المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٤

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌ النمل

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(45)

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(70)

- ‌(76)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(17)

- ‌(22)

- ‌(38)

- ‌(44)

- ‌(52)

- ‌(60)

- ‌(68)

- ‌(85)

- ‌ العنكبوت

- ‌(1)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(50)

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(65)

- ‌ الروم

- ‌(1)

- ‌(11)

- ‌(26)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(41)

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(58)

- ‌ لقمان

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(12)

- ‌(16)

- ‌(20)

- ‌(22)

- ‌(27)

- ‌(29)

- ‌(33)

- ‌ السجدة

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(23)

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(26)

- ‌(31)

- ‌(35)

- ‌(49)

- ‌(50)

- ‌(51)

- ‌(56)

- ‌(60)

- ‌(63)

- ‌ سبأ

- ‌(1)

- ‌3

- ‌(7)

- ‌(20)

- ‌(24)

- ‌(40)

- ‌(43)

- ‌ فاطر

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(36)

- ‌(40)

- ‌(1

- ‌يس:

- ‌(13)

- ‌(20)

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(47)

- ‌(55)

- ‌ الصافات

- ‌(1)

- ‌(22)

- ‌(31)

- ‌(38)

- ‌(62)

- ‌(75)

- ‌(83)

- ‌(133)

- ‌(139)

- ‌(161)

- ‌(171)

- ‌ ص

- ‌(1)

- ‌(12)

- ‌(34)

- ‌(55)

- ‌(65)

- ‌ الزمر

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(8)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(60)

- ‌(67)

- ‌غافر

- ‌(18)

- ‌(21)

- ‌(28)

- ‌(41)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(64)

- ‌(69)

- ‌(77)

- ‌(82)

- ‌ فصلت

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(25)

- ‌(33)

- ‌(37)

- ‌(40)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52)

- ‌ الشورى

- ‌(1)

- ‌(7)

- ‌(10)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(32)

- ‌(42)

- ‌ الزخرف

- ‌(1)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(36)

- ‌(41)

- ‌(57)

- ‌(63)

- ‌(67)

- ‌(74)

- ‌(86)

الفصل: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ‌

(43)

وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)

شرح الكلمات:

آياتنا بيّنات: أي آيات القرآن الكريم واضحات ظاهرة المعنى بينة الدلالة.

قالوا ما هذا إلا رجل: أي ما محمد إلا رجل من الرجال.

يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم: أي يريد أن يصرفكم عن عبادتكم لآلهتكم التي كان يعبدها آباؤكم من قبل.

إلا إفك مفترى: أي إلا كذب مختلق مزور.

وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي قالوا للقرآن لما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم.

إن هذا إلا سحر مبين: أي ما هذا أي القرآن إلا سحر مبين أي محمد ساحر والقرآن سحر.

من كتب يدرسونها: أي يقرأونها فأباحت لهم الشرك وأذنت لهم فيه.

وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير: أي ولم نرسل إليهم قبلك من رسول فدعاهم إلى الشرك.

وما بلغوا معشار ما آتيناهم: أي ولم يبلغ أولئك الأمم الذين أهلكناهم معشار ما آتينا هؤلاء من الحجج والبينات.

ص: 329

فكيف كان نكير: أي فكيف كان إنكاري عليهم بالعقوبة إلا هلاك والجواب كان واقعا موقعه لم يخطئه بحال.

معنى الآيات:

ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم. قال تعالى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ} أي مشركي قريش وكفارها {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي يتلوها رسولنا واضحات الدلالة بينات المعاني فيما تدعوا إليه من الحق وتندد به من الباطل. كان جوابهم أن قالوا: ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم. أي ما محمد إلا رجل أي ليس بملك يريد أن يصدكم أي يصرفكم عما كان يعبد آباؤكم من الأوثان والأحجار. فسبحان الله أين يذهب بعقول المشركين أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الأصنام والأوثان، إنه يصدهم حقاً عن عبادة الأوثان ولكن إلى عبادة الرحمن. وقالوا أيضاً ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ (1) } أو كذب {افْتَرَاهُ} أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد صلى الله عليه وسلم سبحان الله ما أشد سخف هؤلاء المشركين. وقالوا أيضاً ما أخبر تعالى به عنهم في قوله {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والإصلاح {إِنْ هَذَا} أي ما هذا إلا سحر مبين، وذلك لما رأوا من تأثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان يحرك نفوسهم ويهزها هزاً.

بعد هذا العرض لمواقف المشركين قال تعالى: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ (2) } أي مشركي قريش {مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} أي أصروا على الشرك وما أعطيناهم من كتب يقرأونها فوجدوا فيها الإذن بالشرك أو مشروعيته فتمسكوا به، {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} أي رسول فأجاز لهم الشرك أو سنه لهم فهم على سنته، اللهم لا ذا ولا ذاك. فكيف إذاً هذا الإصرار على الشرك وهو باطل لم ينزل به كتاب ولم يبعث به رسول (3) .

وقوله تعالى: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (4) } أي من الأمم البائدة {وَمَا بَلَغُوا} أي ولم يبلغ

1 - ما هذا يعنون القرآن الكريم وكذا قولهم إن هذا إلا سحر فإنهم يعنون القرآن الكريم أيضاً وإن بمعنى ما النافية والإسناد بعدها دال عليها.

2 -

الجملة حالية من ضمير قالوا ما هذا.

3 -

أي أنه ليس لهم ما يتثبتون به من أقل دليل وأدنى شبهة كما هي الحال عند أهل الكتاب إذ قالوا عندنا كتابنا وجاءتنا رسلنا أما المشركون فليس لهم من ذلك شيء.

4 -

في الآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم في تكذيبهم له صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم. التسلية في قوله "كذب الذين من قبلهم" والتهديد في "فكذبوا رسلي فكيف كان نكير" والفاء للتفريع أي في قوله فكذبوا رسلي.

ص: 330

هؤلاء من القوة معشار (1) ما كان لأولئك الأقوام الهالكين، ومع ذلك أهلكناهم، فكيف كان نكيري أي كيف كان إنكاري عليهم الشرك وتكذيب رسلي كان بإبادتهم واستئصالهم. أما يخاف هؤلاء الضعفاء أن تحل بهم عقوبتنا فنهلكهم عن آخرهم كما أهلكنا من قبلهم ولما لم يرد الله إبادتهم بعد أن استوجبوها بالتكذيب لرسوله والإصرار على الشرك والكفر قال لرسوله قل لهم {إِنَّمَا (2) أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي بخصلة واحدة وهي أن تقوموا لله متجردين من الهوى والتعصب {مَثْنَى} ، أي اثنين اثنين، {وَفُرَادَى} أي واحداً واحداً، ثم تتفكروا في حياة محمد صلى الله عليه وسلم ومواقفه الخيّرة معكم وبعده عن كل أذى وشر وفساد فإنكم تعلمون يقينا أنه ما بصاحبكم محمد من جنّة ولا جنون {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} ، أي ما هو صلى الله عليه وسلم إلا نذير لكم أمام عذاب شديد قد ينزل بكم وهو مشفق عليكم في ذلك خائف لا يريده لكم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

بيان عناد المشركين وسخف عقولهم وهبوطهم الفكري.

2-

ضعف كفار قريش وتشددهم وعتوهم إذا قيسوا بالأمم السابقة فإنهم لا يملكون من القوة نسبة واحد إلى

ألف إذ المعشار هو عشر عشر العشر (3) .

3-

تقرير النبوة المحمدية وإثباتها وذلك ينفي الجِنّة عنه صلى الله عليه وسلم وإثبات أنه نذير.

قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49) قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ

1 - المعشار العشر إذ هو الجزء العاشر كالمرباع الذي يعطى لقائد الكتيبة من الغنائم وهو ربعها.

2 -

هذا انتقال من حكاية أقوال المشركين والرد عليهم إلى دعوتهم للإنصاف في النظر والتأمل في الحقائق ليتضح لهم خطأهم وهذا من باب الإعذار لهم في المجادلة ليهلك من يهلك عن بينة ويحيى من يحي عن بينة.

3 -

قال القرطبي: وقيل المعشار هو عشر العشير، والعشير هو عشر العشر فيكون جزاء من ألف جزء قال الماوردي وهو أظهر لأن المراد به المبالغة في التقليل وما فسرت به الآية في التفسير أرجح وأوضح، وإن أريد به ما أتى الله هذه الأمة من العلم والبيان فهذا المعنى صحيح غير أنه لا يتلاءم مع سياق الآيات.

ص: 331

سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50) وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)

شرح الكلمات:

قل إن ربي يقذف بالحق: أي يلقي بالوحي الحق إلى أنبيائه. ويقذف الباطل بالحق أيضاً فيدمغه.

وما يبدئ الباطل وما يعيد: أي وما يبدئ الباطل الذي هو الكفر، وما يعيد أي إنه لا أثر له.

فإنما أضل على نفسي: أي إثم ضلالي على نفسي لا يحاسب ولا يعاقب به غيري.

إنه سميع قريب: أي سميع لما أقول لكم قريب غير بعيد فلا يتعذر عليه مجازاة أحد من خلقه.

إذ فزعوا فلا فوت: أي إذ فزعوا للبعث أي خافوا ونفروا فلا فوت لهم منا بل هم في قبضتنا.

وأنى لهم التناوش من مكان بعيد: أي لما شاهدوا العذاب قالوا آمنا بالقرآن وكيف لهم ذلك وهم بعيدون إنهم في الآخرة والإيمان في الدنيا. (التناوش) التناول من مكان بعيد.

كما فعل بأشياعهم من قبل: أي فعلنا بهم كما فعلنا بمن قبلهم من أمم الكفر والباطل.

في شك مريب: أي في شك بالغ من نفوسهم فأصبحوا به مضطربين لا يطمئنون إلى شيء أبداً.

ص: 332

معنى الآيات:

لما لج المشركون في الخصومة والعناد ودعاهم الله تعالى إلى أمثل حل وهو أن يقوموا لله متجردين لله تعالى من الهوى والتعصب يقوموا اثنين اثنين أو واحداً واحداً لأن الجماعة من شأنها أن تختلف مع الآراء ثم يتفكروا في حياة الرسول وما دعاهم إليه من الهدى والحق فإنكم تعلمون أنه ليس كما اتهمتموه بالجنون وإنما هو نذير لكم بين يدي عذاب شديد يخاف وقوعه بكم ونزوله عليكم هنا أمره تعالى أن يقول لهم وكوني نذيراً لكم مما أخاف عليكم لا أسألكم على إنذاري لكم أجراً (1){إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي مطلع عليّ عالم بصدقي ويجزيني على إنذاري لكم إذ كلفني به فقمت به طاعة له. وقوله تعالى {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ (2) بِالْحَقِّ} أي قل لهم يا رسولنا إن ربي يقذف بالحق أي يلقي بالوحي على من يشاء من عباده {عَلَّامُ (3) الْغُيُوبِ} أي وهو علام الغيوب يعلم من هو أهل للوحي إليه والإرسال فيوحي إليه ويرسله كما أوحى إليّ وأرسلني إليكم نذيراً وبشيراً. وقوله تعالى: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} أي قل لهم يا رسولنا جاء الحق وهو الإسلام الدين الحق، فلم يبق للباطل الذي هو الشرك والكفر مكان ولا مجال، وما يبدئ الباطل وما يعيد؟ أي أنه كما لا يبدئ لا يعيد فهو ذاهب لا أثر له أبداً وقوله:{قُلْ (4) إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} أي أعلمهم بأنك إن ضللت فيما أنت قائم عليه تدعوا إليه فإنما عائد ضلالك عليك لا عليهم، وإن اهتديت فهدايتك بفضل ما يوحي إليك ربك من الهدى والنور {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} سميع لأقوالك وأقوال غيرك غير بعيد فيتعذر عليه مجازاة عباده صاحب الإحسان بالإحسان وصاحب السوء بالسوء. وقوله تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} أي لرأيت أمراً فظيعاً يقول تعالى لرسوله ولو ترى (5) إذ فزع المشركون في ساحات فصل القضاء يوم القيامة فزعوا من شدة الهول والخوف وقد أخذوا من مكان قريب وألقوا في جهنم لرأيت أمراً فظيعاً في غاية الفظاعة. وقوله {فَلا فَوْتَ}

1 - أي جُعلاً على تبليغ الرسالة فإن سألتكموه فهو لكم.

2 -

جائز أن يكون المعنى يقذف الباطل بالحق فيدمغه فإذا هو زاهق كذا روي عن ابن عباس وقال قتادة بالحق أي بالوحي وعنه أن الحق القرآن والكل صحيح وما في التفسير أقرب وأوضح.

3 -

علاّم مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف أي هو علاّم الغيوب والغيوب جمع غيب وقرأ الجمهور بضم الغين وكسرها بعضهم كبيوت إذ يجوز لها الضم والكسر والآية فيها معنى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وفيها رد على المعترضين على الوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.

4 -

لما أفحمهم في الآيات السابقة وقطع طريق الاستدلال عليهم وتركهم في غيهم حيارى أمر رسوله أن يقول لهم تاركاً جدالهم لعدم الفائدة منه بعد وضوح الحق (إن ضللت) الآية فعل هذا إنهاءً لجدل عقيم.

5 -

الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ولكل ذي أهلية وجواب لو محذوف كأن اللفظ لا يقدر على تصويره على حقيقته لفظاعته وهو كذلك.

ص: 333

لهم لا يفوتون الله تعالى ولا يهربون من قبضته. وقوله تعالى: {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ (1) } أي قالوا بعد ما بعثوا وفزعوا من هول القيامة قالوا آمنا به أي بالله وكتابه ولقائه ورسوله، قال تعالى {وَأَنَّى لَهُمُ (2) التَّنَاوُشُ} أي التناول للإيمان من مكان بعيد إذ هم في الآخرة والإيمان كان في الدنيا فكيف يتناولونه بهذه السهولة ويقبل منهم وينجون من العذاب هذا بعيد جداً ولن يكون أبداً وقد كفروا به من قبل أي لا سيما وأنهم قد عرض عليهم الإيمان وهم قادرون عليه فرفضوه فكيف يمكنون منه الآن. وقوله {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ (3) مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أي وها هم اليوم في الدنيا يقذفون بالغيب محمداً صلى الله عليه وسلم بقواصم الظهر مرة يقولون كاذب ومرة ساحر ومرة شاعر وأخرى مجنون وكل هذا رجما بالغيب لا شبهة لهم فيه ولا أدنى ريبة تدعوهم إليه وأخيراً قال تعالى:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} وهو الإيمان الموجب للنجاة كما فعل بأشياعهم (4) أي أشباههم وأنصارهم من أهل الكفر والتكذيب لما جاءهم العذاب قالوا آمنا ولم ينفعهم إيمانهم وأهلكوا فألقوا في الجحيم، وقوله {إِنَّهُمْ (5) كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} أي مشركو قريش وكفارها أخبر تعالى أنهم كانوا في الدنيا في شك من توحيدنا ونبينا ولقائنا مريب أي موقع لهم في الريب والاضطراب فلم يؤمنوا فماتوا على الكفر والشرك وهذا جزاء من يموت على الشرك والكفر.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

دعوة الله تعالى ينبغي أن لا يأخذ الداعي عليها أجراً، ويحتسب أجره على الله عز وجل.

2-

بيان صدق الله تعالى في قوله جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد إذ ما هو إلاّ سنيّات والإسلام ضارب

بجرانه في الجزيرة فلا دين فيها إلا الإسلام.

3-

الإيمان الاضطراري لا ينفع صاحبه كإيمان من رأى العذاب.

4-

الشك كفر ولا إيمان مع رؤية العذاب.

1 - صالح أن يكون الضمير للوعيد أو ليوم البعث أو النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن إذ الكل واجب الإيمان وقد كفروا بالكل وكذبوا.

2 -

أنى استفهام عن المكان وهو مستعمل هنا للإنكار والتناوش التناول السهل وأكثر وروده في شرب الإبل شرباً خفيفاً من الحوض ونحوه قال الشاعر:

باتت تنوش الحوض نوشاً من علا

نوشاً به تقطع أجواز الفلا

أي تتناول الماء من أعلاه ولا تغوص مشافرها فيه.

3 -

القذف الرمي باليد من بعد ويستعار للقول بدون تروّ ولا دليل وهو كقولهم في الأصنام هم شفعاؤنا عند الله وكتكذيبهم بالبعث والتوحيد والنبوة.

4 -

الأشياع المتشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين وأصل المشايعة المتابعة في العمل.

5 -

هذه الجملة تعليلية لكل ما سبق في تكذيبهم وعنادهم وجهلهم وضلالهم إذ الشك وعد اليقين هو الذي يوقع صاحبه في أودية الضلال والباطل.

ص: 334