلاً ولا أحق حقاً وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} أي إن تابوا إليه وأنابوا، ويعفوا عن سيئاتهم فلا يؤاخذهم بها، ويعلم ما يفعلون في السر والعلن ويجزي كلاً بما عمل وهو على كل شيء قدير.

وقوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ (2) آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي يجيب دعاءهم فيما طلبوه ويزيدهم من فضله فيعطيهم ما لم يطلبوه فما أعظم كرمه وما أوسع رحمته!! هذا للذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأما الكافرون فلهم عذاب شديد.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

تقرير حق القرابة ووجوب المودة فيها. واحترام قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وتقديرها.

2-

تبرئة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الافتراء على الله عز وجل.

3-

مضاعفة الحسنات، وشكر الله للصالحات من أعمال عباده المؤمنين.

4-

وجوب التوبة وقبول الله تعالى لها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة. وللتوبة ثلاثة شروط: الإقلاع الفوري عن المعصية، والاستغفار، والندم على ما فعل من

1- أم للإضراب الانتقالي والاستفهام إنكاري ينكر تعالى على المشركين الذين قالوا إن محمداً يفتري على الله الكذب فيقول أرسلني الله وما أرسله ويقول القرآن من وحي الله، والله ما أوحى إليه فأنكر تعالى هذا على قائليه ووضح لهم أن دعواهم لا تمت إلى الواقع بصلة.

2-

فاعل يستجيب هو الله عز وجل والذين مفعول به في محل نصب والسين والتاء للتأكيد إذ استجاب هو بمعنى أجاب.

ص: 609