الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ
(12)
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الِْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
وَإِنْ جَاهَدَاكَ (1) عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)
شرح الكلمات:
ولقد آتينا لقمان الحكمة: أي أعطينا لقمان (2) القاضي: أي الفقه في الدين والعقل والإصابة في الأمور.
أن اشكر لله: أي اشكر لله ما أنعم عليك بطاعته وذكره.
لابنه وهو يعظه: أي ابنه ثاران وهو يعظه أي يأمره وينهاه مرغباً له مرهباً.
ووصينا الإنسان: أي عهدنا إليه ببرهما وهو كف الأذى عنهما والإحسان إليهما وطاعتهما في المعروف.
وهناً على وهن: أي ضعفاً على ضعف وشدة على شدة وهي الحمل والولادة والإرضاع.
وفصاله في عامين: أي مدة رضاعه تنتهي في عامين، وبذلك يفصل عن
1 - هذه الآية: {وإن جاهداك} والتي قبلها {ووصينا الإنسان} نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص لما أسلم وإن أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية حلفت ألا تأكل حتى يكفر سعدٌ أو تموت جوعاً وعطشاً حتى يعير بها مدى الحياة (يا قاتل أمه) إلا أنها لما أيأسها سعد أسلمت وأكلت وشربت.
2 -
هو لقمان بن باعوراء بن ناصور بن تارح وهو آزر أبو إبراهيم كذا نسبه ابن إسحاق وقال السهيلي هو لقمان بن عتفاد بن سرون وكان نوبيا من أهل أيلة، قال وهب كان ابن أخت أيوب أو ابن خالته عاش ألف سنة وأدركه داود عليه السلام وكان رجلاً حكيماً ولم يكن نبياً ومن حكمه قوله إن القلب واللسان إذا طابا فليس شيء أطيب منهما وإذا خبثا فليس شيء أخبث منهما وقوله وقد قيل له أي الناس شر؟ قال الذي لا يبالي أن رآه الناس مسيئاً وقوله الصمت حكمة وقليل فاعله.
الرضاع
وإن جاهداك: أي بذلا جهدهما في حملك على الشرك.
وصاحبهما في الدنيا معروفا: أي واصحبهما في حياتهما بالمعروف وهو البر والإحسان وكف الأذى والطاعة في غير معصية الله.
من أناب إليّ: رجع إليّ بتوحيدي وطاعتي وطاعة رسولي محمد صلى الله عليه وسلم.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين وهذه القصة اللقمانية اللطيفة مشوقة لذلك قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أي أعطينا عبدنا لقمان الحكمة وهي الفقه في الدين والإصابة في الأمور ورأسها مخافة الله تعالى بذكره وشكره الذي هو طاعته في عبادته وتوحيده فيها. وقوله: {أَنِ (1) اشْكُرْ لِلَّهِ} أي وقلنا له اشكر الله خالقك ما أنعم به عليك بصرف تلك النعم فيما يرضيه عنك ولا يسخطه عليك. وقوله تعالى {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} أي ومن شكر الله بطاته فإن ثمرة الشكر وعائدته للشاكر نفسه بحفظ النعمة والزيادة فيها أما الله فإنه غني بذاته محمود بفعاله فلا يفتقر إلى خلقه في شيء إذ هم الفقراء إليه سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ} أي واذكر يا رسولنا لهؤلاء المشركين قول لقمان لابنه وأخص الناس به وهو ينهاه عن الشرك الذي نهيتكم أنا عنه فغضبتم وأصررتم عليه عناداً ومكابرة فقال له: بما أخبر به تعالى عنه في قوله: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ (2) وَهُوَ يَعِظُهُ} أي يأمره وينهاه مرغباً له في الخير مرهبا له من الشر: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ} أي في عبادته أحدا. وعلل لنهيه ليكون أوقع في نفسه فقال: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ (3) عَظِيمٌ} والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ويترتب عليه الفساد والخسران الكبير، وعبادة غير الله وضع لها في غير موضعها إذ العبادة حق الله على عباده
1 - وجائز أن تكون أن التفسيرية أي مفسرة للفظ الحكمة بأنها الشكر لله تعالى وهي أقوال ألقيت إليه بإلهام ففي الحكمة معنى القول دون حروفه. كما فسرت (حاجة) في قول الشاعر لأنها بمعنى القول:
إن تحملا حاجة لي خف محملها
تستوجبا منه عندي بها ويدا
أن تقرآن على أسماء ويحكما
مني السلام وأن لا تخبرا أحدا
2 -
قيل كان اسم ابنه ثاران وقيل مشكم وقيل أنعم والله أعلم.
3 -
روى مسلم " أنه لما نزلت (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} .
مقابل خلقهم ورزقهم وكلاءتهم في حياتهم وحفظهم وقوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الِْإنْسَانَ (1) بِوَالِدَيْهِ} أي عهدنا إلى الإنسان آمرين إياه ببرِّ والديه أي أمه وأبيه، وبرّهما بذل المعروف لهما وكف الأذى عنهما وطاعتهما (2) في المعروف، وقوله تعالى:{حَمَلَتْهُ} أي الإنسان {أُمُّهُ} أي والدته {وَهْناً عَلَى (3) وَهْنٍ} أي ضعفاً على ضعف وشدة على أخرى وهي آلام وأتعاب الحمل والطلق والولادة والإرضاع فلهذا تأكد برّها فوق بر الوالد مرتين لحديث الصحيح: "من أحق الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك" وقوله {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي فطام الولد من الرضاع في عامين فأول الرضاع ساعة الولادة وآخره تمام الحولين ويجوز فصله عن الرضاع خلال العامين، وقوله:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} هذا الموصى به وهو أن يشكر لله تعالى وذلك بطاعته تعالى فيما يأمره به وينهاه عنه، وذكره بقلبه ولسانه وقوله {وَلِوَالِدَيْكَ} إذ هما قدما معروفاً وجميلا فوجب شكرهما، وذلك ببرهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله ورسوله، لأن طاعة الله كشكره قبل طاعة الوالدين وشكرهما وقوله {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أي الرجوع بعد الموت وهذه الجملة مؤكدة لواجب شكر الله تعالى وبر الوالدين لما تحمله من الترغيب والترهيب فالمطيع إذا رجع إلى الله أكرمه والعاصي أهانه. وما دام الرجوع إليه تعالى حتميّاً فطاعته بشكره وشكر الوالدين متأكدة متعيّنة. وقوله تعالى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} أي وإن جاهداك أيها الإنسان والداك وبذلا جهدهما في حملك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم وهو عامة الشركاء إذ ما هناك من يصح إشراكه في عبادة الله قط. فلا تطعهما في ذلك أبداً، {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا (4) } أي في الحياة بالمعروف وهو برهما وصلتهما وطاعتهما في غير معصية الله تعالى ورسوله، وقوله:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} أي اتبع طريق من أناب إليّ بتوحيدي وعبادتي والدعوة إليّ
1 - الراجح أن هاتين الآيتين وقعتا اعتراضاً بين كلام لقمان الأول والثاني وأنهما نزلتا في شأن والدة سعد بن أبي وقاص وللاعتراض فائدة وهي التنويع في الأسلوب لإذهاب السآمة وتجديد نشاط الذهن للحفظ والفهم وجائز أن يكون لا اعتراض والآيتان من كلام لقمان.
2 -
روي أن الحسن قال لو منعت والدة ولدها من شهود صلاة العشاء شفقة عليه فلا يطعها.
3 -
الوهن بإسكان الهاء مصدر وهن يهن من باب ضرب ووهن بفتح والواو والهاء من باب وجل يوجل وجلا. والمعنى أي وهناً واقعاً على وهن كقولهم (عوداً على بدء) أي رجع عوداً على بدء.
4 -
نعت لمصدر محذوف تقديره مصاحباً معروفاً. وفي الآية دليل على جواز بر الأم الكافرة أو الأب لحديث أسماء إذ قالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال نعم، ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد العزى ووالدة عائشة هي أم رمان قديمة الإسلام.
وهو رسول (1) الله صلى الله عليه وسلم والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص حيث أمرته أمه أن يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ودينه وذلك قبل إسلامها وبذلت جهداً كبيراً في مراودة ابنها سعد رضي الله عنهما وقوله {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} أي جميعا فأنبئكم بما كنتم تعملون وأجزيكم بعملكم الخير بالخير والشر بالشر فاتقوني بطاعتي وتوحيدي والإنابة إليّ في كل أموركم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير التوحيد والتنديد بالشرك.
2-
بيان الحكمة وهي شكر (2) الله تعالى بطاعته وذكره إذ لا يشكر إلا عاقل فقيه.
3-
مشروعية الوعظ والإرشاد للكبير والصغير والقريب والبعيد.
4-
التهويل في شأن الشرك وإنه لظلم عظيم.
5-
بيان مدة الرضاع وهي في خلال العامين لا تزيد.
6-
وجوب بر الوالدين وصلتهما.
7-
تقرير مبدأ لا طاعة لمخلوق (3) في معصية الخالق بعدم طاعة الوالدين في غير المعروف.
8-
وجوب اتباع سبيل المؤمنين من أهل السنة والجماعة وحرمة اتباع سبيل أهل البدع والضلالة.
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ
1 - الآية عامة في سائر المؤمنين فعلى كل مؤمن اتباع الصالحين في كل زمان ومكان والاقتداء بهم وعليه مجانبة أهل الضلال والفسق والعصيان وعدم اتباعهم في باطلهم وضلالهم وفسقهم وعصيانهم.
2 -
روي أن سفيان بن عيينة قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما.
3 -
صح الحديث بلفظ "إنما الطاعة في المعروف" وبلفظ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".